سيطر تنظيم داعش أمس على المجمع الحكومي في الرمادي مركز محافظة الأنبار في غرب العراق، مما يعني سيطرته على كامل المدينة بعد انسحاب القوات الأمنية والحكومة المحلية من الرمادي. ما يشكل أحد أبرز إنجازاته في البلاد منذ نحو عام.
وأتى هذا التقدم في المدينة التي تبعد نحو 100 كلم إلى الغرب من بغداد، غداة شن التنظيم هجمات مكثفة على جبهات عدة في محافظة الأنبار، كبرى محافظات العراق، التي يسيطر على مساحات واسعة منها، شملت تفجيرات انتحارية واقتحام مراكز عسكرية والسيطرة على مناطق جديدة. وتشير الأنباء إلى وجود تعزيزات عراقية ومن التحالف الدولي لمواجهة التنظيم المتطرف.
وعاود مسلحو تنظيم داعش سيطرتهم على أحياء وسط مدينة الرمادي مستغلين سوء الأحوال الجوية والعواصف الترابية التي تضرب الأنبار الصحراوية بشكل مستمر، فيما تأكد سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى بين صفوف الشرطة والمدنيين.
وقال عذال الفهداوي عضو مجلس محافظة الأنبار في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك قتالا عنيفاً في مدينة الرمادي منذ ساعة متأخرة من ليلة الخميس». مؤكدا «سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى بين صفوف الشرطة والمدنين»، لافتا إلى أن «الجميع عاجزون عن إخلاء العوائل والجرحى رغم اتخاذ الاستعدادات المسبقة».
وطالب مجلس محافظة الأنبار الحكومة المركزية عبر نداءات استغاثة بإنقاذ الشرطة المحلية والمدنيين المحاصرين في الرمادي، التي تشهد منذ عام معارك كر وفر بين «داعش» والقوات الحكومية مدعومة بمقاتلين من الحشد الشعبي والعشائر العراقية.
وقال فالح العيساوي نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار في حديث لـ«الشرق الأوسط» «كنت أخشى من سيطرة المسلحين مرة أخرى على المناطق التي عاد إليها أكثر من 60 ألف من النازحين من أهالي الرمادي وبقية مدن الأنبار الذين تركوا منازلهم مرة أخرى واتجهوا سيرا على الأقدام إلى شرق المدينة، ولم تنفع نداءاتنا ومطالبتنا من الحكومة المركزية بإرسال تعزيزات إلى مدينة الرمادي وهذه هي النتيجة أن مسلحي داعش عاودوا الهجوم على الأحياء السكنية وأرواح الأبرياء مهددة بكوارث أخرى على أيد المسلحين».
وقال دلف الكبيسي قائمقام قضاء الرمادي لـ«الشرق الأوسط»» إن «مسلحي تنظيم داعش استهدفوا المبنى الحكومي ومبنى قيادة شرطة الأنبار بسبع سيارات مفخخة ومدرعة مما أسفر عن انهيار مبنى قيادة شرطة الأنبار الملاصق تماما للمجمع الحكومي وتسبب الانفجار في إلحاق أضرار كبيرة بالمبنى الحكومي في مدينة الرمادي».
وقال ضابط برتبة رائد في شرطة الرمادي لوكالة الصحافة الفرنسية إن «داعش سيطر على المجمع الحكومي وسط الرمادي ورفع راية التنظيم فوق مبنى قيادة شرطة الأنبار، بعد انسحاب القوات الأمنية إلى مقر قيادة عمليات الأنبار» في شمال المدينة.
وأشار إلى أن الانسحاب سببه «شدة الاشتباكات وانفجار عدد من السيارات المفخخة التي تسببت بإلحاق أضرار كبيرة بعدد من مباني المجمع» الذي يضم مباني حكومية عدة، أبرزها مقر المحافظة ومديرية شرطة الأنبار. وأكد التنظيم السيطرة على المجمع ونسف مبان فيه.
وأعلن في بيان تداولته حسابات إلكترونية متشددة «اقتحام المجمع الحكومي الصفوي وسط الرمادي من قبل كواسر الأنبار»، مضيفا أن ذلك «أدى للسيطرة عليه بعد تصفية من فيه من المرتدين ومن ثم تفخيخ ونسف مباني مجلس محافظة الأنبار ومديرية شرطة الأنبار الصفوية المجاورين لبعض».
ويستخدم التنظيم عبارة «الصفوي» للإشارة إلى الجيش العراقي الذي يتهمه بالتبعية لإيران، وعبارة «المرتدين» للإشارة إلى المسلحين المناهضين له.
وأكد الشيخ حكمت سليمان، وهو قيادي في إحدى العشائر السنية المناهضة للتنظيم، سيطرة الأخير على المجمع وانسحاب القوات الأمنية. وأوضح أن الأخيرة «تقاتل في مناطق متفرقة من دون قيادة مركزية». وبعد فقدان المجمع الحكومي، باتت القوات الأمنية تسيطر على أحياء معدودة في شمال الرمادي وجنوبها، إضافة إلى مقر قيادة عمليات الأنبار.
وفي حال تمكن التنظيم من السيطرة على كامل الرمادي، سيصبح مسيطرا على مركزي محافظتين عراقيتين، إذ إنه يسيطر منذ يونيو (حزيران) الماضي على مدينة الموصل (شمال) مركز محافظة نينوى. وكان التنظيم يسيطر كذلك على مدينة تكريت (160 كلم شمال بغداد) مركز محافظة صلاح الدين، إلا أن القوات العراقية استعادت السيطرة عليها مطلع أبريل (نيسان). ويسيطر التنظيم منذ مطلع عام 2014 على أحياء على أطراف الرمادي، قبل أشهر من هجومه الكاسح في يونيو (حزيران)، الذي أتاح له السيطرة على مناطق واسعة في شمال العراق وغربها.
وتركزت الهجمات على الرمادي ومحيطها، ومحيط مدينة الفلوجة (60 كلم غرب بغداد) التي يسيطر عليها التنظيم كذلك منذ مطلع 2014.
وجاء في نشرة «البيان» التي يبثها تنظيم داعش: «في حي الجمعية في الرمادي نفذ جنود الله حكم الله في أربعة عشر مرتدا كانوا قد أسروا خلال المعارك الدائرة هناك». كما قال إن 13 جنديا قتلوا جراء تفجير منازل كانوا يستخدمونها شرق الرمادي.
وأعلن التنظيم سيطرته الخميس على بلدة الجبة (180 كلم شمال شرقي بغداد)، القريبة من قاعدة الأسد الجوية العراقية، حيث يدرب مئات المستشارين العسكريين الأميركيين الجنود وأبناء العشائر على قتال «داعش».
وذكر مصدر عسكري عراقي رفيع المستوى أمس أن طائرات أميركية خاصة قامت بإجلاء المستشارين الأميركيين من قاعدة الحبانية العسكرية شرقي الرمادي إلى بغداد. وقال المصدر العسكري الذي رفض الكشف عن اسمه لوكالة الأنباء الألمانية «إن طائرات عسكرية أميركية تقوم حاليا بإجلاء ونقل المستشارين والخبراء العسكريين الأميركيين من قاعدة الحبانية العسكرية شرقي الرمادي وتقلهم إلى المنطقة الخضراء ببغداد».
وأضاف: «إن نقل الخبراء العسكريين إلى بغداد جاء بسبب سيطرة تنظيم داعش على معظم مناطق الرمادي والدوائر الحكومية وخشية على أن يقتحم التنظيم قاعدة الحبانية العسكرية».
وحازت الأنبار على حيز مهم في تسجيل صوتي نشر الخميس لزعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، هو الأول له منذ ستة أشهر، ودعا فيه المسلمين «للهجرة إلى الدولة الإسلامية» وأرض «الخلافة» التي أعلن إقامتها العام الماضي في مناطق سيطرته بسوريا والعراق.
وقال البغدادي «أثني على أسود الولاء والبراء الكواسر في الأنبار الذين هدموا حصون المرتدين وانتزعوا الأنبار انتزاعا من أعين المرتدين وحلوق الروافض رغم أنف أميركا وحلفائها».
وحذر رئيس مجلس محافظة الأنبار صباح كرحوت أمس من سيطرة تنظيم داعش على مدينة الرمادي، وقال «إن سيطرة تنظيم داعش على مدينة الرمادي تشكل كارثة كبيرة ستدفع ثمنها جميع المحافظات العراقية لأن انهيار الوضع في مدينة الرمادي له تأثير كبير على الأمن الوطني العراقي».
