مصادر غربية: هذه مبادئنا للتفاوض حول اتفاق نهائي بشأن البرنامج النووي

استبعدت الاتفاق خلال ستة أشهر وربطت الإسراع به بموقف المفاوض الإيراني

مفتش من الوكالة الدولية للطاقة النووية يتحقق من عملية التخصيب داخل مفاعل ناطنز لتخصيب اليورانيوم بوسط ايران أمس (إ.ب.أ)
مفتش من الوكالة الدولية للطاقة النووية يتحقق من عملية التخصيب داخل مفاعل ناطنز لتخصيب اليورانيوم بوسط ايران أمس (إ.ب.أ)
TT

مصادر غربية: هذه مبادئنا للتفاوض حول اتفاق نهائي بشأن البرنامج النووي

مفتش من الوكالة الدولية للطاقة النووية يتحقق من عملية التخصيب داخل مفاعل ناطنز لتخصيب اليورانيوم بوسط ايران أمس (إ.ب.أ)
مفتش من الوكالة الدولية للطاقة النووية يتحقق من عملية التخصيب داخل مفاعل ناطنز لتخصيب اليورانيوم بوسط ايران أمس (إ.ب.أ)

تبدأ، الثلاثاء المقبل، في فيينا الجولة الأولى من المفاوضات بين مجموعة «5+1» (الدول الخمس دائمة العضوية وألمانيا) وإيران، سعيا لاتفاق نهائي وشامل بشأن البرنامج النووي الإيراني. وقالت مصادر أوروبية رفيعة المستوى إن المفاوضات يفترض أن تجري في أجواء «إيجابية» بفضل الاتفاق «المرحلي»، الذي توصل إليه الطرفان في جنيف، في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي قضى بتجميد الأساسي من النشاطات النووية الإيرانية مقابل رفع محدود للعقوبات المفروضة الاقتصادية والمالية على طهران، لكن المفاوضات المقبلة «ستكون أكثر حساسية وصعوبة وتعقيدا»، لأن الغرض التوصل إلى اتفاق على كل المسائل الشائكة التي ترك حلها للمرحلة النهائية.
وتؤكد المصادر الأوروبية أن الستة سيتعاطون مع إيران على هدي ثلاثة مبادئ أساسية؛ أولها تنفيذ التزامها المعلن والمنصوص عليه في الاتفاق المرحلي الخاص بامتناعها عن السعي للحصول على قدرات نووية عسكرية، بكل ما يستدعيه من الضمانات وإجراءات فنية، من بينها مثلا تخصيب اليورانيوم والتوقيع على البروتوكول الإضافي الذي يتيح للوكالة الدولية حرية تفتيش جميع المواقع الإيرانية وحتى الوصول إلى العلماء الإيرانيين. وينص المبدأ الثاني على آلية من شأنها أن لا تصل إيران إلى وضعية تمكّنها من الوصول بعد «مرحلة قصيرة»، إلى ما يسمى «العتبة النووية»، وتوفير هامش زمني من المناورة للأسرة الدولية للرد على ذلك. أما المبدأ الثالث فينص على توضيح «البعد العسكري» المفترض للبرنامج النووي الإيراني وفق الشكوك الغربية من خلال التزام إيران بتوضيح النقاط الغامضة في برنامجها والإجابة عن الأسئلة السبعة التي طرحتها الوكالة، والتي ما زالت حتى الآن من دون إجابات.
وعلى الرغم من التفاؤل الذي تعبر عنه تصريحات رئيس الجمهورية ووزير الخارجية الإيرانيين، فإن الغربيين «يستبعدون» التوصل إلى اتفاق شامل ونهائي في فترة الأشهر الستة التي تحدث عنها محمد جواد ظريف. ونص الاتفاق المرحلي على الحاجة لتوقع اتفاق نهائي خلال عام، على أن تكون مقسومة إلى فترتين تفاوضيتين، كلاهما من ستة أشهر. واستبعدت المصادر الأوروبية أن يرفض أحد الفرقاء التوقف عن التفاوض، بعد مرور الأشهر الستة الأولى.
وكما في جنيف، فإن كاثرين أشتون ستترأس وفد الستة، في حين سيأتي الوزير ظريف إلى فيينا ويتولى التفاوض عباس عراقجي، كبير المفاوضين الإيرانيين.
وستدور المفاوضات وفق المبدأ القائل إنه «لا اتفاق حول نقطة ما من غير الاتفاق على جميع النقاط»، مما يعني السعي لاتفاق شامل وطويل الأمد.
بيد أن المصادر الغربية تمتنع عن القول ما إذا كانت متفائلة أم لا، بشأن المفاوضات، وتربط مصيرها بالموقف الإيراني وبما سيطرحه وفد طهران على طاولة المفاوضات التي من المنتظر أن تدوم جولتها الأولى يومين. وقالت هذه المصادر إن كل النقاط «صعبة»، لكن الأصعب بينها يتناول موضوع التخصيب ومصير مفاعل «آراك» ونظام التفتيش الذي سيعمل به، وجهود إيران الباليستية والصاروخية التي قد تكون على علاقة بالبرنامج النووي.
ويريد الغربيون أن يكون نظام الرقابة بمستوى المعايير الدولية، كما أنهم متمسكون بأن يصادق البرلمان الإيراني على البروتوكول الإضافي الذي يتيح لمفتشي الوكالة الدولية أن يزوروا جميع المواقع ذات الصلة، من غير إنذار مسبق. وكانت الحكومة الإيرانية وقعت على البروتوكول لكنه بقي من غير تصديق.
وعلى الرغم من المفاوضات السرية التي جرت بين الأميركيين والإيرانيين في طهران ابتداء من الربيع الماضي في مسقط، فإن باريس «استبعدت» أن تحصل مفاوضات سرية أخرى من وراء ظهر الآخرين في مجموعة الست. وفي كل حال، فإنها تعدّ أن أي اتفاق جانبي بين طهران وواشنطن لن تكون له قيمة ما لم يمر عبر الكونغرس، الذي يتبع سياسة أكثر تشددا إزاء إيران من إدارة أوباما.
وتمثل إشكالية التخصيب المسألة الأكثر حساسية في المفاوضات المقبلة، بيد أن الموقف الغربي تطور. وبعد أن كان الغربيون يصرون على أن معاهدة منع انتشار السلاح النووي لا تعطي الحق لإيران بالتخصيب، فإن المصادر الأوروبية أفادت بأن التعاطي معها سيجري من زاوية أخرى، هي مدى حاجة إيران للتخصيب وبأي كميات. ويمكن أن يفهم هذا التطور على أنه «قبول» بأن يكون لإيران الحق بالتخصيب، ولكن في حدوده الدنيا (دون الخمسة في المائة).
وأفاد خبير غربي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» بأن ما يسعى إليه الغربيون هو أن تخفض طهران طارداتها من 19 ألف طاردة إلى ما بين 3 و4 آلاف طاردة وأن توقف العمل بموقع فوردو الذي يتيح التخصيب بنسبة 20 في المائة «وربما أكثر»، وأن تدخل تعديلات على مفاعل «آراك» (قيد الإنشاء)، بحيث لا يعمل بالمياه الثقيلة ولا ينتج البلوتونيوم. ويتيح البلوتونيوم المعالج، مثله مثل اليورانيوم المخصب بنسبة عالية تجاور الـ90 في المائة، من إنتاج القنبلة النووية.
وفضلا عن ذلك، سيطالب الغربيون إيران بأن «تعطل» أو تحول كميات كبيرة من اليورانيوم متوسط التخصيب، بحيث تبتعد عن «حافة» الكميات الضرورية لإنتاج السلاح النووي. وبالطبع، سيثير الغربيون مسألة القدرة الصاروخية الإيرانية، وسيطالبون بتحجيمها بحيث لا تكون مسخّرة لأغراض استخدام السلاح النووي.
وخلاصة القول، فإن الغربيين يريدون عمليا «تعطيل» قدرات إيران التي تمكّنها من الاقتراب من السلاح النووي. وكان الرئيس الأميركي الذي هدد باستخدام حق النقض ضد أي عقوبات جديدة يقررها الكونغرس خلال فترة الأشهر الستة الخاصة بالاتفاق المرحلي قد رأى أن حظوظ النجاح بالتوصل إلى اتفاق نهائي بحدود الـ50 في المائة. لكن الأمور يمكن أن تتعقد إيرانيا إذ إن إيران مقبلة على انتخابات تشريعية في الخريف المقبل، كما أنها يمكن أن تتعقد أميركيا، بسبب الانتخابات النصفية وما تشهده من مزايدات وضغوط على الإدارة.
وسيلعب الستة ورقة العصا والجزرة؛ العصا لجهة إفهام الإيرانيين أن عدم التوصل إلى اتفاق سيعيد العمل بآلية تشديد العقوبات التي جمدت مرحليا، والتي تخنق إلى حد بعيد الاقتصاد الإيراني، الذي سيخسر في الأشهر الستة (حتى يونيو «حزيران» المقبل) 30 مليار دولار من عائدات النفط. والجزرة من خلال إبراز المكاسب الإيرانية في حال الاتفاق، وليس أقلها الرفع الفوري للعقوبات ودمج إيران في الدورة الاقتصادية العالمية وتطبيع العلاقات معها وتسهيل عمل الشركات.



إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
TT

إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)

كان بودي، وهو بائع فاكهة إندونيسي، يبحث عن مستقبل أفضل عندما استجاب لعرض عمل في مجال تكنولوجيا المعلومات في كمبوديا، لكنّه وجد نفسه في النهاية أسير شبكة إجرامية تقوم بعمليات احتيال رابحة عبر الإنترنت.

يقول الشاب البالغ 26 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم ذكر كنيته: «عندما وصلت إلى كمبوديا، طُلب مني أن أقرأ سيناريو، لكن في الواقع كنت أعد لعمليات احتيال».

داخل مبنى محاط بأسلاك شائكة وتحت مراقبة حراس مسلّحين، كانت أيام بودي طويلة جداً، إذ كان يقضي 14 ساعة متواصلة خلف شاشة، تتخللها تهديدات وأرق ليلي.

وبعد ستة أسابيع، لم يحصل سوى على 390 دولاراً، بينما كان وُعد براتب يبلغ 800 دولار.

وفي السنوات الأخيرة، اجتذب آلاف الإندونيسيين بعروض عمل مغرية في بلدان مختلفة بجنوب شرقي آسيا، ليقعوا في نهاية المطاف في فخ شبكات متخصصة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.

أُنقذ عدد كبير منهم وأُعيدوا إلى وطنهم، لكنّ العشرات لا يزالون يعانون في مصانع الاحتيال السيبراني، ويُجبرون على البحث في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها عن ضحايا.

تروي ناندا، وهي عاملة في كشك للأطعمة، كيف سافر زوجها إلى تايلاند في منتصف عام 2022 بعد إفلاس صاحب عمله، وانتهز فرصة كسب 20 مليون روبية (1255 دولاراً) شهرياً في وظيفة بمجال تكنولوجيا المعلومات نصحه بها أحد الأصدقاء.

لكن عندما وصل إلى بانكوك، اصطحبه ماليزي عبر الحدود إلى بورما المجاورة، مع خمسة آخرين، باتجاه بلدة هبا لو، حيث أُجبر على العمل أكثر من 15 ساعة يومياً، تحت التهديد بالضرب إذا نام على لوحة المفاتيح.

وتضيف المرأة البالغة 46 عاماً: «لقد تعرض للصعق بالكهرباء والضرب، لكنه لم يخبرني بالتفاصيل، حتى لا أفكر بالأمر كثيراً».

ثم تم «بيع» زوجها ونقله إلى موقع آخر، لكنه تمكن من نقل بعض المعلومات بشأن ظروفه إلى زوجته، خلال الدقائق المعدودة التي يُسمح له فيها باستخدام جواله، فيما يصادره منه مشغلوه طوال الوقت المتبقي.

غالباً ما تكون عمليات التواصل النادرة، وأحياناً بكلمات مشفرة، الأدلة الوحيدة التي تساعد مجموعات الناشطين والسلطات على تحديد المواقع قبل إطلاق عمليات الإنقاذ.

«أمر غير إنساني على الإطلاق»

بين عام 2020 وسبتمبر (أيلول) 2024 أعادت جاكرتا أكثر من 4700 إندونيسي أُجبروا على إجراء عمليات احتيال عبر الإنترنت من ثماني دول، بينها كمبوديا وبورما ولاوس وفيتنام، بحسب بيانات وزارة الخارجية.

لكن أكثر من 90 إندونيسياً ما زالوا أسرى لدى هذه الشبكات في منطقة مياوادي في بورما، على ما يقول مدير حماية المواطنين في وزارة الخارجية جودها نوغراها، مشيراً إلى أنّ هذا العدد قد يكون أعلى.

وتؤكد إندونيسية لا يزال زوجها عالقاً في بورما أنها توسلت إلى السلطات للمساعدة، لكنّ النتيجة لم تكن فعّالة.

وتقول المرأة البالغة 40 عاماً، التي طلبت إبقاء هويتها طي الكتمان: «إنه أمر غير إنساني على الإطلاق... العمل لمدة 16 إلى 20 ساعة يومياً من دون أجر... والخضوع بشكل متواصل للترهيب والعقوبات».

ويقول جودا: «ثمة ظروف عدة... من شأنها التأثير على سرعة معالجة الملفات»، مشيراً خصوصاً إلى شبكات مياوادي في بورما، حيث يدور نزاع في المنطقة يزيد من صعوبة عمليات الإنقاذ والإعادة إلى الوطن.

ولم تتمكن الوكالة من التواصل مع المجلس العسكري البورمي أو المتحدث باسم جيش كارين الوطني، وهي ميليشيا تسيطر على المنطقة المحيطة بهبا لو، بالقرب من مياوادي.

وتشير كمبوديا من جانبها إلى أنها ملتزمة باتخاذ إجراءات ضد هؤلاء المحتالين، لكنها تحض أيضاً إندونيسيا والدول الأخرى على إطلاق حملات توعية بشأن هذه المخاطر.

وتقول تشو بون إنغ، نائبة رئيس اللجنة الوطنية الكمبودية للتنمية، في حديث إلى الوكالة: «لا تنتظروا حتى وقوع مشكلة لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا البلد أو ذاك. هذا ليس بحلّ على الإطلاق».

وتضيف: «لن نسمح بانتشار مواقع الجرائم الإلكترونية هذه»، عادّة أن التعاون الدولي ضروري لوقف هذه المجموعات، لأنّ «المجرمين ليسوا جاهلين: ينتقلون من مكان إلى آخر بعد ارتكاب أنشطتهم الإجرامية».

«جحيم»

تقول هانيندا كريستي، العضو في منظمة «بيراندا ميغران» غير الحكومية التي تتلقى باستمرار اتصالات استغاثة من إندونيسيين عالقين في فخ هذه الشبكات: «الأمر أشبه بعبودية حديثة».

وتمكّن بودي من الفرار بعد نقله إلى موقع آخر في بلدة بويبيت الحدودية الكمبودية.

لكنه لا يزال يذكر عمليات الاحتيال التي أُجبر على ارتكابه. ويقول: «سيظل الشعور بالذنب يطاردني طوال حياتي».