دراما «إيران النووية».. بين الخيال والواقع

من شعار «الموت لأميركا» إلى «قلوب قلقة»

دراما «إيران النووية».. بين الخيال والواقع
TT

دراما «إيران النووية».. بين الخيال والواقع

دراما «إيران النووية».. بين الخيال والواقع

في واحدة من المفارقات، التي تضيف بعض النكهة على التاريخ، عقدت آخر جولة من المحادثات النووية بين إيران ومجموعة دول «5+1»، بقيادة أميركية، في فندق الـ«بوريفاج» في مدينة لوزان بسويسرا. وكانت تلك المفارقة حاضرة عندما انتهت القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى من دفن الإمبراطورية العثمانية، ورسمت شرق أوسط جديدا، من خلال معاهدة لوزان عام 1923. مع ذلك كما نعرف فإن التاريخ لا يعيد نفسه إلا إذا كانت هناك مهزلة. هذه المرة لم يكن ما خرج من فندق الـ«بوريفاج» معاهدة، بل فتات دبلوماسي بائس في شكل عدد من البيانات الصحافية المتضاربة التي أصدرها المشاركون.

طلب الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال الأسبوع الماضي، من وسائل الإعلام الإيرانية عدم الحديث عن «اتفاق لوزان»، بل عن «محادثات سويسرا» حتى لا يعيد إلى الأذهان أحداث عام 1923. وبعد أسبوع من إعلان الرئيس أوباما «إنجازه الكبير» في إبرام اتفاق مع إيران بشأن مشروعها النووي المثير للجدل، بدأ الحماس الذي كان في نبرة الأطراف يخفت.
منذ البداية، زعمت إيران عدم التوصل إلى أي اتفاق، وأنه سيتم استئناف المحادثات بشأن اتفاق قريبا، أملا في كتابة مسودة اتفاق بحلول 30 يونيو (حزيران). وأسفر إصدار الولايات المتحدة، وإيران، والاتحاد الأوروبي، بيانات مختلفة وأحيانا متناقضة في نهاية المحادثات الماراثونية في لوزان بسويسرا عن كل أشكال التكهنات. وزعمت وزارة الخارجية الأميركية في بيانها أنه تم التوصل إلى اتفاق، وأن الجزء المتبقي يتعلق بالعمل على التفاصيل الخاصة بالتنفيذ. واستخدم عبارة «إيران وافقت» 18 مرة. مع ذلك لم يأت النص الإيراني على ذكر أي من الكلمات السبع التي توجد في اللغة الفارسية للتعبير عن أشكال الاتفاق المختلفة. واتهم محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، إدارة أوباما باللجوء إلى «التلاعب بالمعلومات» لتضليل الكونغرس والرأي العام الأميركي. وقال على تلفزيون طهران «لديهم مشاكل داخلية».

خطابا خصمين

وذهب حميد بعيدي نجاد، مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية، الذي كان ضمن الفريق الإيراني في لوزان، إلى أبعد من ذلك، حيث قال «للأميركيين خطابهم، ولنا خطابنا. على سبيل المثال، يقول الأميركيون إنه لن يكون هناك تخصيب لليورانيوم في منشأة فوردو، بينما نقول نحن إن التخصيب في فوردو سيستمر. ويقول الأميركيون إنه سيتم تدمير مفاعل الماء الثقيل في أراك، بينما نقول نحن إنه سيعاد تصميمه وسيتم تطويره».
من جانبهم، يؤكد الأميركيون أن «خطابهم» هو الصحيح، وأنه إذا كان الإيرانيون ينكرونه فهذا بسبب خوفهم من مواجهة معارضة داخل منظومة الخميني في طهران. الافتراض السائد الذي يتبناه أكثر المحللين هو أن المعارضة الوحيدة لاتفاق نووي تأتي من جانب بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، والأغلبية من الأعضاء الجمهوريين في مجلس النواب ومجلس الشيوخ في أميركا، وربما من بعض الدول العربية التي دائما لا تتم تسميتها. مع ذلك الحقيقة هي أنه توجد معارضة قوية لأي اتفاق داخل منظومة الخميني ذاتها، ناهيك عن المجتمع الإيراني ككل. وتأتي هذه المعارضة في خمسة أشكال:
الأول يمثل كل الذين يعارضون أي نوع من الاتفاق مع الولايات المتحدة التي يشيرون إليها بـ«الشيطان الأعظم» أو بـ«غرور العالم». ويقولون إنه رغم تخلي الرئيس أوباما عن كل الطلبات الأميركية السابقة، وكذلك عن الطلبات الواردة في ستة قرارات صادرة عن مجلس الأمن بشأن مشروع إيران النووي، فإنه لا يحق له منح إيران الحق في إنشاء صناعة نووية أو حتى تصنيع قنبلة. وقال حجة الإسلام رضائي، عضو البرلمان الإيراني، من طهران «لا يحق للأميركيين أن يملوا علينا أفعالنا. كيف يمكن أن نسمح لعدو الثورة رقم واحد بتحديد السياسات التي يحق لنا اتباعها؟». ويذهب أحد منظمي مؤتمر «الموت لأميركا» في طهران لأبعد من ذلك من خلال زعمه أن الهدف الأسمى للثورة الخمينية هو تدمير الولايات المتحدة مثلما دمرت حركة المجاهدين الأفغانية الاتحاد السوفياتي. ويقول اللواء نقدي، قائد قوات التعبئة «حتى استسلام الأميركيين غير المشروط ليس كافيا».
وتعد صحيفة «كيهان»، التي تخضع للإشراف المباشر لمكتب «المرشد الأعلى» علي خامنئي، هي رأس الحربة لهذا الشكل من المعارضة في طهران. ويقدم حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة «كيهان»، تحليلا للسياسة العالمية يذكرنا بجماعة «عصابة الأربعة» المتطرفة داخل الحزب الشيوعي الصيني أثناء الثورة الثقافية. ورغم استخدام شريعتمداري لمصطلحات مماثلة غامضة، تقوم رؤيته للعالم على الزعم بأن الجنس البشري يواجه، في خضم صراع بين خطابات تحولية، خيارين: إما الحياة بالخضوع إلى الولايات المتحدة كقوة عظمى، أو الاحتشاد تحت لواء الثورة الخمينية في إيران من خلال صراع طويل الأجل يهدف إلى إنشاء عالم إسلامي جديد. لذا أي مواءمات تصل إليها كل من الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة، حتى إذا حصلت من خلالها إيران على كل ما تريد في مشروعها النووي، لن تكون مرغوبا فيها إن لم تكن خطيرة، لأن هذا سوف يسبب «ارتباكا بشأن المعركة بين الخطأ والصواب». إضافة إلى تلك المعارضة الفكرية لسيناريو لوزان، هناك مجموعة أخرى تعارض اتفاقا محتملا بصورته التي ظهرت في عدة بيانات صحافية خلال الأسبوع الماضي.

قلوب قلقة

إنها تلك المجموعة التي يطلق عليها اسم «قلوب قلقة». وعقدت المجموعة خلال العام الماضي سلسلة من المؤتمرات في طهران، ومدن أخرى كبرى، في محاولة لحشد المعارضة ضد «التنازلات المجحفة» التي قدمها جناح رفسنجاني، الذي ينتمي إليه كل من الرئيس روحاني وظريف. وعبر علي رضا زاكاني، عضو البرلمان، وهو عضو بارز في المجموعة، عن قلقه من احتمال تجميد إيران لبرنامجها النووي على نحو يفرغه من معناه، لكن يجعله لعبة باهظة الثمن، في حين يستمر «الجانب الآخر» في شحذ سيف العقوبات، الذي يشبه سيف ديموقليس الذي يستخدم في الإشارة إلى أن لكل شيء ثمنا، لعقود إن لم يكن إلى الأبد. وفي بيان صدر الأسبوع الماضي، كتب زاكاني عن «12 خطا أحمر» على المفاوضين الإيرانيين مراعاتها في حال التوصل إلى اتفاق نهائي خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. المشكلة هي أن مراعاة تلك «الخطوط الحمراء» سوف تعني الاستسلام الكامل من جانب الولايات المتحدة وحلفائها دون تقديم الجمهورية الإيرانية لأي تنازل.
وكتب محمد سفاري، في مقاله الافتتاحي في صحيفة «السياسة اليوم»: «يقول ظريف إنه سيتم رفع العقوبات يوم التوقيع على الاتفاق. مع ذلك لا توجد أي إشارة في وزارة الخارجية الأميركية إلى رفع فوري لكل العقوبات. ولم يذكروا سوى تخفيف العقوبات على أساس تقارير من الوكالة الدولية للطاقة الذرية». كذلك تعارض مجموعة «قلوب قلقة» أي شكل من أشكال التفتيش للمواقع حتى لو لم يكن هناك سوى صلة عسكرية ضعيفة. ويغطي هذا 14 من المواقع النووية في إيران والبالغ عددها 17. وحتى وقتها، سوف يوافقون على عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد موافقة إيران الكاملة على المفتشين، وطبقا لقواعد صارمة يتم إرساؤها تحت الإشراف الإيراني.
يأتي الشكل الثالث من أشكال المعارضة من جانب الذين يخشون أن تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى الزجّ بالجمهورية الإسلامية في شبكة من العلاقات تقود إلى هيمنتهم على السياسة الإيرانية لأنهم أقوى من إيران. وتزعم المجموعة أنه لتحقيق ذلك ستدعم الولايات المتحدة جناح رفسنجاني، أملا في أن تكسب انتخابات المجلس التشريعي، ومجلس الخبراء، التي ستجرى العام المقبل والتي ستحدد اسم «المرشد الأعلى».
ولتولي السلطة بمساعدة قوى خارجية تاريخ طويل في السياسة الإيرانية؛ ففي بداية القرن التاسع عشر عقد فصيل داخل نظام قاجار اتفاقا مع روسيا القيصرية لترسيخ قوته. واتخذ الاتفاق شكل معاهدة تركمنجاي التي ينظر إليها الإيرانيون باعتبارها أحلك لحظة في تاريخهم الذي يصل إلى 3 آلاف عام. بموجب المعاهدة تم التنازل لروسيا عن كل الأراضي الإيرانية في جنوب القوقاز، ووضع الجوانب الأساسية للسياسة الإيرانية تحت الإشراف المشترك لروسيا وبريطانيا العظمى. والدور البارز، الذي اضطلع به الملالي، في كارثة تركمنجاي دفع البعض إلى عقد مقارنة بين ما حدث آنذاك وبين ما يحاول الملالي أن يفعلوه اليوم. وأطلق بعض المعلقين في إيران على بيانات لوزان وصف «لوزان جاي» في إشارة إلى معاهدة تركمنجاي. ويزعم حجة الإسلام مصطفائي أن «الأمر كله خدعة لتوجيه الجمهورية الإسلامية نحو العلمانية. سيتم الإبقاء على اسم الجمهورية الإسلامية، لكن من دون أن يحمل ذلك أي معنى. سنصبح جزءا من البدعة الأميركية».

