الدروز.. معركة البقاء

حلم الدولة لا يراودهم.. لكن الحرب السورية تضعهم أمام تحديات مصيرية

الدروز.. معركة البقاء
TT

الدروز.. معركة البقاء

الدروز.. معركة البقاء

يقع الدروز في «عين العاصفة» هذه المرة. فالطائفة الصغيرة، المتماسكة، التي أثبتت قدرة لافتة على البقاء، تواجه اختبارا مهما يتعلق بمصيرها، في منطقة تمزقها الحروب التي لم تعد بعيدة عن عقر دارها، فيما تتنازعها قوى أكبر منها، تريد كل منها جرها إلى الموقع الذي تراها فيه، مما يجعلها في مواجهة تحدي البقاء متماهية مع نسيج المنطقة - كما استطاعت لقرون - أو الذهاب في مغامرات غير محسوبة قد تؤدي بها إلى مواجهة هذا النسيج الطائفي المحيط بها.

وهذا الواقع يقلق رئيس «اللقاء الديمقراطي» اللبناني النائب وليد جنبلاط، الذي يخوض معركة «بقاء» الطائفة ضد قسم كبير من أبنائها في سوريا الذين يميلون إلى صف النظام السوري، فيما دخلت إسرائيل على الخط لتزيد الأزمة تعقيدا، مكررة محاولة سابقة قامت بها في عام 1982 لاستمالة دروز لبنان إلى صفها، فتصدى لها جنبلاط آنذاك واستطاع أن ينأى بطائفته عنها. وها هي إسرائيل تحاول تكرار التجربة، وها هو جنبلاط يتصدى مجددا، لكن موقفه يبدو ضعيفا هذه المرة.
يتميز دروز بلاد الشام عن سواهم من الأقليات بابتعادهم عن «النزعة الاستقلالية»، وميلهم نحو الأطراف الأقوى في مناطق وجودهم، أي الدول. وهكذا نجدهم ينخرطون في مشاريع الدول، مع الاحتفاظ بخصوصياتهم. ولعل أبرز دليل على ذلك هو غياب المرجعية الدينية التي تجمع أبناء الطائفة، واستبدال مرجعيات بها تتعدد حتى في البلد الواحد. وهكذا التصق دروز سوريا بنظامها، إلى حد بات من الصعب عليهم معه الخروج من فلكه. وأدى خوفها من التنظيمات المتشددة، وغياب الخطاب المطمئن من المعارضة السورية، إلى وضع نفسها في خندق واحد مع النظام السوري في معركته للبقاء، وهو ما بدأ بعض أطياف هذه الطائفة التحذير منه، لأن ذهاب النظام قد يؤدي إلى ذهاب الطائفة بأكملها معه، وما حصل في جبل السماق في ريف إدلب دليل على هذا التخوف، مع وقوع الصدام الأول بين «جبهة النصرة» التي تسيطر على المنطقة وأهالي المنطقة الدرزية الذين لا يزيد عددهم على 20 ألف شخص، مهددين بالترحيل عن قراهم.
أما في السويداء التي تعتبر أكبر تجمع للدروز، فقد باتت المنطقة على حافة الصدام مع المعارضة المسلحة التي تقضم مواقع النظام، مما يجعل أهل المنطقة أمام خيار من اثنين: القتال إلى جانب النظام السوري أو فك الارتباط معه. وكتب جنبلاط عبر «تويتر» أمس يشكو «مشروع الفتنة المشترك السوري الإسرائيلي، للإيقاع بين العرب الدروز وأهل حوران والسنة بشكل عام مستمر». وقال: «زار السويداء المدعو (رئيس مجلس الأمن القومي) علي مملوك، واجتمع مع مشايخ العقل محرضا، وهذه وظيفته التحريض على القتل والإجرام». وأضاف: «من جهة ثانية، أحد أبرز رموز الإدارة الإسرائيلية، أيوب القرا القريب جدا من نتنياهو، ينشط يمينا وشمالا عارضا خدماته أي خدمات إسرائيل لمساعدة دروز سوريا. يا له من تلاق غريب ومدروس بين علي مملوك وأيوب القرا!». وختم جنبلاط قائلا: «على عقلاء جبل العرب أن يستدركوا حجم المؤامرة التي ترمي إلى الإيقاع بينهم وبين أهل حوران والعرب البدو في السويداء».
وتشهد السويداء مخاضا لافتا في الآونة الأخيرة مع اقتراب المعارك منها. وفي حين يمتنع نحو 27 ألف شخص منها عن الالتحاق بالخدمة العسكرية، يبقى الموقف العام لدروزها أقرب إلى النظام، منه إلى المعارضة التي تقترب من حدود المنطقة. وبعد مغامرات سريعة لضباط منشقين دروز، ظهر مؤخرا شيخ درزي يدعى وحيد تمرد على النظام وأنشأ وحدة عسكرية خاصة به، غير أن معارضين سوريين دروزا يرسمون علامات استفهام على تحركه، ومنها أنه ما يزال يحتجز عددا من أبناء درعا مطالبا بمبادلتهم بجثث لدروز سقطوا في مواجهات جرت قبل نحو عام، ومطالبا أيضا بفدية مالية.
أما النائب جنبلاط فما يزال مصرا على ضرورة انضمام دروز سوريا إلى الحراك المعارض رغم إدراكه صعوبة مهمته. وقال جنبلاط لـ«الشرق الأوسط» لا خيار أمام الدروز السوريين إلا ملاقاة الثورة السورية، والمصالحة ووحدة الموقف مع أهل حوران، وإدانة عملاء النظام الذين من خلال ما يسمى «درع الوطن» وهو تشكيل يوازي «الدفاع الوطني» حيث قام هؤلاء العملاء بخطف ثلاثة من البدو وقتلهم في إطار مشروع النظام المتراجع، والهادف إلى خلق الفتنة مع البدو ومع أهل حوران.
وعما إذا كان خائفا على دروز سوريا، قال: «خائف طبعا. دروز سوريا وأهل حوران قاموا معا بالثورة السورية الكبرى لتوحيد سوريا، وأنا اليوم خائف على تراثهم، وعلى الوقوع في مؤامرة تفتيت سوريا، وهم أضعف حلقة في المجتمع السوري». وأضاف: «النظام يتهاوى، وأخذ معه الطائفة العلوية العربية إلى الهلاك، إنه نظام لا يبالي بأحد».
ويتركز الدروز أساسا في منطقة بلاد الشام، وهم طائفة صغيرة، يفضل أبناؤها تسمية أنفسهم بـ«الموحدين». ويعود وجودهم في هذه البلاد لأكثر من ألف عام.
في العام 408 للهجرة، أي في العام 1000 ميلادي، انطلقت «دعوة التوحيد» من مصر باتجاه بلاد الشام، حيث كانت الدولة الفاطمية تنشر سيادتها على مناطق كثيرة فيها.
انطلقت عملية «الدعوة» من مصر إلى فلسطين، ثم وادي التيم وجبال الأشواف (الشوف اللبناني) وفي اتجاه حوران وحلب وصولا إلى ما يعرف اليوم بجبل السماق. ولاقت الدعوة المدعومة من الدولة إقبالا في تلك المناطق، ويقول الباحث اللبناني الدكتور رياض غنام بأن الدعوة «كانت عقلانية» مشيرا إلى أن الفكر الذي حملته الدعوة كان مشبعا بالفكر الشيعي وملقحا بالحضارة الهندية واليونانية. لكن بعد تقويض الدولة الفاطمية، بدأ التضييق على هؤلاء، فارتد عنها بعض من انضموا إليها من السنة والشيعة، خصوصا عندما قامت الدولة المملوكية باستئصال «الباطنيين» من جبال كسروان في لبنان، فتقوقعت الطوائف، ليذهب الشيعة باتجاه البقاع شرقا وجبل عامل جنوبا، فيما انحصر الوجود الدرزي في بلاد الأشواف وجبل السماق وصفد وجوارها.
