للسنة الخامسة على التوالي يحلّ شهر رمضان المبارك ضيفا ثقيلا على النازحين السوريين في لبنان وهم يعيشون بعيدا عن الأهل والأقارب في خيم تتوزع في منطقة البقاع (شرق لبنان) وبعض المناطق مفتقرة إلى أبسط مقومات العيش من دون أن تقيهم حتى حرارة فصل الصيف ولا برد الشتاء القارس. المساعدة الوحيدة التي يحصل عليها بعض هؤلاء لا تتجاوز الـ19 دولارًا عن كل فرد مقدمة من الأمم المتحدة تصرف وفق بطاقات شهرية كل مطلع اليوم الخامس من الشهر لمن هو مسجل لديها، إضافة إلى بعض المساعدات العينية التي تقدمها جمعيات محلية، بينما يعمل آخرون فيما تيسّر لهم من الأشغال، ولا سيّما في الزراعة بأجر 8 آلاف ليرة لبنانية (نحو 5 دولارات) يوميًا.
في أكثر المناطق استقبالا للاجئين السوريين حيث تتوزّع المخيمات غير المنظمة، يجتمع النازحون على صعوبة الوضع المادي والمعاناة التي يعيشونها في ظل غياب المساعدات الكافية.
ها هو، محمد أحمد محمد هرب من الرقة مع أطفاله الثمانية إلى الحسكة، ومن ثم إلى راس العين ليصل أخيرا إلى لبنان حيث يسكن في بلدة الطيبة البقاعية في خيمة متواضعة من القنّب. محمد الذي يعمل في مجال البناء لكنه لا يجد عملا لتأمين مصدر رزق له ولعائلته، يعيش من مساعدات الأمم المتحدة، ويقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» الصيام أصبح عبئا كبيرا علي وعلى أولادي بسبب الوضع المادي الصعب وظروف الحياة البائسة في لبنان. مضيفا «كنا نستقبل الشهر الفضيل بمحبة لكننا نستقبله اليوم بجيوب فارغة حيث لا حول ولا قوة لنا، لن أتمكن من الصيام هذا العام بسبب الوضع الاقتصادي الضيق ولا نعرف ما إذا كانت الأمم المتحدة ستستمر بتقديم المساعدات أم لا؟».
من جهتها، لم تعد فاتن العيد (25 سنة) تفكّر في الصيام أو عدمه، فالوضع بالنسبة إليها، لم يختلف في هذا الشهر عن أشهر السنة الأخرى، وتقول لـ«الشرق الأوسط» «تمرّ أياما علينا بالكاد نأكل الخبز، نشعر وكأننا معتادون على الصيام».
هربت فاتن من الرقّة إلى بريتال في البقاع منذ سنتين. ذهب زوجها للعلاج في سوريا ولم يعد من دون أن تعرف عنه أي خبر لغاية الآن. بالنسبة إليها كل الأمور تهون أمام مشكلة عدم قدرتها على إرسال ابنها وابنتها إلى المدرسة. وتقول «نحن أميون وسنورث أولادنا الأمية وهذا هم كبير».
ورغم المعاناة التي تعيشها، يؤكد حمدي شويخ الهزاع (40 سنة) «سأصوم ولو على الخبز اليابس وبعض حبات الزيتون». فهذه المرأة التي هربت من القصير إلى البقاع في لبنان تعيش مع والدتها المريضة من دون أي مساعدات من أي جهة كانت. تحاول تأمين بدل ثمن دواء أمّها وإيجار البيت من المبالغ المالية القليلة التي يقدمها له أقرباؤها في لبنان بعدما لم تنجح في الحصول عليها من الجمعيات الإنسانية أو المستوصف القريب.
كذلك، لا يختلف وضع اللاجئين الذي وجدوا مكانا للهرب إليه في منطقة الجنوب. صيام جديد يحل على اللاجئين في منطقة البيسرية في ظروف أقل ما توصف بالمأساوية وآمال بالعودة تتضاءل مع كل يوم يمضي داخل الخيمة، بينما لا يبقى سوى الذكريات الموجعة بعدما غابت عن أيامهم طقوس الاحتفال بحلول الشهر الفضيل بسبب الفقر والحرمان.
بعينين دامعتين تتحدث اللاجئة السورية منى الخليل (32 سنة) عن شهر رمضان، بعيدًا عن مدينتها حمص حيث تركت معظم أفراد عائلاتها بعدما فرقتهم الحرب. وتقول «علينا أن نقضي أيامنا بما تيسّر»، وتضيف: «الحرّ القاتل في هذه الخيم بالكاد نتحمله في الأيام العادية فكيف في أيام الصوم؟». وتتذكر ابنة حمص شهر رمضان الماضي حين كانت لا تزال في سوريا، قائلة «كنا نمضي أيامنا على وقع القصف ليلا نهارا، أما اليوم سنمضي أيام الشهر الفضيل في الشتات، بعيدين عن أوطاننا وذوينا الذين لا نعلم عنهم شيئًا حتى الآن».
وتستذكر كيف كانت تزين مدخل البيت بالفوانيس والأضواء الملونة، عدا عن السهرات التي لطالما استمرت حتى ساعات الصباح الأولى. وتقول «تغير كل شيء اليوم، فالغرفة التي نعيش فيها حاليًا، وأحوالنا المادية الصعبة، لا تصنع فرحة هذا الشهر التي اعتدنا عليها».
كذلك، يتذكّر أبو سمير بحزن وحنين مدينته درعا (جنوب سوريا) التي غادرها قبل سنتين تقريبا هاربا إلى لبنان. «الأعلام واللافتات المرحبة بقدوم شهر رمضان كانت تزين الشوارع بينما تزدحم الأسواق وتعمر الجوامع بزوارها في جو من البهجة والاطمئنان». ويقول: «كنا نسهر في الليلة الأولى حتى يطل علينا المسحر فيتسابق الأطفال لرؤيته. أما الآن كل هذه الطقوس نشتاق إليها ويكفي أن نشعر أننا ضيوف غير مرحب بهم عند الكثير من اللبنانيين».
اجتماع العائلة والموائد العامرة، مظهر آخر غاب عن اللاجئين السوريين في لبنان، بعد أن تفرقت العائلات ما بين لاجئين لدول أخرى، وبين ضحايا غابوا عن بيوتهم بسبب الحرب، وهو الأمر الذي يجسده حال (أم زهير)، التي استقبلت رمضان هي وزوجها وحيدين، بعد مقتل ابنتها غادة (16 سنة) بغارة للنظام السوري على منزلها في حمص، والتحاق ولدها وإخوتها في صفوف الفصائل المعارضة وانشغالهم هناك.
وبعدما كانت مفوضية اللاجئين ووزارة الشؤون الاجتماعية عمدتا إلى اتباع سياسة جديدة في التعامل مع اللاجئين السوريين، إما بتقليص المساعدات أو الإجراءات المشددة على الداخلين منهم إلى لبنان، تقتصر المساعدات في شهر رمضان على تلك التي اعتادت تقديمها مفوضية الشؤون إضافة إلى تلك التي تقدمها الجمعيات الدينية، وإن بكمية قليلة. وهو ما تشير إليه الناطقة باسم المفوضة العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة دانا سليمان، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة مستمرة، لكن لن يكون هناك تقديمات أو حصص غذائية خاصة بشهر رمضان». وتضيف «ننسق مع المنظمات المحلية والمرجعيات الدينية التي تقوم بدورها بتقديم وجبات الإفطار في بعض المناطق، وبعض المساعدات الغذائية التي توزّع بشكل أساسي في المناطق التي يوجد فيها أكبر عدد من اللاجئين».
من جهته، يؤكّد مدير المكتب الإعلامي في تنسيقية اللاجئين في الشمال، صفوان الخطيب أن «شهر رمضان في فصل الصيف الحار يزيد من حجم المسؤولية الإنسانية تجاه اللاجئين، ويستلزم إعلان مبادرات إغاثة سريعة»، معتبرا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «اللاجئين هم شبه صائمون طوال أشهر السنة بسبب قلة المواد الغذائية»، لافتا إلى أنه: «سيتم تقديم مساعدات غذائية بكمية صغيرة إلى فئات محدودة وهي عبارة عن بعض الحبوب والتمور».
ويتجاوز عدد اللاجئين السوريين في لبنان مع نهاية العام الحالي المليون ونصف المليون، أي أكثر من ثلث السكان، وهم ينتشرون في مخيمات غير رسمية على طول الأراضي اللبنانية ويتركزون في المناطق الفقيرة، وتقدم لهم الأمم المتحدة مساعدة أولية في شراء المواد الغذائية والتعليم.
اللاجئون السوريون في لبنان: صائمون كل أشهر السنة
للعام الخامس على التوالي يستقبلون رمضان في خيم تفتقر إلى مقومات العيش وغياب المساعدات الكافية
اللاجئون السوريون في لبنان: صائمون كل أشهر السنة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة