في الشهر الماضي، ركز نقاش ثقافي في أميركا على العار والاستحياء منه، أو إنكاره (أو ربما الفخر به)، وذلك بمناسبة استقالة عضو جديد في الكونغرس الأميركي بسبب فضيحة جنسية. وكان أعضاء آخرون استقالوا بسبب فضائح جنسية، أو سياسية، أو مالية، خاصة في مواضيع لها صلة بالفساد، وشراء الأصوات والضمائر.
في الشهر الماضي، استقال عضو الكونغرس ارون شوك. وقبله، خلال عامين استقال زملاؤه: أدام كوهين، وفانس ماكلستر، وثاد فيرز. وفي كل مرة، استقالوا بعد صيحات «ألا تستحي؟» وفي كل مرة، بعد الاستقالات، ظلوا يواجهون صيحات «ألن تتوب؟»
ما العار؟ يعرفه القاموس بأنه «إحساس مؤلم بالاحتقار بسبب خطا أخلاقي». ويفرق القاموس بين «الخجل» و«العار». يشير الأول إلى إحساس داخلي، وكأن الشخص لا يقدر على مواجهة الناس. ويشير الثاني إلى إحساس الناس نحو شخص ما، سواء أحس بالخجل أم لا، اعترف بالخطأ أو لم يعترف.
وزادت النقاش الثقافي الأميركي إثارة اشتراك شخصية مشهورة، ولكن غير مثقفة (أو ربما صارت الآن مثقفة). عادت مونيكا لوينسكي إلى الأضواء، بعد أن اختفت لخمسة عشر عاما. ومن المعروف، إنها بطلة فضيحة العلاقة الجنسية مع الرئيس السابق بيل كلينتون. وكادت علاقتها، وعلاقات كلينتون الجنسية مع نساء غيرها، أن تسقطه، عندما حاكمة مجلس النواب، حسب الدستور الأميركي، في عام 1998. ونجا بأصوات قليلة. عادت لوينسكي مع نشر كتابها: «برايس أوف شيم» (ثمن العار)، الذي حملت فيه كلينتون مسؤولية ما حدث لها. وقالت إنه، حتى الآن، لم يعتذر لها، أو للشعب الأميركي. بل يظل ينكر ما حدث بينهما. (حقيقة، لم يعتذر. وفي كتاب مذكراته، قال إن أعداءه السياسيين نصبوا له فخا. وفي كتاب مذكراتها، قالت زوجته، هيلاري كلينتون، إنها «مؤامرة اليمن المتطرف»).
لكن، لم تقل لوينسكي إنها تتحمل أي مسؤولية. غطت نفسها بغطاء امرأة أغراها رجل. وكأن المرأة لا تقدر، ولا يجب، أن ترفض ما لا تريد. قالت في الكتاب: «كنت ضعيفة أمام رئيس الولايات المتحدة وزعيم العالم الحر».
ارتكبت لوينسكي خطأ ثانيا: دعت إلى «العطف في عصر الإنترنت». ومرة أخرى، قالت: إنها تتحدث كامرأة، وأن النساء أكثر عطفا من الرجال. غير أنها عادت وقالت إنها تأمل أن يستفيد الرجال والنساء من تجربتها.
أيدتها في هذه النقطة الأخيرة مؤلفة كتاب «هل العار ضروري؟»، جنيفر جاكيت، أستاذة الدراسات البيئية في جامعة نيويورك. وقالت: «ليس العار مجرد إحساس. يمكن أن يكون وسيلة لحل المشكلة». ولأن جاكيت متخصصة في نظافة البيئة، فكتابها ليس عن الفضائح الجنسية، ولكن عن الفضائح البيئية، مثل الشركات الكبيرة التي تنتج سيارات تلوث البيئة، أو تملك مصانع فحم تلوث البيئة. فهذه ترتكب كثيرا من الأعمال التي يمكن تصنيفها ضمن مفهوم العار، فهي ترفض تحمل مسؤوليتها (وهي تعرف أنها أخطأت)، وتنكر مسؤوليتها (وهي تعرف أنها تكذب)، وأخيرا هي تحس بالذنب (لأنها أخطأت، وكذبت). تقول جنيفر جاكيت أن الذنب يختلف عن الإحساس بالعار، وذلك لأن الخطأ في موضوع البيئة يختلف عن الخطأ في موضوع الجنس. يعاقب القانون الأول لأنه خرق للقانون. وأيضا، يعاقب الفساد المالي لأنه خرق للقانون. لكن القانون لا يعاقب العلاقات الجنسية (إلا إذا شملت عنفا، أو تهديدا بالعنف).
وأضافت جاكيت نقطة ثانية، وهي أن الشركات والمؤسسات لا تحس بالعار والخجل لأنها، طبعا، شركات ومؤسسات، وليست أفرادا. لكنها تحس بالذنب. لهذا: «يقف رئيس شركة أمام القاضي، ويعلن أنه مذنب لأنه خرق القانون. أو تصدر الشركة بيانا تعلن فيها أنها «تتحمل المسؤولية». من دون أن تقول: إنها خرقت القانون، أو كذبت على الناس. لكن، هذا مجرد لعب بالكلمات».
واشترك في النقاش كارلوس لوزادا، وهو صحافي في صحيفة «واشنطن بوست»، وقال: «لا يأتي العار من فراغ، أو ينتهي إلى فراغ. يأتي العار بعد حلقات تسبقه، منها القوة، والاستعلاء، واستغلال القوة لارتكاب الخطأ..».
وقدم لوزادا مثالا عن شخص يتهرب من دفع الضرائب، لأنه، أولا، يرفض دفع الضرائب مستغلا قوته الشخصية (يعتقد أنه أقوى، أو أذكى من مصلحة الضرائب، التي هي، في نظره، ضعيفة أو غبية). وهو، ثانيا، ينكر أنه لا يدفع الضرائب، إذا سأله شخص آخر. وينكر أنه ارتكب خطأ لأنه، حسب تفسيره للخطأ، لا يراه خطأ. وثالثا، عندما تعرف مصلحة الضرائب أنه ارتكب خطأ، وتهدد بتقديمه إلى المحاكمة، يعترف بأنه يتحمل المسؤولية، ولا ينكرها.
في هذه المرحلة الأخيرة، يمكن أن يحس بالذنب (لأنه أخطأ وكذب، وقد يعتقل، ويحاكم، ويسجن). أو لا يحس بالذنب (لأنه يظل يعتقد بأنه أقوى من مصلحة الضرائب، أي أذكى منها. صحيح، كشفته هذه المرة. لكن، ربما لن تكشفه في المرات القادمة).
واشترك في النقاش أيضا شلبي ستيل، أستاذ جامعي أسود، ومؤلف كتب عن العلاقات بين البيض والسود. آخر كتبه هو «العار»، ويعني به «العار التاريخي» الذي لحق بالبيض في أميركا بسبب اصطيادهم الزنوج في أفريقيا، ونقلهم إلى أميركا، واستعبادهم، وشرائهم وبيعهم. لكن، يتوسع شلبي في تعريف «العار الأميركي». ويقول إنه لا يقتصر على استعباد الزنوج، ويشمل أيضا استعباد النساء، و«استعباد» البيئة (تلويثها)، و«استعباد» شعوب العالم الثالث (التدخلات العسكرية).
وقال: «منذ الستينات، يحاول الأميركيون أن يتخلصوا من العار. يحاولون أن ينتقلوا من مرحلة الأخطاء وإنكار الأخطاء، إلى مرحلة الاعتراف بالأخطاء. لكن، لينجحوا في ذلك، يجب عليهم أن يتخلصوا من الاستعلاء، ومن النفاق..». يوجد وسط المثقفين الأميركيين الذين يناقشون هذا الموضوع ليبراليون، وهم الأغلبية، ومحافظون، وهم الأقلية.
يقول ستيل إن المحافظين يعتقدون أن الأميركيين «تخلصوا من عارهم التاريخي» (الرقيق، النساء، الغزوات الخارجية). وذلك لأنهم اعترفوا بالأخطاء، وأصلحوها (الحقوق المدنية للزنوج، مساواة النساء بالرجال، والانسحاب من فيتنام).
لا يتحدث المحافظون عن حروب الإرهاب، وأفغانستان، والعراق - لأنهم يرونها حروبا «وقائية» (حتى لا يصل الإرهابيون إلى أميركا). تماما مثل ما قال، في الشهر الماضي، السيناتور لندسي غراهام (جمهوري، ولاية نورث كارولينا) بأن كل من يتحدث عن «الاحتلال» الإسرائيلي هو إرهابي (مثل منظمة «حماس»)، لأنه ليس «احتلالا» ولكن «وقاية».
في الجانب الآخر، يوجد المثقفون الليبراليون الذين يرى معظمهم أن أميركا لم تتخلص حتى الآن من عارها. ويجادل هؤلاء بأن المحافظين «يتعمدون نسيان الماضي،» وأن هذا لن يحل المشاكل. بل يضمن استمرارها. عن هذا قال ستيل: «لهذا، يظل العار معنا، وهو السبب الرئيسي لما نشاهد اليوم من تقسيمات ومواجهات ثقافية وعرقية وسياسية وجندرية».
ما دور الإنترنت، خاصة مواقع الاتصالات الاجتماعية، في مواضيع العار، والخجل، والإحساس بالذنب؟
قال لوزادا إن للإنترنت محاسن ومساوئ:
في جانب، يقدر المرؤوسون على كشف فساد الرؤساء، والزوجات على كشف خيانات الأزواج، والأبناء على كشف قسوة الآباء، والجنود على كشف أخطاء الجنرالات (مثل الجندي برادلي ماننغ. كشف مئات الآلاف من وثائق الخارجية الأميركية والبنتاغون). في الجانب الآخر، يبالغ الناس في المواقع الاجتماعية في اتهام بعضهم البعض. (يقول لوزادا، وهو الصحافي القدير، إن الأمانة الصحافية عملة نادرة). ولهذا، يجلبون العار على أنفسهم، قبل أن يكشفوا عار الآخرين.
لكن، تتغلب محاسن الإنترنت على مساوئه.
أما جنيفر جاكيت فتقول: «لا شيء يخيف مثل الخوف من العار. وفي (عصر الإنترنت) تزيد احتمالات كشف العار. لهذا، توجد محاسن لكشف عار الآخرين، وهي أن غيرهم سيخاف كشف عاره، وبالتالي يتحاشى ما يسبب العار».
الخجل والعار.. وما بينهما
نقاش ثقافي أميركي تشترك فيه مونيكا لوينسكي
الخجل والعار.. وما بينهما
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة