لاجئو الروهينغيا.. ثمن الهروب من القمع

العالم يتفرج على أكبر تحد آسيوي منذ حرب فيتنام.. و5 دول مجاورة ترفض وجودهم.. أو استقبالهم

لاجئو الروهينغيا.. ثمن الهروب من القمع
TT

لاجئو الروهينغيا.. ثمن الهروب من القمع

لاجئو الروهينغيا.. ثمن الهروب من القمع

مع تواصل كفاح أوروبا مع نصيبها المقسوم من مشكلات المهاجرين القادمين من أفريقيا والشرق الأوسط، الفارين جراء الحرب والفقر والاضطهاد في أوطانهم، تتبدى على الجانب الآخر من العالم في جنوب شرقي آسيا أزمة جديدة للاجئين؛ حيث يخاطر المئات، بل والآلاف من المهاجرين بحياتهم على قوارب يعبرون بها إلى الدول المجاورة غير المرحبة بهم.
يغامر المئات والآلاف من مسلمي طائفة الروهينغيا في ميانمار وأصحاب الفقر المدقع في بنغلاديش بأرواحهم في قوارب تجوب بحر اندامان، وصولا إلى سواحل تايلاند، وماليزيا، وإندونيسيا، محاولين الدخول إلى تلك البلدان المذكورة بحثا عن حياة أفضل.
الفارق الوحيد بين هاتين الهجرتين هو، على العكس من الاتحاد الأوروبي، أن مجموعة دول الآسيان (رابطة دول جنوب شرقي آسيا)، تعمل على طرد اللاجئين إلى أوطانهم خشية زيادة وطأة الأعباء الأمنية، والمالية، أو وقوع أزمة إنسانية، ولا يقدمون إلا النذر اليسير لمجرد مناقشة الوصول لحل دولي لأزمتهم.

ظلت الحدود التايلاندية – الماليزية - الإندونيسية، ولسنوات طويلة، نقطة عبور رئيسية للمهاجرين غير الشرعيين، الذين يستخدمون سبيلا معروفا جيدا، ويغادرون على متن قوارب متهالكة عبر بحر اندامان وخليج البنغال إلى بحار تايلاند، ثم إلى سواحل ماليزيا. يأتي اللاجئون من المجتمعات المسلمة في ميانمار المعروفون باسم الروهينغيا. كما تتوافد أعداد كبيرة من المهاجرين لأسباب اقتصادية من بنغلاديش، مما يزيد الأزمة تعقيدا.
ولكن هذا العام، ومع الحقائق المروعة التي تتكشف من السفن الغارقة والوفاة الناجمة عن سوء التغذية مع فرار المهربين من شحناتهم البشرية في البحر والمعسكرات، وزيادة نشاط الدوريات من قبل حكومات ماليزيا وتايلاند وإندونيسيا على الطرق البرية المعتادة والحملات التي تشنها على شبكات التهريب، فإن أزمة اللاجئين استرعت اهتماما وانتباها دوليا كبيرا.
كما تم العثور على مقابر جماعية مؤخرا في ماليزيا بالقرب من الحدود مع تايلاند، مما يضيف إلى سلسلة المقابر المكتشفة بالفعل في تايلاند، وزاد من انخراط العالم في أزمة اللاجئين هناك.

سبب الأزمة

إن الأسباب معقدة ومتشابكة. بدأت المشكلة في ميانمار أو بورما، المستعمرة البريطانية السابقة، التي تسم سكانها من الروهينغيا البالغين 1.3 مليون نسمة بـ«الأجانب التابعين لبنغلاديش» المجاورة، وتفرض عليهم قيودا قمعية قاسية وتحرمهم من حق المواطنة، على الرغم من أن كثيرا منهم تعود أصولهم إلى أجيال سابقة.
وساءت الأمور منذ 2012 حينما أسفرت الاشتباكات مع البوذيين عن مقتل 200 شخص، وترك عشرات الآلاف من مسلمي الروهينغيا أسرى مخيمات اللاجئين المتواضعة. وهم لا سلطة لهم في البلاد ذات الأغلبية البوذية، وبالتالي يفرون من التمييز على يد أغلبية ميانمار من البوذيين والاضطهاد الحكومي خوفا على حياتهم.
ومع ذلك، فإن لاجئو بنغلاديش الذين يمرون من الطرق البحرية الخطيرة سعيا للجوء السياسي يفعلون ذلك هربا من الظروف الاقتصادية الطاحنة في بلادهم. وبالتالي، فإن السبب الأساسي لمآسي المهاجرين هو مواقف وسياسات الدول المعنية بالأزمة، بنغلاديش وميانمار على وجه التحديد.
ثانيا، يتلقى شركاء ميانمار من رابطة دول الآسيان قدرا من اللوم كذلك، كما يقول النقاد، لتوفير عامل «الجذب»، متجاهلين الطريقة التي يصل بها المهاجرون غير الشرعيين إلى بلادهم، ويستغلونهم في العمال الرخيصة ويمنعون عنهم أبسط حقوق الحماية الأساسية.
يقول البروفسور سي. ماهاباترا من جامعة دلهي: «الآن وبعد تفاقم المشكلة، يسلط الضوء على الحكومات للتصرف». ويعتقد أن المسؤولين الفاسدين في كثير من بلدان رابطة دول الآسيان يساعدون في تسهيل تدفق اللاجئين غير الشرعيين.
ويجني تجار البشر الجشعون بصورة متزايدة كثيرا من الأرباح، حتى إنهم تحولوا مؤخرا إلى توفير المرور المجاني لبعض المهاجرين. إن فشل كثير من دول رابطة الـ«آسيان» في الالتزام بالعهود الدولية لحقوق الإنسان، ونقص التكامل بين مسؤولي إنفاذ القانون هناك والنظم القانونية المختلفة، أدى إلى انفجار الأزمة.
يقول راجا موهان، وهو معلق سياسي مقيم في دلهي: «لسنوات عدة، أدى اضطهاد وحرمان الروهينغيا، إلى تفكير عائلات بأسرها في أنهم لا خيار أمامهم سوى محاولة الهجرة إلى دول أخرى. يتعين على ميانمار إيقاف الاضطهاد بحق الروهينغيا، وكذلك يجب أن تهدأ الظروف القهرية للغاية في بنغلاديش، كما ينبغي مواجهة الاتجار في البشر والفساد من قبل الحكومات فقط»، مضيفا أن كل الدول الكبرى، ومن بينها الدول ذات النفوذ والتأثير على ميانمار مثل كندا والولايات المتحدة، شاهدت الحكومة وهي تمارس الاضطهاد بلا هوادة ضد الروهينغيا، وتجبرهم على مغادرة منازلهم إلى معسكرات الاعتقال، وتحرمهم من حقوق مثل التعليم والوظائف والرعاية الصحية.
في الوقت ذاته، فإن رابطة الـ«آسيان» التي تعد ميانمار أحد أعضائها، لديها واحد من المبادئ الأساسية لعدم التدخل في شؤون الدول الأعضاء بالرابطة. وقد واجهت المنطقة الانتقادات حيال دبلوماسيتها الخجولة، خصوصا فشلها في كبح ما يعرف بأنه الإساءة المنظمة من الأغلبية البوذية تجاه أقلية الروهينغيا المسلمة غير المرغوب فيهم، مما دفع الآلاف من الأقلية المسلمة للفرار نحو الخارج. تصر ميانمار على أن الروهينغيا من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من بنغلاديش المجاورة وأنها غير مسؤولة عنهم.
وتعجز رابطة دول الـ«آسيان» عن فرض إرادتها السياسية، خصوصا بالنظر إلى التحدي الجديد من واقع أن إحدى دول الرابطة - ميانمار - تعد من أكبر مصادر اللاجئين، حسبما يقول المحللون.
يقول البروفسور غولشان ساشديفا من دلهي، وهو مختص في دراسات كتلة الـ«آسيان»: «الآن عادت المشكلة لتؤرق كتلة الـ(آسيان) منذ أن غضت الطرف عن مجازر ميانمار ضد الروهينغيا. هناك كثير من طبقات التعقيد تشوب تلك الأزمة، ومن بينها سياسة عدم التدخل وعدم انتقاد الحكومات الأعضاء في الرابطة بأساليب أرست لسوابق لا توفر الارتياح للدول الأعضاء. ويبدو أن الرابطة غير مستعدة للتعامل جديا مع قضية المهاجرين».
ونقلت صحيفة «بانكوك بوست» عن ألان تشونغ، من كلية «سان راجاراتنام للدراسات الدولية»: «للعمل على تعزيز عامل (الدفع)، يبدو أن رابطة الـ(آسيان) سوف تنتهج سياسة الدبلوماسية الهادئة التي تحفظ ماء وجه حكومة ميانمار. ومع زيادة الاستثمارات القادمة من جنوب شرقي آسيا منذ الانفتاح السياسي لميانمار في عام 2011، فإن البلاد قد تكون عرضة بصورة متزايدة للنفوذ الخارجي».

الموانع

واجهت كل من ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند الانتقادات الدولية لطرد السفن المليئة بمئات المهاجرين المرضى والجوعى، مما يبدو أنه قلق من أن تكون رسالة إيجابية لمجيء المزيد من المهاجرين. يوجد حاليا في ماليزيا أكثر من 45 ألف لاجئ من مسلمي الروهينغيا وطالبي اللجوء السياسي، وفقا لوكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
يقول السيد انيفا، وزير الشؤون الخارجية الماليزي: «قلت مسبقا إننا لا نستطيع قبول المزيد منهم، حيث إن أعدادا كبيرة موجودة على أراضينا بالفعل، وحتى الآن لا توجد دولة تريد استقبالهم». وقال برايوث تشان أوشا، رئيس وزراء تايلاند، إن بلاده ليست لديها القدرة على التعامل مع تدفق المهاجرين، و«من أين نوفر لهم الميزانية؟».
يقول سيد حامد البار، وزير خارجية ماليزيا الأسبق ومبعوثها الحالي في قضية الروهينغيا لدى منظمة التعاون الإسلامي: «إذا استقبلت دول المنطقة لاجئي الروهينغيا، فسوف تصل الرسالة وتتشجع ميانمار على طرد المزيد من سكان تلك الأقلية خارج البلاد»، وفقا لصحيفة «ستريت تايمز».
ويسعى لاجئو الروهينغيا حاليا إلى التأقلم على حياة اللجوء في مخيم «بيرم باين» بمنطقة آتشيه الشرقية بإندونيسيا، الذي نقلتهم إليه الحكومة الإندونيسية، عقب انتشالهم من عرض البحر الذين كانوا عالقين فيه، بعدما تخلى عنهم المهربون الذين وعدوهم بإيجاد عمل لهم في ماليزيا وتايلاند، مقابل مبلغ من المال. ووزعت السلطات الإندونيسية، ملابس وأغذية على اللاجئين الذين يعانون من مشكلات صحية نتيجة بقائهم فترة طويلة في البحر، حيث يخضعون لرعاية طبية في المخيم. وأوضح اللاجئ محمد راشد، الذي وصل للمخيم قبل أيام، أنه كان عالقًا في البحر منذ 4 أشهر، بعدما تعرض للطرد من ميانمار «بقوة السلاح» مضيفًا: «نُقلنا عبر قوارب إلى سفينة تنتظر في البحر بين بنغلاديش وميانمار، على شكل دفعات مؤلفة من 13 شخصًا».
وأردف راشد: «كنا في السفينة 450 شخصًا، واستطعنا البقاء على قيد الحياة عبر تناول 10 كيلوغرامات من الأرز فقط. قبطان السفينة البوذي تركنا، وأنقذنا صيادون إندونيسيون». وذكر مسؤولون إندونيسيون أنهم نقلوا 357 روهينغيًّا بينهم 84 طفلاً، إلى مخيم «بيرم باين» الذي أقيم حديثًا في آتشيه الشرقية.
وحتى الآن لا توجد معلومات دقيقة حول عدد العالقين في عرض البحر، من المهاجرين الروهينغيين والبنغال، حيث أفادت بعض الأنباء سابقا أن عدد المهاجرين الذين تركهم مهربو البشر عالقين في البحر بلغ قرابة 4 آلاف مهاجر، بينما أعلنت مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في وقت سابق، أن عددهم بلغ 2000 مهاجر.

الحالة الراهنة والحلول الممكنة

بعد المزيد من الضغوط الدولية والانتقادات، وافقت رابطة الـ«آسيان» على العمل معها ومحاولة إيقاف أزمة المهاجرين في المنطقة.
وافقت الدول على تكثيف عمليات البحث والإنقاذ فضلا عن التعامل مع الأسباب الجذرية لمشكلة الهجرة من خلال مؤتمر إقليمي يعقد في بانكوك. وصرحت كل من ماليزيا وتايلاند وإندونيسيا، التي عارضت من قبل استقبال اللاجئين، بأنها سوف تستمر في توفير الملاجئ المؤقتة للمهاجرين، شريطة أن يعيد المجتمع الدولي توطينهم أو إجلائهم في غضون عام.
في الأثناء ذاتها، وفي أول محاولة دولية حقيقية للوصول إلى حل جماعي ومستديم لأزمة الروهينغيا، أو تحريا للدقة، الاجتماع الخاص حول الهجرة غير النظامية في المحيط الهندي (كما يعرف نظرا لتهديد ميانمار بعدم الحضور إذا ما استخدم اسم «الروهينغيا») الذي عقد يوم 30 مايو (أيار) الماضي في بانكوك، فقد شاركت فيه 17 دولة، ومن بينها مجموعة دول رابطة الـ«آسيان»، وأستراليا، وممثلون عن المنظمات الدولية مثل وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة.
ومع مشاركة كثير من الدول - ومن بينها ميانمار – فإن هذا يعد تقدما ملحوظا في حد ذاته. وكانت أكثر النتائج تشجيعا هو الإجماع العام على مواصلة استمرار تلك المناقشات. ورغم ذلك، لم يسفر الاجتماع عن أي حلول كبرى، واتفقت الوفود المشاركة على مواصلة المباحثات والاستعداد حاليا لتوفير الإنقاذ والمأوى المؤقت للاجئين. وجاءت الجهود السابقة بلا نتائج تذكر نظرا لعدم مشاركة ميانمار فيها.
وقد أقرت ميانمار بالمخاوف الدولية حيال ركاب القوارب المهاجرين، ولكنها رفضت تلقي اللوم إزاء ذلك بمفردها. كما وافقت بنغلاديش أيضا على التعامل مع الجذور الأصلية للأزمة والعمل بالتنسيق مع رابطة الـ«آسيان». ويأمل وزير الخارجية الماليزي داتوك سيري انيفا أمان، في الوصول إلى خطة تقدم إلى دول رابطة الـ«آسيان» العشر التي تترأس ماليزيا دورتها الحالية. وتعهدت الولايات المتحدة الأميركية بمبلغ 3 ملايين دولار وتعهدت أستراليا بمبلغ 4.6 مليون دولار في حزمة للمساعدات الإنسانية في ميانمار.
في الوقت ذاته، قالت الفلبين إنها على استعداد للمساعدة في أزمة مهاجري القوارب، مما يزيد من الآمال لوصول إلى حل ممكن حيث يطرد جيرانها المهاجرين بعيدا.
حتى الولايات المتحدة عرضت استقبال بعض من أكثر الضحايا تضررا، مما يعد اختبارا حقيقيا لرابطة الـ«آسيان» البالغة من العمر 48 عاما، فعليها العمل بصفتها رابطة لها صوت واحد، وإلا سوف تبعث برسالة شديدة السلبية. وتحت حكم التاريخ، فإن تلك الالتزامات طويلة الأجل، خصوصا من الناحية المالية، غالبا ما تواجه التعقيد في منتصف الطريق حينما لا توجد تغطية إعلامية مناسبة للقضية، إلى جانب الديناميات المحلية المجتمعية؛ حيث إن الأموال المتعهد بها في اجتماع بانكوك ضئيلة للغاية، وهناك حاجة إلى مزيد في المستقبل.
تأتي تلك الأزمة بوصفها أكبر اختبار تواجهه رابطة الـ«آسيان» منذ حرب فيتنام، حتى لو استطاعت الرابطة حماية حياة المهاجرين، وإلى أي مدى يمكن للرابطة مواجهة أحد أعضائها في هذه القضية، وفي هذه الحالة هي ميانمار. إن الرهانات عالية، نظرا للاهتمام العالمي والأزمة المتفاقمة، واحتمال وفاة كثير من المهاجرين إذا لم تستقبلهم أي دولة من دول الجوار.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».