منذ أحداث ثورة 25 يناير 2011 في مصر، كان لمشجعي كرة القدم دور في الأحداث بشكل ما، لكن ذلك الدور تطور ليصبح ملفا شائكا لا يكاد يغادر الأروقة الحكومية، خصوصا عقب الأحداث المأساوية التي شهدها ملعب بورسعيد في مطلع فبراير (شباط) 2012، لتظل من حينها الكرة ضيفا ثقيلا في «ملعب الحكومة».
ورغم أن كرة القدم هي لعبة شعبية بالأساس، والهدف منها هو الترويح عن الناس، فإنها وملفاتها وملحقاتها، تحولت في كثير من الأوقات إلى سبب لتأزيم الحال، من اتهامات متبادلة وشتائم وقضايا وعنف وتجميد أموال، وصولا إلى الاختطاف والقتل.
وقبل ساعات، أوشك مجلس إدارة نادي الزمالك المصري على التقدم باستقالة جماعية، على خلفية قرار بتجميد أرصدة النادي في كل البنوك المصرية وفقا لدعوى قضائية أقامها رئيس النادي السابق ضد مجلس الإدارة الحالي، لكن تدخل رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب متعهدا بحل الأزمة قبل انفجارها.
وبالتزامن مع تلك الواقعة، ترددت أنباء عن تعرض نجل رئيس نادي الإسماعيلي الشهير بـ«برازيل مصر» للاختطاف على أحد الطرق السريعة حول العاصمة، وجرى تداول النبأ متضمنا أن الخاطفين يطالبون بفدية.. لكن صباح اليوم (الأحد) أكدت مصادر أمنية أن المذكور لم يتعرض للاختطاف، بل لحادثة سرقة بالإكراه، وجرى ضبط المعتدين وإحالتهم إلى التحقيق.
ويقول مراقبون مصريون إن كرة القدم دخلت إلى أروقة السياسة منذ بداية الألفية، وإن كان ذلك بشكل مستتر وعلى استحياء، حيث كان يجري استغلال المناسبات الكروية وخصوصا الدولية منها لترويج صورة شعبية لابنَي الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وكان من أبرز الأحداث التي «استغلت» فيها كرة القدم في تلك الفترة هي واقعة المباراة الشهيرة بين منتخبي مصر والجزائر في استاد أم درمان بالسودان، التي كادت تسفر عن كارثة.. لكن بعض المصادر الحكومية المطلعة أكدت أن «الشحن المعنوي» الذي سبق المباراة كان له بُعد آخر خفي بين قيادة البلدين، حين حدث خلاف على ملف تصدير الغاز، ملمحين إلى ضلوع القيادة السياسية في مصر لتحويل الأمر إلى «كراهية شعبية» بدلا من إظهارها في حيز «خلافات القادة».
ومنذ واقعة استاد بورسعيد، التي لم تضع أوزارها في المحاكم حتى الآن رغم صدور حكم بإعدام 11 متهما والسجن المشدد لآخرين، فإنه حكم قابل للطعن، ولم تتوقف الاتهامات المتبادلة بين أطراف اللعبة، سواء من البعض لروابط «الألتراس» (المشجعين فائقي الحماس والانتماء) بالضلوع في أعمال الشغب، بل و«العمالة لصالح من يسعون للتخريب» نظير تلقي أموال، وصولا إلى اتهامات للشرطة بانتهاج العنف ضد المشاهدين، وهو ما وصلت أحد مشاهده إلى حادثة أخرى دموية بمقتل 19 مشجعا في محيط ملعب الدفاع الجوي في فبراير من العام الحالي، وهي واقعة لا تزال تحقيقاتها جارية للكشف عن أسبابها.
تلقي الأموال والتمويل لم يقتصر على «الألتراس»، بل طال عددًا كبيرًا من اللاعبين البارزين، بشكل عكسي هذه المرة، ولعل أبرزهم كان حين اتهم لاعب الكرة الأشهر في مصر محمد أبو تريكة بالانتماء إلى تنظيم الإخوان وتمويل أنشطتهم، وهو الاتهام الذي تبعه تجميد أمواله لحين فحص تلك الاتهامات.
ووسط كل تلك المشكلات، يبدو بعض من الجمهور وكأنه فقد حماسته للعبة، فكثير من المصريين صاروا لا يهتمون بمتابعة أخبار «الساحرة المستديرة» كما كانوا يفعلوا قبل سنوات، بل إن كثيرًا من المصريين صار اهتمامهم متابعة ملاعب الكرة العالمية، سواء على مستوى الأندية أو المنتخبات أكبر من اهتمامه المحلي.. وبدأت بالفعل تظهر في المقاهي التي تذيع المباريات الحصرية روابط تحت مسميات «ألتراس مدريد» أو «بارسا» أو «تشيلسي» أو «فيورينتينا» وغيرها.. وهو ما يراه بعض المحللين رد فعل طبيعيا على حظر دخول الجماهير إلى ملاعب بلادهم، وكثرة المشكلات التي تطال اللعبة في مصر.
وما بين أروقة وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة المالية تنتقل ملفات الكرة في مصر، مرورا بإدارات الإعلام الصحافي والتلفزيوني في كل الأحوال، التي تشهد جدلا وصراخا لا ينتهي.. وبينما تلعب المباريات منذ نحو ثلاثة أعوام دون جماهير (إلا قليلا)، تتصاعد المطالبات والمناشدات لقيادات الجيش المصري بإيفاد المجندين إلى مدرجات الملاعب خلال المباريات، وخصوصا الدولية منها، استنادا إلى أنه سيكون جمهورا «منضبطا» بحكم تربيته العسكرية، وسيخدم لعبة كرة القدم التي لا يصح أن تلعب وسط مدرجات خاوية على عروشها، مما يفقدها أكثر من نصف متعتها وحماستها.
لكن يبدو أن وزارة الدفاع لا تريد أن تصبح رغم أنفها طرفا حكوميا جديدا محتملا في ملعب الكرة، الذي لم يترك وزارة دخلها إلا وملأها بالمشكلات.
كرة القدم لا تغادر «ملاعب الحكومة» في مصر
قضايا ومحاكم ومصادرات وقتلى على هامش «لعبة للتريض»
كرة القدم لا تغادر «ملاعب الحكومة» في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة