أصبح التدوين عملاً خطيرًا في بنغلاديش؛ ففي غضون شهر، تم قتل مدونين على أيدي متشددين دينيًا كما يبدو. واعتدى 3 رجال يحملون سكاكين يشتبه في أنهم متطرفون على واشيقور رحمن ميشو، المدون البنغلاديشي البالغ من العمر 27 عاما، حتى الموت في وضح النهار. وكان رحمن قد كتب انتقادات ضد التشدد، والتعصب الديني، مستخدما اسما مستعارا هو كوتشيت هاشر تشانا، أو «البطة القبيحة». ولم تكن هويته الحقيقية معروفة بين أغلب أعضاء المجموعة التي ينتمي إليها على الإنترنت حتى موته. ومن غير الواضح كيف اكتشف مهاجموه هويته. وقال المحققون إنه تم قتل الشاب على أيدي خلية من المتعصبين وتم التخطيط للعملية قبل تنفيذها بـ15 يوما على الأقل. وكان منفذو الهجوم من جماعة «أنصار الله بانغلا» المتعصبة، ينتمون إلى «خلية نائمة».
ويأتي مقتل رحمن بعد أقل من شهر من مقتل المدون والكاتب أفيجيت روي، في 26 فبراير (شباط) الماضي في معرض إيكوشي للكتاب، حيث شارك في الفعاليات بمناسبة عرض كتابه الجديد. وكان روي ملحدًا يروج للعلمانية من خلال مدونته، وكتبه، ومقالاته، التي تنشر في الجرائد. وكان معرض إيكوشي للكتاب مقامًا في جامعة دكا، التي تعرف بتاريخها كمركز لحركة الاستقلال. ويحمل روي الجنسية البنغلادشية والأميركية، وتلقى تهديدات بالقتل لفترة طويلة، لكن لم يكن يأخذها بجدية. وخلال زيارة إلى بنغلاديش مع زوجته رافدة أحمد، أخذ روي ينزف حتى الموت، بينما أصيبت زوجته، وهي مدونة أيضًا، إصابة بالغة. لم يهبّ أحد لنجدتهما عندما هجم عليهما أشخاص يحملون بلطات وسواطير.
وتعد بنغلاديش رابع أكبر دولة مسلمة في العالم، حيث تبلغ نسبة المسلمين فيها 90 في المائة من إجمالي عدد السكان، لكن نظام الحكم في الدولة نظام علماني، والقوانين المطبقة تستند إلى القانون العام البريطاني. وقالت رئيسة الوزراء شيخة حسينة واجد، إنها لن تستسلم للتطرف الديني. مع ذلك على مدى العقد الماضي، أصبحت التفسيرات المتطرفة تلقى رواجًا هنا. وبسبب حملات التنكيل الأمني التي تقوم بها الحكومة ضد المدونات السياسية، والصحف التي تروج لأفكار سياسية معارضة، أو تنشر ما تراه السلطات المحلية تجديفًا، جاءت بنغلاديش في المركز 146 من بين 180 دولة على قائمة حرية الصحافة بحسب منظمة «مراسلون بلا حدود».
وبحسب لجنة حماية الصحافيين، فقد تم قتل 16 كاتبا في البلاد منذ عام 1992، وفي 12 حالة من تلك الحالات لم يتم تقديم القتلة للعدالة. وفي عام 2012، تم إعلان بنغلاديش أخطر دولة بالنسبة للصحافيين بعد مقتل 4 صحافيين في البلاد في ذلك العام. وساءت الأمور عام 2013، مع ظهور موجة من هجمات وتهديدات من قبل المتطرفين تستهدف الكتاب الملحدين والعلمانيين. وخلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، نجا آصف محيي الدين، الكاتب المتشكك، من عملية طعن تعرض لها من قبل مهاجمين تحركهم دوافع دينية.
وخلال الشهر التالي، كان أحمد رجب حيدر، المدون المناهض للتشدد، أول من تم قتله بسبب ما يكتبه على مدونته. وكان حيدر من أبرز المنادين بإعدام المؤيدين لباكستان والمدانين بارتكاب أعمال عنف أثناء حرب استقلال بنغلاديش عن باكستان. وطالبت جماعة «حفظة الإسلام» خلال العام الماضي بإعدام كل المدونين الملحدين في بنغلاديش؛ واتجهوا إلى دكا مع نصف مليون من المؤيدين، وأحرقوا مجسمات وصورا للمدون آصف محيي الدين الذي نجا من الهجوم. وكان محيي الدين، البالغ 31 عاما، في طريقه إلى مكتبه بحي راق في دكا، عندما هجم عليه 3 أشخاص، عرفوا أنفسهم فيما بعد بأنهم عناصر في جماعة «أنصار الله بانغلا»، التابعة لتنظيم القاعدة. وتلقى محيي الدين 6 طعنات في رقبته وكتفه، لكنه نجا لحسن الحظ. وكتب محيي الدين في آخر مشاركة له على مدونته: «أعلم ما يريدون، لكنهم هم الخائفون، لا نحن. إنهم يخشون أصواتنا وقلمنا. وسوف أظل أهاجم آيديولوجيتهم، وأنتقد آرائهم في كل كتاباتي». وكانت هناك محاولات مماثلة لقتل الشاعر البارز شامسور رحمن، الذي رحل عن عالمنا، والكاتب الدكتور هومايون آزاد. ورغم أن شامسور رحمن تمكن من إنقاذ نفسه، فإن آزاد توفي متأثرًا بجراحه بعض بضعة أشهر في ألمانيا.
وفي أكثر الحالات، لم يكن القتلة، الذين شاركوا في تلك الجرائم الوحشية، لديهم أي فكرة عن التدوين. وتم الإفراج عن قتلة رجب حيدر بكفالة، ومر عامان ولم تتحقق العدالة. ومر شهر على مقتل الدكتور أفيجيت روي، ولم تصل الشرطة إلى أي خيط يقود إلى الجاني. ومن المتوقع أن ينضم الحزبان السياسيان الرئيسيان في بنغلاديش إلى لعبة إلقاء المسؤولية على الآخر؛ فحزب المعارضة وجه أصابع الاتهام إلى حزب «عوامي» الحاكم، حيث اتهمه بأنه تسبب في مقتل روي من أجل تشويه سمعة «حزب بنغلاديش القومي» وحليفته «الجماعة الإسلامية»، بحسب ما كتب محمد جميل خان في «دكا تريبيون».
وأعرب تاهميما آنام، الكاتب وعالم الإنسانيات، عن أسفه من أن الكتابة عمل خطير في بنغلاديش، التي ظهرت إلى الوجود عام 1947 مع جلاء بريطانيا عن الهند، ونالت استقلالها عن باكستان عام 1971. وتأتي الهجمات في وقت تعاني فيه بنغلاديش من استمرار حالة الجمود السياسي بسبب الانتخابات المثيرة للجدل التي أجريت العام الماضي، وقاطعها «حزب بنغلاديش القومي» الذي يعد حزب المعارضة الرئيسي، وحلفاؤه. وظلت المعارك من أجل الوصول إلى السلطة بين رئيسة الوزراء شيخة حسينة واجد، ورئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء، التي تتزعم «حزب بنغلاديش القومي»، مخيمة على المشهد السياسي في البلاد لأكثر من عقد.
على الجانب الآخر، تذكر وسائل الإعلام في بنغلاديش أن الجماعات المتشددة وضعت قائمة بأسماء مدونين، وكتاب، يرونهم مناوئين للإسلام. وتداولت هذه الجماعات قائمة مكونة من 84 مدونا، تعرض كثير منهم لهجمات منذ ذلك الحين. وقال مدونون إن من أدرجت أسماؤهم على القائمة، يواجهون خطرًا.
ويعتقد أنانيا آزاد، المدون البنغلاديشي، أن دوره قادم. وأوضح قائلا: «يمكنهم مهاجمتي أو مهاجمة من يفكرون مثلي في أي وقت». ولأنانيا كتابات منتقدة للتشدد، والسياسة التي يحركها الدين. واستقال من وظيفته كاتب عمود في إحدى الصحف، وتوقف عن الكتابة على المدونات خلال الأشهر القليلة الماضية بعد تلقيه كثيرا من التهديدات، لكن لا تزال له تعليقات منتقدة على موقع «فيسبوك». ويقول أنانيا إنه يفكر في مغادرة البلاد وإنه يقضي جلّ وقته حاليا في المنزل. وقال في مشاركة له على موقع «فيسبوك» في 12 مارس (آذار) الماضي: «عندما أحاول الدفاع عن الحقيقة، يريدون قتلي».
ويطالب كثيرون ممن يتعرضون لتهديد، ومن بينهم أنانيا، بمنع «الجماعة الإسلامية»، التي تعد أكبر حزب إسلامي والحليف الرئيسي للقوميين. كذلك يعد أنانيا من بين الذين طالبوا بإعدام زعيم «الجماعة الإسلامية» بسبب تورطه في جرائم حرب أثناء حرب الاستقلال في بنغلاديش عام 1971.
وجعلت التعديلات الأخيرة لقانون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المدونين أكثر عرضة للاتهامات. وطبقا للقانون، أصبح الإضرار بـ«صورة الدولة» والتسبب في «انهيار» النظام والقانون باستخدام أي وسيلة إلكترونية جريمة معترفا بها. ويقول المدون حسين، إنه ليس المتطرفون فقط هم من يمارسون التهديد، بل الحكومة تفعل هذا أيضًا. وتم سجن محمود رحمن، رئيس تحرير صحيفة «أمارديش»، أكبر صحف المعارضة للحكومة، مؤخرًا وتم إيقاف الصحيفة. كذلك تم إلقاء القبض على مصدق علي فالو، صاحب محطة «إن تي في»، أشهر محطة تلفزيونية في بنغلاديش تبث عالميًا، وأيضا أحد قادة المعارضة البارزين. وتم القبض على الرئيس التنفيذي لمحطة «إي تي في»، وهي محطة أخرى تحظى بشهرة واسعة، قبل بضعة أشهر.
كذلك تم إيقاف برنامج موتيور رحمن، رئيس تحرير صحيفة «ديلي منابزامين»، الحواري مؤخرًا. كذلك هددت الحكومة مؤخرًا رئيسي تحرير صحيفتي «بروتوم ألاو» الصادرة باللغة البنغالية، و«ديلي ستار» الصادرة باللغة الإنجليزية، على حد قول حسين. وقال شافقوات رابي، منتج ومدير عدد من البوابات الإلكترونية والدوريات الإخبارية، والمدونات، والبرامج الإذاعية، وأفلام الرسوم المتحركة عن السياسة في بنغلاديش: «بوجه عام، تمارس وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية رقابة ذاتية استثنائية حاليًا مما يجعل مواقع التواصل الاجتماعي مثل (فيسبوك) و(تويتر)، والمدونات، التي تسمح للكتاب بالتخفي، الوسيلة الوحيدة الممكنة لنشر أي محتوى نقدي وهو أمر هناك حاجة ماسة إليه». ورفض رابي الكشف عن موقعه خوفا على سلامته.
ظاهرة قتل الإعلاميين المناهضين للتشدد تزداد انتشارًا في بنغلاديش
قائمة بـ84 مدونًا أعدتها الجماعات المتطرفة للتخلص منهم
ظاهرة قتل الإعلاميين المناهضين للتشدد تزداد انتشارًا في بنغلاديش
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة