المصريون يسدلون الستار على أثقل فصول عهد مبارك بهدم مبنى حزبه المحترق

آلاف المارة في التحرير توقَّفوا لإلقاء النظرة الأخيرة

صورة أرشيفية للمبنى إبان ثورة يناير 2011
صورة أرشيفية للمبنى إبان ثورة يناير 2011
TT

المصريون يسدلون الستار على أثقل فصول عهد مبارك بهدم مبنى حزبه المحترق

صورة أرشيفية للمبنى إبان ثورة يناير 2011
صورة أرشيفية للمبنى إبان ثورة يناير 2011

في مشهد أعاد إلى الأذهان مساء ليلة 28 يناير (كانون الثاني) عام 2011، استيقظ المصريون صباح اليوم على أصوات الأوناش ومعدات الهدم وسيارات رفع الأحمال الثقيلة في محيط وسط القاهرة، استعدادا لبدء أعمال هدم مبنى الحزب الوطني الديمقراطي المنحل المطل على ميدان التحرير، أيقونة ثورتي 25 يناير و30 يونيو (حزيران). وتوقف مئات المارة في الميدان لإلقاء النظرة الأخيرة، مسترجعين على طريقة «الفلاش باك» السينمائية ذكريات المبنى.
فمع غروب شمس يوم «جمعة الغضب»، وبداية أعمال النهب والسرقة في شوارع القاهرة بعد انسحاب قوات الشرطة من المدينة بشكل تام، شاهد آلاف من المصريين بثا مباشرا لإحراق مبنى الحزب الوطني، الذي كان يعد أيقونة سنوات حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك ورجال دولته.
وبقي المبنى هكذا، محروقا ومظللا باللون الأسود، يقف في جانب من أذهان المصريين كما يقول المثل الشعبي «لقمة في الزور» تذكرهم بالنظام السابق، يرونه من شرفات الفنادق المحيطة وأعلى الكباري التي تصل القاهرة ببعضها البعض.
بقي المشهد على وضعه إلى أن قررت الحكومة المصرية في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بعد موافقة مجلس الوزراء، أن تتولى محافظة القاهرة السير في إجراءات هدم مبنى الحزب الوطني المحترق، وإسناد أعمال الهدم للهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وضم الأرض إلى محيط مبنى وحديقة المتحف المصري المجاور له. وأشارت الحكومة المصرية إلى أن هذا القرار «يأتي في إطار حرص الدولة على التراث الأثري لمصر». وقالت أيضا، إن القرار يعد قرارا تاريخيا «لما لهذه الأرض من قيمة مالية ضخمة، ولكن مهما كانت هذه القيمة فإنها لا تقارن بقيمة الحفاظ على التراث المصري الذي يشكل جزءا ثمينا من التراث البشري».
وقال السياسي البارز جورج إسحاق لـ«الشرق الأوسط» معلقا على بدء أعمال الهدم للمبنى المحروق: «هذا المبني نموذج لفساد متوغل في النسيج المصري استمر لسنوات طويلة، واشعر بالسعادة بهدمه.. فلا يوجد به شيء يستدعي الحزن عليه. وأتمنى أن يتحول إلى حديقة عامة مفتوحة تابعة للمتحف المصري، يتوسطها نصب تذكاري يخلد لضحايا ثورة يناير، لأنه آن الأوان أن نقطع طريق كورنيش النيل دون النظر إلى هذا المبنى الفاسد».
شهدت أروقة المبنى وجدرانه ثلاثة أنظمة وحكومات حكمت مصر في الـ50 سنة الأخيرة، حيث كان في منتصف الستينات مقر للاتحاد الاشتراكي العربي في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ثم في عام 1978، بعد حل الاتحاد الاشتراكي العربي، اجتمع الرئيس الراحل أنور السادات مع الأمانة العامة للحزب الذي كان يرأسه وتم الاتفاق حينها على تسميته الحزب الوطني الديمقراطي، وتولى الرئيس الراحل أنور السادات رئاسته حتى اغتياله سنة 1981، ثم ترأسه منذ 1981 حسني مبارك حتى عام 2011، وتم تغيير اسمه إلى الحزب الوطني الجديد بعد تولي طلعت السادات رئاسته في 13 أبريل 2011، حتى تم حلّ الحزب نهائيًا بقرار من المحكمة الإدارية المصرية في 16 أبريل 2011. وفي عهد مبارك، تحول الحزب إلى رمز من رموز التغول السياسي والفساد.
ومع تركيب الستائر الواقية من الأتربة والأحجار الناتجة عن الهدم، استعدادا لبدء العمل بشكل فعلي خلال 10 أيام، يسدل المصريون فصل ثقيل من حياتهم مر تحت وطأة هذا النظام ورجال دولته.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».