اللقاءات التي جرت على هامش أعمال المنتدى الاقتصادي السنوي في سان بطرسبرغ تَوجَها الرئيس فلاديمير بوتين بلقاء إعلامي، ثمة من يقول إنه يظل أحد أهم وأمضى أسلحته التقليدية التي طالما عادت عليه بأفضل النتائج. هذا اللقاء الذي صار تقليديا منذ شمل بوتين برعايته المنتدى الدولي لمدينته الأم سان بطرسبرغ اعتبارا من عام 2007. شارك فيه رؤساء ومديرو أهم وكالات الأنباء العالمية ومنها «أسوشيتد برس» الأميركية التي سوف تحتفل بعد عامين بالذكرى السبعين بعد المائة لتأسيسها، و«رويترز» البريطانية التي يتداولون أخبارها في 130 بلد من خلال 19 لغة، و«الصحافة الفرنسية» الفرنسية الواسعة الانتشار، و«الألمانية» التي قال سيرجي ميخائيلوف المدير العام لوكالة أنباء «تاس» التي أشرفت على ترتيب اللقاء، إنها تستأثر بـ95 في المائة من حجم ما تتناقله وسائل الإعلام الألمانية من أخبار وتعليقات، إلى جانب «تاس» الروسية، و«شينخوا» الصينية، والإنجليزية «Press Association» ذات التاريخ الذي يعود إلى مائة وخمسين عاما مضت، و«الهندية»، و«كيودو نيوز» اليابانية، و«وكالة الأنباء الكندية» التي تأسست في عام 1917، وهي الوكالات التي قال الرئيس بوتين إنها تمد الأوساط الإعلامية العالمية بما يقرب من ثمانين في المائة مما يتداوله العالم من أخبار تفرض نفسها على أجندة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة.
هذا اللقاء الذي تجاوزت مساحته الزمنية ما يزيد على الساعتين كان فرصة «أكثر من مناسبة» استطاع الرئيس بوتين من خلاله تناول أهم قضايا الساحتين الإقليمية والدولية وفي مقدمتها العلاقة مع الولايات المتحدة والدول الغربية، إلى جانب قضايا منطقة الشرق الأوسط، ومستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب قضايا العقوبات ومحاولات فرض العزلة ضد روسيا. ومن اللافت أن هذا اللقاء جاء مواكبا لما أعلنه ستيفان ليندمان الذي وصفته قناة «روسيا اليوم» بأنه «الكاتب والناشط السياسي ومقدم برنامج إذاعي، الأميركي» حول مقارنته بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي باراك أوباما، وتأكيده لتفوق بوتين على أوباما في من مختلف الجوانب. ونقلت عن ليندمان ما قاله بشأن أن «بوتين - يعي ما يقول ويفي بوعوده، أما أوباما - فعلي العكس تماما، لا يفي بوعوده، ويقول شيئا ويفعل شيئا آخر، ومن غير الممكن الثقة في كلامه». ومضى ليندمان ليقول إن أوباما «لو كان يفعل ما يقول، لكانت انتهت لعبة الولايات المتحدة مع إيران، التي تسمى البرنامج النووي الإيراني، والتي في الواقع لا وجود لها».
أما عن لقاء بوتين بمديري أكبر وأهم الوكالات الإخبارية العالمية فقد استهله الرئيس الروسي بتقديم الشكر إلى ضيوفه الذين اعتبر مشاركتهم في منتدى سان بطرسبرغ، تعبيرا عن اهتمام ليس فقط لا يتضاءل من عام إلى آخر، بل وعلى العكس ورغما عن الضغوط والعقوبات، يتزايد تأكيدا لما سبق وقاله بوتين حول أن «روسيا عصية على العزلة». وأبرز بوتين أن بلاده تستأثر بأكبر نسبة من الأخبار المتداولة عالميا التي تتناول قضاياها ودورها في الساحة الدولية. وقال إن ذلك مصدر سعادة لأبناء وطنه، فيما توقف ليطلب من الحضور تهنئة زميلهم سيرغي ميخائيلوف المدير العام لوكالة أنباء «تاس» الروسية بمناسبة حلول الذكرى العاشرة بعد المائة لهذه الوكالة، مشيرا إلى الدور العالمي التي طالما قامت وتقوم به منذ تأسيسها كوكالة للأنباء. وفي معرض رده على أسئلة ضيوفه من مديري الوكالات العالمية بدا بوتين أكثر انفتاحا وصراحة، على نحو وكأنما أراد من خلاله ليس فقط توضيح موقف روسيا من مختلف القضايا العالمية والإقليمية، بل وأيضا توضيح ما يخفي عن بسطاء متابعيه في مختلف بلدان العالم، ممن يقعون أحيانا في حبائل احتكارات أهم وكالات الأنباء الغربية، ومن هذه الأخبار ما قاله بوتين حول حقيقة موقف روسيا مما يُقَال حول احتمالات «انضمام روسيا إلى القوى التي تسعى إلى الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد مقابل مكاسب اقتصادية وسياسية ثمة من يطرحها ثمنا لهذا الموقف التآمري».
قال بوتين إن بلاده لن تنضم إلى أي محاولات تستهدف الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، كما تحاول الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية الإيحاء به في مختلف المناسبات. وأعرب الرئيس الروسي عن استعداد بلاده للحوار مع الرئيس السوري من أجل إجراء الإصلاحات السياسية هناك. وحذر من أي محاولات تستهدف تحقيق الانقلاب في سوريا، معربا عن مخاوفه من احتمالات أن تودي مثل هذه المحاولات بسوريا إلى ما ذهبت إليه الأحوال في ليبيا والعراق. وقال: «نحن لا نريد أن يبلغ تطور الأوضاع في سوريا مثل هذا الحد. وذلك ما يفسر موقفنا من تأييد الرئيس الأسد وحكومته. ونحن نعتبر ذلك موقفا صحيحا. ومن الصعب توقع غير ذلك منا». ومضى ليقول إن رحيل الأسد أمر يخص الشعب السوري وحده، مؤكدا استعداد بلاده للتعاون مع المعارضة من أجل تمهيد الطريق نحو الإصلاح السياسي. وأعاد بوتين إلى الأذهان أن الأمم المتحدة تحدثت مؤخرا عن احتمالات التعاون مع الرئيس الأسد في مكافحة «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى في المنطقة.
وتحول بوتين في إطار رده على التساؤلات بشأن جوهر سياسات وعلاقات بلاده مع الولايات المتحدة، إلى انتقاد سياسات خصومه مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تقف في صدارة الأسباب التي أدت إلى ظهور «داعش»، مشيرا إلى أن هذا التنظيم صار يملك من العتاد والأسلحة كميات تزيد عما يملكه الجيش العراقي الذي تدعمه الولايات المتحدة. وقال: «إن الولايات المتحدة تدعم العراق وتدعم وتسلح وتدرب جيشه. لكن (داعش) تمكن من خلال هجومين أو 3 هجمات له، من الاستيلاء على أسلحة بكميات تزيد عما تبقى في حوزة الجيش العراقي».
ودعا بوتين الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين إلى اتخاذ إجراءات إضافية لمحاربة التطرف ممثلا في «داعش» والجماعات الأخرى وهي فروع للشبكات الإرهابية العالمية، التي سبق أن وجهت ضربات عدة إلى الولايات المتحدة نفسها. وبهذه المناسبة كان الرئيس بوتين انتقد سياسات الولايات المتحدة تجاه بلاده مؤكدا أن أحدا لن يستطيع الحديث مع روسيا من موقع القوة وإملاء الإنذارات. وحذر بوتين من مغبة اندلاع «حرب باردة» جديدة، مشيرا إلى خروج الولايات المتحدة من جانب واحد من معاهدة الحد من المنظومات الصاروخية وهو ما يدفع الآخرين إلى احتمالات الانجرار إلى سباق تسلح. وقال إن مثل هذه الخطوات أكثر خطورة من النزاعات المحلية في إشارة إلى تطاير الاتهامات في حق روسيا بشأن تدخلها في أوكرانيا.
وعلى صعيد مواز كان سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية أعلن في حديث أدلى به إلى قناة «آر. بي. كا» التلفزيونية الروسية المملوكة لرجل الأعمال الملياردير ميخائيل بروخوروف «إنني لا أعتقد في وجود مشكلة خطيرة دولية، يمكن معالجتها من دون روسيا الاتحادية». وضرب الوزير الروسي في هذا الصدد أمثلة عدة تعلقت، على وجه الخصوص، بتطورات الأوضاع في سوريا وليبيا والعراق التي تدخل ضمن قائمة أولويات السياسة الخارجية الأميركية. واستطرد لافروف ليقول: «إنه ليس من قبيل الصدفة أن يبدأ الجانب الأميركي في الآونة الأخيرة البحث عن قنوات كفيلة باستئناف الاتصالات مع روسيا حول أهم القضايا الدولية الراهنة»، وخلص إلى القول: «إن روسيا ستتعامل بصورة إيجابية مع كل هذه المساعي إذا رأت أنها تستجيب لتوجهات سياستها الخارجية ومصالحها الوطنية»، وكلها تصريحات تؤكد ما خلص إليه الرئيس بوتين في عرضه للموقف الروسي من قضايا المنطقة.
8:2 دقيقة
لقاء بوتين مع مديري وكالات الأنباء تقليد سنوي يكشف حقيقة سياسات الكرملين
https://aawsat.com/home/article/394661/%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%B9-%D9%85%D8%AF%D9%8A%D8%B1%D9%8A-%D9%88%D9%83%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D8%AA%D9%82%D9%84%D9%8A%D8%AF-%D8%B3%D9%86%D9%88%D9%8A-%D9%8A%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%85%D9%84%D9%8A%D9%86
لقاء بوتين مع مديري وكالات الأنباء تقليد سنوي يكشف حقيقة سياسات الكرملين
تستأثر بـ80 % من حجم ما يتداوله العالم من أخبار
- موسكو: سامي عمارة
- موسكو: سامي عمارة
لقاء بوتين مع مديري وكالات الأنباء تقليد سنوي يكشف حقيقة سياسات الكرملين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة