قادة لبنان يستغلون الفراغ السياسي في البلاد لتوريث أبنائهم الزعامة

جنبلاط والجميل وفرنجية بدأوا بخطوات عملية.. وآخرون يعملون في السر

وليد جنبلاط وأبنه تيمور و أمين الجميل وابنه سامي و سليمان فرنجية وأبنه طوني
وليد جنبلاط وأبنه تيمور و أمين الجميل وابنه سامي و سليمان فرنجية وأبنه طوني
TT

قادة لبنان يستغلون الفراغ السياسي في البلاد لتوريث أبنائهم الزعامة

وليد جنبلاط وأبنه تيمور و أمين الجميل وابنه سامي و سليمان فرنجية وأبنه طوني
وليد جنبلاط وأبنه تيمور و أمين الجميل وابنه سامي و سليمان فرنجية وأبنه طوني

ليس التغيير «السلس» المرتقب في رئاسة عدد من الأحزاب اللبنانية الرئيسية والذي أطلّت أولى ملامحه في الأيام الماضية، غريبا على اللبنانيين، فالوراثة السياسية تحولت إلى جزء من التقاليد المتبعة في البلاد وإن كانت تتم دائما تحت ستار الديمقراطية وآلياتها التي يتقن السياسيون في لبنان استخدامها لتمرير مشاريعهم وتحقيق غاياتهم.
ويبدو أن عددا من القادة المحليين قرروا الاستفادة من الفراغ السياسي المتحكم بالبلاد لإعداد الأرضية اللازمة لتوريث أبنائهم رئاسة أحزابهم كما الزعامة السياسية. وكالعادة كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الزعيم الدرزي وليد جنبلاط (66 عاما)، سبّاقا باتخاذ المواقف المثيرة للجدل، فبعدما كان أعلن في العام 2011 أنّه سيترك رئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه منذ 38 عاما، ليعود عضوًا عاديًا في الحزب بعد انتخاب رئيس جديد له، «بما يتيح تداول السلطة بعيدًا عن منطق الزعامة الأبدية أو التوريث العائلي»، أفسح الأسبوع الماضي طريق الزعامة السياسية أمام نجله تيمور (33 عاما) موكلا إياه بالمهام الاجتماعية والخدماتية وباستقبال الضيوف في قصر المختارة في جبل لبنان، حيث غاب الزعيم الدرزي عن المشهد بإرادته بعدما كان قد تولى هذه المهام وقيادة الحزب بعد اغتيال والده كمال جنبلاط في مارس (آذار) من العام 1977.
ونشطت صفحة تيمور جنبلاط على موقع «فيسبوك» قبل أسابيع قليلة، عندما بدأ بنشر صور له أثناء استقبالات شعبية. ولفت نشره لصورة مركبة تظهر جده كمال جنبلاط إلى جانب صورة أخرى لوالده وليد متحدثا لزواره وصورة أخيرة له في الوضعية نفسها، وذيّل الصورة بعبارة: «دار المختارة كان وسيبقى قصر الشعب».
تيمور المتزوج وله ولدان، هو ابن جيرفت جنبلاط من أصول أردنية، متخرج في العلوم السياسية من الجامعة الأميركية في بيروت، وحائز على ماجستير في العلاقات الدولية ودراسات الأمن من جامعة Sciences Po الفرنسية.
وليست الزعامة الدرزية وحدها ما تنتظر تيمور جنبلاط، إذ يُرجّح أن يرأس الحزب التقدمي الاشتراكي وأن يحل نائبا في البرلمان مكان والده الذي سبق أن أعلن عدم رغبته بالترشح مجددا للانتخابات النيابية. ولا يتحرك جنبلاط منفردا بالسعي لتوريث نجله، إذ يواكبه في المسار الزعيمان المسيحيان رئيس حزب الكتائب أمين الجميل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
وقد أعلن الجميل (73 عاما) مطلع الأسبوع ولأول مرة، أنه لن يترشح لرئاسة حزب الكتائب في الانتخابات التي ستجري الشهر المقبل، ليفسح المجال أمام «تجدد الكوادر» فيه، مما يعني تنحيه عن رئاسة الحزب الذي يُتوقع أن يتولى رئاسته من بعده نجله سامي الجميل (35 عاما)، النائب الحالي في البرلمان اللبناني منذ العام 2009.
وقد نجح سامي، الحائز على إجازة في الحقوق من جامعة «القديس يوسف» وعلى شهادة دراسات عليا في القانون الدستوري من الجامعة نفسها، بكسب شعبية، وخصوصا بين الشباب، كونه رأس «مصلحة الشباب في الحركة الإصلاحية الكتائبية» منذ العام 2003 وشغل منصب المنسق العام للجنة المركزية في الحزب نفسه منذ العام 2008.
وينتهج رئيس «المردة» سليمان فرنجية (50 عاما) سياسة التوريث عينها، إذ يُعد نجله طوني (28 عاما) لرئاسة التيار ولاستلام الزعامة المسيحية شمال البلاد، بالإضافة لتولي مقعده النيابي. ويواكب طوني والده منذ سنوات في حراكه السياسي لكنّه لا يمتلك حتى الساعة هامش الحركة التي يمتلكها كل من تيمور جنبلاط وسامي الجميل.
وبينما يعبّد الزعماء السابق ذكرهم طريق الزعامة لأبنائهم بالعلن، يُعد آخرون لمستقبل أولادهم السياسي بعيدا عن وسائل الإعلام، وأبرزهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي سرت شائعات مؤخرا أنّه بدأ يعمل لتوريث نجله باسل رئاسة حركة أمل. ولا تزال هذه الشائعات سائدة في الوسط السياسي اللبناني على الرغم من نفي المقربين من بري لها.
أما الزعيم المسيحي رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» ميشال عون والذي لم يرزق بأولاد ذكور، فيحضّر صهره وزير الخارجية جبران باسيل لتولي رئاسة التكتل والتيار الوطني الحر الذي يرأسه أيضا، وهو ما يثير استياء كبيرا في صفوف الكوادر والقياديين في تياره.
وترد الدكتورة منى فيّاض، الأستاذة في علم النفس في الجامعة اللبنانية في بيروت «انطلاق موسم التوريث السياسي، إلى الانحدار الذي يعيشه لبنان على كل الأصعدة مما يجعل الشعب غير آبه وغير مبال بكل ممارسات أمراء الطوائف، الذين هم بدورهم غير مؤثرين في بلد غير مستقل وتابع لمحاور إقليمية».
وأشارت فياض في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الرأي العام اللبناني الذي كان ناشطا في العام 2005 ملّ من كل ممارسات الطبقة السياسية طوال السنوات الـ10 الماضية، خاصة وأن مخاوفه أصبحت أكبر وأخطر وتتعلق بإمكانية انتقال الصراع الدائر بالمنطقة إليه في أي لحظة». وأضافت: «اللبنانيون يدركون تماما أن المسلحين المتمركزين على الحدود كما أولئك الذين في الداخل، قد يتحركون من دون مقدمات، مما يجعلهم غير مكترثين لتفاصيل الحياة السياسية وخصوصا بما يتعلق بالزعامات ورئاسة الأحزاب».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.