بينما أعلن رئيس الحكومة الفرنسية أمس أن الأجهزة الأمنية أحبطت خمس محاولات لاعتداءات إرهابية على الأراضي الفرنسية خلال «الأشهر الماضية»، بما فيها محاولة الطالب الجزائري سيد أحمد غلام، الذي كان يخطط لهجمات يوم الأحد الماضي على «كنيسة أو كنيستين» في ضاحية فيل جويف القريبة من مدخل باريس الجنوبي الشرقي، ينكب المحققون على جلاء ثلاث إشكاليات مترابطة: الأولى، من هم شركاء سيد أحمد غلام الذين ساعدوه على اقتناء هذا الكم الهائل من الأسلحة، التي بينها أربعة رشاشات حربية من طراز كلاشنيكوف، ومسدسات وسترات واقية من الرصاص وأجهزة اتصال، وخلاف ذلك من «عدة» الإرهابي، ومن هي الجهة التي وفرت له الأموال؟ والثانية، من هي الجهة التي أعطت الأوامر حيث إن غلام يبدو أنه «الذراع الضاربة» بينما العقل المخطط موجود في الخارج؟ والثالثة تتناول شخصية غلام والظروف التي جعلته يتمكن من تحضير اعتداء إرهابي كبير، علما بأن الأجهزة الأمنية كانت تعرفه وأوقفته بعض الوقت بداية هذا العام قبل أن تخلي سراحه.
يوم أمس، مدد احتجاز الطالب الجزائري، الذي ألقي القبض عليه بعد اتصاله بجهاز الإسعاف وحضور الشرطة بسبب إصابته برصاصة في الفخذ، 24 ساعة إضافية بموجب ما يسمح به قانون مكافحة الإرهاب الذي يعطي المحققين إمكانية احتجاز المشتبه به ستة أيام قبل تقديمه إلى قاض. ويبدو أن المحققين مقتنعون بأن سيد أحمد غلام لم يتحرك بمفرده، بل إن هناك أشخاصا أو مجموعات ساعدته على الأقل لوجيستيا. والدلائل على ذلك كثيرة، وأولها أن السيارة التي كان يتنقل بها ووجدت الشرطة داخلها عددا من الأسلحة ليست ملكه. وبحسب معلومات تسربت عن المحققين، فإن غلام تسلم السيارة وهي من طراز «رينو» بناء على اتصال إلكتروني من شخص قال عنه رئيس الحكومة إنه ربما موجود في سوريا. وتفيد المعلومات أيضا بأن السيارة كانت مركونة في ضاحية أولني سو بوا، الكائنة شمال باريس، وهي معروفة بوجود جاليات مهاجرة عديدة بين سكانها. ووفق ما بينه تفحص الحاسوب الشخصي لسيد أحمد غلام الذي عثر عليه في غرفته في الإقامة الجامعية الواقعة في الدائرة الثالثة عشرة من باريس، فإن غلام تلقى رسالة تطلب منه تسلم السيارة وفيها بعض الأسلحة في ضاحية أولني. ولكن حتى الآن، لم يعرف من أين جاءت السيارة ومن ركنها ومن وضع الأسلحة فيها، وقبل ذلك مصدر هذه الأسلحة الحربية التي تذكر بما كان يحمله الأخوان كواشي اللذان ارتكبا مجزرة «شارلي إيبدو» وأحمدي كوليبالي الذي هاجم المتجر اليهودي في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.
جميع هذه التفاصيل تبدو مهمة للمحققين الذين يتوقعون أن تكشف عن وجود شبكة وراء غلام. والمحير في الأمر أن هذا الطالب لم يثر انتباه أي كان في المسكن الجامعي ولا بين رفاقه من الطلاب في الكلية التي كان يتابع فيها دراسته في المعلوماتية.
من أعطى الأوامر باستهداف أماكن عبادة مسيحية وتحديدا في مدينة فيل جويف؟ بينت التحقيقات أن اختيار فيل جويف لم يكن محض الصدفة بل كان مخططا له. وبحسب المحققين فإنهم وضعوا اليد على وثائق مكتوبة بخط غلام وفيها معلومات «عملياتية» مثل إحداثيات الكنيستين في فيل جويف على جهاز «GPS» والمسافة التي تفصلهما عن أقرب مخفر للشرطة وتفاصيل أخرى من هذا النوع. بيد أن الأمر الأكثر إثارة هو أن غلام، الذي كان زار تركيا، على تواصل مع شخص أو أكثر عبر المراسلات الإلكترونية التي أظهرت، بحسب ما نقلته وسائل إعلام فرنسية، أن «مراسل» الطالب الجزائري هو من شدد على ضرورة اختيار كنيسة أو أكثر كهدف إرهابي ومن ألح على غلام بالتحرك بينما الأخير كان يوحي بأنه «غير جاهز بعد» للقيام بهذه الأعمال.
وأمس، قال مانويل فالس، رئيس الوزراء الفرنسي، إن «كل المؤشرات تدل على أن مشروع الاعتداء تم التخطيط له مع شخص يرجح أن يكون في سوريا وحصلت مراسلات (بين الطرفين) وأعطيت توجيهات مؤكدة لاستهداف كنيسة». وأضاف رئيس الحكومة أن «التهديدات الإرهابية لم تكن أبدا بهذه القوة، ونحن لم نواجه أبدا هذا النوع من الإرهاب في تاريخنا». وذكر فالس أن 1573 فرنسيا أو مقيما على الأراضي الفرنسية «ضالعون في الخلايا الإرهابية»، وأن نحو مائة فرنسي أو مقيم قتلوا في سوريا بينهم سبعة في عمليات انتحارية.
وإذا ثبتت معلومات فالس فهذا يعني أن غلام كان يعمل لصالح تنظيم متطرف. هل هو «القاعدة» أم «داعش»؟ الجواب غير معروف. لكن المعلوم أن منشورات ووثائق تتناول هذين التنظيمين وجدت في حاسوب غلام. وسبق للتنظيمين أن هددا فرنسا بعمليات إرهابية أكثر من مرة.
وجدير بالذكر أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية تبنى عملية «شارلي إيبدو»، بينما ادعى أحمدي كوليبالي أنه يعمل بتوجيه من «داعش». وفي أي حال، ترى باريس أن الاعتداء على كنيسة يعني أن «فرنسا كلها كانت مستهدفة». يبقى السؤال الثالث: كيف نجح غلام في التحضير لمشروع إرهابي من هذا الحجم دون أن يوقظ شكوك الأجهزة الأمنية التي كانت تعرفه؟ الواقع أن الطالب الجزائري يختلف عن محمد مراح، الذي هاجم الكنيس اليهودي في بروكسل وقبض عليه في مارسيليا، وليس من مدرسة الأخوين كواشي وكوليبالي. هؤلاء كلهم «خريجو السجون» بينما غلام طالب لم يسق أبدا إلى السجن لا في فرنسا ولا في الجزائر. لكن في عام 2014 برزت علامات التشدد والتطرف عليه بعد أن أخذ يأتي على ذكر مشروع للالتحاق بسوريا لكنه في الواقع لم يذهب إلا إلى تركيا ولفترة قصيرة، وأوقفته الأجهزة الأمنية عقب عودته وحققت معه طويلا قبل أن تخلي سبيله. لكن المخابرات الداخلية وضعت له ملفا خاصا مع مراقبة «خفيفة». ويبدو أن ذلك مكنه من السير في مشروعه الإرهابي. لكنه بدا «هاويا» في نواح أخرى، منها أنه أصاب نفسه بالرصاص، والمرجح لدى قتله أورلي شاتلين المرأة الشابة التي يظن أنه قتلها في ضاحية فيل جويف نفسها صباح الأحد ليستولي على سيارتها. كذلك برز «افتقاره للمهنية» عندما استدعى بنفسه الإسعاف لتضميد جرحه الذي كان ينزف علما بأن الجميع في فرنسا يعلم أن الإسعاف سيخبر الشرطة إذا تعلق الأمر بإصابة نارية أو اعتداء. وهكذا يكون سيد أحمد غلام قد سلم نفسه مباشرة للأجهزة الأمنية التي عليها الآن أن تستجلي نقاط الظل التي ما زالت تكتنف هذه المحاولة.
«مناطق ظل» ما زالت تحيط بمحاولة الطالب الجزائري استهداف كنيسة في ضاحية باريسية
حاسوب سيد أحمد غلام يبين أن العملية جاءت تنفيذًا لأوامر
«مناطق ظل» ما زالت تحيط بمحاولة الطالب الجزائري استهداف كنيسة في ضاحية باريسية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة