الشاعرة كالفاتي.. روح ثقافية فارسية وجسد لغوي إنجليزي

مشكلة التعبير واجهت شعراء يعيشون خارج بلدانهم

كالفاتي
كالفاتي
TT

الشاعرة كالفاتي.. روح ثقافية فارسية وجسد لغوي إنجليزي

كالفاتي
كالفاتي

الشعر بكل المقاييس أكثر الأنواع حميمية للتعبير الأدبي عن الذات، لذا ليس من المفاجئ أن يظل الشعراء يبحثون عن «عمود فقري» ثقافي يؤسسون عليه هوية هي وحدها التي تجعل التعبير الحميمي عن الذات ممكنًا. مع ذلك، ماذا لو صادف أن تكون في مكان ما، بينما عمودك الفقري الثقافي، أو ما تطلق عليه ميمي كالفاتي «واديًا ينحدر نحو نهر»، في مكان آخر؟ هذه هي المشكلة التي واجهت كثيرين من الشعراء الذين يعيشون خارج أوطانهم على التخوم الثقافية.
لا تفضل كالفاتي، التي تعد من أكثر الشعراء الذين يكتبون بالإنجليزية اليوم إثارة للاهتمام، أن تُوصَف بـ«شاعرة فارسية»، وهي محقة بوجه ما، لأنه على حد علمنا فإنها لا تكتب بلغتها الأم. مع ذلك، أي شخص يرتحل داخل دواوينها الشعرية الخمسة التي نشرتها دار «كاركانيت» سيذهله الطابع الفارسي بها، فعالمها، الذي رسمته بعقلها، والصور التي استخدمتها، وجوهر إحالاتها الثقافية، بل وحتى الوسائل الأدبية التي وظفتها، وهي ليست مجرد قوالب محفوظة مكررة، تنتمي إلى العالم الفارسي بشكل واضح.
وليست هذه مسألة قومية أو عرق، ولا ما يعني المرء هنا هو المفهوم المركب للوطن. في الواقع، في قصيدة واحدة طويلة كتبت في ولاية آيوا، التي تقع في الوسط الغربي بأميركا، تبدو كالفاتي وكأنها تصرخ، وهي تقول: «إنجلترا.. لندن.. أشعر بالحنين إليك». وليس هذا أمرًا مستغربًا نظرًا للفترة التي قضتها كالفاتي من طفولتها وشبابها طوال عقود في إنجلترا. ويخالجني شعور بأنه إذا عادت اليوم إلى طهران، التي هربت منها، فستشعر بالغربة. وهي تعبر عن تمزقها بقولها:
من دون حبي لا توجد أغنية
من دون حبي لا يوجد صمت
لعبة دوارة دون محور تدور حوله
نصفي تفاحة غير مكتملة
لا مركز ولا محيط
يتردد عبر هذه السطور صدى إحدى رباعيات أثير الدين أكسكاتي، الشاعر الفارسي الذي كان يكتب منذ ألف عام. واشتهرت أشعار كالفاتي بصور طفولتها، ومشاهد من الحياة الإيرانية عبر عقود طويلة. إنها تكتب عن أرز الكرز، والعشاء الذي يقدم به كرات اللحم، والزعفران، والزهور، والأراجيل، ومتاجر السجاد، والأسر التي تتعدد فيها الزوجات و«حجر الصبر»، وسيمفونية الجبال، والصحارى، والغابات التي تتسم بها الطبيعة في إيران. إنها تغني عن الجد «بابا مصطفى»، والخادم «المعمد»، والأم الفارسية قليلة الكلام التي تحتفظ بخطابات ابنتها لسنوات. إنها تقدم ما يبدو كصورة ذاتية لطفلة من أسرة تنتمي إلى الطبقة الوسطى في طهران. لا يوجد ما يعجبني أكثر من الحديث عن الطفولة. إنها تقول:
في الفيلا ترتدي وشاحًا أبيض
طفولة عصية على الفهم تقطب جبينها
أرجل صغيرة تتأرجح دون أن تبالي بالعالم المادي
ويظهر الجزء الفارسي من كالفاتي بشكل واضح في عدد من أشعار الغزل، والرباعيات التي ألفتها بالإنجليزية على مدى سنوات. مع ذلك، لم تكن كل محاولات تأليف أشعار غزل فارسي بالإنجليزية ناجحة. وهذه المغامرة ليست بالجديدة، فالكثير من الشعراء الغربيين، بداية بغوته، حاولوا كتابة هذا القالب الشعري. أما بالنسبة إلى الرباعيات، فلا يزال إدوارد فيتزغرالد، الذي ترجم رباعيات الخيام، نموذجًا ساطعًا يدل على نجاح المحاولة.
مع ذلك، محاولات كالفاتي جديرة بالثناء، لأن قصائد الغزل أكثر من مجرد محاكاة ماهرة لسعدي، وحافظ، وخواجو، وغيرهم من أساطين الشعر الفارسي. وفي عدد من قصائد الغزل، تمكنت كالفاتي من الاستعانة بأوزان الشعر الفارسي الكلاسيكي، مثل بحر الرمل، مع الحفاظ على قواعد الرديف أو الكرار، والقافية، ويترك هذا انطباعا داخل النفس بأنه يقرأ قصائد فارسية مكتوبة باللغة الإنجليزية.
وكتب الكثير من الشعراء في مختلف الثقافات والأزمنة أشعارًا تنتمي إلى لغة واحدة من حيث الروح الأدبية والثقافية، وإلى لغة أخرى من حيث اللغة والكلمات. ما الذي كان يفعله أوفيد وفيرجيل؟ لقد كتبا شعرًا ذا روح ثقافية يونانية، لكن باللغة اللاتينية. كذلك أعتقد أن بعض شعراء الحقبة الإليزابيثية مثل السير توماس وايت، والسير فيليب سيدني، قد كتبوا شعرًا لاتينيًا بلغة إنجليزية. وقد يتساءل محبو عمل «حديقة قورش» للسير توماس براون، على سبيل المثال، عما إذا كانوا يقرأون أدبا فرنسيا مكتوبا باللغة الإنجليزية.
كذلك كتب أهم شعراء المنطقة، مثل أسجودي، ومويزي، ويمكنني إضافة منوشهري، لو لم أكن أخشى هجوم القوميين الإيرانيين، شعرًا عربيًا بروح الشعر الجاهلي، ولكن بكلمات فارسية. وفي حين كانت الكلمات والتركيبات اللغوية تنتمي إلى اللغة الفارسية تمامًا، كانت روح الأشعار عربية، على غرار الشعر الجاهلي المتميز. وبطبيعة الحال، كان هناك شعراء ساروا في الطريق المعاكس، حيث كانوا يكتبون أشعارًا عربية قالبًا، وفارسية قلبًا. وأوضح مثال على ذلك هو الشاعر العظيم أبو نواس، ولا يعني ذلك أننا نغفل أو نحط من قدر مهيار الديلمي.
وليست كالفاتي وحدها من الشعراء الذين عاشوا بعيدا عن موطنهم الأصلي الروحي في إيران، فمولانا جلال الدين الرومي، الذي يعد من أعظم الشعراء الفرس، عاش القسم الأكبر من حياته في مناطق كانت اللغة الفارسية، رغم كونها اللغة المشتركة بين الأجناس المختلفة، لغة الأقلية.
ماذا عن الشعراء العظماء الذين كتبوا بالفارسية وهم من القارة الهندية، مثل أمير خسرو من دلهي، وغالب، وآخرهم محمد إقبال؟ لقد كانت مفاجأة بالنسبة لي أن أكتشف، بفضل ابن إقبال، أن شاعر لاهور العظيم لم تطأ قدماه إيران أبدا. وعندما أجريت مقابلة منذ بضع سنوات مع رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي، فاجأني اكتشاف أنه كتب عددًا من قصائد الغزل باللغة الفارسية، وهي لغة لم يكن يتحدث بها.
ونحن نعرف عددا من الشعراء والروائيين العرب، الذين ينتمون إلى دائرة الأدب العربي روحًا، لكن ينتمون من حيث اللغة إلى الإنجليزية، والفرنسية، والروسية، والألمانية، وأخيرا الدنماركية. ونحن هنا لا نتحدث عن المقلدين ومرتكبي السرقات الأدبية.
بعبارة أخرى، يمكن القول إن اللغة وحدها غير قادرة على تفسير عمل أدبي. كالفاتي بالنسبة لي شاعرة فارسية تكتب باللغة الإنجليزية. مع ذلك دعونا لا نخوض غمار تعقيدات مشكلات الهوية. على أي حال، من سوى الشرطة يمكن أن تهتم بالهوية؟ كالفاتي شاعرة عظيمة سيمثل عدم التعرف على أعمالها خسارة لكل محبي الشعر.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.