اتفاق سري

يعتقد بعض المعلقين أن جناح رفسنجاني قد أبرم بالفعل اتفاقا سريا مع إدارة أوباما. ويأمل رفسنجاني أن يصبح مثل دينغ زيابوينغ في إيران، أي أن ينهي فصل الثورة، ويبدأ كتابة فصل جديد كحليف للولايات المتحدة يساعد في إقامة توازن جديد للقوى في الشرق الأوسط. وستكون هذه الخطة بمثابة صفقة رابحة لجميع الأطراف وعد بها روحاني؛ حيث ستربح الولايات المتحدة بإتمام انسحابها من الشرق الأوسط، في حين ستربح الجمهورية الإسلامية بأن تصبح «القوة العظمى» في الإقليم كما أشار أوباما. ورفضت صحيفة «راجا نيوز»، المقربة من الجناح المتشدد في طهران، في مقالها الافتتاحي يوم الجمعة الماضي، مزاعم ظريف بأن البيان الصادر في لوزان لم يكن سوى بيان صحافي لا يحمل أي قيمة قانونية. وطرح المقال تساؤلا مفاده «هل احتجنا تسعة أيام من المفاوضات للخروج ببيان صحافي؟ أم أنهم كانوا يعملون على معاهدة حقيقية لم يتم الإعلان عنها بعد؟».
أما الشكل الرابع لمعارضة سيناريو لوزان فيأتي من الذين يخشون من أن يعزز إنهاء الأزمة، ورفع العقوبات، نظام الخميني في أسوأ أشكاله ويطيل بقاءه. ومن المنتقدين أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية الإسلامية، والذي يقيم حاليا في منفاه في فرنسا. وقال بني صدر في مقال الأسبوع الماضي «يعني مصطلح الصالح القومي في إطار النظام السياسي الحالي صالح طبقة رجال الدين الحاكمة. وعوضا عن ذلك أنا أستخدم مصطلح الحقوق القومية الذي يشير إلى حقوق ومصالح كل الإيرانيين بوجه عام». ويصف بني صدر السياسات الإيرانية بأنها «كارثية»، ويزعم أن الشعب الإيراني لم يُخطر بحقيقة ما يحدث وما يتعلق بالمشروع النووي. كذلك يزعم بني صدر أن علي خامنئي «المرشد الأعلى» قرر «الانفتاح» على الولايات المتحدة، وقوى العالم، من أجل تفادي أي انفتاح في الداخل.

الولايات المتحدة تتودد إلى الجيش الإيراني

ويأتي الشكل الخامس من أشكال المعارضة من المؤسسة الأمنية ومؤسسة الجيش في إيران. إنهم يخشون أن يؤدي التوصل إلى اتفاق بشأن المشروع النووي يقتضي تفتيش مواقع عسكرية حتما إلى فتح قناة الاتصال بين الجيش الإيراني، والقوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأميركية. لذا ربما تستخدم الولايات المتحدة عمليات التفتيش كغطاء لإقامة علاقات مع عناصر في الجيش الإيراني، وأجهزة الأمن، وربما يتم إغواؤها بالاستيلاء على السلطة؛ فالانقلاب العسكري هو أكثر طرق تغيير الأنظمة شيوعا في الشرق الأوسط على مدى الأعوام الـ150 الماضية. لذا يخشى الكثيرون في إيران أن تساعد إدارة أوباما في إرساء وضع يحل فيه النظام العسكري محل نظام الملالي، وهو ما يعيد آمال إيران التي يمتد عمرها لـ150 عاما إلى الوراء مرة أخرى.
ويقول المحلل حميد زمردي، مسؤول سابق في البحرية «سوف يرغب الجيش الإيراني في التوصل إلى اتفاق يمكنه من التمتع بنفوذ أكبر في السياسة الداخلية مع بناء إمبراطورية في الشرق الأوسط. كذلك سيحبون الحصول على أفضل وأحدث أسلحة وأشياء لا يستطيع تقديمها سوى الأميركيين». واستخدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها طريقة عمليات التفتيش نفسها في العراق أثناء حكم صدام حسين وتمكنت من «تجنيد» عدد من الشخصيات البارزة في الجيش العراقي، كان من بينهم اثنان من أزواج بنات الحاكم المستبد صدام حسين. ويزعم مقدم فار، القائد في الحرس الثوري، أن الاتفاق سوف يمنح الجيش الإسرائيلي فرصة دخول «المواقع الحساسة» في إيران، وكذلك فرصة الاتصال بقادة إيرانيين. ويقول «لدينا مخاوف يجب التعامل معها بشأن البروتوكولات الإضافية الخاصة بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وعمليات التفتيش غير المعلن عنها، وإمكانية إطلاع جواسيس إسرائيليين وأميركيين على أسرارنا القومية».
ومع وضع الذين جاهروا بمعارضتهم لبيانات لوزان جانبا، فإن ما يهم المحللين هو صمت قطاعات مهمة في المؤسسة الإيرانية والمجتمع الإيراني بوجه عام. وأصدر اللواء حسن فيروز آبادي، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، بيانا مميزا أعرب فيه عن أمله في أن تسفر محادثات لوزان عن اعتراف بـ«كل حقوق إيران».. ولا يمكن النظر إلى هذا التصريح باعتباره دعما. وكان صمت قادة عسكريين آخرين، من بينهم قادة بارزون في الحرس الثوري الإيراني، ملحوظا. وفجأة لم يعد أحد يسمع أي تعليق من أشخاص كثيري الظهور على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد. كذلك كان جواب آيات الله العظمى في مدينة قم، ومن بينهم أشخاص تابعون للحكومة، هو الصمت. وزعمت وسائل إعلام مؤيدة لرفسنجاني خلال الأسبوع الماضي أن ناصر مكارم الشيرازي، إحدى آيات الله العظمى، قد أشاد بـ«نتيجة» محادثات لوزان، وشكر الفريق الإيراني بقيادة ظريف. مع ذلك اكتفى مكتب آية الله ببضع دقائق لنفي ذلك الزعم رسميا. وحتى هذه اللحظة، الشخصية الدينية البارزة الوحيدة التي قدمت التهاني إلى إيران على محادثات لوزان هي البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية. والأمر الأبرز هو أنه حتى وقت كتابة هذه السطور، حتى خامنئي لم يصرح بأي شيء يتعلق بنتائج محادثات لوزان. ونشر محمد باقر قاليباف، عمدة طهران، مقال رأي يتجنب فيه القطع برأي محدد؛ فهو لم يرحب بنتائج محادثات لوزان، لكنه دعا الجميع لعدم استغلال هذا الأمر في «إحداث فرقة». ولا يمكن أيضا النظر إلى هذا الموقف باعتباره دعما.
ورجل الدين الوحيد، الذي أثنى على «النصر العظيم للإسلام في لوزان»، كان رفسنجاني، حيث ظل يتحدث كل يوم في محاولة لدعم تلميذه روحاني في وقت عصيب. كذلك لم يسمع أحد صوت محمد خاتمي، الرئيس السابق، وهو من رجال الدين من الرتب المتوسطة. وربما يرجع ذلك إلى منع ظهور اسمه، وصوته، وصوره، في وسائل الإعلام الإيرانية. كذلك وجه علي أردشير لاريجاني، رئيس المجلس التشريعي، وزعيم مجموعة نافذة لديها اتصالات جيدة بالغرب، خاصة بريطانيا العظمى، الشكر إلى الفريق الإيراني المفاوض، لكنه كان حذرا، وتفادى دعم ما رشح عن المحادثات من نتائج. أما صادق لاريجاني، شقيق علي، وهو ملا ذو مرتبة متوسطة، ورئيس السلطة القضائية؛ فرغم أنه شخص كثير الكلام، فقد كان متكتما على غير العادة. واتسم المناخ العام في البلاد بالترقب الحذر، فقد سئم الناس العقوبات، ويعانون من مصاعب ومشاكل اقتصادية. مع ذلك، لا يبدو أنهم قد اتخذوا موقفا واضحا بشأن سيناريو لوزان، ومن أسباب ذلك الروايات المتضاربة لكل من طهران وواشنطن، والقلق من احتمال «قيام الطرفين بترتيب الأمور» لخداع شعبيهما.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.