هيمن الجدل حول مناظرة تلفزيونية بين باحث مصري وشيخين من الأزهر على الشارع المصري أمس. ويعكس هذا الجدل بحسب مراقبين التحديات التي تواجه الدعوة التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني، فيما لا يزال التلاسن قائما بين الداعين إلى مظاهرة لخلع الحجاب ورافضين للفكرة.
وتواجه مصر منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، تناميا في وتيرة العمليات الإرهابية، التي تبنتها جماعات دينية متشددة، إلى جانب ما تشهده المنطقة العربية على وجه العموم من تنامي ظواهر التطرف متمثلة في تنظيمات على غرار «القاعدة» و«داعش»، مما دعا الرئيس السيسي للمطالبة بما عده «ثورة في الخطاب الديني».
وبالنسبة لشعب معروف عبر التاريخ بميله إلى التمسك بالوسطية في المنهج والتدين بشكل عام، تبدو التحديات كبيرة أمام هذه الدعوة. وأدرك السيسي على ما يبدو هذه الصعوبات، وانتقد أول من أمس طريقة التناول الإعلامي لدعوته.
وعقدت فضائية مصرية أمس مناظرة بين الباحث إسلام البحيري المثير للجدل، والدكتور أسامة الأزهري أستاذ علم الحديث في جامعة الأزهر، والداعية الحبيب علي الجفري. للرد على أطروحات البحيري التي دعت مؤسسة الأزهر لاتهامه بإنكار «المعلوم من الدين بالضرورة»، أمام السلطات القضائية في البلاد.
وتفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي بقوة مع المناظرة التي أعادت إلى الأذهان، بحسب مراقبين، المناظرات التي عقدها المفكر فرج فودة وعلماء الأزهر في الثمانينات، قبل اغتياله على يد عناصر متشددة.
وقال الرئيس السيسي في كلمة له أمام طلبة الكلية الحربية إنه حين دعا إلى تجديد الخطاب الديني فإنه «تحدث بشكل عام»، مضيفا أنه «تفاجأ بتناول الموضوع في وسائل الإعلام». مشيرا إلى أن أسلوب هذا التناول في الإعلام ليس في صالح قضية تجديد الخطاب الديني، مشددا على وجوب أن يتصدى لهذه المهمة «أساتذة مستنيرون».
وتوالت المناوشات في الشارع المصري بين كثير من الفرق التي تطرح رؤاها الخاصة لطرق التجديد ومناهجه، ووصلت حدة هذه المواجهات إلى اتهامات من مؤسسات دينية لبعض هذه الرؤى بـ«هدم ثوابت الدين»، بينما يرى أصحاب تلك الأطروحات أن هذه المؤسسات تريد «احتكار الفكر».
وانتشرت على وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية آراء جدلية، بعضها يدعو لإعادة النظر في مجمل التراث الإسلامي، وأخرى تدعو إلى خلع النساء للحجاب، أو وقائع لحرق كتب. كما أفردت بعض القنوات مناظرات تلفزيونية بين أصحاب تلك الرؤى وبين رجال دين من المؤسسات الرسمية، شهدت هجوما متبادلا وكثيرا من الخروج عن آداب الحديث.
وكان الرئيس المصري قد دعا المؤسسات الدينية الإسلامية في مصر لتجديد الخطاب الديني لمواجهة التطرف والطائفية في خطاب له بمناسبة المولد النبوي في يناير (كانون الثاني) الماضي، تزامنا مع تصاعد موجات التشدد في مصر والمنطقة العربية.
وقال السيسي آنذاك إن «ما نشهده من ظواهر إرهابية يعود في الأساس إلى الفهم الخاطئ لصحيح الدين الحنيف وتعاليم الرسول الكريم»، مطالبا المؤسسات الدينية الرسمية، متمثلة في شيوخ الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء، «بسرعة الانتهاء من عناصر خطاب ديني جديد يتواكب مع مستجدات العصر تجديدًا واعيًا ومسؤولا، يقضي على الاستقطاب الطائفي والمذهبي ويعالج مشكلة التطرف».
وفي ذات الإطار، قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، أمس، إن «رعاية الرئيس السيسي لفكرة تجديد الخطاب الديني تأتي في إطار البناء وليس التخريب».
وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن «دعوة الرئيس للتجديد لقيت قبولا واسعا سواء من الشارع المصري أو من المؤسسات الدينية أو أصحاب الفكر، نظرا لأهميتها وتوقيتها، وكذلك نظرا لاستغلال عدد من الجهات المتشددة لمواقف وردت في التراث الإسلامي، دون فهم صحيح لجوهرها أو سياقها أو ضوابطها، وهو ما يسفر عن تطرف فكري وانحراف عقائدي حاد».
ولكن المراقبين يرون أن الأيام الماضية شهدت خلافات واسعة حول طرق هذا التغيير، «إذ لجأ البعض إلى أفكار قد توصف بالتطرف الشديد في مناهجها، مثل هدم الثوابت كلية، في إطار إعمال العقل.. وهو أمر تراه المؤسسات الدينية الراسخة مرفوضا، خصوصا أنه يأتي من غير دارسين لعلوم الدين أو الفقه الإسلامي، مما يعني أنهم غير قادرين على تقييم الغث من السمين».
ويتهم رجال دين أصحاب تلك الآراء بعدم الفهم الصحيح لسياق الدين، والخلط بين الأمور، واجتزاء الأحاديث والآيات بغير علم لخدمة موقف معين دون دراية كافية بأصول الفقه أو علوم الدين.
ويرى المراقبون أنه «من حق كل إنسان إعمال العقل فيما يخصه من قضايا، لكن الخروج بتلك الآراء إلى الرأي العام، وإعلانها كفتاوى أو مواقف عامة لا يصح إلا بعد مراجعة وتدقيق من قبل دارسين ومتخصصين». فيما يتهم أصحاب تلك الآراء المؤسسات الدينية بالسعي لاحتكار الحقيقة ومصادرة الرأي الآخر، بل اتهم بعضهم المؤسسات الدينية بـ«احتكار الفكر» والتهديد بـ«إهدار الدم» لمن يتجاوز «الخطوط الحمراء».
وبينما يشتعل الجدل الإعلامي حول القضية، تشهد مواقع التواصل الاجتماعي معارك موازية تتصل في أغلبها بقبول أو رفض أطروحات التجديد. حيث شهدت هذه المواقع على مدار الأيام الماضية وسوما (هاشتاغات) متعارضة تنافست على صدارة التداول، فهناك من يرى أن أساس التجديد يكمن في الخروج من صندوق الأفكار الجامدة، وآخرون يدعون إلى نقد موضوعي يتناسب مع العصر الحديث.. بينما شهدت دعوات خلع الحجاب أبرز منصات الجدل، حيث دعا البعض إلى خلع الحجاب لكونه اتخذ كعادة وليس فريضة، فيما انتقد آخرون تلك الدعوات قائلين إن تغيير الملبس وطبيعته لا علاقة له بتغيير الفكر، ولكنه نوع من التخلي عن الهوية الشرقية والإغراق في التغريب دون أساس شرعي أو أخلاقي.
«تجديد الخطاب الديني» في مصر.. توافق على الضرورة وخلافات على المنهج
السيسي حذر من أسلوب التناول الإعلامي للقضية.. وتراشق حول «خلع الحجاب»
«تجديد الخطاب الديني» في مصر.. توافق على الضرورة وخلافات على المنهج
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة