تقرير الأمم المتحدة يتهم إسرائيل والفصائل الفلسطينية بارتكاب جرائم حرب

تل أبيب وصفته بـ «الملطخ بالدماء».. والسلطة تدرسه.. وحماس رحبت ببعضه

ضابط المعلومات في مكتب مفوضية حقوق الإنسان رولاندو غوميز يحمل تقرير اللجنة وإلى جانبه الرئيسة ماري ماكغيوان ديفيز وعضو اللجنة دودو دييني خلال المؤتمر الصحافي (أ.ف.ب)
ضابط المعلومات في مكتب مفوضية حقوق الإنسان رولاندو غوميز يحمل تقرير اللجنة وإلى جانبه الرئيسة ماري ماكغيوان ديفيز وعضو اللجنة دودو دييني خلال المؤتمر الصحافي (أ.ف.ب)
TT

تقرير الأمم المتحدة يتهم إسرائيل والفصائل الفلسطينية بارتكاب جرائم حرب

ضابط المعلومات في مكتب مفوضية حقوق الإنسان رولاندو غوميز يحمل تقرير اللجنة وإلى جانبه الرئيسة ماري ماكغيوان ديفيز وعضو اللجنة دودو دييني خلال المؤتمر الصحافي (أ.ف.ب)
ضابط المعلومات في مكتب مفوضية حقوق الإنسان رولاندو غوميز يحمل تقرير اللجنة وإلى جانبه الرئيسة ماري ماكغيوان ديفيز وعضو اللجنة دودو دييني خلال المؤتمر الصحافي (أ.ف.ب)

بينما هاجمت إسرائيل بشدة تقرير الأمم المتحدة المتعلق بحرب غزة الأخيرة، وقالت السلطة الفلسطينية إنها ستدرسه بهدوء، رحبت حماس بأجزاء من التقرير تتعلق باحتمال ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في قطاع غزة، ورفضت أجزاء أخرى تتهمها هي أيضا باحتمال ارتكاب جرائم مماثلة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معقبا على التقرير «إنه منحاز ضدنا، وصدر من لجنة تم تعيينها من قبل مجلس يسمي نفسه (مجلس حقوق الإنسان) يعمل فعلا كل شيء ما عدا الاهتمام بحقوق الإنسان». وأضاف نتنياهو في جلسة في الكنيست الإسرائيلي «هذه اللجنة تستنكر إسرائيل أكثر من إيران وسوريا وكوريا الشمالية مجتمعة. وعينت هذه اللجنة رئيسا لها كان يحرض على دولة إسرائيل وتلقى أموالا من الفلسطينيين». وتابع «إسرائيل تدافع عن نفسها وفقا لأحكام القانون الدولي. لسنا الوحيدين الذين يقولون ذلك، حيث نشرنا الأسبوع الماضي تقريرا مفصلا ألفه خبراء حول الأنشطة التي قمنا بها وفقا للقانون الدولي، في وجه إرهابيين أطلقوا الصواريخ والقذائف على مدنيين واختبأوا وراء ظهور المدنيين (...) إسرائيل لا ترتكب جرائم حرب. إسرائيل تدافع عن نفسها أمام تنظيم إرهابي قاتل يدعو لتدميرها ويرتكب جرائم حرب متعددة».
وكان نتنياهو يرد على تقرير الأمم المتحدة الذي صدر أمس، بعد تحقيق استمر عاما كاملا بشأن الحرب الأخيرة على قطاع غزة. وجاء في التقرير أن لجنة الأمم المتحدة للتحقيق ترى ادعاءات ذات مصداقية بأن إسرائيل والجماعات المسلحة الفلسطينية ارتكبت جرائم حرب خلال القتال الذي استمر 51 يوما. وذكرت اللجنة في سياق تقريرها الذي نشرته في جنيف، أن العملية الإسرائيلية أوقعت 1462 قتيلا مدنيا فلسطينيا، في حين أوقعت الاعتداءات الصاروخية الفلسطينية 6 قتلى مدنيين إسرائيليين. وقال التقرير إن الضربات الجوية الإسرائيلية تثير التساؤل، عما إذا كانت جزءا من سياسة أوسع وافق عليها - ضمنيا على الأقل - كبار المسؤولين في الحكومة، داعيا إسرائيل إلى الكشف عن القرارات التي اتخذتها بهذا الشأن.
وتحدث التقرير عن «القوة التدميرية» التي استخدمتها إسرائيل في غزة، حيث شنت أكثر من 6 آلاف غارة جوية، وأطلقت نحو 50 ألف قذيفة مدفعية، خلال العملية التي استمرت 51 يوما. وأحصى التقرير أن 142 عائلة، على الأقل، فقدت ثلاثة أفراد منها أو أكثر، في هجوم على المباني السكنية خلال الحرب الصيف الماضي، مما أدى إلى مقتل 742 شخصا.
وقالت رئيسة اللجنة القاضية الأميركية من نيويورك «ماري ماكغوان ديفيز»، في بيان، إن «مدى الدمار والمعاناة الإنسانية في قطاع غزة غير مسبوقين وسيؤثران على الأجيال القادمة».
وفي المقابل، قال التقرير إنه يبدو أن الغرض من وراء إطلاق آلاف الصواريخ وقذائف الهاون بشكل عشوائي على إسرائيل هو نشر الرعب بين المدنيين. وأطلقت الفصائل الفلسطينية 4881 صاروخا و1753 قذيفة هاون باتجاه إسرائيل، مما أدى إلى مقتل 6 مدنيين في الجانب الإسرائيلي وإصابة 1600 على الأقل.
كما استنكر التقرير إقدام الجماعات المسلحة الفلسطينية على إعدام عدد من سكان القطاع بحجة تعاونهم مع إسرائيل، فقال إن هذه الإعدامات هي بمثابة جرائم حرب. واتهم التقرير الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بالسماح لمن يُشتبه فيه بارتكاب جرائم حرب بالإفلات من العقاب، وقال إن المساءلة في الجانبين غير كافية إطلاقا.
ومن المقرر أن ترفع اللجنة تقريرها، رسميا، بعد أسبوع، إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
ورحبت حماس بداية «بإدانة» الأمم المتحدة للاحتلال لارتكابه جرائم حرب خلال عدوانه الأخير على قطاع غزة صيف 2014، وفق تقرير لجنة تقصي الحقائق الأممية.
وقالت الحركة في بيان صحافي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة عنه «هذه الإدانة الصريحة للاحتلال تستلزم جلب قادته إلى محكمة الجنايات الدولية وكل المحاكم الدولية لمحاكمتهم على جرائمهم بحق شعبنا». وأكدت حماس على «ضرورة وضع حد لهذا الاحتلال ووقف العدوان والحصار الإسرائيلي المتواصل على شعبنا وأرضنا لا سيما في قطاع غزة».
وفي رام الله، بينما عد مسؤولون التقرير يخدم توجهات السلطة في محكمة الجنايات الدولية وخطوات أخرى ضد إسرائيل، قال صائب عريقات، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في بيان، إن «دولة فلسطين ستراجع النتائج والتوصيات التي وردت في تقرير لجنة الأمم المتحدة، بأكبر اهتمام، تمشيا مع التزامها القوي بضمان احترام الهيئات الموقرة للقانون الدولي».
وترك التقرير صدى أوسع في إسرائيل منه في الضفة الغربية وقطاع غزة. وانتقدت وزارة الخارجية الإسرائيلي التقرير قائلة إنه «من المؤسف أن هذا التقرير لم يعترف بالفرق الهائل بين السلوك الأخلاقي لإسرائيل وتصرفات المنظمات الفلسطينية الإرهابية»، التي واجهتها خلال الحرب التي دامت 50 يوما. وقالت وزارة الخارجية إن التقرير أعدته «مؤسسة معروفة بانحيازها» لديها «هاجس منفرد» إزاء إسرائيل. وأضافت «إنه مسيس وينطوي على شوائب أخلاقية».
ورفض وزير المعارف الإسرائيلي نفتالي بينت ما جاء في التقرير الأممي، واصفا إياه بأنه «تقرير تلطخت يداه بالدماء، يبيح قتل اليهود»، مضيفا أنه «يتجاوز قتل ثلاثة مراهقين يهود في الخليل، كما لو أنه لم يحدث وغير جدير بالتحقيق».
وقال رئيس المعارضة يتسحاق هيرتسوغ إنه ليس بحاجة إلى أي لجنة أو تقرير لكي يعلم أن «جيش الدفاع هو جيش أخلاقي».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».