4 أيام في موناكو.. درس في الأناقة ورغد العيش

السياحة فيها تجمع بين التاريخ والبحر وتنافس الطباخين

4 أيام في موناكو.. درس في الأناقة ورغد العيش
TT

4 أيام في موناكو.. درس في الأناقة ورغد العيش

4 أيام في موناكو.. درس في الأناقة ورغد العيش

على شاطئ الريفيرا الفرنسي، بإمكان الباحث عن الهدوء وجمال الطبيعة أن يختار الإمارة الصغيرة موناكو وجهة له، فالإمارة التي يعتبرها البعض خطأ جزءا من فرنسا، هي دولة على شكل مدينة، أو مدينة على شكل دولة، لها سيادتها، لكن جمهورية فرنسا تحدها من جميع الجهات. فمساحتها أقل من كيلومترين مربعين، وتبعد قرابة 18 كيلومترا فقط عن إيطاليا، وحسب آخر الإحصاءات فإن عدد سكانها تجاوز 36 ألفا وبهذا تعتبر أكثر البلدان كثافة سكانية.
4 أيام كفيلة أن يطلع الزائر على معالم الإمارة الجميلة، بدءا من القصر والمدينة القديمة والتي بها سوق قديمة، أو المتحف الوطني وقاعة الأوبرا الشهيرة. حكم عائلة آل غريمالدي ما يزال موجودا، واعترف العالم دوليا بسيادة موناكو عام 1861م لتصبح إمارة مستقلة لكن دفاعها الوطني على عاتق الجمهورية المحيطة بها من كل الجهات، فرنسا.

* الوصول إلى موناكو
وما يميز زيارة موناكو، أنك مجبر للنزول في مطار نيس الفرنسي، ومن هناك بإمكانك زيارة وسط نيس، حيث مقر إقامة الفنان الشهير ماتيس، سابقًا، وكذلك أحد المنازل التي سكنها الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت، وقبل أن تذهب إلى موناكو، ستشاهد حتما شاطئ نيس، وتستطيع التجول في السوق الشعبية الشهيرة فيها.
عند زيارتنا في أواسط مايو (أيار) الماضي، كان الجو مشمسا، وفي وسط المدينة كانت الاستعدادات على قدم وساق لاستضافة سباق «فورمولا1» السنوي الذي تحتضنه شوارع موناكو، وحتى الوصول إلى فندق هيرميتاج الشهير، والذي هو عبارة عن قصر فخم بدلا من القول: إنه فندق، بني في بداية القرن العشرين على يد المعماري جان ماركيه، لكن ما يحتويه الفندق من تحف معمارية وتحديثات في المطابخ والمطاعم، ونواد صحية حديثة، يجعل الجمع بين العراقة والتحديث أبرز معالم هذا الفندق الشهير، والذي يبعد عشرات الأمتار فقط عن دار الأوبرا الشهيرة ومجمع التسوق. ويعتبر في القلب النابض لمونت كارلو.
يقول باسكال كاميا المدير العام للفندق في حديث عابر لـ«الشرق الأوسط» إن الفندق مصمم أن يحوي جميع ما يحتاجه السائح، لا داعي للذهاب خارجه. هذا حديث كاميا، لكن موناكو تحتضن أشهر المطاعم العالمية مثل «نوبو» و«لا بيتيت ميزون» و«بودا بار» وغيرها من المطاعم العالمية والشهيرة التي تنتشر في أرجاء الإمارة الثرية.
وفي مونت كارلو، هناك جزء للفنون مهم، فدار الأوبرا الشهيرة التي تحتضن عشرات الآلاف من القطع الذهبية، تحتضن سنويا عروضا شهيرة، لكن هذه العروض تزداد في الفترة من يونيو (حزيران) وحتى سبتمبر (أيلول)، وخلال تلك الأشهر الثلاثة، تكون السياحة منتعشة في الإمارة الجميلة بشكل عام.
المهرجانات السينمائية والسياحة العائلية والسباقات الرياضية جزء أساسي من موناكو، وإلى جانب ذلك، استحدثت الإمارة قبل قرن من الزمان صالات المقامرة كنوع من مصادر الدخل لها، فالسياحة وحدها لا تكفي.

* الطعام في الإمارة
زائر موناكو لا بد له من زيارة نادي اليخوت، وعلى مقربة منه يقع منتج نادي شاطئ مونت كارلو الشهير بـ«مونت كارلو بيتش كلوب»، وفيه أول مطعم للطعام العضوي بالكامل، فالأسماك هي الطبق الرئيسي، ولا سيما طبق الرد موليت، يقول الشيف باولو لـ«الشرق الأوسط» بأن أصعب مهمة هي الحفاظ على نفس المستوى وأن يكون الطعام والمشروبات المقدمة من مكونات عضوية مائة في المائة، وخالية من أي إضافة كيماوية يقول: «تواجهنا مشكلة في الصيف ومشكلة في الشتاء، وتحديدا في مواسم صيد السمك» ويضيف «ومع ذلك لا يمكن لنا أن نقدم طعاما غير عضوي إطلاقًا وحصلنا على نجمة ميشلان ولن ننزل في مستوانا».
وكعادة المطاعم الشهيرة في تقديم طباخيها للزبائن، يتجول باولو على بعض الطاولات مبتسما للزبائن ويسألهم إن كان كل شيء على ما يرام.
وبين نيس وموناكو، تقع قرية «إيز» Eze الشهيرة ومساحتها لا تتجاوز 10 كيلومترات مربعة فهي على البحر المتوسط، وفي أعلى القرية تجربة فريدة أن يعيش الإنسان تجربة القرون الأولى، لكن في فنادق حديثة، حيث بإمكان السائح لا أن يزور القرية التي تبعد دقائق معدودة عن قلب موناكو، بل يختار له سكنا في إحدى القلاع، وفي أعلى نقطة، بإمكان الزائر أن يلتقط الصور التذكارية من أعلى القمة، أو في المقهى التابع لـ«شاتو إيزا هوتيل» Chateau Eza وهو الفندق الذي يحوي عشرات الغرف الموزعة في القرية.
في مدخل قرية إيزا، تجد الطراز المعماري الحجري القديم، وبإمكانك مشاهدة كيف كان السكان الأوائل يحمون قريتهم من الغزاة، عبر بعض الجدران المطعمة بفتحات للبنادق. ففي قرية إيزا، لا يوجد مصنع للعطور فقط، بل لوحة تاريخية شهيرة تتمثل في القرية التي مثّلت حصنا منيعا، فهي ليست شاهدة على تاريخ حديث فقط، وليست تلك القرية التي مر عليها لويس الخامس عشر ودمر تحصيناتها، بل لها تاريخ يعود إلى آلاف السنين، وكل ذلك حاضر عبر بنائها الحجري وحصونها المتلاصقة. وقرب إيزا، يقع مصنع العطور الشهير، يصل إليه الناس بمجرد السؤال: أين مصنع العطور؟ وبالقرب منه، بإمكان الزائر تجربة سيارة فيراري بسعر زهيد، لكن لمدة لا تتجاوز 10 دقائق.

* أشهر عناوين الإقامة
من يزور موناكو هذه الأيام سيتمتع بالجو والمطاعم، وأشهر فنادقها: أوتيل دو باريس Hotel de Paris وهيرمتاج Hermitage ومونت كارلو بيتش كلوب هوتيل Montecarlo Beach Club Hotel، ومونت كارلو باي هوتيل Montecarlo Bay Hotel، إلى جانب عشرات الفنادق العالمية الأخرى. وما يميز السياحة في موناكو، والتي اشتهرت لفترات طويلة أنها سياحة الأثرياء، أنه من الممكن زيارتها مشيا على الأقدام ولا حاجة لاستئجار سيارة إلا في حال كنت تنوي زيارة مدينتي إيزا ونيس.

* موناكو والطب
الأندية الرياضية في أنحاء العالم ترسل لاعبيها حين يتعرضون لإصابات للعلاج في موناكو، بل إن أشهر عمليات التجميل تقام في مستشفيات الإمارة الصغيرة الشهيرة بمصانع الكولاجين والبوتوكس ومستحضرات التجميل ومقاومة الشيخوخة.

* كلمة أخيرة
موناكو تستحق الزيارة، فمن يبحث عن الهدوء سيجده، ومن يبحث عن الفن فلن يضطر كثيرًا للبحث، فكل جدران الفنادق الشهيرة هناك لوحات فنية رسمت قبل مئات السنين، ومن يعشق لوحات الرسام الشهير ماتيس، كل ما عليه أن يستقل سيارته إلى نيس الفرنسية، ليشاهد أين كان يسكن الفنان العظيم، ويقضي وقتا ممتعا في السوق الشعبية في نيس، وبعدها يعود مرة أخرى إلى موناكو ليستجم في أحد المنتجعات، ويقضي وقت استرخاء بعيدا عن صخب المدن الكبيرة وأبواق السيارات، التي نادرا ما سيسمعها السائح هناك.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».