مخاوف من نفاد المخزون الاستراتيجي للغذاء في عدن

الحوثيون يمنعون طواقم الإغاثة من أداء مهامهم ويسجنون قيادات الجمعيات الخيرية

أحد الباعة يعرض بضاعته على قارعة الطريق في صنعاء أمس (إ.ب.أ)
أحد الباعة يعرض بضاعته على قارعة الطريق في صنعاء أمس (إ.ب.أ)
TT

مخاوف من نفاد المخزون الاستراتيجي للغذاء في عدن

أحد الباعة يعرض بضاعته على قارعة الطريق في صنعاء أمس (إ.ب.أ)
أحد الباعة يعرض بضاعته على قارعة الطريق في صنعاء أمس (إ.ب.أ)

حذر مسؤولون وجمعيات خيرية في عدن، من الوقوع في كارثة إنسانية تدخل سكان المدينة في نفق الفقر والمجاعة، مع قرب نفاد المخزون الاستراتيجي للغذاء، وانقطاع الإمداد الخارجي خلال الـ60 يوما الماضية، بينما تشير التقارير الميدانية أن هناك قرابة 600 ألف نازح من مناطق التماس إلى المناطق الآمنة يعيشون تحت خط الفقر، مع ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض يفوق 70% من إجمالي عدد السكان والمقدر عددهم بنحو 1.1 مليون شخص.
وحملت الجمعيات الخيرية التي تعمل على الأرض، تعنت ميليشيات الحوثيين ورفضهم لدخول طواقم المساعدة في المناطق التي يسيطرون عليها، في حين استخدمت الميليشيات القوة المفرطة لمنع المتطوعين، التي نتج عنها مصرع مسعفين تابعين لائتلاف الإغاثة، وسجن عدد من الأعضاء أثناء محاولتهم إدخال مستلزمات طبية وأدوية إلى كريتر المديرية التي تقع تحت سيطرة الحوثيين.
وقدر ائتلاف الإغاثة في عدن، عدد الجرحى والمصابين بطلقات منذ بداية الحرب، وحتى دخول الهدنة حيز التنفيذ، أكثر من 4500 مدني، بحسب الموثق في المستشفيات، دون الحالات التي يتم معالجتها في مواقع التماس، إضافة إلى وجود أكثر من 400 حالة حرجة تحتاج إلى عملية إخلاء فوري للعلاج إلى الدول المجاورة، لضعف البنية التحتية للمستشفيات في عدن، ونقص التجهيزات في غرف العمليات والكادر الطبي، بنيما تعرضت غالبية المباني التي هجرها سكانها للقصف المباشر بمدافع الهاون والدبابات.
وفي الجانب الميداني، سجلت البريقة، أمس، محاولة تسلل زوارق مطاطية للحوثيين بغية الدخول للمدينة، تمكنت البوارج العسكرية في عرض البحر من التعامل معها، في حين سمع دوي انفجارات بدار سعد، تبيّن فيما بعد أن الحوثيين وجهوا قذائفهم، أمس، نحو المقار الحكومية والسكنية، كما منعت ميليشيات الحوثيين دخول أي مساعدات من جهة الرباط وصبر، وحجز المركبات المحملة بالدقيق، نفس المشهد يتكرر في «المعلا، والقلوعة، والتواهي»، وللمرة الثانية على التوالي تقوم ميليشيات الحوثيين بقتل 70 نازحا عبر مرفأ التواهي، وفقدان أكثر من 40 شخصا لم يتم العثور عليهم.
وقال علي الحبشي، رئيس ائتلاف الإغاثة في عدن، لـ«الشرق الأوسط»، إن عدن تنقسم إلى 8 مديريات، يوجد منها 4 مديريات ضمن نطاق التماس وهي «التواهي، والمعلا، وكريتر، وخور مكسر» وهذه المديريات شهدت في الأيام الأخيرة نزوح أكثر من 80% من سكانها للمناطق الآمنة، وهي «المنصورة، والشيخ عثمان»، ليصل إجمالي عدد النازحين من مناطق المواجهات العسكرية أكثر من 600 ألف شخص من إجمالي عدد السكان والبالغ عددهم قرابة 1.1 مليون شخص، فروا للمناطق الآمنة، إلا أنهم ما زالوا محاصرين لعدم وجود الغذاء والعلاج الكافي.
وأضاف الحبشي، أن هناك كثيرا من الإشكالات التي تعوق أداء طواقم الائتلاف في واجباتهم الإغاثية، وأبرزها تعنت الحوثيين في الوصول للمناطق التي يسيطرون عليها، ومخاوف المقاومة من أن تسقط هذه الكميات من الأغذية في قبضة الحوثيين؛ لذا نلجأ للتواصل المباشر مع المقاومة، وعبر وسطاء مع قيادة الحوثيين في صنعاء، وفي جميع الحالات نفشل مع الحوثيين في إغاثة الحالات الإنسانية في مواقع وجودهم، لافتا إلى أن عددا من أعضاء الائتلاف اقتيدوا إلى السجن بسبب محاولتهم إدخال الأدوية في مناطق محظورة على حد زعمهم، في حين لقي مسعفان مصرعهما أثناء تأدية عملهما.
وأكد رئيس ائتلاف الإغاثة بعدن، أن المدينة ستدخل منعطفا خطير مع قرب نفاد المخزون الاستراتيجي للغذاء، إن لم تتحرك الجهات الإغاثية المعنية بتقديم المساعدات العاجلة، خاصة ميناء المدينة لم يدخله منذ أكثر من 60 يوما سفن محملة بالأغذية والأدوية؛ إذ سيواجه أكثر من مليون مواطن يمني المجاعة إن لم توجد الحلول السريعة في تقديم الدعم العاجل، موضحا أن الائتلاف يوجد لديه كميات من الغذاء في مناطق التماس إلا أنه غير قادر على إيصال هذه المواد، كما عجزت طواقم الائتلاف من التحرك لتزويد المحتاجين بالغذاء؛ إذ تمتلك قرابة 18 ألف سلة غذاء جمعت من قبل التجار وجاهزة لتوزيعها.
وتساءل الحبشي، عن الأسباب في عدم دخول منظمات الإغاثة أو وصول الشحنات الغذائية لميناء عدن لليوم الثاني على التوالي، رغم وجود الهدنة، خاصة وأن الجهات الخيرية والتطوعية تعاني من شح في مخزونها الغذائي الذي يعتمد على التجار والمؤسسات التجارية في عدن، مشددا على أنه رغم الحالة الإنسانية والفقر التي تعيشه المدينة، فإنه لم تسجل بحسب المسح الميداني أي محاولة للسطو أو الاستيلاء على منافذ البيع ومستودعات الغذاء من سكان عدن.
وبالعودة للوضع الميداني، رصد يوم أمس انتشار لميليشيات الحوثيين وحليفهم علي صالح على طول الخط الممتد من حجيف إلى المنطقة الرابعة إلى الساحل الذهبي، بينما تمركزوا في القلوعة في مبنى الشرطة ومقر الإصلاح، في حين رصدت المقاومة الشعبية دخول نحو 12 دبابة إلى التواهي وكثير من العربات المصفحة والبي إم بي وعربات الهامر المزودة برشاشات الدوشكا وناقلات الجند، وقوة راجلة تزيد عن 300 مسلح.
وقال أبو محمد العدني، عضو المقاومة الشعبية والمنسق الإعلامي، إن المقاومة توصلت إلى معلومات أن هناك أفرادا تعاملت معهم ميليشيات الحوثيين في عمليات تجسس على قيادات المقاومة، لمعرفة مواقع وجودهم ومنازلهم واستهدافهم، وتمكنت المقاومة الشعبية من تغيير مسار القيادات التي استهدفت منازلهم، أول من أمس، ولم يصب أحد من تلك القيادات، موضحا أنه جاري التعامل مع هؤلاء الأفراد للقبض عليهم وإحالتهم للمجلس البلدي، للتعامل معهم وفق ما تقتضيه المصلحة العامة.
وأضاف العدني، أن المقاومة تراجعت تكتيكيا في «لودر» لترتيب الأوراق من جديد ومعاودة الكرة والحرب وتزويد الأفراد بالسلاح مع كسر الحوثيين للهدنة التي أقرها المجتمع الدولي، موضحا أن هناك قصفا عنيفا على خط الحمراء من قبل الحوثي للسيطرة على خطوط الإمداد، بينما منعت ميليشيا الحوثيين دخول مركبات محملة بالدقيق في قطعبة والمناطق الحدودية، ونجحت المقاومة في شن هجوم مضاد على ميليشيات الحوثيين كبدهم خسائر في العدة والعتاد.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.