كينيا: محاولات لتتبع مسار «طالب واعد» تحول إلى الإرهاب

نجل مسؤول حكومي التحق بـ«الشباب» بعدما واجه صعوبات في السفر إلى «داعش»

طالب يحمل وردة ويرتدي بدلة سوداء حدادا على ضحايا الهجوم على جامعة غاريسا خلال مظاهرة في نيروبي أمس (أ.ب)
طالب يحمل وردة ويرتدي بدلة سوداء حدادا على ضحايا الهجوم على جامعة غاريسا خلال مظاهرة في نيروبي أمس (أ.ب)
TT

كينيا: محاولات لتتبع مسار «طالب واعد» تحول إلى الإرهاب

طالب يحمل وردة ويرتدي بدلة سوداء حدادا على ضحايا الهجوم على جامعة غاريسا خلال مظاهرة في نيروبي أمس (أ.ب)
طالب يحمل وردة ويرتدي بدلة سوداء حدادا على ضحايا الهجوم على جامعة غاريسا خلال مظاهرة في نيروبي أمس (أ.ب)

جلست عبدية نور عبدي في الفناء منهكة إثر استجوابات السلطات الكينية. نظرت إلى صورة ابنها على صدر الصفحة الأولى لصحيفة يومية، فتوقفت لوهلة ثم دفعتها جانبا وبدأت بتمزيقها.
لم يكن ابنها فقيرا أو واحدا من المهملين، كما لم تبد عليه أمارات الغضب؛ بل كان يتهادى في سترته التي تبلغ قيمتها 200 دولار، باعتباره نجلا لمسؤول حكومي محلي. لكن خلال الأيام القليلة الماضية، تم تحديد ابنها عبد الرحيم عبد الله باعتباره واحدا من المسلحين الأربعة الذي قتلوا نحو 150 شخصا في إحدى الجامعات بشرق كينيا الأسبوع الماضي، حسبما تقول السلطات. وتعرض عبد الله نفسه، الطالب الواعد، إلى القتل برفقة المسلحين الثلاثة حينما اجتاحت القوات الكينية حرم الجامعة في غاريسا. وطاف ضباط الشرطة الشوارع في وقت لاحق بجثته العارية الممزقة بالرصاص والمسجاة في الجزء الخلفي من شاحنة صغيرة.
قالت والدته «كان ابني مؤدبا ومطيعا. نحن جميعا في صدمة شديدة». غير أنه كانت هناك أسرار كبيرة تحيط بحياته، كما اعترفت والدته التي قالت إن آخر مرة تحدثت فيها مع ابنها تعود إلى عام كامل. فقد اتصل بها ابنها عبد الله وقال: «سأعود إلى المنزل بعد صلاة العشاء»، وكانت تلك آخر مرة يتحدث إليها، حسبما تقول عبدية.
تحاول السلطات الكينية أن تعرف كيف انتقل عبد الله (26 عاما) من الدراسة في كلية الحقوق بجامعة نيروبي، حيث أثار إعجاب زملائه من الطلاب بذكائه وألمعيته، إلى أن يصبح إرهابيا. ورغم أن أحياء كينيا الفقيرة كانت تعد منذ فترة طويلة تربة خصبة لاستمالة الشبان بالانضمام والقتال في صفوف تنظيم «حركة الشباب» الإرهابية الصومالية مقابل وعود مادية كبيرة، كان عبد الله متعلما وأمامه مستقبل باهر. وتقول عائلته إنه بعد فقدانها الاتصال به، اختفى ببساطة. وأفادت السلطات الكينية بأن عبد الله قتل مع المسلحين الأربعة بعد محاصرته في المبنى الذي تناثرت به الدماء.
وأعلن تنظيم «حركة الشباب»، الذي استهدف كينيا بهجمات متعددة، مسؤوليته بابتهاج عن الحادث، ووصفه بأنه جاء انتقاما للتدخل العسكري الكيني في الصومال وتعهد التنظيم بإغراق المدن والشوارع الكينية بالدماء. صرح المسؤولون بوزارة الدفاع الكينية أول من أمس أن الطائرات المقاتلة الكينية قصفت معسكرين للتدريب تابعين لتنظيم حركة الشباب في الصومال، في أول رد فعل عسكري على مجزرة الجامعة، التي جاءت كأسوأ هجوم إرهابي في البلاد منذ نسف السفارة الأميركية في عام 1998. وتعهد الرئيس الكيني أوهورو كينياتا برد شديد على منفذي الهجوم. وقال المسؤولون العسكريون إنه يصعب تقييم الأضرار الناجمة عن الغارات الجوية نظرا للسحب الكثيفة التي تغطي المنطقة. وقد اضطلعت كينيا بشن غارات جوية على الصومال بعد وقوع الاعتداءات الإرهابية في الماضي، وكان تنظيم حركة الشباب المتشدد يعلم بما هو آت، فلذا كان يخلي معسكراته بعد كل هجوم كبير ينفذه. وأصدرت حركة الشباب البيان المذكور وقالت فيه إن القنابل أخطأت أهدافها وسقطت في الحقول الخاوية.
وأمس، ندد نحو مائتي طالب في نيروبي بعجز الحكومة على حماية شعبها، وذلك في اليوم الثالث من الحداد الوطني الذي أعلن بعد مجزرة الثاني من أبريل (نيسان) الحالي في جامعة بلدة غاريسا. وأوقفت الشرطة الكينية مشتبها به سادسا في مجزرة جامعة غاريسا وتستجوب الآن 5 كينيين وتنزانيا بحسب وثيقة عرضتها الشرطة أمس أمام إحدى محاكم نيروبي. وسار الطلاب الذين ارتدى بعضهم الأسود حدادا حتى مقر الرئاسة الكينية في وسط المدينة، وضربوا بأيديهم لدى مرورهم على سيارات صارخين للسائقين «لستم في أمان». وقبل أن يبدأ الموكب في التفرق بعد الظهر تمكنت مجموعة صغيرة من الدخول لتسليم عريضة تطالب خصوصا بتحسين تجهيز قوات الأمن وإنشاء مراكز مراقبة مع شرطيين في حالة تأهب على مدار الساعة. وقال مكناب بوندي الأمين العام لرابطة طلاب الجامعة التقنية في كينيا «إنه لم يكن بالمستطاع إبقاء الشباب بعيدا فذلك سيسمح على الأقل بالحد من عدد الضحايا». واتهمت الصحافة الكينية السلطات بتجاهل بعض التحذيرات وانتقدت وحدات التدخل لتأخرها في الوصول إلى غاريسا أثناء الهجوم. وأوضح ستيفن مواديم الأمين العام لرابطة الطلاب في جامعة كنيايا في نيروبي «إن الدولة كان لديها معلومات استخباراتية بشأن هجوم محتمل في غاريسا ولم تتمكن من الرد بشكل مناسب»، مشيرا إلى عجز السلطات عن «ضمان سلامة أبناء وبنات هذا البلد». وطالب مواديمي بـ«إعادة تنظيم كاملة للجهاز الأمني» وكذلك «بانسحاب القوات (الكينية) من الصومال التي من المفترض أن تعود لتوفير الأمن في داخل البلاد». كما طالب بتعويض يقدر بنحو 20 ألف يورو لكل عائلة من عائلات الضحايا الذين سقطوا في المجزرة.
وهدد طلاب من الجامعات الأخرى بمقاطعة الدراسة ما لم تتحسن الأحوال الأمنية في جامعاتهم. كما انتقد بعض الطلاب الحكومة الكينية التي تملك أجهزة استخبارات كان يفترض أن تعلم مسبقا بالهجوم خلال مراحل التخطيط له وبالتالي إحباطه. ووعد المسؤولون الكينيون ببناء جدار على طول الحدود الكينية - الصومالية البالغة 242 ميلا، لكن ليس واضحا إلى أي مدى سيساعد ذلك الإجراء في منع هجمات في المستقبل. ووفقا للصورة التي قدمتها السلطات الكينية لشخصية عبد الله، فإن مشكلة التطرف ليست خارجية بقدر ما هي متأصلة داخليا.
نشأ عبد الله في مانديرا، وهي بلدة ذات طقس حار وتقع على خط التقاء الحدود الكينية - الصومالية - الإثيوبية. وهو مواطن كيني من أصول عرقية صومالية، وكان أداؤه جيدا في المدرسة الابتدائية حتى إن عمه شجعه على الالتحاق بالتعليم الثانوي في العاصمة نيروبي.
ويقول عبد السلام بيريك، أحد زملائه «كان ذكيا، ومجدا، ومؤدبا. وآخر مرة رأيته كانت عندما ذهب إلى الجامعة». كان عبد الله يعمل بعد الجامعة في أحد البنوك يدير مشروعا صغيرا. وقال أصدقاؤه إنه كان يعشق الملابس الفاخرة وكان يحب لعبة البلياردو. وتُظهر صوره شابا نحيفا أنيقا ذا لحية قوية. ووفقا لصحيفة «ديلي نيشن» الكينية الرئيسية، أراد عبد الله الانضمام إلى تنظيم داعش، لكن نظرا لعدم حصوله على جواز السفر، استقر به الأمر مع تنظيم حركة الشباب. وقالت والدته وأطفالها الستة إنه لم يظهر عليه أي اهتمام بالسياسة وليست لديهم أي فكرة كيف انتهى به الأمر إلى التطرف والإرهاب. وتقول أفراح، شقيقة عبد الله الكبرى «كانت هذه أول مرة نسمع فيها أخبارا عنه منذ اختفائه». كما تتذكره بأنه كان أخا مشفقا ومن مشجعي كرة القدم، وقارئا نهما. وأضافت تقول: «كان يحب رواية تاجر البندقية، وتلك الكتب والروايات الأدبية. أعتقد أنه تعرض لغسل مخ من قبل أحدهم ليقوم بفعل شيء بالنيابة عنهم». كانت شقيقته الأخرى خديجة (16 عاما) تبدو غاضبة وحزينة ومحبطة، وقالت: «لن يعود مرة أخرى» حيث ضربت بقبضتها على الطاولة أمامها.
يقع منزل العائلة على طريق ترابي على مسافة ليست ببعيدة عن وسط البلدة. وتقضي والدة عبد الله جل وقتها جالسة على سريرها في فناء المنزل، واجمة، وقالت: «لقد ذهب» ثم شرعت في البكاء.

* خدمة «نيويورك تايمز»



«إكواس» تعطي بوركينا فاسو ومالي والنيجر مهلة لقرارها الانسحاب من التكتل

صورة عامة للدورة العادية السادسة والستين لهيئة رؤساء الدول والحكومات التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إكواس» في أبوجا أمس (أ.ف.ب)
صورة عامة للدورة العادية السادسة والستين لهيئة رؤساء الدول والحكومات التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إكواس» في أبوجا أمس (أ.ف.ب)
TT

«إكواس» تعطي بوركينا فاسو ومالي والنيجر مهلة لقرارها الانسحاب من التكتل

صورة عامة للدورة العادية السادسة والستين لهيئة رؤساء الدول والحكومات التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إكواس» في أبوجا أمس (أ.ف.ب)
صورة عامة للدورة العادية السادسة والستين لهيئة رؤساء الدول والحكومات التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إكواس» في أبوجا أمس (أ.ف.ب)

أمهلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إكواس»، اليوم (الأحد)، ثلاث دول تقودها حكومات عسكرية 6 أشهر لإعادة النظر بقرارها الانسحاب من التكتل.

وجاء قرار «إكواس» بعد أن أكدت بوركينا فاسو ومالي والنيجر قرارها «الذي لا رجعة فيه» بالانسحاب من التكتل الخاضع، على حد قولها، للمستعمر السابق فرنسا. ويمكن أن يكون للانسحاب الوشيك لدول الساحل الثلاث تأثير كبير على التجارة الحرة والتنقل، وكذلك التعاون الأمني، في منطقة ينشط فيها متطرفون مرتبطون بتنظيمي «القاعدة» و«داعش».

ومن المفترض أن يدخل انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجر من «إكواس» حيز التنفيذ الشهر المقبل، بعد عام واحد من إعلانها ذلك في يناير (كانون الثاني) 2024، وفقاً لقواعد التكتل. وقالت «إكواس» في بيان عقب اجتماع لزعمائها في أبوجا: «قررت الهيئة اعتبار الفترة من 29 يناير (كانون الثاني) 2025 إلى 29 يوليو (تموز) 2025 فترة انتقالية، وإبقاء أبواب المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مفتوحة أمام الدول الثلاث».

وكان من بين الحاضرين في القمة الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي الذي عينه التكتل المكون من 15 دولة في يوليو وسيطاً مع الدول المنشقة. كما توسط رئيس توغو فوريه غناسينغبي مع دول الساحل. وأذنت «إكواس» للرئيسين بمواصلة مفاوضاتهما مع الدول الثلاث.

وكانت الدول الثلاث المنشقة قد شكلت اتحادها الخاص الذي أطلقت عليه اسم تحالف دول الساحل، بعد قطعها العلاقات مع فرنسا وتحولها نحو روسيا. وتصاعد التوتر بعد تهديد «إكواس» بالتدخل العسكري في النيجر إثر انقلاب يوليو 2023، السادس في المنطقة في غضون ثلاث سنوات.

وقد تراجعت حدة هذا الموقف منذ ذلك الحين رغم انقسام دول التكتل حول أفضل مسار للتعامل مع الحكومات العسكرية.