العلاقة بين دروز لبنان وسوريا، هي علاقة فيها الكثير من الإشكاليات. ففيما يعتبر دروز جبل السماق هم الأصل في سوريا، يتحدر نحو 90 في المائة من دروز السويداء من لبنان. ويتحدث غنام عن ثلاث هجرات درزية، كانت أولها في العام 1711. بعد معركة عين دارة التي كانت بمثابة الحرب الأهلية الدرزية في جبل لبنان، والتي قامت على أساس الانقسام القيسي – اليمني. خسر اليمنيون المعركة، وكانوا أمام خيار الهجرة أو الموت، فانتقلوا إلى الداخل السوري وسكنوا في جبال حوران، مثبتين حضورهم بين سكانه بالقوة. أما الهجرة الثانية فأتت بعد حرب العام 1960 بين الدروز والمسيحيين، حيث هرب عدد من دروز لبنان نحو أقاربهم في المنطقة التي باتت تعرف بـ«جبل الدروز» أما الهجرة الثالثة فأتت في العام 1915 إثر المجاعة التي ضربت لبنان في الحرب العالمية الأولى.
وهكذا انتقل العدد الأكبر من الدروز مع مرور الزمن من لبنان إلى جبل الدروز الذي سموه لاحقا جبل العرب، حيث تسكن الآن الكتلة الدرزية الأكبر في العالم بتعداد يقارب 700 ألف نسمة، فيما يسكن لبنان نحو 260 ألف درزي، فيما أن الكتلة الثالثة الأكبر تقيم في فلسطين ويبلغ تعدادها نحو 150 ألفا. ويقدر عدد الدروز في العالم بنحو مليون ونصف المليون. ويتشارك دروز السويداء مع دروز لبنان نفس أسماء العائلات التي ما تزال تجمعها قرابة واضحة، فيما بدل آخرون أسماء عائلاتهم لتأخذ أسماء قراهم الأصلية في لبنان.
وبخلاف الطوائف أو الديانات الأخرى، لا يوجد لدى الدروز مرجعية دينية موحدة. ففي كل منطقة من مناطق وجودهم يوجد «شيخ العقل» وهو منصب له طابع سياسي أكثر منه ديني، حيث استحدث خلال العهد العثماني كنتيجة لنظام الملل العثماني الذي اعترف بالطوائف الموجودة على أرض السلطنة العثمانية. ويقوم رجال الدين الدروز بإدارة شؤونهم الدينية عبر مجموعة من كبار رجال الدين، لا يوجد الكثير من المعلومات حول كيفية تنظيمهم. أما فيما خص منصب شيخ العقل فهو منصب يعتبر بمثابة صلة الوصل بين السلطات الرسمية في الدول التي يتواجد فيها الدروز وعامة أفراد الطائفة. ونظرا للانقسام السياسي بين الدروز في لبنان بين الزعامتين الجنبلاطية والأرسلانية، يوجد حاليا شيخ عقل رسمي هو الشيخ نعيم حسن، وشيخ عقل أمر واقع هو الشيخ ناصر الدين الغريب. أما في سوريا فيوجد ثلاثة شيوخ عقل، تعترف الدولة السورية بهم جميعهم بشكل رسمي على قدر المساواة، فيما يوجد شيخ عقل واحد لدى دروز فلسطين.
وكما في الدين كذلك في السياسة، لا يوجد قيادة دينية موحدة، تمتلك التأثير المباشر على كل الدروز. فقد أنشأ الدروز زعاماتهم المحلية التقليدية. لكن يسجل للنائب اللبناني وليد جنبلاط قدرة لافتة على التواصل، فيما يبني النائب طلال أرسلان علاقة مميزة مع دروز السويداء الذين يقتربون منه في المفهوم السياسي لجهة التحالف مع النظام السوري، فيما يقوم الوزير السابق وئام وهاب بدور في دعم تشكيلات عسكرية صغيرة تقاتل إلى جانب النظام السوري، كما تحدثت مصادر كثيرة عن دور ميداني لافت للسجين اللبناني المحرر من السجون الإسرائيلية سمير القنطار في تنظيم جماعات مسلحة درزية تعمل بالتعاون مع «حزب الله» في منطقة القنيطرة.
ويتجلى هذا الانقسام السياسي في عدم وجود فكرة «الدولة الدرزية» التي قيل بأن غنام «يعمل عليها من قبل غير الدروز ويعارضها الدروز أنفسهم». ويقول غنام: «الدروز لديهم انتماء جغرافي وبيئي، ولا انتماء خارجيا لهم» مشيرا إلى أنهم «يعملون على المحافظة على الخصوصية في كل مكان يتواجدون فيه» جازما بأن فكرة الدولة غير موجودة لديهم ولا شيء يجمعهم سياسيا. ويوضح غنام أن الفرنسيين كان أول من عمل على فكرة الدولة الدرزية، عندما حاولوا تقسيم سوريا إبان انتدابهم عليها. وقال: «قسم الجنرال غورو سوريا إلى أربع دول، هي دولة العلويين ودولة حلب ودولة دمشق ودولة جبل الدروز، لكن الدروز كان أول من ساهم في إحباط هذا المشروع مع إطلاقهم بقيادة سلطان باشا الطرش شرارة الثورة السورية الكبرى في العام 1925 التي انتهت إلى إعادة الوحدة إلى سوريا».
أما الكاتب اللبناني، ورئيس تحرير صحيفة «المدن» الإلكترونية ساطع نور الدين فيرى بدوره أن الدولة الدرزية ليست حلما للدروز، فلا العدد يسمح، ولا الجغرافيا تسمح. وأشار إلى ميزة خاصة لدى الدروز في لبنان وسوريا، وإلى حد ما في فلسطين، حيث يكون الدروز متقدمين في الدفاع عن الوطنية التي ينتمون إليها، ويزايدون برفض الطائفية، معتبرا أن الطموح الأكثر عقلانية لديهم هو الانخراط في مشاريع الدول التي ينتمون إليها.
ويقول نور الدين: «شعرت بالقلق في تلك اللحظة التي تم التعامل فيها مع الدروز على أنهم أقلية». وقال: «أنا أتحفظ على هذا التعريف لأن الأقلية عادة تكون كتلة واحدة بالوقف السياسي والاجتماعي، فيما أن هناك أقليات أخرى في سوريا أكثر التفافا حول قياداتها أكثر من دروز سوريا».
وأشار نور الدين إلى أن سلوك النائب جنبلاط ينبع من إحساسه بالخطر في لحظة شعر فيها بأنه يجري تمزيق الدروز وتحويلهم كبش محرقة من قبل مجموعات تتنازع عليهم. ولهذا أتى ليقول لهؤلاء اتركوا النظام السوري واتركوا إسرائيل واذهبوا إلى محيطكم موضحا أن جنبلاط بذل مجهودا كبيرا لرد الدروز عن النظام وإسرائيل والخيار الانتحاري. لكن نور الدين شكك في إمكانية تجاوب دروز سوريا مع جنبلاط، معتبرا أن غالبية الطائفة هناك ليست معه.
وأوضح نور الدين أن ثمة محاولة إسرائيلية جرت في العام 1982 مع دروز لبنان عندما اجتاحت إسرائيل لبنان وأتى دروز من إسرائيل يمهدون لفكرة الدويلة الدرزية، وحينها قام جنبلاط بأخذ الطائفة بأكملها نحو الخيار الوطني المقاوم لإسرائيل. وعن تفسيره لوجود غالبية دروز سوريا مع النظام يقول نور الدين بأن ثمة اعتبارات عدة، منها حضور الدروز في الجيش السوري، وحضورهم في الإدارة الرسمية السورية وأجهزة الأمن، مشيرا إلى أن لدى الدروز إحساسا بأن المشروع الذي تقدمه المعارضة غير جذاب، مشيرا إلى أن ما قام به زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني من دعوة الدروز إلى تصحيح أخطاء عقيدتهم وطريقة التعامل معه في إدلب غير مشجعة واستفزازية.

* دروز السويداء...الدفاع عن النفس
* اتخذ دروز السويداء قرار القتال دفاعًا عن النفس فقط، دون المشاركة في قتال بالوكالة عن النظام السوري، أو في صفوفه. تقول مصادر المعارضة في الجبهة الجنوبية لـ«الشرق الأوسط»، إن قرار السويداء «حظي بشبه إجماع في المحافظة، رغم وجود استثناءات قليلة مثل محازبي الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي قتل اثنين من عناصره الأسبوع الماضي، وآخرين من ميليشيات الدفاع الوطني»، مشيرة إلى أن القرار «ظهر عمليًا في 25 مارس (آذار) الماضي، حين شنت قوات المعارضة هجومًا على بلدة بصرى الشام التي تسكنها أغلبية شيعية، وأفضى إلى سيطرة قوات المعارضة عليها». وتوضح: «يومها، رفض دروز السويداء الدفع بتعزيزات لمؤازرة قوات النظام، وهو ما دفع النظام لسحب قواته باتجاه السويداء، وترك البلدة بهدف التقليل من الخسائر البشرية».
غير أن القرار، كانت له تبعات أخرى بعد نحو شهرين. وتضيف المصادر: «حين شنت قوات المعارضة هجومًا على مقر اللواء 52 في ريف درعا الشرقي المتصل بالسويداء، الذي يعتبر خط الدفاع الأخير عن مطار الثعلة العسكري، انسحبت قوات النظام منه بشكل دراماتيكي، ما يوحي أنه ترك الخطر يقترب من السويداء، كون النظام يتعاطى مع المعارك العسكرية بخلفية أمنية أيضًا». وتشير إلى أن قوات الجيش السوري الحر المهاجمة «وجدت نفسها تلقائيًا قرب مطار الثعلة، الذي لم يكن ضمن مخطط الهجوم، ودخلت إلى أسواره، وانخرطت في معارك أدت إلى تعطيله، ووجدت أن النظام مارس سياسة تسهيل نقل المعركة إلى مطار الثعلة، بغرض الضغط على الدروز للقتال في المطار، على قاعدة أنه خط الدفاع الأول عن السويداء، وباتوا بخطر، وهو ما دفعهم إلى حشد الطاقات لمواجهة الجيش السوري الحر فيه».
وكان عضو المجلس العسكري في الجيش السوري الحر أبو أحمد العاصمي الذي يتحدر من درعا، أبلغ «الشرق الأوسط» في تصريحات سابقة أن مقاتلي الحر المهاجمين وجدوا أنفسهم بمواجهة 1500 مقاتل من السويداء احتشدوا في مطار الثعلة، وهو ما دفع مقاتلي «الحر» لإيقاف المعركة، بهدف منع النظام من التضحية بالدروز، ووضعهم في مواجهة مع جيرانهم من أهل حوران.
لكن مصادر مطلعة على المعركة من السويداء، كشفت لـ«الشرق الأوسط» عن وساطات دخلت على خط المعركة بهدف إيقافها، مشيرة إلى أن أطرافًا درزية لبنانية ساهمت في منع استمرار المعركة، لمنع النظام من زيادة التوتر بين أهالي السويداء وجيرانهم من حوران، فاتخذ «قرارا حكيمًا من قيادات الحر التي تتحدر من ريف درعا الشرقي بشكل أساسي، لإيقاف المعركة، ونقل الجهد العسكري إلى جبهة مدينة درعا البلد».



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.