المواجهات بين «النصرة» و«داعش» تتوسع جنوب سوريا للسيطرة على مناطق استراتيجية حدودية

اتهامات داخل إسرائيل بمحاولة إقحام الدروز في الحرب الأهلية

مقاتل من «الجيش السوري الحر» يصلح سلاحه في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بدمشق الذي لا يزال يشهد توترا بين الأطراف (رويترز)
مقاتل من «الجيش السوري الحر» يصلح سلاحه في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بدمشق الذي لا يزال يشهد توترا بين الأطراف (رويترز)
TT

المواجهات بين «النصرة» و«داعش» تتوسع جنوب سوريا للسيطرة على مناطق استراتيجية حدودية

مقاتل من «الجيش السوري الحر» يصلح سلاحه في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بدمشق الذي لا يزال يشهد توترا بين الأطراف (رويترز)
مقاتل من «الجيش السوري الحر» يصلح سلاحه في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بدمشق الذي لا يزال يشهد توترا بين الأطراف (رويترز)

احتدمت يوم أمس الأربعاء المواجهات ما بين جبهة النصرة وتنظيم داعش في ريف درعا الغربي جنوب سوريا، على خلفية سعيهما للسيطرة على مناطق استراتيجية حدودية مع الأردن وإسرائيل، مما أدّى تلقائيا وبحسب ناشطين إلى تراجع حدة المعارك مع قوات النظام.
واستمرت القذائف والرصاص الطائش الناتج عن المعارك السابق ذكرها بالسقوط في منطقة الجولان المحتلة من قبل إسرائيل، إذ أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بالأمس بوجود «إطلاق نار من القنيطرة في الجولان باتجاه المناطق الإسرائيلية، لم يتسبب في أضرار أو إصابات».
وقال الناشط في درعا أحمد المسالمة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «لواء شهداء اليرموك» المحسوب على «داعش» قام ليل الثلاثاء - الأربعاء بهجوم على حاجز لـ«النصرة» في بلدة «سحم»، فأسر عددا من العناصر وقتل اثنين آخرين، مما أدى لارتفاع حدة المواجهات صباحا خلال محاولة «النصرة» استرجاع الحاجز. وأوضح المسالمة أن «المعارك لا تزال محتدمة، والقصف المتبادل عنيف وتُستخدم فيه الدبابات، وقد أدّى لسقوط ضحايا من المدنيين»، مشيرا إلى أن «أحدا لم يتمكن بعد من بسط سيطرته بشكل كامل على الحاجز المذكور».
ونقل المسالمة عن أهالي سحم والقرى المحيطة تخوفهم من تأزّم الوضع بين التنظيمين اللذين يسعى كل منهما لبسط سيطرته كاملة على الحدود الغربية لمنطقة الشجرة حتى الكوية على الحدود مع الأردن وصولا للبكار إلى الحدود مع إسرائيل، وهي منطقة استراتيجية وحساسة خاضعة حاليا لسيطرة «لواء شهداء اليرموك».
وكانت الاشتباكات اندلعت بين «النصرة» و«شهداء اليرموك» على خلفية مواجهات وعمليات تصفية متبادلة بين «النصرة» و«جيش الجهاد» في القنيطرة المبايع أيضا لـ«داعش». وأوضح المسالمة أن التنظيم الأخير «انتهى تقريبا، بعد المعارك الشرسة التي خاضها مع (النصرة)، باعتبار أن عديده لم يكن يتخطى الـ75 عنصرا». وأضاف «بخلاف (جيش الجهاد)، فإن (لواء شهداء اليرموك) يضم نحو 1200 عنصر من السوريين والأردنيين، منهم 700 مسلح والبقية من الإداريين، كما أنّه يمتلك عتادا عسكريا كبيرا وأكثر من 10 دبابات وعربات مدرعة وراجمات صواريخ وغيرها».
وبالتزامن مع ارتفاع حدة المواجهات بين التنظيمات المسلحة، تراجع زخم معارك المعارضة للسيطرة على البلدات التي لا تزال خاضعة لسيطرة النظام في المنطقة، وهو ما أكّده المسالمة، متحدثا عن «تأثير سلبي كبير تركته المواجهات الداخلية بين الفصائل على عمليات تحرير المناطق، باعتبار أن معظم الجبهات تبدو هادئة منذ فترة خاصة في الريف الشمالي لدرعا».
ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان بالأمس عّما سماها مصادر موثوقة أن «لواء شهداء اليرموك» سيطر على مقر لـ«جبهة النصرة» في بلدة سحم الجولان بريف درعا الغربي، عقب اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل وجرح عدد من المقاتلين من الطرفين، وسط معلومات عن نية «شهداء اليرموك» وعزمهم السيطرة على بلدة حيط القريبة من سحم الجولان. وكانت البلدة المذكورة شهدت في الساعات الماضية توترا واستنفارا لعناصر «لواء بروج الإسلام»، بحيث أفيد عن نصبهم لحواجز في سحم الجولان ومحيطها، عقب قيام «لواء شهداء اليرموك» باعتقال قائد «بروج الإسلام» مع مرافقه في ريف درعا الغربي. وردا على التطورات الأخيرة، أعلنت فصائل تابعة للجيش السوري الحر من بينها «الفرقة الأولى» عبر صفحتها الرسمية على «فيسبوك»، عن بدئها عملية عسكرية للقضاء على ما وصفته بـ«خلايا تنظيم داعش» غرب درعا، في إشارة إلى «لواء شهداء اليرموك»، ردّا على سيطرته على بلدة سحم.
وخلال القصف المتبادل، سقطت ثلاث قذائف مدفعية على المنطقة الغربية التي تحتلها إسرائيل، مما أحدث جوا من البلبلة والهلع في المستوطنات اليهودية. وأدى إلى حالة تأهب قصوى في صفوف قوات الجيش الإسرائيلي. وبعد فحص أولي تبين أنه وقعت الاشتباكات بين مقاتلي جبهة النصرة والجيش الحر من جهة وبين «سرايا الجهاد» الموالية لتنظيم داعش من جهة أخرى.
وهذه القوى مجتمعة تسيطر حاليا على جميع الأراضي السورية في الجولان، باستثناء منطقة ضيقة شمال الجولان في مرتفعات جبل الشيخ. وأطلق الجيش الإسرائيلي صفارات الإنذار في معظم أنحاء الجولان المحتل، مما أحدث هلعا في صفوف المستوطنين. فقد حسبوا أن القذائف موجهة إلى إسرائيل ردا على الغارات التي قتلت أربعة سوريين وهم يحاولون زرع عبوة ناسفة على طريق عسكري يستخدمه الجيش الإسرائيلي، صبيحة الأحد الماضي. وأعلن الجيش من جهته حالة تأهب، واستعد للرد على مصادر النيران. لكنه فضل التروي، حتى لا يزيد من غضب الطائفة العربية الدرزية، التي اتهمته بالتسرع في قتل أبنائها الأربعة في الحادثة المذكورة.
وأعادت هذه الحادثة إلى العناوين في تل أبيب النقاش حول دور إسرائيل في الحرب الأهلية في سوريا، وإن كان من مصلحتها أن تساند النظام رغم حلفه مع حزب الله أو تساند المعارضة، أو تبقى متفرجة من بعيد تتدخل بشكل محدود كما هو الحال اليوم، حيث تستقبل جرحى الحرب لمعالجتهم في المستشفى الميداني العسكري أو المستشفيات الإسرائيلية المدنية، وتقدم المساعدات الإغاثية لبعض القوى وتقيم اتصالات مباشرة أو غير مباشرة مع جميع الأطراف.
ويسود الاعتقاد في إسرائيل بأن جميع أطراف الصراع داخل سوريا معنيون بتوريط الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب، كل لصالحه. وفي الأيام الأخيرة، بعد قيام الشبان الأربعة الدروز بوضع عبوة ناسفة، ذكرت مصادر إسرائيلية أن «هناك من يسعى لإدخالنا في اشتباك مع أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل حتى نلبي طلبهم ونقف إلى جانب الدروز السوريين». وذكر أحد القادة السياسيين للدروز في إسرائيل، خلال حديث مع «الشرق الأوسط»، أن «هناك من لا يروق له أن يبقى الدروز في سوريا خارج الصراع ويسعوا بكل قوة لإقحامنا في الحرب». وأضاف «في محافظة السويداء، تمت مؤامرة من أحد ضباط النظام الذي أتاح تنفيذ جريمة ضد الدروز هناك، وذلك لجر الطائفة بالقوة إلى الحرب ضد المعارضة. وقد انتبه أهلنا هناك ولم ينجروا وراء المؤامرة، وهم قلقون من هذا التوجه ويخشون من أن تتفاقم الاعتداءات، وعندها لا أحد يعرف كيف تتدهور الأمور». وتابع الرجل قائلا «للأسف، في إسرائيل لم يتصرفوا بحذر وقتلوا الشبان الأربعة بشكل متسرع من دون صبر ومن دون فحص، وكادوا يقحموننا في صراع جديد، له أول ولا يعرف له آخر».
وأعلنت عدة فصائل عسكرية عاملة في القلمون يوم أمس عن توحُّدها تحت مسمى «واعتصموا بحبلِ الله» لمواجهة نظام الأسد في سوريا.
في المقابل، واصل طيران النظام المروحي والحربي إلقاء البراميل المتفجرة على بلدة الحراك، وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بقصف الطيران المروحي بالبراميل المتفجرة مناطق في بلدة بصر الحرير وفي مدينة درعا، كما مناطق في بلدتي سملين وزمرين.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».