مسرح صلاح عبد الصبور ناطقًا بالإنجليزية

مجلد ضخم يضم مجموعاته الشعرية ومسرحياته وترجمات إنجليزية

صلاح عبد الصبور
صلاح عبد الصبور
TT

مسرح صلاح عبد الصبور ناطقًا بالإنجليزية

صلاح عبد الصبور
صلاح عبد الصبور

منذ رحيل الشاعر المصري الرائد صلاح عبد الصبور في 1981 لم يعرف المسرح الشعري العربي عملا مسرحيا يسمو إلى قامة إنجازه في هذا الميدان. فإلى جانب دواوينه الشعرية وكتبه النقدية أبدع خمس مسرحيات هي على الترتيب: مأساة الحلاج (1964) مسافر ليل (1969) الأميرة تنتظر (1969) ليلى والمجنون (1970) بعد أن يموت الملك (1971). وهي - في مجموعها - تمثل تقدما كبيرا نحو النضج الفكري والبناء الفني منذ البدايات الأولى للمسرح الشعري على يدي أحمد شوقي ومن تلوه.
وخلال العام الماضي (2014) أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة مجلدا يدنو من خمسمائة صفحة، ويضم ترجمات إنجليزية – بأقلام مختلفة – لهذا التراث المسرحي الخصب: Salah Abdul Saboor، The Complete Plays، ed. M. Enani، The General Egyptian Book Organisation، Cairo، 2014.
أشرف على تحرير الكتاب الدكتور محمد عناني، وضم مقدمة وجيزة بقلم الدكتور مصطفى رياض، ومقدمة أطول بقلم الدكتور أحمد مجاهد المتخصص في أدب عبد الصبور. تلا ذلك النصوص المسرحية وبيانها:
1) مأساة الحلاج (أو: جريمة قتل في بغداد) من ترجمة د. خليل سمعان.
2) مسافر ليل من ترجمة د. محمد عناني، وتقديم د. سمير سرحان، وحاشية لصلاح عبد الصبور ذيل بها مسرحيته.
3) الأميرة تنتظر من ترجمة د. شفيق مجلي.
4) ليلى والمجنون من ترجمة وتقديم د. محمد عناني.
5) بعد أن يموت الملك من ترجمة وتقديم د. نهاد صليحة.
أولى هذه المسرحيات «مأساة الحلاج» مسرحية تاريخية تعالج استشهاد المتصوف المعروف الحسين بن المنصور، صاحب كتاب «الطواسين» في بغداد عام 309هـ. بعد محاكمة أمام ثلاثة قضاة وتتخذ من شخصية الحلاج – الذي كان متصوفا وشاعرا ومصلحا اجتماعيا في آنٍ – مناسبة لطرح قضية الالتزام: إلى أي حد يجوز للمفكر أن يلتحم بمشكلات عصره؟ وهل يخلق به أن يحاول تغيير الضمائر أم يعمد إلى العنف الثوري؟
وفي معالجة صلاح عبد الصبور لشخصية الحلاج ومأساته يحدثنا أنه تأثر بمقال المستشرق الفرنسي لوى ماسينيون «المنحنى الشخصي في حياة الحلاج» وبكتاب أخبار الحلاج الذي حققه ماسينيون وعلق عليه مع بول كراوس. إن الحلاج يبرز من هذه الأعمال بطلا وجوديا. حياته هي فكره، ودمه ثمن عقيدته. ومن إشارات أخرى متناثرة في كتب الإصطخري، والمعري، وابن حوقل، وابن النديم، ينسج صلاح عبد الصبور خيوط سيرة روحية فريدة.
والمسرحية الثانية «مسافر ليل» ملهاة سوداء من نوع مسرحيات العبث عند صمويل بكيت ويوجين يونيسكو وغيرهما. أشخاص المسرحية ثلاثة: راوٍ، وعامل تذاكر، وراكب. المنظر: عربة قطار مندفعة في طريقها طوال الوقت. والزمان بعد منتصف الليل. عالم المسرحية عالم تحولات: من رحلة عادية إلى رحلة نحو الموت، من عامل تذاكر إلى ديكتاتور عسكري يقتل ضحاياه دون ذرة تردد أو ندم، من المألوف إلى الغريب، من المضحك إلى المأساوي. ومستويات اللغة في المسرحية تساوق هذه التحولات: فنحن ننتقل من نثر الحياة اليومية إلى أفق الشعر الرفيع، من محاكاة أصوات الطبيعة إلى إعادة خلق الموضوعات، من كلام السوق المبتذل إلى رطانة الفلسفة وتحليقات الشعراء.
أما المسرحية الثالثة «الأميرة تنتظر» فهي أشبه بأعمال الشاعر والكاتب المسرحي البلجيكي موريس ميترلنك، يتغشاها ضباب رمزي شفيف، ويصعب اقتناص رموزها في شبكة المعنى: فهي تكون ولا تعني، وترمز ولا تصرح، وتومئ لا تحدد. وتلتزم هذه المسرحية – ذات الفصل الواحد – وحدات المكان والزمان والحدث، مما يحقق لها وحدة الجو النفسي ووحدة الأثر. فالأحداث تدور في ليلة واحدة داخل كوخ قصي في واد يدعى وادي السرو، هاجرت إليه الأميرة مع وصيفاتها الثلاث منذ خمسة عشر عاما، ونزلن به بعد أن تحطم قلب الأميرة، إذ وقعت في هوى كبير الحراس – ويدعى السمندل - فوهبته ذاتها، وأمكنته من مقاليد الأمور في المملكة، فقتل الملك - أو عجل بموته – ولم يهب الأميرة الطفل الذي كانت تتوق إليه.
والمسرحية الرابعة «ليلى والمجنون» أقرب إلى الواقعية منها إلى الرمزية، البعد السياسي فيها بارز لا يستخفي. إن الستار فيها يرفع عن غرفة تحرير في إحدى المجلات الصغيرة التي كانت تصدر بالقاهرة قبل ثورة يوليو (تموز) 1952 ونرى محرريها – وهم مجموعة من الصحافيين والكتاب والشعراء يتراوحون ما بين الإيمان بالإصلاح التدريجي والإيمان بالعنف الدموي. ويدخل عليهم الأستاذ – رئيس التحرير – فيقترح أن يكونوا فرقة تمثيل، وأن يقدموا مسرحية أحمد شوقي «مجنون ليلى» هكذا تتولد مسرحية داخل المسرحية، كأنما بنوع من التناص، ومن الحوار بين العملين تنبثق دلالة عمل الشاعر الأحدث زمنا.
وآخر هذه المسرحيات «بعد أن يموت الملك» ملهاة مأسوية (هكذا يصفها عبد الصبور) فيها شيء من يونيسكو مؤلف مسرحية «الملك يخرج» وخيطها الرئيس هو الصراع بين مبدأ الحياة الذي تمثله شخصية الشاعر، ومبدأ الموت الذي يمثله الملك. وتنحاز الملكة - الأرض الأم، الأنثى الخالدة إلى صف الشاعر الذي يخصبها، في حين يريد أفراد حاشية الملك الذين دب إلى أرواحهم العفن – الوزير والمؤرخ والقاضي والجلاد – أن يعيدوها إلى عالم العقم والموات.
إن صدور هذه المسرحيات مجتمعة يولد أثرا تراكميا ما كان ليتسنى لو أنها نشرت منفردة. فهي تجتمع على تجسيد رؤيا صلاح عبد الصبور الغنائية – الفلسفية وهي رؤيا تمجد أقانيم الحب والعدل والحرية، وتقف ضد الزيف في العلاقات الشخصية، والطغيان في الحياة العامة. والترجمات الإنجليزية التي نجدها هنا رفيعة المستوى (خاصة ترجمات مجلي وعناني وصليحة) تفتح نافذة لقارئ اللغة الإنجليزية – مهما كانت جنسيته – على عالم عبد الصبور المغروس في تراثه الشعري العربي وفي تراث الشعر العالمي بما يجعله جزءا من موروث إليوت ولوركا وكلوديل وغيرهم من كتاب المسرح الشعري في القرن العشرين، ويجعله أيضا امتدادا متطورا لأحمد شوقي وفريد أبو حديد وعلي باكثير، ومرهصا بالدراما الشعرية التي كتبها - في جيل لاحق - أمثال بدر توفيق، ومحمد أبو سنة، وفاروق جويدة، ونصار عبد الله، وفريد أبو سعدة، وأنس داود، ومهران السيد، ووليد منير.



«كيركيغارد»... والحب المستحيل

ريجين أولسين
ريجين أولسين
TT

«كيركيغارد»... والحب المستحيل

ريجين أولسين
ريجين أولسين

كان أحدهم قد أطلق العبارة التالية: كيركيغارد فيلسوف كبير على بلد صغير الحجم. بمعنى أنه أكبر من البلد الذي أنجبه. وبالفعل، فإن شهرته أكبر من الدنمارك، التي لا يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة، وبالطبع أكبر من اللغة الدنماركية المحدودة الانتشار جداً قياساً إلى لغات كبرى كالفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية، ناهيك بالعربية. ولكن مؤلفاته أصبحت مترجمة إلى شتى لغات العالم. وبالتالي، لم تعد محصورة داخل جدران لغته الأصلية الصغيرة. لقد أصبحت ملكاً للعالم أجمع. هنا تكمن عظمة الترجمة وفائدتها. لا حضارة عظيمة من دون ترجمة عظيمة. والحضارة العربية التنويرية قادمة لا ريب، على أكتاف الترجمة والإبداع الذاتي في آنٍ معاً.

سورين كيركيغارد (1813 - 1855) هو مؤسس الفلسفة الوجودية المعاصرة، قبل هيدغر وسارتر بزمن طويل. إنه الممثل الأكبر للتيار الوجودي المسيحي المؤمن، لا المادي الملحد. كان كيركيغارد أحد كبار فلاسفة الدين في المسيحية، إضافة إلى برغسون وبول ريكور، مثلما أن ابن رشد وطه حسين ومحمد أركون هم من كبار فلاسفة الدين في الإسلام.

سورين كيركيغارد

لكن ليس عن هذا سأتحدث الآن، وإنما عن قصة حب كبيرة، وربما أكبر قصة حبّ ظهرت في الغرب، ولكن لا أحد يتحدث عنها أو يسمع بها في العالم العربي. سوف أتحدث عن قصة كيركيغارد مع الآنسة ريجين أولسين. كيف حصلت الأمور؟ كيف اشتعلت شرارة الحب، تلك الشرارة الخالدة التي تخترق العصور والأزمان وتنعش الحضارات؟ بكل بساطة، كان مدعواً إلى حفلة اجتماعية عند أحد الأصدقاء، وصادف أنها كانت مدعوة أيضاً. كانت صغيرة بريئة في الخامسة عشرة فقط، وهو في الخامسة والعشرين. فوقع في حبها على الفور من أول نظرة، وبالضربة القاضية. إنه الحب الصاعق الماحق الذي لا يسمح لك بأن تتنفس. ويبدو أنه كان شعوراً متبادلاً. وبعد 3 سنوات من اللقاءات والمراسلات المتبادلة، طلب يدها رسمياً فوافقت العائلة.

ولكنه صبيحة اليوم التالي استفاق على أمر عظيم. استفاق، مشوشاً مبلبلاً مرعوباً. راح ينتف شعر رأسه ويقول: يا إلهي، ماذا فعلت بنفسي؟ ماذا فعلت؟ لقد شعر بأنه ارتكب خطيئة لا تغتفر. فهو لم يخلق للزواج والإنجاب وتأسيس عائلة ومسؤوليات. إنه مشغول بأشياء أخرى، وينخر فيه قلق وجودي رهيب يكاد يكتسحه من الداخل اكتساحاً... فكيف يمكن له أن يرتكب حماقة كهذه؟ هذه جريمة بحقّ الأطفال الذين سوف يولدون وبحقّها هي أيضاً. ولذلك، فسخ الخطوبة قائلاً لها: أرجوك، إني عاجز عن القيام بواجبات الزوجية. أرجوك اعذريني.

ثم أردف قائلاً بينه وبين نفسه: لا يحق لي وأنا في مثل هذه الحالة أن أخرب حياة خطيبتي المفعمة بحب الحياة والأمل والمحبة، التي لا تعاني من أي مشكلة شخصية أو عقدة نفسية أو تساؤلات وجودية حارقة. وإنما هي إنسانة طبيعية كبقية البشر. أما أنا فإنسان مريض في العمق، ومرضي من النوع المستفحل العضال الذي لا علاج له ولا شفاء منه. وبالتالي، فواجب الشرف والأمانة يقتضي مني أن أدوس على قلبي وأنفصل عنها وكأني أنفصل عن روحي.

لكن عندما سمع بأنها تزوجت من شخص آخر جنّ جنونه وتقطعت نياط قلبه وهاجت عليه الذكريات. بل هرب من الدنمارك كلها لكيلا يسمع بالتفاصيل والتحضيرات وليلة العرس. هذا أكبر من طاقته على التحمل. وأصبح كالمجنون الهائم على وجهه في البراري والقفار. كيف يمكن أن يتخيلها مع رجل آخر؟ هل انطبقت السماء على الأرض؟ مجنون ليلى ما تعذب مثلنا.

الشيء المؤثر في هذه القصة هو أن خطيبته التي عاشت بعده 50 سنة تقريباً طلبت أن تدفن إلى جواره، لا إلى جوار زوجها الشرعي! فاجأ الخبر كثيرين. وكانت بذلك تريد أن تقول ما معناه: إذا كان القدر قد فرقني عنه في هذه الحياة الدنيا، فإني سألتحق به حتماً في الحياة الأخرى، حياة الأبدية والخلود. وكانت تعتبر نفسها «زوجته» برغم كل ما حصل. وبالفعل، عندما كان الناس يتذكرونها كانوا يقولون: خطيبة كيركيغارد، لا زوجة فريدريك شليجيل. وقالت: إذا لم يكن زوجي هنا على هذه الأرض، فسوف يكون زوجي هناك في أعالي السماء. موعدنا: جنة الخلد! هل هناك حب أقوى من هذا الحب؟ حب أقوى من الموت، حب فيما وراء القبر، فيما وراء العمر... الحب والإيمان. أين هو انتصارك يا موت؟

قصة حب تجمع بين كيركيغارد، مؤسس الفلسفة الوجودية، وفتاة شابة جميلة تصغره بعشر سنوات، لكن الفلسفة تقف حجر عثرة بينهما، فينفصل عنها وتظل صورتها تطارده طيلة حياته

اللقاء الأخير

كيف يمكن أن نفهم موقف كيركيغارد من حبيبته إن لم نقل معبودته ريجين أولسين؟ للوهلة الأولى يبدو أنه لا يوجد أي تفسير منطقي له. فقد قطع معها في أوج العلاقة الغرامية، دون أي سبب واضح أو مقنع. ويبدو أنها حاولت أن تراه لآخر مرة قبيل سفرها مع زوجها إلى بلاد بعيدة. أن تراه في الشارع كما لو عن طريق الصدفة. وعندما اصطدمت به، قالت له: «ليباركك الله، وليكن كل شيء كما ترغب». وهذا يعني أنها استسلمت للأمر الواقع نهائياً، وأنه لا عودة بعد اليوم إلى ما كان. تراجع كيركيغارد خطوة إلى الوراء عندما رآها حتى لكأنه جفل. ثم حياها دون أن ينبس بكلمة واحدة. لم يستطع أن يرد. اختنق الكلام في صدره. لكأنه يقول بينه وبين نفسه: هل يحق لمن يقف على الخطوط الأمامية لجبهة الفكر، لجبهة النار المشتعلة، أن يتزوج؟ هل يحق لمن يشعر بأن حياته مهددة أن ينجب الأطفال؟ أطفاله هم مؤلفاته فقط. هل يحق لمن يصارع كوابيس الظلام أن يؤسس حياة عائلية طبيعية؟ ما انفك كيركيغارد يحاول تبرير موقفه، بعد أن شعر بفداحة ما فعل مع ريجين. لقد اعتقد أنه انفصل عنها، وانتهى الأمر، فإذا بها تلاحقه إلى أبد الآبدين. ما انفك يلوم نفسه ويتحسر ويتعذب. لكأنه عرف أن ما فعله جريمة لا تغتفر. نعم، لقد ارتكب جريمة قتل لحب بريء، حب فتاة غضة في أول الشباب. من يستطيع أن يقتل العاطفة في أولها، في بداية انطلاقتها، في عنفوانها؟ طيلة حياته كلها لم يقم كيركيغارد من تلك الضربة: ضربة الخيانة والغدر. وربما لم يصبح كاتباً وفيلسوفاً شهيراً إلا من أجل تبريرها. لقد لاحقه الإحساس القاتل بالخطيئة والذنب حتى آخر لحظة من حياته. إذا لم نأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار فإننا لن نفهم شيئاً من فلسفة كيركيغارد. لقد أصبحت قصته إحدى أشهر قصص الحب على مدار التاريخ، بالإضافة إلى قصة دانتي وبياتريس، وروميو وجولييت، وأبيلار وهيلويز. ويمكن أن نضيف: مجنون ليلي، وجميل بثينة، وكثير عزة، وعروة وعفراء، وذا الرمة ومي... إلخ. العرب هم الذين دشنوا هذا الحب العذري السماوي الملائكي قبل دانتي وشكسبير بزمن طويل. ولماذا تنسون عنتر وعبلة؟ بأي حق؟

ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ

مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها

لمعت كبارق ثغرك المتبسم

بعد أن تجاوز فيلسوف الدنمارك تلك التجربة العاصفة، شعر وكأنه ولد من جديد، أصبح إنساناً جديداً. لقد انزاح عن كاهله عبء ثقيل: لا عائلة ولا أطفال ولا زواج بعد اليوم، وإنما معارك فكرية فقط. لقد طهره حب ريجين أولسين من الداخل. كشف له عن أعماقه الدفينة، وأوضح له هويته ومشروعه في الحياة. الحب الذي يفشل يحرقك من الداخل حرقاً ويطهرك تطهيراً. بهذا المعنى، فالحب الفاشل أفضل من الحب الناجح بألف مرة. اسألوا أكبر عاشق فاشل في العالم العربي. بعدها أصبح كيركيغارد ذلك الفيلسوف والكاتب الكبير الذي نعرفه. بالمعنى الأدبي للكلمة، وليس مفكراً فيلسوفاً فقط، بالمعنى النثري العويص الجاف. من ثم هناك تشابه كبير بينه وبين نيتشه مع الفارق، الأول مؤمن، والثاني ملحد. وأخيراً، لم ينفك كيركيغارد يحلل أعماقه النفسية على ضوء ذلك الحب الخالد الذي جمعه يوماً ما بفتاة في عزّ الشباب، تدعى ريجين أولسين. عبقريته تفتحت على أنقاض ذلك الحب الحارق أو المحروق. كان ينبغي أن تحصل الكارثة لكي يستشعر ذاته، ينجلي الأفق، يعرف من هو بالضبط. من كثرة ما أحبها تركها. لقد قطع معها لكي تظل - وهي العزيزة الغائبة - أشد حضوراً من كل حضور!