وصف صحافيون عراقيون عملهم بالأكثر خطورة بين بقية الدول التي تعاني من أوضاع أمنية مضطربة مشابهة، وأن الحكومة تقف عاجزة عن حمايتهم، خصوصا في ما يتعلق بالتشريعات القانونية الملزمة، وأكدوا أن الأحزاب الإسلامية والتيارات المتطرفة والفاسدة في البلاد تتصدر الجهات المحرضة لعملهم لما يملكونه من أموال ونفوذ.
وذكر أحدث تقرير لمرصد الحريات الصحافية في العراق بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة مؤخرًا أن الصحافيين معرضون اليوم لخطر حقيقي بنسبة مائة في المائة من قبل المنظمات المتطرفة كتنظيم داعش الذي يسيطر على أجزاء من محافظات عراقية، كذلك هناك جهات سياسية نافذة في بغداد وكذلك إقليم كردستان وباقي أجزاء العراق تقف عائقا أمام العمل الحر للصحافيين.
يقول الإعلامي زياد العجيلي مدير مرصد الحريات: «ما زال الأشخاص الذين يتسببون بالفوضى والفساد الإداري والمالي المستشري في العراق يقفون عائقا أمام عمل الصحافيين، في تهديد لا يقل خطورة عن الخطر الذي يشكله تنظيم داعش، كما أن العراق لم يشرع لحد الآن قانونًا يضمن حرية وحماية العمل الصحافي»، لكنه أشار إلى انخفاض حجم الانتهاكات الأمنية والعسكرية بحق الصحافيين في الآونة الأخيرة.
وعن ملاحقة قتلة الصحافيين، كشف العجيلي: «بلغ عدد الصحافيين الذين لقوا حتفهم أكثر من 400 صحافي عراقي منذ عام 2003، ومع ذلك فإن السلطات القضائية لم يكن لديها إرادة حقيقية في التحقيق بقضايا قتل الصحافيين»، كما أن قانون حقوق الصحافيين الذي شرع في عام 2011 جاء ليقيد الصحافيين ويحد من عملهم حسب رأي المنظمات الدولية التي تعنى بحرية الصحافة وتعتمد على مؤشرات حقيقية لقياس حرية التعبير.
وبحسب العجيلي فإن تنظيم داعش قام في العام الماضي بتهجير 40 صحافيا وقتل نحو ثمانية آخرين وهدد كثيرا منهم، بينما يعمل على أضعاف إيصال المعلومة من خلال قتل الصحافيين وتشريدهم وتخويفهم».
وأكد الإعلامي أحمد عبد الحسين مدير شبكة أخبار «القرطاس نيوز» في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «العراق اليوم أسوأ دولة في مزاولة مهنة الإعلام، وهي أسوأ حتى من الدول التي تحدث فيها نزاعات واضطرابات مثل الجارة سوريا، ويمكن القول إن العراق أصبح بيئة طاردة لحرية التعبير، الأمر الذي خلف كثيرا من الشهداء بينما العشرات من الأسماء الإعلامية المعروفة اضطرت إلى مغادرة البلاد لضمان حياتها بعد تقليها تهديدات بالقتل والتصفية لها أو لعائلتها». واستطرد ليقول: «بعد عام 2003 ازدهرت الحريات وكثرت الصحف والمواقع الإخبارية والفضائيات لكنها تعمل بشرط أن يتحمل الإعلامي مسؤولية ما يقول، لأن هناك كثيرا من الجهات التي تتربص به في حين تقف الدولة عاجزة عن حمايته».
وعن الجهات التي تهدد عمل الإعلامي أو تهدد حياته، قال عبد الحسين: «كل من يخاف من هذه الحرية ومن التعبير الصادق ومن كشف الفساد والقاتل يشكل خطر على الإعلامي ويقف على رأسها الأحزاب الإسلامية لأنهم يمتلكون المال والسلطة وكذلك الشخصيات النافذة في الدولة».
وعن دور الدولة ونقابة الصحافيين في المطالبة بحماية للصحافي، قال: «من المؤسف القول إن الدولة ليس لها دور ملموس في تحقيق مستوى مقبول من الحماية المطلوبة، وكل لجان التحقيق التي شكلت بشأن مقتل واستهداف إعلاميين في العراق لم نرَ نتائج عملها بدءا من اللجنة الأولى التي شكلت في حادثة اغتيال الشهيد محمد باقر الحكيم، وحتى الآن، بما فيها لجان تحقيق فتحت في حادثة اغتيال كامل شياع والناشط المدني والإعلامي هادي المهدي وآخرين كان آخرهم الشهيد المغدور رعد الجبوري من قناة (الرشيد) الفضائية».
أما بشأن دور نقابة الصحافيين العراقيين، فأكد أحمد: «إنها عبارة عن هيكل تضخ له الأموال لفائدة بعض المنتفعين على شكل سفرات وإيفادات لكنها لم تقدم شيئا لأي صحافي، وسبق أن تعرضت شخصيا للتهديد أكثر من مرة ولم ألمس أي دور للنقابة ولا أنتظره منهم». بدورها أعلنت النقابة الوطنية للصحافيين العراقيين عن تأكيد مطالبتها بتشريع قوانين ضامنة لحرية التعبير في العراق، خصوصا بعد التحسن الملموس الذي شهدته في ظل حكومة حيدر العبادي، في وقت كانت قد واجهت مرحلة صعبة على هذا الصعيد في عهد الحكومة السابقة التي دشّنت ولايتها باتّباع نهج القمع المسلح للمظاهرات السلمية في بغداد ومدن أخرى، اعتبارًا من 2011، وأنهتها بالعودة إلى ترسانة القوانين الجائرة الصادرة في عهد الديكتاتور صدام حسين للحدّ من الحريات العامة التي كفلها دستور 2005، ولإسكات الأصوات الحرة عن طريق تهديد المؤسسات الإعلامية بإغلاقها، بذرائع شتى».
يقول الإعلامي ونقيب النقابة الوطنية عدنان حسين: «حرية العمل الإعلامي لم تزل مقيّدة من جهة بقوانين النظام السابق التي لم يفلح مجلس النواب والحكومة في تشريع بدائل لها ومن جهة أخرى بإجراءات السلطات التنفيذية التي لا تسمح للصحافيين وسائر الإعلاميين بالعمل الميداني الحر ولا بالوصول الحر إلى المعلومات، وكذلك الخطر المتأتي من بعض تشكيلات المجاميع المسلحة العاملة خارج سلطة الدولة والتي تحاول توجيه العمل الإعلامي والإعلاميين».
وشدد حسين على أهمية أن يقوم مجلس النواب العراقي والحكومة بتشريع القوانين واتخاذ الإجراءات الكفيلة بممارسة حرية التعبير، بأشكالها المختلفة وفي مقدمها حرية الصحافة، على النحو الذي أقرّه الدستور، وبضمان أمن الصحافيين وحياتهم وكرامتهم.
وكان الوسط الإعلامي العراقي قد فجع باغتيال الصحافي العراقي الشاب رعد الجبوري تزامنا مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، الأمر الذي رفع عدد الضحايا من الصحافيين في تقارير المنظمات والنقابات المعنية بالإعلام داخل العراق وخارجه.
ووجد الإعلامي رعد الجبوري مقتولا في شقته بحي القادسية في العاصمة العراقية بغداد، وهو متخصص في الشؤون الاقتصادية ولديه برنامج أسبوعي، وكان قد اخبر بعض أصدقائه بأنه تلقى رسائل تهديد بالتصفية من جهات مجهولة، حادثة الاغتيال جاءت بعد أيام فقط من خبر استشهاد الإعلامي عمار الشابندر مدير معهد صحافة الحرب والسلام في العراق الذي استشهد وعدد آخر من المواطنين الأبرياء في تفجير إرهابي بمنطقة الكرادة في بغداد.
تقول الإعلامية والأستاذة الجامعية في جامعة بغداد د. إرادة الجبوري في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «من أبرز الصعوبات التي تواجه العمل الصحافي في العراق بشكل عام هو الشعور بعدم الأمان والافتقار إلى الحرية في التعبير»، لافتة إلى أن «الصحافي يتعرض للمحاربة المستمرة من قبل الآخرين، لذا من المفترض توفير الحماية له».
ولفتت إلى أن هناك حملات مغرضة تطال الإعلاميات العراقيات النشيطات عبر استهدافهن من قبل البعض بموجة تشهير وتحريض مستغلين الأوضاع الأمنية المضطربة في البلاد، تقودها جهات متطفلة على الصحافة والإعلام مما يشكل تحديا للعمل الإعلامي الوطني والمهني، وطالبت بأهمية أن يكون للحكومة دور أكبر في حمايتهن وتوفير بيئة آمنة للعمل.
صحافيون عراقيون يصفون عملهم بالأكثر خطورة في العالم
مع غياب قوانين لحمايتهم من الاغتيال والتهديد.. قتل 400 منهم منذ 2003 والعشرات فضلوا مغادرة البلاد
صحافيون عراقيون يصفون عملهم بالأكثر خطورة في العالم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة