الميليشيات الحوثية تنعم بأموال اليمنيين المنهوبة.. وتشلّ صنعاء

مطالبات بمحاكمة صالح كـ«مجرم حرب»

مقاتلون من المقاومة الشعبية يتوجهون نحو تعز أمس (رويترز)
مقاتلون من المقاومة الشعبية يتوجهون نحو تعز أمس (رويترز)
TT

الميليشيات الحوثية تنعم بأموال اليمنيين المنهوبة.. وتشلّ صنعاء

مقاتلون من المقاومة الشعبية يتوجهون نحو تعز أمس (رويترز)
مقاتلون من المقاومة الشعبية يتوجهون نحو تعز أمس (رويترز)

أدى انعدام الوقود والغاز إلى توقف حركة المواصلات داخل العاصمة، فمعظم وسائل النقل العامة والخاصة توقفت عن العمل، وإذا ما وجدت إحدى سيارات الأجرة وهي تسير في الشارع، فإنها طوق نجاة لكثير من الركاب وبالأجرة التي يطلبها السائق، وتحول الكثير من سكان العاصمة إلى ممارسة المشي لمسافات طويلة لقضاء بعض الاحتياجات، وذلك بالتزامن مع بدء نفاد المواد الغذائية والتموينية من الأسواق والبقالات، وإغلاق معظمها أبوابها، لانعدام الكهرباء وتلف الكثير من محتوياتها، إضافة إلى عدم وجود تزويد من الشركات المنتجة، جراء أزمة الوقود، أيضا، فيما ارتفعت، بشكل جنوني، أسعار المواد التي ما زالت متوفرة في الأسواق، دون رقيب أو حسيب، ووجهت معظم المستشفيات نداءات استغاثة بسبب الكارثة الموشكة جراء انقطاع الكهرباء، في ظل استمرار هذه المستشفيات في تلقي أعداد كبيرة من المرضى يوميا، وتشمل مشكلة المستشفيات معظم، إن لم يكن كافة محافظات الجمهورية.
أصبحت الحياة في صنعاء شبه متوقفة، المدارس والجامعات ومقار الأعمال الحكومية والخاصة، وتوقفت المصانع والمؤسسات وأغلقت معظم المطاعم والشركات أبوابها، وذلك بعد أن بلغت أزمة المشتقات النفطية ذروتها، حيث انعدم الوقود بشكل كامل، وارتفع أسعاره في السوق السوداء بشكل خيالي، إلى درجة أن أحدا لم يعد يستطيع شرائه، وانعدم غاز الطبخ، الذي كان الكثير من الناس يستخدمونه، إلى جانب الطبخ، في تشغيل مولدات الكهرباء، بدلا عن البترول، حيث انقطعت الكهرباء بشكل كامل عن المدن اليمنية، جراء المواجهات الدائرة في محافظة مأرب بين القوات الموالية للشرعية، من جهة، والميليشيات الحوثية والقوات الموالية للمخلوع علي عبد الله صالح، من جهة أخرى، وحملت المقاومة الشعبية في مأرب، جماعة الحوثي المسؤولية الكاملة عن استهداف وقصف أبراج الكهرباء في محطة مأرب الغازية للكهرباء، الشهر الماضي، ويتبادل الطرفان الاتهامات بالمسؤولية عن استهداف تلك الأبراج وعن منع الفرق الفنية من القيام بهامها في إصلاح الأعطال.
ويكيل المواطنون العاديون والبسطاء، الذين تسنى لـ«الشرق الأوسط» التحدث إليهم، الاتهامات لجماعة الحوثي بالتسبب في الكارثة التي يعيشها المواطن، جراء انعدام الغذاء والدواء والخدمات، بصورة لم يعهدها المواطن اليمني من قبل، رغم دخول البلاد في حروب وأزمات سياسية، من قبل، وكان آخرها عام 2011، فإن الوضع في الماضي لم يصل إلى هذا المستوى على الإطلاق، حيث لا حراك ولا حركة في شوارع العاصمة ومحلاتها مغلقة، وزاد من تعقيد الأمور في صنعاء، عجز سلطة الحوثيين عن دفع مرتبات الموظفين في غالبية القطاعات المدنية والعسكرية، نظير شهر أبريل (نيسان) المنصرم، ورغم تأكيدات السلطة الحوثية على استطاعتها دفع المرتبات، فإن غالبية الموظفين الذي يتسلمون مرتباتهم من الحكومة، لم يتسلموها، حتى اللحظة. وقالت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن صنعاء شهدت، الفترة الماضية، ما يشبه عملية «النهب المنظم» لكل الموارد المالية من قبل الميليشيات، والتي كان آخرها نهب أكثر من 23 مليار ريال يمني من البنك المركزي في صنعاء، إضافة إلى نهب بنوك أخرى ومؤسسات إيرادية، حسب تلك المصادر، التي تؤكد أن «جزءا كبيرا من تلك الأموال لم يجرِ توثيق نهبه بشكل رسمي، وأن معظم تلك الأموال لا تذهب لما يسمى (المجهود الحربي)، وإنما تستفيد منها أطراف حوثية محدودة، اغتنت بصورة فاحشة مؤخرا، على حساب المواطن اليمني والحرب»، حيث تغيب السلطة المحلية في العاصمة، وتظهر سلطة الميليشيات فقط.
وتراجعت الحركات الاحتجاجية المدنية السلمية، مؤخرا، في صنعاء، جراء عملية القمع المنظم والترهيب الذي تمارسه الميليشيات ضد المعارضين لسياساتها، فقد شمل الاعتقالات وتوجيه تهم العمالة والخيانة العظمى وغيرها من التهم، التي سيقت لمئات المعتقلين في سجون رسمية وغير رسمية من المنتمين للتيارات السياسية الأخرى، والذي لا يخضعون لسلطة الدولة، غير أن غالبية الطروحات، في الشارع اليمني، تحمل الجزء الأكبر من المسؤولية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، فيما آلت إليه الأوضاع في البلاد، فباعتقاد الكثيرين أنه «لولا تحالف صالح مع الحوثيين وتجييره الجيش اليمني الذي بني بعرق ومال الشعب من أجل احتلال العاصمة والمحافظات والمدن، لما تمكن الحوثيون من السيطرة على الأوضاع بالصورة التي عليها الآن». ويذهب البعض الآخر إلى اتهام المخلوع بتهم الخيانة وبأنه «مجرم حرب، يجب أن يحاسب على أفعاله بحق اليمنيين»، ويدعون إلى عدم «إعطاء فرصة أخرى للنفاد من الحساب والعقوبة، كما فعلت المبادرة الخليجية التي منحته حصانة من الملاحقة القانونية والقضائية جراء فترة حكمه». واندلعت في فبراير (شباط) عام 2011، مظاهرات شعبية حاشدة في أغلب المحافظات اليمنية للمطالبة برحيل نظام الرئيس المخلوع صالح، وبعد أقل من عام على اندلاع تلك الاحتجاجات، رضخ المخلوع للضغوط الشعبية وتنحى عن السلطة في ضوء المبادرة الخليجية، غير أن الكثيرين يرون أنه «ومنذ ذلك الحين، بدأ في التخطيط لتدمير الدولة ومعاقبة كل من خرج للمطالبة برحيله ومن لم يخرج، خاصة وإن المظاهرات التي خرجت لتأييده كانت محدودة ومدفوعة الأجر وسرعان ما تلاشت أمام السيول البشرية الجارفة التي كانت تطالب برحيله».
ولا يخفي الكثير من المواطنين اليمنيين من سكان العاصمة صنعاء، رغبتهم في تدخل دول التحالف، بصورة أقوى، وأسرع للتخلص من الميليشيات التي تسيطر على العاصمة، حيث يرى البعض ضرورة الإسراع في تدخل بري ينهي الميليشيات الحوثية التي تتخندق في صنعاء وأنهت ما تبقى من الدولة الهشة، حسب تعبيرهم، التي تركها علي صالح بعد 33 عاما في الحكم.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.