تفاقم الخلافات الشيعية ـ الشيعية حول مرجعية ميليشيات الحشد الشعبي

التيار الصدري والمجلس الأعلى يخشيان استئثار منظمة بدر بها وبوزارة الداخلية

عناصر في «عصائب أهل الحق» المنضوية ضمن ميليشيات «الحشد الشعبي» لدى وصولهم إلى البصرة أمس عائدين من جبهات القتال مع «داعش» (أ.ف.ب)
عناصر في «عصائب أهل الحق» المنضوية ضمن ميليشيات «الحشد الشعبي» لدى وصولهم إلى البصرة أمس عائدين من جبهات القتال مع «داعش» (أ.ف.ب)
TT

تفاقم الخلافات الشيعية ـ الشيعية حول مرجعية ميليشيات الحشد الشعبي

عناصر في «عصائب أهل الحق» المنضوية ضمن ميليشيات «الحشد الشعبي» لدى وصولهم إلى البصرة أمس عائدين من جبهات القتال مع «داعش» (أ.ف.ب)
عناصر في «عصائب أهل الحق» المنضوية ضمن ميليشيات «الحشد الشعبي» لدى وصولهم إلى البصرة أمس عائدين من جبهات القتال مع «داعش» (أ.ف.ب)

كشف سياسي شيعي مطلع، في حديث لـ«الشرق الأوسط» طالبا عدم الإشارة إلى اسمه أو هويته، أن «التغييرات واسعة النطاق التي أجرتها وزارة الداخلية مؤخرا لم تكن موضع رضا من قبل التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر والمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، بسبب طابع المفاجأة في هذه التغييرات التي شملت أكثر من 35 قائدا وضابطا كبيرا، ولم تناقش على ما يبدو داخل اجتماعات الهيئة السياسية للتحالف الوطني».
وردا على سؤال بشأن التأثيرات المتوقعة على مثل هذه التغييرات في وزارة الداخلية ما دامت في النهاية من حصة التحالف الوطني، قال السياسي الشيعي: «صحيح أن وزارة الداخلية من حصة التحالف الوطني، لكنها في إطار هذا التحالف هي من حصة منظمة بدر التي يتزعمها هادي العامري الذي يسيطر الآن على الحشد الشعبي، وهو ما يعني لاحقا هيمنة جهة واحدة داخل التحالف الوطني على أهم مفصلين الآن في الدولة، وهما الداخلية التي تلعب دورا مهما في التركيبة السياسية الحالية في العراق، وكذلك الحشد الشعبي»، موضحا أنه «في حال اختيار معظم القيادات البديلة في الداخلية وكذلك قيادة الحشد الشعبي من منظمة بدر، وكلاهما أقرب إلى ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، فسيعني هذا في النهاية أن قوة الحشد الشعبي والداخلية ستكون على حساب المجلس الأعلى والتيار الصدري».
ويربط السياسي الشيعي بين المساعي الخاصة بتقوية ميليشيات الحشد الشعبي والداخلية في سياق التغييرات الأخيرة وبين المخاوف التي حذر منها زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم عند لقائه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بشأن ما سماه مخطط لإثارة الفتنة في المحافظات الجنوبية وتسييس ميليشيات الحشد الشعبي، قائلا إن «المجلس الأعلى الإسلامي والتيار الصدري هما الآن أكثر انسجاما مع رئيس الوزراء حيدر العبادي على الرغم من أنه ينتمي إلى (دولة القانون)، ويسعيان إلى دعمه لجهة أنهما يريان أن الأسلوب الأمثل لمحاربة تنظيم داعش يتمثل في توحيد الصف الشيعي أولا والوطني ثانيا ولا يمكن أن يحصل ذلك من دون تقوية المؤسسة العسكرية وضبط إيقاع الحشد الشعبي لا سيما بعض فصائله التي لا تزال لديها خلافات مع التيار الصدري أو المجلس وحسم تبعيته للقيادة العامة للقوات المسلحة».
وكان كل من التيار الصدري والمجلس الأعلى انتقد التغييرات التي أجرتها وزارة الداخلية الأسبوع الماضي. وقال القيادي في التحالف الوطني محمد اللكاش، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «تغيير قيادات الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية لم يتم بشفافية». وأضاف اللكاش أنه «بالقدر الذي يبدو فيه التغيير مطلوبا لأنه يضخ دماء جديدة ويساعد على التخلص من الترهل الوظيفي، فإن عملية التغيير الأخيرة لم تتسم بالشفافية».
وكان زعيم المجلس الأعلى الإسلامي حذر مؤخرا من «مخطط لإثارة الفتنة في مناطق الجنوب في العراق من خلال المظاهرات تجاه تردي الخدمات»، في وقت دعا فيه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى تقوية ميليشيات الحشد الشعبي، وذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك عقداه في النجف أواخر الأسبوع الماضي. لكن موقفي الصدر والحكيم أظهرا تباينا واضحا مع ائتلاف دولة القانون على الرغم من أن رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي شددا على دعمه، ينتمي إلى ائتلاف دولة القانون، وهو ما بات يظهر المزيد من الخلافات داخل مختلف مكونات وتيارات التحالف الوطني.
وكانت المظاهرات التي جرت في محافظة البصرة أمس واحدة من علامات الاختلاف بين إرادات التحالف الوطني بشأن طبيعة القرار السياسي في المحافظات الجنوبية ذات الغالبية الشيعية، وهي المظاهرات التي طالبت بإقالة محافظ البصرة ماجد النصراوي الذي ينتمي إلى المجلس الأعلى الإسلامي، وعدل الطلب في ما بعد إلى استجوابه على خلفية ما عده المتظاهرون نقصا في الخدمات.
لكن عضو البرلمان العراقي عن كتلة المواطن التابعة للمجلس الأعلى عن محافظة البصرة، حسن خلاطي، قلل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من أهمية المظاهرات التي انطلقت في البصرة مؤخرا، قائلا إن «المظاهرة حق طبيعي شريطة أن تنطبق عليها شروط التظاهر، سواء من حيث العدد أو الترخيص والأهداف، وبالتالي فإن ما حصل في البصرة هو خروج عدد قليل من الأشخاص لا يتعدون العشرات ومن دون ترخيص للمطالبة بالخدمات وغيرها، علما بأننا كلنا ندعو ونطالب بل ونعمل على تحسين الخدمات، لكن ما نخشاه هو طبيعة الأهداف التي تكمن خلف هذه المظاهرات التي لا تشمل البصرة فقط، وإنما يراد أن تشمل المحافظات الجنوبية التي تنعم بالاستقرار»، لافتا إلى أن «البصرة هي مصدر خير العراق من حيث النفط، ووجود الشركات هناك، بالإضافة إلى مساعي جذب المستثمرين، وهو ما يتطلب بيئة آمنة. ولذلك فإن محاولات تعكير أمن الجنوب لا يمكن النظر إليها على أنه مجرد المطالبة بحقوق طبيعية على الرغم من أن ظاهرها كذلك».
وشدد خلاطي على أن «هناك حالة تنافس سياسي بين مختلف الكتل السياسية التي تعمل في المحافظات الجنوبية، لكن هناك من يريد أن يخرج التنافس السياسي عن سياقه الصحيح». وردا على سؤال عما إذا كان الخلاف حول ميليشيات الحشد الشعبي وقانون الحرس الوطني جزءا من هذا التنافس قال خلاطي «نعم هذا صحيح، إذ إننا كمجلس أعلى وكذلك الإخوة في التيار الصدري متفقون على إبعاد الحشد الشعبي عن التنافس السياسي، لأن تسييسه لا يصب في مصلحة البلد، كما أن تشريع قانون الحرس الوطني بات أمرا مهما للاستقرار في البلاد مستقبلا».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.