تطمح جيبوتي التي طالما اعتبرتها القوى العظمى مركزًا عسكريًا متقدمًا، إلى استثمار موقعها الاستراتيجي عند مدخل عدن لتصبح مركزًا تجاريًا في أفريقيا الشرقية.
وقد انطلق هذا البلد الصغير الواقع في منطقة القرن الأفريقي بمحاذاة أحد الممرات البحرية الأكثر استخدامًا في العالم بين المحيط الهندي وقناة السويس، في مشاريع بنى تحتية ضخمة.
فعلى ساحل قاحل على بعد بضعة كيلومترات من المرفأ التاريخي للمدينة؛ حيث ترسو بوارج حربية وسفن شحن إضافة إلى قوارب صيادي الأسماك، ينهمك عمال صينيون لبناء رصيف جديد مخصص كليًا لحاملات الحاويات الآتية من آسيا.
وهذا الرصيف هو الأول من سلسلة ستة موانئ جديدة متخصصة «للمعادن، المواشي، النفط والغاز» سترى النور في جيبوتي لتضاف إلى المرفأين الموجودين أصلا.
وقال سليمان أحمد المكلف التعامل مع الزبائن في ميناء دورالي المخصص للحاويات: «إن هناك خطوطًا بحرية تهتم أكثر فأكثر بجيبوتي ونحن بصدد اتباع طريق دبي وحتى سنغافورة». فحركة الذهاب والإياب لسفن الشحن في تزايد مستمر بنسبة تتراوح بين 6 و10 في المائة سنويًا.
وأضاف أحمد: «إن مومباسا (شرق كينيا) تشهد ازدحامًا خانقًا، وإريتريا ليست بلدًا مضيافًا، بينما تعد جيبوتي مكانًا استراتيجيًا وآمنًا ونحن نعول على ذلك».
فهذه الجزيرة الصغيرة تقع في منطقة مضطربة، يحكمها بيد من حديد الرئيس إسماعيل عمر غيله. وتضم المستعمرة الفرنسية السابقة قواعد عسكرية أجنبية عدة (فرنسية، وأميركية، ويابانية) تستخدم لمكافحة القرصنة في خليج عدن أو لعمليات ضد الإسلاميين في الصومال واليمن.
وفي مطلع مايو (أيار) أكد الرئيس غيله في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية أن محادثات تجري أيضا لإقامة قاعدة صينية.
لكن جيبوتي باتت عازمة أيضًا على فرض نفسها كنقطة عبور اقتصادية مميزة بين آسيا وأفريقيا.
وأوضح أبو بكر عمر هادي، رئيس سلطة الموانئ والمناطق الحرة في جيبوتي، وهو يدل بيده إلى خارطة لأفريقيا معلقة على حائط مكتبه: «من مصر إلى جنوب أفريقيا لا يعد الساحل الشرقي لأفريقيا سوى تسعة بلدان ساحلية. وهذا الموقع الجغرافي جعل عشر دول جيوبًا محصورة لا منفذ لها على البحر، وتعد أربعمائة مليون نسمة. وهؤلاء هم الذين نريد خدمتهم».
وفي الوقت الحاضر تؤمن موانئ جيبوتي بشكل رئيسي خطوط مواصلات مع إثيوبيا ومستهلكيها المقدر عددهم بتسعين مليون نسمة. لكنها تطمح لتغطية كامل القارة. وفضلاً عن تنميتها المرفأية تريد جمهورية جيبوتي إضافة مطارين جديدين وسكك حديد ومناطق صناعية.
وفي إطار هذه الخطة الإنمائية سيحل مكان مطار أمبولي الصغير حيث تتقاسم طائرات الميراج الفرنسية المدرج الوحيد مع الطائرات المدنية، مطار دولي بقدرة استيعابية لـ1.5 مليون مسافر سنويًا على بعد 25 كلم من العاصمة جيبوتي. وتنمية حركة العبور جوًا وبحرًا سيسمح بتقليص مدة شحن حاوية بين شنغهاي (الصين) وأبوجا (نيجيريا) من 75 يومًا حاليًا إلى 20 يومًا.
وفي الإجمال، هناك 14 مشروعًا في البنى التحتية في جيبوتي تقدر كلفتها بـ14.4 مليار دولار ممولة بشكل رئيسي من مصارف صينية. وهي استثمارات عملاقة قد تصل إلى حد المغالاة بالنسبة لبلد يقل تعداده السكاني عن مليون نسمة.
وقال النائب المعارض الجيبوتي دواله أغه أوفله (ائتلاف الاتحاد من أجل الإنقاذ الوطني)، غاضبًا: «لم تجرَ أي دراسة للسوق كما لم يستشر البرلمان مطلقًا»، معبرًا عن قلقه من المخاطرة المالية التي تمثلها هذه المشاريع لجيبوتي.
وأضاف: «عندما كنا نحصل على القروض من البنك الدولي ومؤسسات غربية كانت هناك بعض المراقبة. والآن مع الصينيين نحصل على كل القروض الممكنة، لكل المشاريع، من دون أي رقابة»، متوقعًا وضع يد الصين على هذه البنى التحتية الجديدة إن لم تتمكن جيبوتي من تسديد ديونها.
لكن الحكومة الجيبوتية تراهن من جهتها على النمو الاقتصادي الأفريقي لتأمين ربحية هذه الاستثمارات.
ولفت أبو بكر عمر هادي إلى أنه «قبل دبي وسنغافورة وهونغ كونغ كانت المراكز الاقتصادية والبحرية في المنطقة تتمثل بعدن وجيبوتي».
وأشار إلى الفترة قبل أزمة السويس التي كانت فيها جيبوتي محطة إلزامية لسفن شحن البضائع. وقال: «للأسف، لقد تقهقرنا. لكننا نعلم ما يتوجب فعله لاستعادة مكانتنا».
جيبوتي تحلم بأن تصبح «دبي أفريقيا الشرقية»
بالاستفادة من موقعها الاستراتيجي لتتحول إلى مركز تجاري
جيبوتي تحلم بأن تصبح «دبي أفريقيا الشرقية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة