«أوكايمدن».. محطة شتوية تغري المراكشيين في جميع الفصول

«وادي الرياح الأربعة».. و«سطح مراكش البارد»

ساحات للتزلج وأماكن تلامس الطبيعة الخلابة
ساحات للتزلج وأماكن تلامس الطبيعة الخلابة
TT

«أوكايمدن».. محطة شتوية تغري المراكشيين في جميع الفصول

ساحات للتزلج وأماكن تلامس الطبيعة الخلابة
ساحات للتزلج وأماكن تلامس الطبيعة الخلابة

ما إن يحل الشتاء وتعلن النشرات الجوية عن سقوط الثلوج بالمرتفعات، حتى يبرمج المغاربة زيارات إلى إحدى المحطتين الشتويتين الشهيرتين بالمغرب: ميشليفن، على مشارف مدينة إيفران، أو أوكايمدن، على مشارف مدينة مراكش.
تبدو ثلوج ميشليفن أكثر سخاء؛ إذ توزع ما تجود السماء به على المرتفعات والسهول، ليشمل الغطاء الأبيض مدينة إيفران، مانحا إياها لمسة تؤكد لقب «سويسرا المغرب» الذي تعرف به.
من جهتها، تفضل ثلوج أوكايمدن أن تبقى منزوية في الأعالي، تاركة لمراكش، التي تبعد عنها بنحو 70 كلم، دفء طقسها وحمرة بناياتها.
ورغم ما توفره مراكش لزوارها من مؤهلات سياحية، فقد منحتها محطة أوكايمدن الشتوية تنويعا سياحيا جميلا على مستوى الزيارة، بالنسبة لمن قصد المدينة الحمراء، المعروفة، في الأصل، بساحاتها وبناياتها التاريخية وطقسها الدافئ.
ومن المفارقات الجميلة أن محطة أوكايمدن الشتوية، التي يقصدها عشاق الثلوج، شتاء، توجد على بعد كيلومترات قليلة من منتجع أوريكا الصيفي، الذي يطلق عليه البعض لقب «الحديقة الخلفية لمراكش»، والذي يغص بزواره صيفا؛ حيث تستثمر منطقة أوريكا حرارة الصيف لتتحول، بأشجارها ومياه واديها، إلى ملاذ ووجهة مفضلة للهاربين من صهد مراكش، الباحثين عن الخضرة والهواء المنعش.
وجرت العادة أن يشتد الإقبال على محطة أوكايمدن خلال نهاية الأسبوع وأيام العطل، حيث يضاف الآلاف من طلاب المدارس والجامعات، ممن يأتون في رحلات جماعية، إلى أهل مراكش، وكثير من سياح الداخل القادمين من شتى مناطق ومدن المغرب، فضلا عن السياح الأجانب، الذين يقفون مشدوهين أمام هذا الغنى الطبيعي، الذي تتميز به منطقة مراكش؛ حيث يمكن للزائر أن يستمتع، ضمن محيط 150 كيلومترا، برمال الصحراء وقمم الجبال وبياض الثلوج وموج الشواطئ ومياه الشلالات وخضرة الحقول والأشجار، في اليوم نفسه.
وتبدأ متعة زيارة أوكايمدن قبل الوصول إليها؛ فعلى طول الطريق الفاصل بين مراكش والمحطة الشتوية، الذي يمكن أن يستغرق نحو ساعة ونصف الساعة، يصادف الزائر جمالا طبيعيا، فاتنا بخضرته وبناياته، ودافئا بساكنته.
ينطلق بك الطريق لزيارة أوكايمدن من شارع محمد السادس، عبر باب إيغلي، أحد أبواب مراكش التاريخية. تترك مركب «ميكاراما» السينمائي على يمينك في مواجهة حدائق أكدال، التي ستبدو لك كما لو أنها لا تنتهي في المكان. في مقابلها، ستنتبه إلى مركبات سياحية وإقامات أشبه بالقصور، تعاند بعضها فيما ترافق شارع محمد السادس.
تصل إلى دوار الهْنا فتنتبه إلى بناية دار السكر التاريخية التي تحولت إلى مطعم. ستستعيد دروس التاريخ عبر حكاية الملوك السعديين (1554 - 1659) وهم يستبدلون السكر المغربي بالرخام الإيطالي، قبل أن تركن إلى صمتك مستمتعًا بمفارقة أن يذهب السكر مشروبًا، والرخام إلى التاريخ بتلبسه لبنايات تاريخية مراكشية ما زالت تمتع العين والذاكرة.
على الطريق، دواوير وتجمعات سكنية ترافقها مشاتل نخيل وورد وخضرة. ستعلن لافتة أن قرية «اثنين أوريكا» أمامك مباشرة، خلال مسافة 25 كلم من الطريق. وعند النقطة الكيلومترية 16 ستغادر إقليم مراكش لتدخل إقليم الحوز، لكن، لا شيء تغير في المكان والمناخ. الشمس، هنا، والحمرة، هنا، وهجوم الإسمنت متواصل، هنا، أيضًا. وحده مشهد الضيعات والقصور والفيلات المشتتة في الخلاء ينقل لك مستقبلاً سيبدو أمامك غارقًا في الإسمنت. ستُتعب نفسك في قراءة عناوين مشاريع الفنادق والمركبات السياحية والمطاعم والدور التقليدية الفاخرة التي يشترك في بنائها مغاربة وعرب وأوروبيون وأميركيون.
ستثير انتباهك معارض الخزف والمنحوتات والزرابي المقامة في الهواء الطلق، قبل أن يصل بك الطريق إلى قرية العكرب، ثم مباشرة، بعد ذلك، قرية «اثنين أوريكا».
تترك للطريق أن يقودك في التواءاته، فيما تمتلئ زوايا النظر عبر الجنبات بأشجار الكاليبتوس والصفصاف والزيتون على طول مرتفعات الأطلس الكبير الحمراء اللون، الراكنة إلى خضرتها.
يواصل الطريق التواءاته، فيما تغرق عيناك في تفحص كل تلك الدور الحمراء النائمة في البعيد، الملتصقة بجبال تتزين بحمرة قانية، لتتساءل: كيف أمكن لضجيج المدينة أن ينفي البعض نحو خلاء وفيافي الجبال الوعرة؟
على جانب الطريق الملتوي، يتجمع الأطفال والشبان في جماعات من اثنين أو ثلاثة أفراد لبيع الخضروات والفواكه، التي توفرها حقول المنطقة. العلامات الخاصة بالفنادق والمطاعم والمقاهي تتكاثر كلما ازدادت برودة الهواء الذي تتميز به المنطقة.
في هذه المرحلة من الطريق، ستبدو الزرابي والمعروضات الخزفية أشبه بلوحات فنية تزيد الطريق، الأخضر بأشجاره والفاتن بحمرة تراب الجبال والدور القريبة منه، جمالاً ومتعة. في إحدى اللحظات، سيتشعب بك الطريق إلى طريقين: طريق أول يتواصل نحو قرية «ستي فاطمة»، في اتجاه منتجع «أوريكا» الصيفي، وطريق ثان إلى اليمين، يقودك نحو محطة أوكايمدن الشتوية.
ويقال إن أوكايمدن تعني، في الأمازيغية، «وادي الرياح الأربعة»، أما بعض زوارها الحاليين فاختاروا أن يضيفوا إليها لقبا ثانيا: «سطح مراكش البارد». وبين المعنى الأمازيغي و«برودة السطح»، تعتبر أوكايمدن، اليوم، ملاذا مفضلا لرواد الرياضات الشتوية وعشاق بياض الثلج. وجرت العادة أن تستمر فترة وجود الثلوج بمنطقة أوكايمدن أكثر من 120 يومًا، تمتد من منتصف ديسمبر (كانون الأول) إلى منتصف أبريل (نيسان)، غير أن فرصة التزلج على الجليد، بالشكل المطلوب، عادة ما تنحصر بين شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط).
ويتراوح علو محطة أوكايمدن بين 2600 متر و3270 مترًا، وهي تصنف أهم محطة للتزلج على الجليد بالمغرب، الشيء الذي يجعلها الأكثر استقطابًا للزوار، خلال فصل الشتاء، حيث يجد الزوار في استقبالهم مدربين وأدوات للتزلج معروضة للكراء، تتراوح بين 100 درهم (12 دولارا) و170 درهما (20 دولارا)، كما توفر لهم المطاعم والمقاهي فرصة إدخال بعض الدفء إلى المعدة، قبل أخذ صور فوتوغرافية للذكرى، و«نحت» تماثيل من ثلج المرتفعات، وتبادل كرات الثلج، قبل الانخراط في متعة «ركوب» الثلج.
وتتوفر المحطة على بنية استقبال مقبولة، خصوصًا أنها تتوفر على أعلى «تيليسييج» (عربات معلقة بسلك واحد) بأفريقيا، يصل علوها إلى 2300 متر، وستة «تيليسكي»، تصل سعتها إلى 4000 شخص في الساعة، فضلا عن عدد من الفنادق والمطاعم والمنتجعات الجبلية، غير أن هذه التجهيزات تبقى، برأي المهتمين بالمجال السياحي، غير كافية بالنظر إلى فرادة وقيمة هذا الموقع، وعدد الأنشطة التي يقدمها للأشخاص المولعين، أو حتى غير المولعين، برياضة التزلج على الجليد، ممن يفضلون، على الخصوص، التنزه والصيد واستكشاف النقوش الصخرية، التي يرجع تاريخها إلى نحو 2100 سنة قبل الميلاد.
ويكثر الزوار من أخذ الصور الفوتوغرافية، خاصة مع ما وفرته التكنولوجيات الحديثة من آلات تصوير رقمية وهواتف ذكية، قبل أن يعود كل واحد إلى منطقته ومدينته؛ حيث السهول خضراء أو جرداء، والمدن غارقة في ضجيجها وجدران بناياتها، وفي سواد الأسفلت الذي يلون الشوارع والأزقة.
وفي الوقت الذي يفضل فيه معظم السياح القيام بزيارات خاطفة لمنطقة ومحطة أوكايمدن، حيث «يخطفون» بعض الصور ويتريضون بصعوبة بالغة على بياض الثلج، من دون أمل في المشاركة، في مستقبل الأيام، في بطولة العالم للرياضات الشتوية، قبل العودة إلى مراكش، حيث الليل أطول من ساعاته، والفنادق متوفرة بمختلف أصناف النجوم، والساحات مزدحمة بروادها، والمحلات التجارية تقترح معروضاتها، والمطاعم تغري بقائمة وجباتها، يختار آخرون قضاء الليل بفنادق وشاليهات المحطة، حرصًا منهم على أن يفتحوا أعينهم وقلوبهم، في صباح اليوم التالي، على بياض الثلج والهواء النقي، وهدوء «سطح مراكش البارد».



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».