تنامي الأصولية الهندوسية يهدد نسيج الهند الاجتماعي وثقافتها العلمانية التعددية

بعد قرابة سنة من تولي ناريندرا مودي الحكم

تنامي الأصولية الهندوسية يهدد نسيج الهند الاجتماعي وثقافتها العلمانية التعددية
TT

تنامي الأصولية الهندوسية يهدد نسيج الهند الاجتماعي وثقافتها العلمانية التعددية

تنامي الأصولية الهندوسية يهدد نسيج الهند الاجتماعي وثقافتها العلمانية التعددية

لقد مرّ أكثر من عشرة أشهر على تحقيق حزب بهاراتيا جاناتا اليميني بقيادة ناريندرا مودي فوزًا تاريخيًا ضخمًا بالانتخابات العامة في الهند، ومن ثم تولّي مودي حكم أكبر دولة ديمقراطية في العالم. وكان أبرز ملامح انتصار بهاراتيا جاناتا، الذي يجمع في شعاراته وخطابه السياسي القومية الهندية إلى الأصولية الهندوسية، أنه جاء بغالبية مطلقة هي الأولى لأي جماعة أو حزب سياسي في البلاد خلال السنوات الثلاثين الأخيرة.
والواقع أنه منذ تسلم بهاراتيا جاناتا السلطة، أثار تصرّفات جماعات هندوسية متشددة وممارساتها العدوانية في مختلف أنحاء البلاد المترامية الأطراف، معظمها مرتبط تنظيميًا بالحزب، شكاوى من الأقليتين المسلمة والمسيحية، ولا سيما أن بعض هذه الجماعات حاولت إجبار مسلمين ومسيحيين على اعتناق الهندوسية. وتجدر الإشارة إلى أن الهندوس يشكلون (وفق إحصاء عام 2011) غالبية 78.35 في المائة من مجموع سكان الهند، مقابل 14.2 في المائة من المسلمين و3.6 في المائة من المسيحيين و1.9 في المائة من السيخ ثم 0.8 في المائة من البوذيين و0.4 في المائة من الجاين. ووفق التقارير، فإن مجموعات من الأقليتين المسلمة والمسيحية تحدثت علنًا عن تعرضها لاعتداءات من متطرفين هندوس منذ تولى مودي الحكم في مايو (أيار) عام 2014.
«راشتريا سوايامسيراك سانغ» (آر إس إس)، هي أكبر المنظمات الهندوسية الأصولية المتشددة وأقواها. هذه المنظمة التي تقتصر عضويتها على الذكور تُعد الراعي الآيديولوجي لحزب بهاراتيا جاناتا (أي الحزب القومي أو الشعبي الهندي) وكل المنظمات والروابط والشراذم الهندوسية الأصولية والمتطرفة. وكان ملاحظًا أن الـ«آر إس إس» ازدادت حضورًا وطموحًا منذ تبوؤ ناريندرا مودي، عضو الحزب، رئاسة الحكومة الاتحادية الهندية.
هذا الأمر لا يجوز أن يثير الاستغراب ذلك أن مودي نفسه عضو في المنظمة، وكذلك ينتمي إليها عدد من رؤساء وزارات الولايات الهندية الذين يتباهون ويتفاخرون بعضويتهم فيها. ثم أن مودي عمل في الـ«آر إس إس»، لأكثر من عقد من الزمن قبل أن يدخل حلبة العمل السياسي. وفي المقابل، صدر عن موهان بهاغوات، رئيس المنظمة قوله صراحةً إن مودي «أول رئيس هندوسي يحكم الهند منذ 800 سنة».
وتوصف الـ«آر إس إس» بأنها جماعة يمينية متشددة تدعو إلى الولاء القومي المطلق والمحافظة على الثقافة الهندية بلا تردد، وتشكل منظمة «فيشفا هندو باريشاد» (الـ«في إتش بي») ذراعها الدينية، وحزب بهاراتيا جاناتا، الذي أسس عام 1980، ذراعها السياسية. ثم هناك عدة فروع وجمعيات وشراذم صغيرة منها جناح عنيف شبه عسكري (أي ميليشيا) يحمل اسم «باجرانغ دال»، وحزب «شيف سينا» المغالي في تطرّفه اليميني في مدينة مومباي، ويعرف عن مؤسسه إعجابه الشديد بالزعيم النازي الألماني أدولف هتلر.
راهنًا، يشكل تشديد الـ«آر إس إس» على فرض الهندوسية على الأقليات الدينية في البلاد تغيّرًا بتوجهات التنظيم، الذي دأب لعقود طويلة على انتقاد النشاطات الدعوية للمسلمين والنشاطات التنصيرية للمسيحيين في الهند. ومع هذا التغيّر، تدافع الـ«آر إس إس» عن نفسها بالزعم أن الهندوسية عانت كثيرًا عير التاريخ بسبب إحجامها عن العمل على جذب الناس ودفعهم لاعتناقها. وقبل بضعة أسابيع أقدم راهب هندوسي على طقس «تطهيري» - وفق معتقده - لجماعة من المسلمين في مدينة أغرا، بولاية أوتار براديش الكبيرة بشمال الهند، ويطلق منظمّو مراسم تغيير الدين مسمى «غار وابسي»، أي «العودة إلى الدار (أو الوطن)».
آجو تشوهان، عضو ميليشيا «باجرانغ دال» دافع عن هذا التوجه بقوله: «إن أجداد هؤلاء الناس كانوا هندوسا، لكنهم أجبروا على اعتناق الإسلام قبل عقود. لكنهم اليوم يعرفون حقيقة انتمائهم ويدركون أن الهندوسية تخدم مصالحهم أكثر». غير أن ما حصل في اغرا أثار موجة احتجاجات واسعة للمسلمين وصلت أصداؤها إلى قاعات البرلمان، إذ عطل نواب أحزاب المعارضة أعمال مجلس النواب لعدة أيام مطالبين بجلسة استماع لبحث لما وصفوه بإرغام الناس بالقوة على تغيير دينهم، بجانب التعديات التي شنت على أفراد الأقليات الدينية.
وفي حالة أخرى، وقعت في ولاية أوريسا، بشرق البلاد، تحوّل عدد من المسيحيين إلى الهندوسية. ووفق تصريح أدلى به جون دايال، أمين عام «المجلس المسيحي لعموم الهند»، فإن حملة تغيير المعتقد الديني «هي آخر حدث ضمن سلسلة من الأحداث التي بدأت منذ بعض الوقت، إلا أنه جرى تسريعها وتعزيزها بعد تولي ناريندرا مودي السلطة». وأردف دايال أن الجماعات والشراذم المتطرفة تتشارك أفكارها ومشاربها مع الـ«آر إس إس»، المؤسسة الأم لحزب بهاراتيا جاناتا، وتحظى بالمباركة الضمنية من السلطة الحاكمة.
أن فروع الـ«آر إس إس» والمنظمات المتعدّدة التي تتجمع تحت خيمتها الواسعة، وتنشط في عملية إرغام الأقليات على اعتناق الهندوسية، تدّعي دائمًا أنهم لا يفعلون سوى إعادة هندوس إلى دينهم الأصلي، بعدما كان أسلافهم قد أرغموا على اعتناق المسيحية والإسلام. ولهذا السبب لا يصفون مراسم تغيير الدين بذلك المصطلح بل بـ«العودة إلى الدار». وعلى الجدل المثار علّق بهاغوات، رئيس الـ«آر إس إس»، قائلاً: «سنعيد إخوتنا إلينا بعدما ضلوا الطريق. إنهم لم يذهبوا بذلك الاتجاه بإرادتهم، بل سلبوا أو أغروا لتركنا».وهنا يشرح راهول فيرما، الصحافي والباحث في هذا الموضوع، موضحًا: «القومية الهندوسية تقوم على أساس يزعم أن الهند بلد ذو غالبية قومية هندية، أما المسلمون والمسيحيون فمجرّد أقليات»، ويستطرد أن القومية الهندوسية استفادت خلال السنوات الأخيرة من التخويف من الإسلام والعداء له بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، ولا سيما مقولة «الإرهاب الإسلامي».
على الصعيد العملي، أحد أهم مشاريع القوى الهندوسية اليمينية الآن هو إعادة النظر في كتب مضامين التاريخ والتدخل في المناهج المدرسية لضخ نكهة هندوسية واضحة فيها. وثمة محاولات جادّة لشطب تراث الإسلام وتاريخه في الهند، وما يزيد الطين بلّة أن كل المواقع العليا في المجالس والهيئات التعليمية الحكومية يشغلها مسؤولون إما تدرّجوا في صفوف الـ«آر إس إس» أو يدينون للتنظيم المتشدد بالولاء. ومثلما يعمل الراديكاليون المتطرّفون المسلمون وحرصهم على جعل الإسلام وتصويره وفق مفاهيمهم المتطرفة، يعمل غلاة القوميين الهندوس لجعل الهند «دولة غالبية هندوسية». وهم في سيرهم بهذا الاتجاه ما عادوا يتسترون أو يخجلون. بل يتكلمون ويتصرفون بجرأة وثقة. ويمكن تقدير صعود التطرف الهندوسي من أن دار النشر بنغوين - إنديا تقبلت الخسارة في محكمة هندية وسحبت من التداول كتابًا أثار جدلاً هو كتاب «الهندوس: تاريخ بديل» للأكاديمية ويندي دونيغر. وكانت الجماعات الهندوسية قد اعتبرت الكتاب المذكور مهينًا ومتجنيًا على الهندوسية، وبالتالي، أجبرت شركة النشر العملاقة على التراجع تحت طائلة المقاضاة. ومن ثم، طلب مؤلفان من الشركة فسخ عقديهما معها، وإتلاف كتبهما التي نشرتها.

تاريخ من النزاعات الفئوية

جدير بالذكر أن شبه القارة الهندية عاشت تاريخًا شهدت حقبًا من النزاعات الفئوية والخلافات الدينية أسهمت في رسم معالم تاريخها السياسي – الاجتماعي، فقبل تقسيم شبه القارة الهندية على أساس ديني عام 1947، كانت سياسة الاستعمار البريطاني المعتمدة مبدأ «فرّق تسد» مسؤولة إلى حد بعيد عن تعميق هوة الانقسام بين أبناء الديانات المختلفة. ولكن حتى بعد نشوء جمهورية الهند في أعقاب التقسيم - الذي نتج عنه استقلال باكستان (التي انقسمت لاحقًا بين باكستان وبنغلاديش) - تميزت الهند الجديد بهوية تعددية وشابتها تأثيرات انقسامية. ولقد كان مؤسسو الجمهورية الوليدة وأعين للواقع الخليط الاجتماعي - الديني المعقّد للهند، ولذا وضعوا نصب أعينهم أن تكون «كيانًا علمانيًا».
وفي هذا الصدد قال جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند المستقلة، عن «العلمانية»، موضحًا: «ماذا تعني بالضبط؟ إنها تعني تحرية الحركة الإيجابية للأديان، شريطة ألا يتدخل أبناء ديانة ما بأمور ديانة أخرى، وألا تهدد هذه الحرية مفهوم الدولة». وشرح الدكتور بي آر آمبيدكار «أبو الدستور الهندي» مفصّلاً: «أي أنه ليس من صلاحيات البرلمان لفرض معتقد ديني بعينه على المواطنين الآخرين (من أتباع ديانة أخرى)».
نهوض التشدّد الهندوسي
تصاعد تشدد الحركة الهندوسية عام 1984 عندما أطلقت منظمة الـ«في إتش بي»، حملة الاستحواذ على المسجد البابري في مدينة آيوديا، بزعم أنه شيّد فوق أرض هي مسقط رأس الإله الهندوسي رام. وعام 1992، هيّجت المنظمة المتطرّفة وحرّضت حركييها على هدم المسجد، مما أثار أعمال عنف وشغب على امتداد الهند، وعززّ جماهيرية حزب بهاراتيا جاناتا الذي استفاد من التحريض والشحن الديني، ففاز عام 1998 لأول مرة في تاريخ التيار الهندوسي السياسي بانتخابات عامة على مستوى البلاد.
حادثة آيوديا، وما تلاها من تهديم المسجد البابري، أجّجت أكثر فأكثر الوضع، وجيّشت متطرّفي الهندوس، فطالبوا باستعادة ثلاثة مواقع يعدّها الهندوس على رأس مقدّساتهم، ويزعم المتطرّفون منهم أنها أهينت ودنّست على أيدي المسلمين في مدن آيوديا وماثورا وفاراناسي (بنارس). حتى إن لال كريشنا آرفاني، زعيم بهاراتيا جاناتا، يومذاك (وهو متقاعد الآن)، قال صراحة: «إذا كان للمسلمين الحق في أن يكون لهم بيئتهم الإسلامية في مكة (المكرّمة) وللمسيحيين بيئتهم المسيحية في الفاتيكان، لماذا يكون خطًا للهندوس توقع أن تكون لهم بيئتهم الهندوسية في آيوديا؟».
في هذه الأثناء، ثمّة دعوى قانونية ما زالت المحاكم تنظرها حول وثائق ملكية قطعة الأرض موضع النزاع التي هي بحوزة الدولة حاليًا، ففي حين تطالب الأحزاب والقوى المسلمة بإعادة بناء المسجد الأثري بموجب أمر من القضاء، يسعى الجانب الهندوسي لسن البرلمان قانونًا يسمح ببناء معبد، بحجة أن الإيمان بوجود الإله الهندوسي رام لا تقرّره محاكم قضائية. بيد أن «محكمة القمة»، المحكمة الاتحادية الأعلى في البلاد، جمّدت الأمر الذي كانت أصدرته محكمة مدينة الله آباد العليا - التي تتبعها مدينة آيوديا - الذي يشمل توزيع المكان إلى ثلاثة أثلاث: الثلث الأول يسلّم لرام لالا (الإله رام) عبر المجلس الأعلى الهندوسي، والثلث الثاني لجماعة نيرموهي آخارا، وهم نسّاك هندوس، بينما يسلّم الثلث الثالث والأخير لهيئة الوقف (الإسلامي) السنّي. وكما سبقت الإشارة، ما زال النزاع مفتوحًا وأبقي الوضع على حاله.
ما يستحق الإشارة إليه أن النزاع في آيوديا يعود إلى القرن الميلادي الـ18، غير أن حزم السلطات البريطانية المتولية أمور شبه القارة الهندية، حينذاك، حالت دون تفاقم الأوضاع وتدهورها إلى مواجهات في الشوارع، بل عمدت إلى تجميد المشكلة وتثبيت «الأمر الواقع» فيما يخص ملكية المسجد. ثم بعد سنتين من الاستقلال، فتح قاض طائفي متعصب أبواب الفتنة عندما سمح بوضع تماثيل داخل جزء متنازع عليه من العقار. وفي وقت لاحقا إبان حكم راجيف غاندي، رئيس الوزراء الأسبق الراحل وزعيم حزب المؤتمر (وحفيد نهرو)، ذهبت حكومته خطوة أبعد عندما أشرفت على احتفال وضع حجر الأساس لمعبد رام في العقار موضوع النزاع.
ثم عام 2002، بينما كان قطار يقل زوّارًا هندوسًا يغادر موقع المسجد في آيوديا أضرم فيه مسلمون متشدّدون النار فقتل في الحريق 58 راكبًا. ثم في العام نفسه، وسط تأجج المشاعر والتحريض من عدة جهات، وقع حادث مماثل، إذ تعرّض قطار في ولاية غُجَرات بأقصى غرب الهند - وهي ولاية رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، وأيضا الزعيم التاريخي المهاتما غاندي - كان يقل زوّارًا هندوس أتوا من آيوديا لهجوم من جماعات مسلمة متشدّدة، وقتل في هذا الحادث أكثر من 60 من الركاب حرقًا.وعلى الأثر، اندلعت أعمال عنف تحولت إلى مجازر في عموم غُجَرات، إبان تولي مودي رئاسة حكومتها، قتل فيها أكثر من ألف مسلم، وهُجّر عدة آلاف شرّدوا بعد إتلاف بيوتهم. واكتفى ناريندرا مودي، المتأثر بآيديولوجية الـ«آر إس إس»، بل هو أحد منظّريها، باعتبار تلك المجازر أعمال عنف مبيتة مسبقة التحضير.
ومن ثم، برّر ردّات العنف الدموية ولا سيما في أحمد آباد، كبرى مدن الولاية، باقتباسه قانون إسحق نيوتن الثالث للحركة في علم الفيزياء «لكل فعل ردّ فعل معاكس ومساوٍ في القوة». وعلى الأثر وثّقت جماعات كثيرة، بينهما منظمات حقوق الإنسان، أدلة دامغة عن وجود تورّط ومشاركة فعلية لأجهزة في حكومة ولاية غُجَرات في أعمال العنف. وأدينت وزيرة في حكومة الولاية برئاسة مودي (وهي الوزيرة والطبيبة مايا كودناني) بالإشراف شخصيًا على مجزرة نارودا باتيا في أحمد آباد، وعرضت صور لكودناني وهي تسلّم سيوفًا لمواطنين هندوس وتحضّهم على قتل المسلمين.
ولم تقتصر آفة التطرف الهندوسي على غُجَرات ومسلميها، بل تهدّدت ولايات أوريسا وآسام وكيرالا وآندرا براديش بتوتر وأعمال عنف بين الهندوس والمسيحيين. وكان بين الحوادث التي وقعت تعطيل القداديس في الكنائس، ووقف قراءات للإنجيل، وإتلاف الأناجيل والصلبان ومباني الكنائس ذاتها.

رعاية الرّعاع المتطرّفين

غير أن أعمال العنف ضد المسلمين والتحامل ضدهم ما زالت الأسوأ والأخطر. وخلال تجمّع انتخابي نظّم في العاصمة دلهي، في وقت سابق من العام الحالي بلغ الأمر بإحدى وزيرات حكومة مودي الاتحادية، واسمها ساندفي نيرانجان جيوتي، حد وصف مسلمي الهند بأنهم «أبناء حرام» في البلاد. ولكن على الرغم من هذه الإهانة الصارخة لأقلية دينية، رفض رئيس الحكومة مودي عزلها من منصبها، وإن كان جرى تقديم اعتذار داخل البرلمان. كذلك، جرى تعيين سانجيف باليان، وهو سياسي وناشط حزبي وطبيب بيطري وزيرَ دولة على الرغم من أنه سبق إدانته بالتورّط خلال العام الماضي بأعمال العنف والشغب في مدينة مظفرناغار، بأقصى غرب ولاية أوتار براديش، حيث قتل 60 مسلمًا وهُجّرت مئات العائلات من الأقلية المسلمة.
ووفق محللين سياسيين، فإن أعمال العنف الديني في غرب هذه الولاية، التي تعد كبرى ولايات الهند من حيث عدد السكان، لعبت دورًا أساسيًا في الاستقطاب السياسي الحاد على مستوى الولاية، فانتخب فيها 80 نائبًا من مرشحي حزب بهاراتيا جاناتا من أصل مجموعة نوابها الـ85 في مجلس النواب الهندي الاتحادي. أيضًا، طارت شهرة السياسي جيريراج سينغ بسبب عدائه الصريح وتهجمه الشديد على المسلمين خلال حملته الانتخابية في ولاية بيهار قبل بضعة أشهر، مما أسهم في ضمانه مقعدًا وزاريًا في حكومة مودي.

معارضة الأقليات
في ضوء هذا التوجّه لحكومة ناريندرا مودي شنّ «مجلس الأحوال الشخصية لمسلمي عموم الهند» هجومًا مباشرة ضدها، وأعلن إطلاق حملة على مستوى البلاد لمواجهة قوى اليمين الهندوسي، متهمًا المنظمات الهندوسية مثل الـ«آر إس إس»، بتحضير «مؤامرة» تهدف إلى تحويل الهند إلى «دولة فاشية». وصرّح عبد الرحيم قرشي، الأمين العام المساعد لـ«المجلس» قائلاً: «نحن قلقون إزاء وضع البلاد التي ساءت منذ تولي ناريندرا مودي السلطة. ولا يقتصر الشعور بالقلق على المسلمين، بل يشعر المسيحيون أيضا بالضيق والخوف». وكان بين التعديات المتزايدة التي هزت الأوساط المسيحية اغتصاب راهبة بأحد أديرة ولاية كيرالا (بأقصى جنوب الهند)، وكان آخرها قبل أيام عندما هوجمت كنيسة وتعرّضت لتخريب في مدينة أغرا (حيث يقوم بناء تاج محل الشهير) في ولاية أوتار براديش. وبينما يتساءل قادة الطوائف المسيحية عن سبب تجاهل مودي هذه التعديات على الرغم من التفويض السياسي القوي الذي يحظى به، فإنهم يشيرون إلى أن هذا التجاهل يرسل إشارات مغلوطة وخطرة للعالم عن حال الهند. وحسب الأب سافاري موثو، الناطق باسم «مجمع الأساقفة الكاثوليك في الهند»، خلال تصريح صحافي، «ثمة حالة من الاضطراب والقلق تسود أوساط المسيحيين في أعقاب سلسلة تعديات على الكنائس والمدارس والمؤسسات المسيحية على امتداد البلاد».

صمت مودي وحكومته
ما يوصف بـ«الصمت التواطؤي» من مودي وحكومته عرّض حزب بهاراتيا جاناتا خلال فبراير (شباط) الماضي، وفق المحللين، للهزيمة خلال انتخابات المجلس التشريعي في دلهي، إذ يرى المحللون أن النتيجة جاءت رفضًا فعليًا لسياسة صبغ الحياة السياسية الهندية باللون الزعفراني (البرتقالي)، الذي بات شعارًا لكثير من المتطرفين الهندوس، ولا يستبعدون أن يكون بهاراتيا جاناتا قد خلط بين شعبية مودي الانتخابية والعمل على تطبيق «الهندوية» كعقيدة سياسية. ولحسن الطالع، تنبّه رئيس الوزراء أخيرًا للخطر، فكسر صمته الطويل إزاء تصاعد التطرف، فتعهد بأن تحترم الحكومة حرية المعتقد وتقمع كل من يثير التوتر الفئوي. وحيال هذا التحوّل رأى المعلق السياسي شيكار غوبتا «ما نحن بصدده هو إما أن رئيس الحكومة أضعف من أن يستطيع مواجهة أولئك الذي يجبرون غير الهندوس على التحوّل للهندوسية، أو أنه يشاركهم قناعاتهم، وبصراحة لا أدري أي الاحتمالين هو الأسوأ..».
ولكن في أي حال، ما سبق يترك مسحة من الشك على مستقبل الهند كبلد «علماني»، ما لم تبذل جهود عاجلة لكبح جماح تصاعد التطرف الهندوسي، وتنقية السياسة الهندية من تأثيره المدمّر.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.