احتفلت الإذاعة المصرية بعيدها ال81 يوم أمس، والذي يوافق نهاية شهر مايو (أيار) سنويا.. ولكن خلال الشهر الماضي، ومع موجات انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ الذي تعاني منه مصر في الآونة الأخيرة ، نتيجة أعمال إرهابية أو أعطال فنية وزيادة أحمال، تعرض مبني الإذاعة والتليفزيون ماسبيرو بوسط القاهرة، إلي انقطع البث الإذاعي والتليفزيوني مرتين لفترات قصيرة، واسودت كل شاشات التلفزيون المصري وانقطع البث عن محطات الإذاعة، بينما لاحظ العاملون في المبنى وخصوصا المذيعين والفنيين أن المبنى بالكامل ظل مضاء بالكهرباء والمصاعد تعمل، وتبين أن خط الكهرباء والمسؤول عن تغذية المبنى هو الذي يعمل فقط، بينما تعطلت شبكة الكهرباء المغذية للبث التلفزيوني والإذاعي.
وحينها ، قالت نادية مبروك ، رئيس الإذاعة المصرية، أن الإذاعات لم تتأثر بانقطاع التيار الكهربائي، خاصة أن فترة الانقطاع لم تتعد الدقيقة. وأشارت رئيس الإذاعة، في تصريح لها، إلى عودة التيار الكهربائى مباشرة، وأن العمل يسير بانتظام وبث البرامج يتم في توقيتاتها المحددة ولفت إلى أن هناك تنسيقا مع قطاع الهندسة الإذاعية المختص بمتابعة الشأن الفنى للبث، مؤكدة أن التعامل مع الحادث الطارئ تم بشكل سريع، حيث لم تتأثر الخدمة المقدمة للجمهور.
وفي تعليق له على الواقعة، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الإذاعة والتليفزيون المصريين هما "مسألة أمن قومي"، ولا يمكن السماح أو التهاون في وقف البث "دقيقة واحدة" .. كما توعدت الحكومة بمحاسبة المسؤول عن انقطاع البث.
ويعد هذا المشهد ، إلي أذهان وأذان المستمعين ، المصريين والعرب ، حكاية مؤثرة تظهر مدي تأثير الإذاعة المصرية في وجدان الوطن العربي، أثناء العدوان الثلاثي علي مصر. وتحديدا في يوم الجمعة 2 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1956، صدر عن القوات المصرية البلاغ رقم 14 وجاء فيه: «في الساعة الحادية عشرة ونصف صباحاً حدثت غارة جوية على قرية مصرية في أبي زعبل وكذلك على أجهزة إرسال محطة الإذاعة المصرية ما سبّب عطلاً فيها وبعض الخسائر الأخرى التي لم تحدد بعد».. حيث قامت الطائرات الفرنسية والبريطانية بتوجيه ضربات جوية على الأهداف المصرية طوال يومي 2 و3 نوفمبر، ونجحت إحدى الغارات في تدمير هوائيات الإرسال الرئيسية للإذاعة المصرية في منطقة صحراء أبي زعبل شمال القاهرة قبل أن يلقي الرئيس المصري عبد الناصر خطبته من فوق منبر الجامع، فتوقفت الإذاعة المصرية عن الإرسال، وهنا كانت المفاجأة الكبرى التي صعقت من أراد إسكات صوت الإذاعة المصرية.، فقد انطلقت إذاعة «دمشق» على الفور بالنداء «هنا القاهرة من دمشق، هنا مصر من سورية، لبيك لبيك يا مصر».
الجملة قالها حينها الإعلامي السوري، الهادي البكار الذي كان يعمل في إذاعة دمشق، حين قامت الطائرات المغيرة وقتئذٍ بقصف محطات الإرسال الإذاعي المصري في ( أبي زعبل)، ممّا حرم الشعب السوري من متابعته اليومية لأحداث المعركة، وملاحقته لما تبثّه الإذاعات المصرية ليل نهار، فما كان من المذيع البكار، إلا أن اقتحم أحد استوديوهات الإذاعة السورية، ليطلق لصوته العنان صارخاً بالجملة السابقة، وهكذا تحوّلت الإذاعة السورية إلى إذاعة مصرية خلال أيام العدوان الثلاثي
ويقول محمد أمين حماد الرئيس الأسبق للإذاعة المصرية، في احد التصريحات الصحفية، عن أحداث القتال يوم الجمعة 2نوفمبر( تشرين الثاني) 1956:« وما أن قصفت هوائيات الإذاعة المصرية وأسكتت إرسالها حتى أعلنت إذاعة دمشق نداء «هنا القاهرة». وأيضاً تذكر موسوعة مقاتل من الصحراء نفس الحادثة وتقول: «أعلنت إذاعة دمشق نداء ” هنا القاهرة.
وانطلق البث الأول للإذاعة المصرية في يوم 31 مايو (أيار) عام 1934، والذي اتخذ عيدا للإذاعة.. وعرفت مصر الإذاعة في مراحل متقدمة وبالتحديد في سنة 1925 ، أى بعد ظهور أول محطة إذاعية في العالم بخمسة سنوات، من خلال محطات أهلية يملكها بعض الهواة وتعتمد في تمويلها على الإعلانات التجارية ومن أمثلتها في لك الوقت راديو فاروق، راديو فؤاد، راديو فوزية، راديو سابو. وفى بداية مايو 1926 م صدر المرسوم الملكى يحدد شروط استخراج تراخيص الأجهزة اللاسلكية طبقا للاتفاقيات الدولية، وبدأت هذه المحطات الأهلية تذيع بالعديد من اللغات كاللغة العربية وللأجانب في مصر كانت تذيع بالإنجليزية والفرنسية والإيطالية.
وكانت إذاعة "مصر الجديدة"، هي أول إذاعة أهلية، وبعد عامين افتتحت محطة أهلية أخرى أوروبية هي إذاعة “سابو”، وفي العام 1932 افتتحت “محطة راديو الأمير فاروق” وفى الإسكندرية افتتحت إذاعتان أشهرهما “محطة راديو فيولا”.
هذه الإذاعات كان يقوم بتشغيلها هواة، لذلك استخدموها كما يحلو لهم، فبعضهم استخدمها لبث رسائل الغرام، والبعض الآخر في الاعلان عن البضائع وايضا للرسائل الخاصة والموجهه إلى اصدقائهم ولقد حاولت الحكومة المصرية، آنذاك، تنظيم الإذاعات الأهلية والسيطرة عليها.
ويقال انه في بداية البث الإذاعي، في عام 1934، طلبت الإذاعة المصرية من الشيخ الجليل محمد رفعت أن يبدأ البث الإذاعي بصوته العذب بتلاوة بعض الآيات القرآنية ، فتلي "إنا فتحنا لك فتحا مبينا" ، وكانت جملة "هنا القاهرة" من أشهر الجمل التي تقال حتي يومنا هذا ، في بداية البرامج والفواصل الإذاعية و قبل النشرات الإخبارية ، خاصة في الإذاعات الحكومية ، مثل البرنامج العام ، والشرق الأوسط والقاهرة الكبرى، وهي جملة شهيرة قالها المذيع أحمد سالم .
وفي هذا العام ، قررت الإذاعات المصرية الاحتفال بطريقة مميزة ومختلفة ، بجانب عرض البرامج الإذاعية التي توثق لسنوات العطاء والثقافة والتأثير في مخيلة أجيال عديدة من المصريين والعرب .
حيث توجه وفدا إذاعيا إلى موقع مشروع قناة السويس الجديدة ،وضم الوفد رؤساء الشبكات اﻻذاعية المختلفة وعددا من شباب اﻻذاعيين ، ليتواكب الاحتفال هذا العام مع ما تشهده مصر من مشروعات قومية عملاقة تطمح ان ترفع من شأنها الداخلي والعالمي.
هنا القاهرة".. 81 عاما من الصمود
تاريخ من الاعتزاز العربي وأمن قومي مصري

هنا القاهرة".. 81 عاما من الصمود

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة