لبنان: قوى 8 آذار تدفع باتجاه «مؤتمر تأسيسي» تربطه بفشل النظام الحالي

المسيحيون منقسمون بين مؤيد وخائف من إسقاط «مبدأ المناصفة»

ميشال عون
ميشال عون
TT

لبنان: قوى 8 آذار تدفع باتجاه «مؤتمر تأسيسي» تربطه بفشل النظام الحالي

ميشال عون
ميشال عون

لم تُسقط قوى 8 آذار في لبنان، وعلى رأسها حزب الله، من حساباتها يومًا فكرة «المؤتمر التأسيسي» الذي كان أمين عام الحزب، حسن نصر الله، أول من دعا إليه في عام 2012 كبديل عن «طاولة الحوار» التي كانت تُعقد في القصر الجمهوري لبحث بنود استراتيجية ومصيرية. فبعدما لاقى هذا الطرح في حينه رفضًا واسعًا في صفوف قوى 14 آذار وضاعف مخاوف المسيحيين من إمكانية إسقاط «مبدأ المناصفة» بينهم وبين المسلمين لتحل مكانه «المثالثة بين المسيحيين والسنّة والشيعة»، سحبه حزب الله من التداول، ولكن ليعود مقربون منه للدفع باتجاهه مع كل أزمة تشهدها البلاد، وآخرها أزمة رئاسة الجمهورية التي عطّلت مجلس النواب والحكومة على حد سواء.
وفي حين تبدو البطريركية المارونية متمسّكة بالنظام الحالي القائم على «اتفاق الطائف» الذي وقعه القادة اللبنانيون في عام 1989 في مدينة الطائف السعودية، حرصًا منها على تطبيق بنود الميثاق الذي نظم أسس الحكم في لبنان عام 1943، لا يتردد رئيس تكتل «التغيير والإصلاح»، الزعيم المسيحي النائب ميشال عون - حليف حزب الله - بإعلان جهوزيته بالسير بأي اتفاق جديد يُقرّ، كما يقول، «قولاً وفعلاً الحقوق المسيحية»، التي يزعم أن الطائف «سلبها من المسيحيين منذ 25 سنة».
عون، المرشح للرئاسة، يدعي أن «بقاء الجمهورية في لبنان مرتبط بانتخاب رئيس قوي ذات حيثية شعبية ونيابية» في تلميح إلى شخصه. ويعتبر أنّه إذا لم يتحقق هذا الأمر «فالأفضل البحث في صيغة جديدة للجمهورية، في ظل الخلل المستمر في الشراكة الوطنية وبتطبيق بنود اتفاق الطائف».
وفي السياق نفسه، يشدّد إيلي الفرزلي، نائب رئيس المجلس النيابي السابق، والمقرب من عون والرئيس السوري بشار الأسد، على أن «لا جدل بأن مصلحة المسيحيين ليست ببقاء الوضع على ما هو عليه، فإما يتجهون لتطبيق حقيقي لاتفاق الطائف، وإلا فليكن ما يكون من بديل على قاعدة أن تعرف الجماعة المسيحية ما هي حقوقها وتنالها فعلاً وليس قولاً». ويعتبر الفرزلي أن هناك «سرقة موصوفة للحقوق التي أعطاها اتفاق الطائف للمسيحيين الذين فُرضت عليهم قوانين انتخاب أدّت لاستيلاد نوابهم بكنف الكيانات الأخرى، فإذا بتيار المستقبل وثنائي حزب الله – أمل والدروز يستولدون معظم النواب المسيحيين». وتابع الفرزلي لـ«الشرق الأوسط» مكرّرًا الكلام الذي دأب عون ونواب كتلته على قوله: «هذا عدا أن رئيس المجلس النيابي يأتي بقرار شيعي ورئيس الحكومة بقرار سني، أما حين يحين دور المسيحيين باختيار رئيس الجمهورية، فالكل يريد أن يُقحم نفسه بالموضوع وبعملية الاختيار».
واستغرب الفرزلي بروز مخاوف مسيحية من ضرب «مبدأ المناصفة» في حال الموافقة على المشاركة بمؤتمر تأسيسي، متسائلاً: «أصلاً هل يطبّقون المناصفة كي نتخوف من فقدانها؟ المناصفة التي يتحدثون عنها ويمنوننا بها شكلية باعتبار أننا نعيش عمليًا بإطار المرابعة.. أي أن السلطة يتقاسمها المسيحيون والسنة والشيعة والدروز، وليس المسيحيون والمسلمون مناصفة».
وفي حين تعتبر قوى 14 أن حزب الله يساير عون في «مغامراته التعطيلية» سعيًا منه للوصول إلى حائط مسدود يفرض الذهاب باتجاه «مؤتمر تأسيسي»، تقول مصادر مطّلعة على أجواء حزب الله، إن «الأزمة اللبنانية الحالية تخطّت أزمة رئاسة الجمهورية في ظل التغيرات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة». وهي تعتبر أن «السؤال لم يعد متى ومن يكون رئيس لبنان، بل هل ستكون الحدود اللبنانية على ما هي عليه في حال فُرض التقسيم على البلدان المحيطة؟ وهل سيكون هناك رئيس للبنان وهل سيكون مسيحيًا؟» وتضيف هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «البعض يحاول تبسيط الأمور بالحديث عن أن التوجّه إلى البرلمان لانتخاب رئيس يحل المشكلة.. إلا أن الأزمة أكثر تعقيدًا، وباتت مرتبطة بأزمات المنطقة المتشعبة، لذلك فإن حلها لن يكون منفردًا بل سيكون جزءًا من الحل العام».
في المقابل، يشدّد النائب في تيار «المستقبل»، عمار حوري، على أن «مجرد الحديث عن مؤتمر تأسيسي يعني إنهاء لبنان الرسالة التي تحدث عنه بابا روما الراحل يوحنا بولس الثاني، وفتح الباب على كل أنواع المقامرة والمخاطرة التي ستنعكس سلبًا على جميع اللبنانيين والطوائف كافة، دون استثناء». وذكّر حوري بأن لبنان «دفع أثمانًا باهظة من الدماء والدمار قبل التوصل لتسوية اتفاق الطائف التاريخية، وبالتالي فإن أي دعوة لمؤتمر تأسيسي جديد قد يعرّضنا إلى ما لا يُحمد عقباه، ومن هنا نعتبر أن من يطرح الموضوع أو يؤيده لا يعي تمامًا خلفيات معدّية».
ونبّه حوري في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «حزب الله يدفع بشكل أو بآخر باتجاه المؤتمر التأسيسي سعيًا وراء المثالثة»، لافتًا إلى أن «حل الأزمة الحالية لا يكون بكتابة نصوص وقوانين جديدة بل بتطبيق القوانين ومواد الدستور الموجودة التي يرفض الفريق الخصم تطبيقها».
في هذا المجال، تجدر الإشارة إلى أن عون ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع وقّعا في مطلع الشهر الحالي على ما عُرف بـ«ورقة إعلان نيات» كشفًا من خلالها على جملة من الاتفاقات بينهما حول ملفات تطال الملف المسيحي، واعتبر القطبان المسيحيان أن وثيقة «الوفاق الوطني» قد طبقت منذ إقرارها وخلال عهد الوصاية وحتى اليوم «بشكل معتور»، ما يوجب تصويب المسار من خلال العودة إلى مرتكزات «الميثاق الوطني» وإحكام الدستور المتعلقة بالمناصفة الفعلية وصحة التمثيل النيابي الفعال والشراكة الصحيحة بين مكوّنات المجتمع اللبناني كافة، بما يحفظ قواعد العيش المشترك وترجمة ذلك في قانون انتخاب وفي انتخاب رئيس للجمهورية قوي ومقبول في بيئته وقادر على طمأنة المكونات الأخرى والإيفاء بقسمه وبالتزامات الرئاسة بما يؤمن الشراكة الفعلية الميثاقية والمصلحة الوطنية العليا.
غير أن البطريركية المارونية لا تبدو منفتحة على النقاش بتغيير النظام والذهاب باتجاه مؤتمر تأسيسي، إذ يؤكد مدير «المركز الكاثوليكي للإعلام» الأب عبدو أبو كسم، أن «لا مصلحة للمسيحيين بذلك على الإطلاق»، مشددًا على وجوب التمسك بالميثاق الوطني الذي يؤمن الشراكة الحقيقية بين المسلمين والمسيحيين. وأبلغ أبو كسم «الشرق الأوسط» أن «المطلوب دعم وإحياء هذا الميثاق وصيغة العيش المشترك وليس التخلي عنهما سعيًا وراء مزيد من الشرذمة والتفتت». ويرى أبو كسم أن «الحل للأزمات المتشعبة التي ترزح تحتها البلاد لا يكون من خلال مؤتمر تأسيسي بل عبر انتخاب رئيس للجمهورية، أي إعادة الرأس للبنان كي تنتظم أمور الدولة ويعود لإدارة اللعبة السياسية».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».