اهتمام مصري متزايد بالانفتاح على القارة السمراء يقابله ثقة أفريقية في القاهرة

شكري يواصل جولته من جيبوتي إلى كمبالا

اهتمام مصري متزايد بالانفتاح على القارة السمراء يقابله ثقة أفريقية في القاهرة
TT

اهتمام مصري متزايد بالانفتاح على القارة السمراء يقابله ثقة أفريقية في القاهرة

اهتمام مصري متزايد بالانفتاح على القارة السمراء يقابله ثقة أفريقية في القاهرة

في ظل اهتمام مصري متزايد بالتفاعل الوثيق مع محيطها الأفريقي، وتنمية التعاون مع القارة السمراء، واصل وزير الخارجية المصري سامح شكري أمس جولته الأفريقية الثانية، إذ وصل إلى العاصمة الأوغندية كمبالا قادما من جيبوتي في زيارة لأوغندا لمدة يوم واحد. وتأتي الزيارات الأفريقية في ظل انفتاح على القارة السمراء بدا واضحا منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الحكم قبل نحو عام، وتتوقع القاهرة أن يتوج ذلك الاهتمام بتوافقات كبرى خلال انعقاد قمة التكتلات الأفريقية الثلاث الشهر المقبل في مدينة شرم الشيخ، من شأنها أن تمنح القارة السمراء عمقا سياسيا واقتصاديا أكثر تأثيرا خلال السنوات المقبلة.
وتأتي دعوة القاهرة لعقد قمة بين التكتلات الاقتصادية الإقليمية الثلاث في أفريقيا، والتي تضم تجمع الكوميسا، وتجمع دول جنوب أفريقيا (السادك)، واتحاد شرق أفريقيا، بما تشمله تلك التكتلات بعضوية 26 دولة أفريقية في إقليمي الشرق والجنوب الأفريقي. وأوضح الوزير شكري أن القمة المزمع عقدها في 10 يونيو (حزيران) المقبل ستكون «فرصة إضافية للتواصل بين زعماء تلك البلدان».
وقال وزير الخارجية سامح شكري إن قمة التكتلات الاقتصادية الأفريقية الثلاثة المقرر انعقادها في شهر يونيو المقبل بشرم الشيخ ستكون فرصة إضافية لتناول، ليس فقط قضايا التنمية وتغيير المناخ، ولكن أيضا القضايا الإقليمية على مستوى القارة، والتي تهم الزعماء الأفارقة، خصوصا الحفاظ على السلم والأمن ومعالجة لمشكلات والصراعات القائمة في القارة السمراء. ويرى مراقبون مصريون أن «القاهرة تسعى لإيجاد صوت أفريقي قوي وشبه موحد في المحافل الدولية، فالقضايا التي تهم القارة واحدة تقريبا»، لكنهم قالوا لـ«الشرق الأوسط» إن «الصراعات والنزاعات الإقليمية طوال العقود السابقة شتت هذا الصوت، وزادت من حدة الأزمات التي تواجهها كل دولة على حدة».
وقال دبلوماسي أفريقي في القاهرة لـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم تعريفه: «الرئيس السيسي منذ توليه الحكم نجح إلى حد بعيد في إعادة مصر على المستوى الخارجي إلى بؤرة الاهتمام الدولي.. والنظرة الدبلوماسية الدولية لمصر تغيرت خلال عام حكمه، وخصوصا بعد زياراته الناجحة لعواصم غربية، وكذلك نجاح مصر بشهادة العالم خلال عقد المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ في منتصف مارس (آذار) الماضي»، وهو ما قد يدفع زعماء الدول في أفريقيا إلى استثمار الوضع المصري الجديد لتكوين تحالف فيما بينهم يحظى بثقة دولية، بحسب قوله.
وتابع الدبلوماسي أن «القاهرة أبدت اهتماما بالغا منذ ذلك الحين ببعدها الأفريقي، وحلحلت كثيرا من العوائق التي كانت قائمة خلال حكم الرئيسين (السابقين) حسني مبارك ومحمد مرسي، وأبرزها تبديل ما كان موجودا من نظرة استعلاء وإحلالها بنظرة الشراكة.. ما أدى إلى ظهور عامل قوي من الثقة الأفريقية في مصر ورئيسها، إلى جانب طموح عدد كبير من دول القارة السمراء في إيجاد صور توافق تؤدي إلى رفع صوت أفريقيا دوليا وحل مشكلاتها وأزماتها الاقتصادية والاجتماعية المزمنة».
ونقل شكري أمس رسالة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى نظيره الأوغندي يوري موسيفني، وذلك خلال الزيارة التي جرى خلالها طرح وتبادل للآراء في ما يتعلق بالقضايا المشتركة بين البلدين.
وكان شكري قد أجرى خلال زيارته لجيبوتي مباحثات مع الرئيس إسماعيل عمر جيلة، إذ نقل له رسالة شفهية من الرئيس السيسي تتعلق بالعلاقات الوطيدة التاريخية التي تربط البلدين الشقيقين، وحرص مصر على مزيد من تطوير العلاقات في المجالات الاقتصادية والسياسية والتجارية والأمنية، وتطلع مصر إلى مشاركة الرئيس جيلة في قمة التجمعات الاقتصادية الثلاث التي ستعقد في شرم الشيخ لإقامة منطقة تجارة حرة فيما بينها.
وأكد شكري في تصريحات صحافية على هامش الزيارة أن «مصر تهتم بالتفاعل الوثيق مع الأشقاء الأفارقة، ولنا اهتمام بمواصلة التعاون والتفاهم والرؤية المشتركة بالنسبة للقضايا السياسية والاقتصادية التي تهم مصر والأشقاء الأفارقة»، مشيرا إلى أن الجولات التي يقوم بها في القارة الأفريقية «تأتي لتؤكد الرغبة المصرية في العمل الوثيق مع الدول الأفريقية الشقيقة، وذلك بخلاف اهتمامنا بتناول قضايا القارة سواء في ما يتعلق بحفظ السلم والأمن أو مواجهة النزاعات القائمة، وكذلك تنمية العلاقات الاقتصادية والتكامل بين دول الجنوب لما لنا من قدرات تنافسية».
وقال وزير الخارجية إن «الفترة الماضية كان تركيزنا على شرق أفريقيا، نظرًا للأهمية الخاصة بحوض النيل الشرقي، ولكن هذا لا يعني أنه ليس هناك اهتمام بالغرب الأفريقي والتطورات الآنية، ومن بينها الانتخابات التي جرت في نيجيريا»، مشيرًا إلى أنه سيكون هناك تمثيل مصري في حفل تنصيب الرئيس النيجيري محمد بخاري.
كما أوضح شكري أنه يتم حاليا الإعداد لجولة في منطقة الجنوب الأفريقي، وتشمل عددًا من الدول، من بينها جنوب أفريقيا وأنجولا، موضحا أن «مصر تتحرك في الإطار الأفريقي بشكل متكامل، ونعتزم تكثيف صلاتنا بجميع بلدان القارة، وذلك من أجل أن يكون التكامل مفيدًا لجميع الأطراف، وزيادة تعاون الجنوب - جنوب وما يتيحه من قدرة تنافسية لمصر وميزة للتعاون المشترك مع الدول الأفريقية الشقيقة».
وعن عودة مصر إلى دورها ومكانتها في القارة الأفريقية.. أكد الوزير أنه يفضل أن يقول إن «مصر تعود باهتمامها بالتفاعل مع الأشقاء في أفريقيا على أرضية المساواة والإخاء في ما بيننا وعلى أرضية الاهتمام والاحتياج المتبادل»، مشيرا إلى أن هذه العلاقة ليس بها قيادة لدول، ولكنها علاقة تعاون وتواصل على أسس متكافئة لتحقيق المصالح المشتركة والعمل لدعم مصالحنا لدول نامية تحتاج إلى تكامل وتوثيق القدرات فيما بينها، والعمل على توفير مستويات معيشة أفضل لشعوبها.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.