إعلاميون يغطون «جنيف»: حياد الأمم المتحدة يحد من تدفق المعلومات إلينا

اشتكوا من التصريحات «الدبلوماسية البعيدة عن حقيقة الصراع»

إعلاميون يغطون «جنيف»: حياد  الأمم المتحدة يحد من تدفق المعلومات إلينا
TT

إعلاميون يغطون «جنيف»: حياد الأمم المتحدة يحد من تدفق المعلومات إلينا

إعلاميون يغطون «جنيف»: حياد  الأمم المتحدة يحد من تدفق المعلومات إلينا

أمران لافتان يلحظهما أي صحافي يأتي لمقر الأمم المتحدة لتغطية أحداث شبيهة بالمشاورات اليمنية الحالية. أولهما إيجابي ولافت يتمثل في جمالية المقر الضخم، الذي هو في الحقيقة عبارة عن عدة مبان موزعة هنا وهناك وسط حدائق، تطل على مدينة جنيف، ووجود التسهيلات الكثيرة لأداء العمل الصحافي. والثاني سلبي ومزعج يرتبط بطبيعة مهام الأمم المتحدة عندما يتعلق الأمر بمحاولة جمع أطراف سياسية متصارعة على طاولة واحدة.
يتوفر مبنى الأمم المتحدة في جنيف على تسهيلات إعلامية لوجيستية كثيرة، تستطيع استيعاب آلاف الصحافيين في آن واحد؛ فهناك قاعات كبيرة بها خدمات الهاتف والإنترنت وتقنيات التسجيل الإذاعي والبث التلفزيوني. وبمجرد حصول الصحافي على بطاقة الاعتماد لتغطية حدث ما، فإنه لا يجد صعوبة في التواصل مع أعداد هائلة من التقنيين الموجودين على الأرض يسهلون له العمل ويؤمنون له متطلباته. وقال صحافي اعتاد القدوم إلى جنيف لتغطية مؤتمرات الأمم المتحدة، لـ«الشرق الأوسط»: «في كل مرة آتي إلى هنا ألاحظ وجود فرق تقنية ترافق الصحافيين من أولى لحظات دخولهم المقر حتى انتهاء فترة تغطية الحدث، لتأمين كل الاحتياجات خصوصا حاجة عدم انقطاع الإنترنت». وأضاف: «بذلك، تجد نفسك محاطا دائما بأفضل المتوافر من أمن وإمكانيات تقنية، داخل مبنى الأمم المتحدة».
لكن في مقابل التسهيلات اللوجيستية يشكو الإعلاميون من نقص المعلومات التي تقدمها الأمم المتحدة لدى استضافتها مشاورات أو مفاوضات تتعلق بصراعات على غرار الأزمة الأمنية الحالية. وقالت دينا أبي صعب، وهي صحافية معتمدة في مقر الأمم المتحدة بجنيف وتراسل عدة وسائل إعلام دولية، لـ«الشرق الأوسط»: «بما أن الأمم المتحدة تتخذ الحياد؛ فهي حريصة جدا على عدم إعطاء أي تصريح يضر بأحد الطرفين خشية أن يؤدي ذلك لعراقيل أمام المشاورات وقد يؤدي إلى ضرب مبدأ المشاورات أو المفاوضات في وقت لاحق». وأضافت قائلة: «الصحافي يجد نفسه دائما أمام تصريحات حذرة من قبل الأمم المتحدة واختيارها لمصطلحات تنتقى بشكل دقيق». وتابعت: «المتحدثون باسم الأمم المتحدة هنا لا يعطونك دائما ما تبحث عنه. يسمعونك الصيغة الدبلوماسية المنقحة جدا، وهذا يدفعك للبحث عن تفاصيل للخبر من مصادر ثانية».
وبسبب هذه الطابع الحذر، يجد الصحافيون في الأمم المتحدة أنفسهم داخل مبنى، لكنهم يتواصلون، عبر الهاتف أو الإنترنت، مع مصادر بعيدة آلاف الأميال، للوقوف على ما هو جار في الميدان. وقالت أبي صعب: «الأمم المتحدة تقدم لنا دائما تصريحات مشذبة ومرتبة بطريقة بعيدة عما هو جار على الأرض، وبعيدة عن الصراع نفسه. إنها تحاول أن تتنزه عن الصراع حتى تخلق جوا إيجابيا يسهل المشاورات، لكن الواقع كما نعرف ليس إيجابيا مع الأسف».
وأمام شح المعلومات الصادرة عن الأمم المتحدة، يلجأ بعض الصحافيين لتقديم قراءات مجانبة للواقع. وقالت أبي صعب إنها تشاهد في بعض الأحيان تقارير إعلامية عن خبر عايشته هي لكنه أعد بطريقة مغايرة للحقيقة. وعزت ذلك إلى «الفبركة الإعلامية، المتمثلة في تحوير الخبر أو اجتزائه»، خصوصا في ظل شح المعلومات الرسمية من الأمم المتحدة. واعتبرت ذلك «كارثة إعلامية». وعلقت على ذلك بالقول «إن الخبر غير الدقيق يؤتى به بسهولة، أما الخبر الحقيقي فهو الذي يصعب الوصول إليه».
بدورهم، تحدث إعلاميون ومحللون في مقر الأمم المتحدة عن جدوى المشاورات اليمنية وطريقة تغطيتها إعلاميا، وقالوا إنها تشبه إلى حد ما التغطية التي لازمت مفاوضات جنيف المتعلقة بالأزمة السورية. وقال باحث إن «الملف اليمني لا يقل أهمية عن أي ملف بالمنطقة العربية طرق هنا في جنيف، مثل الملف النووي الإيراني أو الملف السوري أو غيرهما». وأضاف أن المشاورات اليمنية الحالية إذا تطورت «ربما ستحدد مصير شعب. يبدو أننا من خلال وجودنا في هذا المقر الذي يتابع المسائل الإنسانية، فإننا نراقب أحداثا تاريخية تحصل، ونرصد وقائع تحول في تاريخ ومستقبل المنطقة».
صحافيون آخرون يعملون بشكل شبه دائم في جنيف، يتحدثون عن الصعوبات التي يلاقونها خلال تغطيتهم لمشاورات أو مفاوضات دولية بمقر الأمم المتحدة. أحد هؤلاء قال إنه يعاني دائما من تضارب المعلومات وشحها خلال المفاوضات التي تتم بين الأمم المتحدة وأطراف متصارعة، مثلما حدث مع مفاوضات جنيف بخصوص الملف السوري أو مفاوضات البرنامج النووي الإيراني. وقال الصحافي الذي يراسل محطات تلفزيونية عدة «إننا نعمل أحيانا من الثامنة صباحا حتى العاشرة ليلا، حسب وتيرة المفاوضات، من أجل الحصول على تصريح فيه عدد قليل جدا من الكلمات». وأشار هذا الإعلامي إلى «مجهود غير ملحوظ» يتعلق بالمساحة الشاسعة لمقر الأمم المتحدة، حيث «نضطر دائما للانتقال من قاعة إلى أخرى ومن مبنى إلى مبنى يكونان متباعدين بمئات الأمتار، بأجهزتنا ومعداتنا، وهذا يتطلب منا جهدا جسديا كبيرا».
وأضاف: «المشاهد الذي يرى تقريرنا التلفزيوني من ثلاث دقائق لا يعرف كمية الجهد الذي بذل لإعداد هذا التقرير».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.