المنحى البيدوفيلي في «جراح الروح والجسد» لمليكة مستظرف

نص روائي جريء يخل باشتراطات بنيته السردية

غلاف جراح الروح والجسد
غلاف جراح الروح والجسد
TT

المنحى البيدوفيلي في «جراح الروح والجسد» لمليكة مستظرف

غلاف جراح الروح والجسد
غلاف جراح الروح والجسد

تُعتبر رواية «جراح الروح والجسد» للكاتبة المغربية مليكة مستظرف عملاً استثنائيًا لأسباب متعددة من بينها الجرأة في كشف المستور، وتعرية المسكوت عنه، وفضح الموضوعات المحجوبة وانتهاكها من دون لفّ أو دوران. إنَّ مَنْ يقرأ هذه الرواية بعناية فائقة، فسيكتشف من دون لأي أن موضوعها بسيط جدًا، وأن تقنياتها تخلو من التعقيدات السردية المتعارف عليها، خصوصا أن الساردة تعتمد كثيرًا على ضمير المتكلم ولا تجد ضيرًا في خرق القيم الثابتة، وانتهاك الموضوعات السريّة المطمورة في أعماق الكائن البشري الذي قد لا يميل بالضرورة إلى البوح والمكاشفة.
ورغم تنوّع الثيمات التي عالجتها الكاتبة في هذه الرواية، وعلى رأسها الحُب والفقد والسفر واكتشاف الذات، لكن «البيدوفيليا» تظل هي الثيمة المهيمنة على مدار النص الروائي حيث تكررت هذه الجريمة ثلاث مرات، الأولى مع الساردة نفسها، والثانية مع أولاد قدّور، والثالثة مع إلهام التي تصف نفسها بأنها «ابنة حرام». والبيدوفيل هو شخص مريض نفسيًا وذهنيًا يجد اللذة في اغتصاب الأطفال ومصادرة أرواحهم إلى الأبد. وربما تتضاعف خطورة الشخصية البيدوفيلية حينما يكون الضحايا أطفاله العُزّل، أو ذويه الذين لا حول لهم ولا قوة، تمامًا كما حصل مع أولاد قدّور الثلاثة الذين استباحهم جميعًا من دون أن ترتعد له فريصة، وحينما انكشفت جريمته لم يجد بُدًا من الانتحار شنقًا.
لا يقتصر وجود الشخصيات البيدوفيلية على قاع المجتمع الفقير جدًا، وإنما يمتد إلى مجمل طبقاته الاجتماعية المتوسطة منها والثرية ثراءً فاحشًا على حدٍ سواء، لكن تظل الأوساط الموبوءة في قاع المجتمع وحضيضه هي الملعب الأساسي الذي تتجلى فيه هذه الشخصيات المريضة.
تثير الساردة في مفتتح النص، سؤالاً شديد الخطورة مفاده: «لماذا أنبش الماضي وأنكأ الجراح؟» ولا غرابة في أن يكون الجواب سريعًا وحاسما «لكي أرتاح»، فالبوح يخفِّف من غلواء الألم الممض الذي تعاني منه الضحية المُنتهكة التي طُعِنت في الصميم.
تتعرض الساردة إلى ثلاث عمليات اغتصاب على أيدي الرجل الطويل الأسود، والبقّال، وقدّور «القذر»، أحد أقرباء والدها الحاج محمد. وبدلاً من أن تُعالَج الضحية في مصحّ نفسي تُعاقب بالكي على فخذها من قِبل الوالدة، وتتحول إلى طفلة منبوذة ومُدنّسة تعاقبها الأم وتعنّفها الأخت الكبرى، كما يحتقرها المحيط الاجتماعي ويحاول تجريدها من شخصيتها الإنسانية.
لم تكن الساردة هي الضحية الوحيدة في منزل أبيها، وإنما سوف نكتشف تباعًا أن الأخت الكبرى خديجة قد تحولت إلى البغاء لتعيل الأسرة برمتها. وأن والدها الحاج محمد لا يتورع عن خيانة زوجته، وقد شاهدته ذات مرة في المبغى الذي ترتاده. وحينما سألت عنه الحاج إبراهيم، أخبرها بأنه رجل غني يصرف في الليلة الواحدة راتب موظف محترم.
ورغم المِحن المتواصلة التي تعيشها الساردة، فإن الحُب يلامس قلبها غير مرة، حيث أحبت من طرف واحد، شابًا يسكن في العمارة المجاورة، وكتبت له رسالة غرامية، لكن صديقتها دست الرسالة خطأ في الطابق الرابع بينما هو يسكن في الطابق الخامس، الأمر الذي دفع الأهل إلى معاقبتها ومنعها من الخروج من المنزل إلا بحراسة قدّور المشددة.
ينعطف السياق السردي باتجاه آخر حينما نعرف أن قدّور قد سافر إلى فرنسا، واقترن بجوزيان التي أنجبت له ثلاثة أطفال، وهم زهرة وفاطمة ويوسف، لكنه سوف يغتصبهم جميعًا. وحينما تنكشف جريمته ينتحر في مرأب المنزل، الأمر الذي يدفع زوجته للمجيء إلى المغرب لتصفية أمورها المالية التي ورثتها عن زوجها المنتحر. وحينما تلتقيها الساردة لمعرفة السبب الذي دفعه للانتحار، تدعو الأم طفلتها زهرة التي تسرد قصتها ببراءة شديدة، ثم نعرف أن فاطمة ويوسف أيضًا كانا من ضحايا السلوك البيدوفيلي للوالد، وهم يُعالَجون ثلاثتهم في مصح نفسي. وعندئذ لا تتردد الساردة في البوح بأنها كانت ضحية قدّور، وأنها عانت مثلما عانى أطفالها الثلاثة، لكن الفرق الوحيد أنهم في الغرب شجعان، لذلك أخبروا الشرطة بما حدث لهم، أما هي فكانت تخاف من الفضيحة لأنها كانت ترضع الخوف والقمع من ثدي أمها، فلا غرابة أن تلوذ بالصمت وتتحمل كل أشكال المعاناة اللاإنسانية.
تقترح جوزيان على الساردة أن تذهب معها إلى باريس كي تساعدها في تأسيس جمعية تُعنى بضحايا الاعتداء الجنسي، وإذا نجحت التجربة فيمكن أن تعود وتفتح فرعًا في المغرب وتصبح مسؤولة عنه. ورغم يأس الساردة التي تشعر بأنها تدفن رأسها بالرمال، فإن جوزيان قد زرعت في داخلها بذور التحدي والاحتجاج، وذكّرتها بأن بي نظير بوتو قد غيّرت بلدًا بكامله لأنها كانت تمتلك الإرادة والعزيمة، لذلك قررت الساردة أن تكون سيدة مصيرها وسوف تتخذ القرار الذي سوف يقلب حياتها رأسًا على عقب.
لم يكن الجار الوسيم هو الشخص الوحيد في حياتها فلقد ارتبطت بنجيب، الشاب الجزائري التقليدي، لكنها لم تستطع أن تحبّه ليس لأنه لا يعرف الغزل أو الكلام المنمّق وحسب، وإنما لأنها كرهت جنس الرجال عمومًا ولم يزل وجه قدّور يتماوج أمام عينيها، مُذكرًا إياها بالمواقف البشعة التي ارتكبها بحق طفولتها المعفرة بالألم، لذلك قررت وضع حدٍ لهذه العلاقة المرتبكة.
لا بد من الإشارة إلى أن الساردة قد تعرفت في الحافلة على امرأة شابة تُدعى إلهام، وسوف ترتبط معها بعلاقة صداقة حميمة، وسوف يتحول منزل هذه الأخير إلى ملاذ لها في أوقات الشدة والاسترخاء. ثم نعرف من إلهام التي تعمل في حانة، أنها كانت أيضًا ضحية للاغتصاب الذي تعرضت له من قِبل خالها وشقيقها الوحيد. وبما أنها شخصيًا لا تعرف والدها البيولوجي، فقد أطلقت على نفسها صفة «بنت الحرام»، فلا غرابة ألا تعرف ابنتها دعاء والدها الحقيقي أيضًا.
تتوسع دائرة الأحداث من خلال إلهام، حيث تدعو الساردة إلى الحانة لتلتقي ببشرى التي تتحدث دونما حرج عن تمردها، هي وشقيقتها، على أوامر الوالد الذي قرر العودة بهما من باريس إلى الدار البيضاء، لكنها تهرب إلى هذه الحانة بينما تستقر أختها في أغادير لتعاشر السياح العرب والأجانب وتجني أموالاً طائلة.
تكتشف الساردة قبل سفرها إلى باريس، أن أخواتها وشقيقها الوحيد عبد الله يعرفون جميعًا أن خديجة قد دفعت مهرها وأثثت شقّتها واشترت عريسًا، وأن رصيدها الكبير من المال كان مصدره البغاء الذي تمارسه علنًا وبمعرفة الأسرة، باستثناء أمها التي توفيت في الخمسين من عمرها، وأبيها المنغمس في أسفاره الكثيرة وعلاقاته المحرمة خارج إطار المؤسسة الزوجية.
تصرّ الساردة على الرحيل رغم معارضة الأب الذي يرضخ، في خاتمة المطاف، حيث يحتضن ابنته في المطار ويطوِّق عُنقها بسلسلة ذهبية تتدلى منها «آية الكرسي»، ويخبرها بأنه سوف يطلّق زوجته التي كانت تخونه كلما سنحت لها الفرصة!
قد لا نستغرب من الحادثة المروِّعة التي تعرضت لها إلهام حينما خرجت مع محمد، صاحب المرسيدس البيضاء، الذي تناوب على اغتصابها مع أربعة أشخاص آخرين في فيلا غير مكتملة خارج المدينة، لكننا نستغرب حقًا من موافقة الوالد على سفر ابنته إلى باريس بينما كان يرفض بشدة سفرها إلى الرباط، الأمر الذي أخلّ باشتراطات البنية السردية لهذا النص الروائي الجريء.



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.