في أول زيارة دولة له كرئيس للجمهورية التونسية، حظي الباجي قائد السبسي بمعاملة استثنائية شبيهة بـ«التعاون الاستثنائي» الذي تحدث عنه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في مؤتمر صحافي مشترك بعد اجتماع مطول بين الجانبين في قصر الإليزيه في باريس أمس.
وفيما فرضت السلطات الأمنية في العاصمة تدابير استثنائية مثل إغلاق الشارع الرئيسي المار أمام مدخل الإليزيه، رفعت في جادة الشانزلزيه الأعلام الفرنسية والتونسية وانتقل الرئيسان بسيارة واحدة من قصر الأنفاليد حيث جرى الاستقبال الرسمي إلى الإليزيه محاطين بخيالة الحرس الجمهوري.
وأنهى الرئيس السبسي يومه الأول في باريس بعشاء دولة بحضور العشرات من المدعوين من السياسيين ورجال الأعمال وأهل الفكر والفن والتونسيين في فرنسا.
وقبل ذلك، التقى السبسي رئيس مجلس الشيوخ الفرنسية جيرار لارشيه وألقى خطابا أمام المجلس بخلاف عادة رؤساء الدول الذين يلقون كلماتهم في مجلس النواب.
واجتمع السبسي برئيس مجلس النواب كلود برتولون ومانويل فالس، رئيس الحكومة وزار بشكل رسمي بلدية باريس. ومن المرتقب أن يغادر السبسي اليوم إلى تونس بعد أن يكون وضع إكليلا من الورد على ضريح الجندي المجهول تحت قوس النصر.
وسبقت الزيارة «حملة» إعلامية من خلال أحاديث صحافية للكثير من الوسائل الإعلامية الفرنسية طيلة الأيام الخمسة الماضية حيث توفرت للسبسي أن يتناول العلاقات الثنائية مع فرنسا وما ينتظره من باريس في «مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية» وفق تعبيره أمس في قصر الإليزيه.
وقال هولاند الذي تحدث إلى الصحافة أولا إن «فرنسا تقف جنبا إلى جنب مع تونس لمواجهة التحديات»، مضيفا أن «بلاده تسعى إلى أن تبين بمختلف الوسائل سعيها للتعاون المثالي الذي تنتظره تونس منها».
وذهب هولاند إلى حد إعلان أن بلاده تريد أن تكون «سفيرة لتونس» لمساعدتها لدى الاتحاد الأوروبي ولدى المنظمات والمؤسسات الدولية.
وكشف هولاند أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ستدعو الرئيس السبسي لحضور مؤتمر مجموعة السبع للدول الأكثر تصنيعا الذي سيجري في ألمانيا. وفهم من المصادر الفرنسية أن الفكرة طرحتها باريس وقبلتها برلين.
وعمليا، كانت الزيارة للتأكيد على أواصر الصداقة وتكاتف البلدين في مواجهة الإرهاب الذي «يضرب أينما كان» في باريس كما في تونس وفق ما قاله السبسي. وفصل هولاند المجالات التي يمكن أن يبرز من خلالها التعاون «المثالي» وعلى رأسها التعاون الأمني والدفاعي.
وظهر أن الرئيسين امتنعا عن الخوض في التفاصيل وخصوصا فيما يشاع عن تعاون ثلاثي مع الإمارات العربية المتحدة لشراء أسلحة ومعدات فرنسية بتمويل إماراتي على غرار ما حصل مع لبنان الذي استفاد من هبة سعودية بقيمة 3 مليارات دولار لشراء أسلحة فرنسية. ولكن قال مصادر من الإليزيه إن «التعاون الأمني والدفاعي ليس جديدا»، وهو يتناول توفير المعلومات الاستخبارية للقوات التونسية من أجل حماية الحدود وتأمين قدرتها على التحرك والرد السريع من خلال تزويدها بطوافات عسكرية فضلا عن جوانب التدريب والتأهيل.
وشدد هولاند على أهمية التعاون الاقتصادي والمالي مع تونس بموازاة الجوانب الدفاعية والأمنية. وأهم ما جاء به الإعلان عن تحويل 60 مليون يورو من الديون المستحقة على تونس إلى استثمارات لتمويل المشاريع التي تقترحها تونس. وسبق لهولاند أن أعلن عن ذلك في زيارة للعاصمة التونسية.
وقال مصدر تونسي لـ«الشرق الأوسط» إن «إحدى مشكلات تونس تعثرها في اقتراح مشاريع يمكن السير بها سريعا وتلقى قبولا من الجانب الفرنسي».
ولكن فرنسا لا تريد أن تكون وحيدة في تحمل العبء التونسي إذ إن هولاند شدد على دور بلاده في «تعبئة» الاتحاد الأوروبي والأسرة الدولية لصالح تونس. لكنه لم يشر إلى رغبة الطرف التونسي في أن يحصل على وضعية «الشريك المميز» للاتحاد مثلما هو حال المغرب مثلا.
وبالإضافة إلى هذين الميدانين، يسعى الطرفان لتعزيز التعاون في ميادين الثقافة والتعليم الجامعي وهو زيادة أعداد الطلاب التونسيين في الجامعات الفرنسية ليصل إلى 15 ألف طالب.
وتشجيع التعاون السياحي باعتبار السياحة موردا مهما للاقتصاد التونسي وهو النشاط الذي يوفر أكبر عدد من فرص العمل.
ودعا هولاند إلى «كل الذين يحبون تونس» رغم المخاوف التي أتت من العملية الإرهابية التي ضربت الشهر الماضي متحف باردو وأوقعت 22 قتيلا بينهم 4 فرنسيين. وأشار الرئيس الفرنسي إلى أنه تناول مع السبسي المواضيع الإقليمية والدولية كالأوضاع في ليبيا وسوريا والعراق والملف الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن من غير الدخول في التفاصيل.
وما كان لهذه المواقف إلا أن تنال رضا الرئيس التونسي الذي يعرف فرنسا منذ عام 1949 التي جاءها طالبا وشغل فيها لسنوات منصب سفيرا لبلاده أيام الرئيس الحبيب بورقيبة.
ووصف السبسي حواره مع هولاند بأنه «بناء» لا بل إنه ذهب السبسي إلى حد اعتبار أن الفرنسيين «أفضل من فهم الثورة التونسية» الأمر الذي يتضمن بعض المبالغة نظرا لتخبط باريس المعروف في التعاطي مع هذه الثورة في بداياتها.
وشدد الرئيس التونسي على أن الإرهاب تحول إلى ظاهرة إقليمية بل دولية بحيث «لم يعد أي بلد في مأمن منه». ولذا، يرى السبسي أن يتعين على باريس وتونس «التضامن لمحاربتها» بعد أن وقعا ضحيتين مباشرتين لها.
ووقع أمس الطرفان اتفاقين، الأول، سياسي من أجل التأسيس لحوار سياسي عالي المستوى، والثاني، يتناول توفير مساعدة فرنسية لبناء دولة القانون واحترام حقوق الإنسان. وكذلك تم التوقيع على إعلاني نيات، الأول، خاص بتنفيذ مشاريع تنموية في الأقاليم التونسية المهمشة، والثاني، خاص بالتعاون الثقافي بين البلدين.
وتمثل فرنسا الشريك الاقتصادي والتجاري الأول لتونس كما أنها المستثمر الأول في اقتصادها. وبحسب الإحصائيات المتداولة، فإن المشاريع الفرنسية الموجودة في تونس منهم 1300 مشروع توفر ما لا يقل عن 125 ألف فرصة عمل للتونسيين.
هولاند: نسعى إلى تعاون مثالي مع تونس
زيارة الرئيس التونسي الرسمية ركزت على التعاون الأمني
هولاند: نسعى إلى تعاون مثالي مع تونس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة