وافق يوم أول من أمس الذكرى الرابعة لقتل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم «القاعدة»، في عملية نفذتها قوات خاصة تابعة لمشاة البحرية الأميركية (المارينز) بعد مهاجمتها مجمعًا سكنيًا في مدينة أبوت آباد، القريبة من العاصمة الباكستانية إسلام آباد. ولقد بدأت قصة تصفية بن لادن عند الساعة 11:10 ليلا عندما انطلقت أربع مروحيات من طرازي «بلاك هوك» و«شينوك» من قاعدة عسكرية أميركية في مدينة جلال آباد الأفغانية، لتصل إلى مجمّع أبوت آباد حيث كان يقيم بن لادن، بعد منتصف الليل بربع ساعة أو نصفها.
وفوق المجمّع، نزل جنود على الحبال المتدلية من الطائرة، بعضهم اتجه نحو مباني المجمّع، والآخرون شكلوا طوقا عليه لمنع السكان من الوصول إليه. وبمجرد إنزال الطائرات جنودها، حصل خلل فني في إحدى طائرات الـ«بلاك هوك» أو أنها واجهت ظروفا جوية أو حرارية غير متوقعة، فتحطمت فوق المجمع في حدود الساعة 12:40 بعد منتصف الليل.
في المقابل، كان بن لادن وزوجته اليمنية أمل عبد الفتاح السداح في الدور الثاني من المبنى الذي كانا يقيمان فيه عندما سمعا صوتا اعتقدا في بادئ الأمر أنه عاصفة. وعندها توجها إلى شرفة المنزل ليتحققا مما يجري، ولكن ليل الأول من مايو (أيار) 2011 لم يكن مقمرًا، بل حالك الظلمة. وفي المبنى الرئيسي، رفض بعض أفراد العائلة مغادرة بن لادن، وذهبت ابنته مريم للتحقق مما يحصل في الخارج. وتمكن بن لادن من الوصول إلى سلاحه، وعندها سمع دوي انفجار، وهو غالبا ما كان تحطم الطائرة.
الأفراد التابعون لأسامة بن لادن سمعوا، من جهتهم، وقع خطى الجنود على سطح المنزل، ورأت السداح أحدهم وهو يوجه سلاحه الليزر نحو بن لادن، فرمت بنفسها على الجندي فأطلق النار على ركبتها. وتتذكر السداح ما سمعته من الجنود وهم يسألون سمية ومريم عن اسم الرجل الذي قتلوه للتو (بن لادن). وقالت إنه أصيب في جبينه، وكان وجهه خاليًا من أي دم ويمكن التعرف عليه. ووفقًا لتقرير لجنة أميركية، فإن العملية التي نفذتها القوات الخاصة الأميركية انتهت عند الساعة 1:06 ليلا بعدما استغرقت قرابة 36 دقيقة، وغادرت الطائرات بعد تحطم الطائرة التي أصيبت بالخلل الفني.
أسامة بن لادن هو نجل الملياردير الراحل محمد بن عوض بن لادن، وهو مؤسس تنظيم «القاعدة»؛ التنظيم المسلّح المتشدد الذي أنشئ في أفغانستان عام 1988. ولقد زجّ أسامة بن لادن بتنظيم «القاعدة»، وفق مفهومه القائل بأن «العدو البعيد خير وأولى من العدو القريب»، في حروب ضد أعتى قوتين في العالم وهما الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة؛ إذ حارب الاتحاد السوفياتي إبان غزو أفغانستان، ثم حارب الولايات المتحدة بعدما غزت أفغانستان والعراق، وأعلن بالاشتراك مع أيمن الظواهري، زعيم «القاعدة» الحالي عام 1998 تأسيس «الجبهة العالمية للقتال ضد اليهود والصليبيين» التي نجم عنها لاحقًا ما يسمى «الحرب على الإرهاب» أو «الحرب الصليبية العاشرة».
وبعد وفاة بن لادن الأب، كان أسامة حينئذٍ في الحادية عشرة من عمره، وبلغ نصيبه من التركة ما يعادل 300 مليون دولار، استثمرها في المقاولات وفى غيرها. على أن ثروته وعلاقاته مكنته من تحقيق عمل آخر، ألا هو دعم الأفغان ضّد الغزو السوفياتي.
وبالفعل، سافر بن لادن إلى أفغانستان، وعام 1984 أسس منظمة سماها «مركز الخدمات»، وقاعدة للتدريب على فنون الحرب والعمليات المسلحة باسم «معسكر الفاروق»، لدعم وتمويل المجهود الحربي للمقاتلين الأفغان، والمقاتلين العرب والأجانب في ما بعد. وبعد انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان ومع بداية الغزو العراقي للكويت عام 1990 خرج بن لادن من المملكة العربية السعودية «مهاجرًا» إلى السودان، وهناك أسس تجارة فاشلة ومركزًا جديدًا للعمليات العسكرية في السودان.
من أشهر العمليات التي قام بها أسامة بن لادن «هجمات 11 سبتمبر (أيلول)» وتفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك. وبعد سنين من تواريه عن الأنظار، وبالتحديد في فجر الاثنين 2 مايو 2011، تمكنت قوة أميركية من مباغتته بمسكنه في أبوت آباد قرب إسلام آباد وأردته قتيلاً برصاص في الرأس ثم ألقت بجثته سرًا في مكان ما في البحر. ولقد سمحت مكالمات هاتفية عام 2006 أجريت بين «أبو أحمد الكويتي» وعائلته باكتشاف هوية المرسال الحقيقي لزعيم تنظيم «القاعدة»، لكن الاستخبارات الأميركية كانت تجهل الدور الذي كان يؤديه «الكويتي» بالضبط لفائدة زعيم تنظيم «القاعدة».
وفي يوليو (تموز) 2010، في ناحية من نواحي باكستان، رنّ هاتف «أبو أحمد الكويتي»، وكان المتكلم أحد كوادر تنظيم فرع «القاعدة» في العراق، وردّ «الكويتي» على الهاتف من دون أن يدري أن هاتف محدثه من بغداد مراقب من قبل الأميركيين عبر الأقمار الصناعية.
وخلال عملية فرار عناصر «القاعدة» التي تلت «هجمات 11 سبتمبر»، عثر «أبو أحمد الكويتي» برفقة آخر يدعى «عبد الرحمن المغربي» على صديقه حمزة الغامدي، وشكل الثلاثي مجموعة صغيرة بقيت إلى جانب أسامة بن لادن في رحلة الهروب الكبير من ملاحقة الأميركيين بعد هجمات سبتمبر. وأعجب الفارون وعلى رأسهم بن لادن، بصفات «أبو أحمد الكويتي» الذي فضل البقاء معهم، بعدما أصيب بجراح خلال عملية تفجير انتقامية قامت بها القوات الأميركية. غير أن نعمان بن عثمان، القيادي الليبي الخبير في مكافحة الإرهاب وعضو إدارة مؤسسة كويليام لمكافحة التطرّف في لندن، يقول إن أصوله الباكستانية هي التي سمحت له بخدمة بن لادن وقياديين آخرين في تنظيم القاعدة.
وكشف خالد شيخ محمد، الذي يوصف بـ«العقل المدبر» لـ«هجمات 11 سبتمبر»، لمستجوبيه في قاعدة غوانتانامو بعد إغراق رأسه في الماء 183 مرة، عن معلومة تشير إلى أن زعيم «القاعدة» كان يثق ثقة عمياء بمرساله «أبو أحمد الكويتي». وعام 2004 أوقف الأميركيون متطرفًا آخر في العراق يُدعى حسن غول، الذي أكد أن شخصا يسمى «أبو أحمد الكويتي» على اتصال دائم بابن لادن.
وفي يوليو 2010 رصد العملاء الباكستانيون الذين كانوا يعملون لمصلحة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) «أبو أحمد الكويتي» وهو يقود سيارة من نوع «سوزوكي» بيضاء اللون في شوارع مدينة بشمال غربي باكستان. وبعد بضعة أسابيع من المراقبة، أخضعت لها السيارة البيضاء، انتهى الأميركيون إلى تحديد مكان إقامة بن لادن. ومن ثم بدأ الإعداد لتصفية بن لادن في عملية تحت اسم حركي هو «عملية جيرونيمو». وللعلم، فإن «جيرونيمو» كان أحد زعماء قبيلة من أشهر قبائل الهنود الحمر الذين قاوموا المستوطنين من أصول أوروبية في أميركا إبان القرن الـ19.
لقد نفذ مهمة قتل بن لادن فريق يضم زهاء 15 من أفراد القوات الأميركية الخاصة التابعة لمشاة البحرية الأميركية المعروفة بـ«نيفي سيل»، المنشورين في أفغانستان. وضمت القوة متخصّصين في الأدلة الجنائية كانت مهمّتهم جمع أدلة تثبت سقوط بن لادن في الغارة، ومعلومات قد تساعد في تعقّب أثر زعماء آخرين لتنظيم «القاعدة»، أو كشف عمليات يجري الإعداد لها حاليًا. وبعد اقتحام المبنى المؤلف من ثلاثة طوابق، جرى تمشيطه طابقًا طابقًا. وقتل ثلاثة أشخاص في الطابق الأول، بينهم امرأة. ثم انتقلت القوة الخاصة إلى الطوابق العليا حيث عثر على بن لادن.
وكانت أولى خطوات الولايات المتحدة التنسيق الكامل مع عدد من الدول على رأسها بريطانيا وألمانيا وهولندا، وهو ما حوّل العاصمة كابل في أفغانستان من أحد أكبر معاقل «القاعدة» إلى قاعدة عسكرية فعلية للبحث عن بن لادن.
وبالتزامن مع العمليات العسكرية التي نفذّتها الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان وباكستان بحثا عن بن لادن، كانت واشنطن قد سلكت طريقًا آخر هو طريق المال حينما قرّرت عام 2002 أن ترصد 25 مليون دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات حول بن لادن. وكان 2004 أحد الأعوام المميّزة في تاريخ مطاردة الولايات المتحدة بن لادن، وشنّ عدد من العمليات العسكرية التي تمت في أفغانستان مما أدى إلى الاشتباك مع حركة طالبان، خرج أثناءها بن لادن ليعلن أن قتل الأميركيين «واجب المسلمين»، وهو التصريح الذي عدّه كثيرون استفزازًا لوكالات الاستخبارات الأميركية ودليلاً واضحا على عجز الإدارة الأميركية أمام بن لادن.
في الذكرى الرابعة لمقتل أسامة بن لادن في مطلع مايو من عام 2011، وقفت الصحافة الأميركية عند التكلفة التي تكبّدتها الخزينة الأميركية حتى تمكنت من تصفيته.
عشر سنوات من البحث والتنقيب، تخللها استخدام طائرات من دون طيار وأجهزة استخبارات وتنسيق دولي وحجب أموال ومراقبة حدود من أجل الإيقاع بأسامة بن لادن. وقدّرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية في تقرير لها أن الولايات المتحدة خسرت ما يقرب من 5 مليارات دولار في عملية القبض على بن لادن من خلال الطلعات العسكرية والتنسيق الأمني الذي أدى إلى الإمساك به في نهاية الأمر.
وكانت بداية وصف بن لادن بأنه «أخطر إرهابي في العالم» بعد تفجير برجي مركز التجارة العالمي في سبتمبر 2001 وبروز اسم تنظيم «القاعدة»، الذي نفذ قبل ذلك عددا من العمليات الإرهابية لتعلن الولايات المتحدة الأميركية ما سمته «الحرب على الإرهاب» وتضع قائمة بأسماء متورطين كان على رأسها بن لادن. وكشف تقرير قضائي باكستاني تفاصيل جديدة عن العملية الأميركية لتصفية زعيم «القاعدة». وانتقد التقرير الحكومة الباكستانية لتقاعسها عن رصد مكان وجوده على تراب بلادها. كذلك شمل التقرير معلومات جديدة عن حياته اليومية.
وانتقد التقرير المسرّب باكستان على «الإخفاقات الجماعية وظاهرتي انعدام الكفاءة والإهمال التي أجازت لأسامة بن لادن الإقامة في البلاد خفية طوال أكثر من تسع سنوات». كما كشف التقرير الذي صاغته لجنة قضائية باكستانية تفاصيل جديدة عن العملية الأميركية التي أدت إلى تصفيته، ومعلومات مثيرة حول حياته فارًا.
المحققون الباكستانيون أجروا مقابلات مع مسؤولين مدنيين وعسكريين كبار وأرامل بن لادن الثلاث قبل ترحيلهن إلى السعودية. وجاء في التقرير: «تثبت إفادات الشهود إلى حد كبير وجود إهمال وانعدام كفاءة تقريبا على جميع المستويات». وأضافت اللجنة أنها لم تعثر على أي عنصر يثبت الاتهامات بالتآمر، لكنه لا يسعها كذلك استبعاد إمكانية تقديم مسؤولين رسميين حاليين أو سابقين نوعا من الدعم.
وفي ما يخص المعلومات الجديدة عن حياة بن لادن اليومية بعد فراره عام 2001 من الاجتياح الدولي بقيادة أميركية لأفغانستان ووصوله إلى باكستان في ربيع أو صيف 2002، جاء أن بن لادن مكث في المناطق الحدودية الأفغانية في ولايتي سوات وهاريبور الشماليتين الغربيتين، وقد تنقل إلى أماكن أخرى قبل الاستقرار في أبوت آباد في أغسطس (آب) 2005. وأفادت أرملة باكستاني ممّن قدموا له شبكة دعم رئيسية، أنهم أوقفوا، ومعهم بن لادن، في إحدى المرات للإفراط في السرعة. وأضافت أن زوجها «رتب المسألة سريعًا مع الشرطي وواصلوا القيادة» من دون التوضيح كيف. وأثناء المكوث في المنطقة الجبلية سرت أخبار عن لقاء بن لادن في فبراير (شباط) 2003 بخالد خالد شيخ محمد، الذي أوقفته السلطات بعدها بشهر.
ومع حلول 2005 أي عام انتقال بن لادن إلى أبوت آباد، أغلق جهاز الاستخبارات الباكستاني ملف تعقبه. وأفادت زوجات بن لادن أنه كان يعتمر قبعة كاوبوي أثناء تنقله في حديقة مجمع إقامته في أبوت آباد لتجنب رصده من السماء، وأنه إذا شعر بالمرض كان يداوي نفسه بعلاجات عربية و«عند شعوره بالتعب كان يتناول الشوكولاته مع تفاحة» بحسب التقرير.
من جهة أخرى، كان بن لادن يعيش حياة زاهدة ويشرف على التعليم الديني لأولاده وأحفاده ولعبهم، مع زراعة قطع أرض مقابل مكافآت لأفضل نتيجة.
وشمل التقرير أيضا تفاصيل دقيقة عن عملية الإنزال الأميركية بالمروحيات روتها عائلة بن لادن؛ إذ ورد أن زعيم «القاعدة» دخل إلى غرفته مع صغرى زوجاته الثلاث أمل قبل أن يستيقظا على ما بدا كأنه عاصفة بُعيد منتصف الليل، وأسرعا إلى الشرفة، «لكن الليلة كانت حالكة».
وبعدما أدرك أن ما كان يخشاه من مداهمة الأميركيين له يحدث فعلا، منع زوجته من إضاءة المصباح ونادى ابنه خالد.. وفي حين بدأت اثنتان من بناته تلاوة آيات قرآنية، تأهب بن لادن وابنه لوقفتهما الأخيرة، علما بأن التقرير يقول إنه ما كان مسلحًا عند قتله.
ولاحقًا، عندما شاهدت أمل جنديًا أميركيًا يصوب فوهة بندقيته إلى زوجها من خارج غرفة النوم هرعت إليه بينما هتف الجندي: «لا..لا..» وأصابها في الركبة. وبعد الغارة، غادر الأميركيون المكان وأخذوا معهم أغراضًا تشمل معدات كومبيوتر، وكذلك أغراض شخصية تشمل الذهب ووصية بن لادن. وأضاف التقرير أن إحدى زوجاته «سبق أن قرأت الوصية، لكنها رفضت الكشف عن تفاصيلها»، مؤكدة أنها «ليست سياسية وتتعلق بشؤون شخصية وعائلية»، في حين أفادت مصادر أخرى أنه طلب في وصيته ألا يسعى أبناؤه إلى زعامة «القاعدة».