وأضاف: «إن سيطرة داعش على الرمادي دلالة بأن الإرهابيين سينقلون عملياتهم الإرهابية إلى محافظات أخرى وستندم الحكومة المركزية لعدم معالجتها الأوضاع بصورة سريعة في المدينة».
وأعلن مصدر عسكري عراقي أمس أن طيران التحالف الدولي يشن غارات جوية مكثفة على المواقع التي سيطر عليها «داعش» في الرمادي.
وقال المصدر لوكالة الأنباء الألمانية «إن طيران التحالف الدولي يشن غارات جوية مكثفة على المواقع التي سيطر عليها داعش اليوم (أمس)».
وأضاف المصدر أن الغارات الجوية نفذت على المجمع الحكومي ومناطق الثيلة والمعلمين والجمعية ومناطق أخرى، وأسفرت عن قتل وجرح العشرات من التنظيم لافتا إلى أن الغارات متواصلة.
ورصدت «الشرق الأوسط» نزوح آلاف الأسر من مناطق الجمعية والثيلة والقطانة والبو علوان ومناطق وأحياء أخرى في وسط مدينة الرمادي سيرا على الأقدام باتجاه شرق المدينة إلى منطقة الخالدية في نزوح آخر مشابه للنزوح الأكبر في تاريخ المدينة الذي حدث قبل أقل من شهر من الآن رغم أن مسلحي تنظيم داعش أطلقوا تحذيرات عبر مكبرات الصوت وعبر الجوامع التي سيطروا عليها ضمن المناطق التي دخلها مسلحو التنظيم مطلقين تحذيرات بعدم خروج العائلات ومن سيخرج فإن دمه مهدور، وفيما دخل بعض عناصر تنظيم داعش إلى منازل في منطقة الثيلة وسط مدينة الرمادي وقاموا بتفتيش المنازل وأجهزة الهاتف بحثا عن أسماء لمطلوبين لديهم، حسب شهود عيان.
وبسيطرة تنظيم داعش على الرمادي وضمها إلى سلطته إضافة إلى أهم مدن الأنبار مثل الفلوجة كبرى مدن محافظة الأنبار ومدينتي الرطبة والقائم الحدوديتين بين العراق وسوريا والأردن ومدن هيت وراوة ونواح أخرى منها كرمة الفلوجة القريبة من حدود العاصمة بغداد، يكون التنظيم قد أحكم سيطرته على أكثر من ثلث مساحة العراق. حيث بقيت بلدات صغيرة محاصرة مثل ناحية البغدادي.
وقال الشيخ نعيم الكعود رئيس مجلس وشيوخ عشائر الأنبار المقاتلة للإرهاب في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «ناحية البغدادي أمام خطر سيطرة المسلحين عليها إذا لم تتحرك الحكومة لمعالجة الأمر بإرسال تعزيزات عسكرية سريعة». وأضاف: «إن مسلحي تنظيم داعش يقومون بهجوم شرس من عدة محاور على ناحية البغدادي، وإن عشرات الآلاف من المدنيين محاصرون داخل المدينة ومهددون بحملة إبادة جماعية إذا ما سيطر المسلحين على المدينة خصوصا أن رجال المدينة وشبابها يقاتلون التنظيم الإرهابي ويتصدون لهجماته منذ أكثر من عام». وتمكن التنظيم خلال الأشهر الماضية من توسيع سيطرته في المحافظة، رغم الضربات الجوية للتحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وتعد المحافظة ذات طبيعة جغرافية صعبة، تمزج بين المدن والأراضي الزراعية والصحراوية الشاسعة، وتتشارك حدودا طويلة مع سوريا والأردن والمملكة العربية السعودية.
«داعش» يسيطر على المجمع الحكومي بالرمادي.. وواشنطن تسحب خبراءها من الحبانية
تعزيزات عراقية ومن التحالف لمواجهة التنظيم في أكبر مدن الأنبار.. ونزوح جديد لأهالي المدينة
«داعش» يسيطر على المجمع الحكومي بالرمادي.. وواشنطن تسحب خبراءها من الحبانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة