سوريون يشكون من تدني جودة رغيف الخبز والحكومة ترغب في التوفير

دمشق تلجأ إلى سوق القمح العالمية وتؤكد داخليًا أنها «مكتفية»

طفل من دوما بريف دمشق يحمل خبزا على رأسه ويسير عبر ركام الأبنية التي دمرها طيران النظام السوري (رويترز)
طفل من دوما بريف دمشق يحمل خبزا على رأسه ويسير عبر ركام الأبنية التي دمرها طيران النظام السوري (رويترز)
TT

سوريون يشكون من تدني جودة رغيف الخبز والحكومة ترغب في التوفير

طفل من دوما بريف دمشق يحمل خبزا على رأسه ويسير عبر ركام الأبنية التي دمرها طيران النظام السوري (رويترز)
طفل من دوما بريف دمشق يحمل خبزا على رأسه ويسير عبر ركام الأبنية التي دمرها طيران النظام السوري (رويترز)

لاحظ السوريون قبل نحو أسبوعين تغير لون وطعم الخبز التمويني الذي تنتجه أفران الحكومة بسعر مدعوم، (35 ليرة للربطة من الفرن - 60 ليرة في منافذ البيع)، في الوقت الذي تقول فيه مصادر تجارية إن دمشق تواجه صعوبات في استيراد كميات كافية من القمح، نظرا لأن مشكلات سداد الثمن والقتال الدائر تردع كثيرا من الشركات الدولية عن التجارة مع سوريا.
وتعتبر حكومة دمشق استمرارها في تقديم الخبز التمويني المدعوم دليل قوة تحمل الاقتصاد السوري لحرب دمرت فيها أجزاء واسعة من البلاد. وسبق لمعاون معاون وزير التجارة الداخلية، عماد الأصيل، القول بأن المواطن السوري «وصل إلى مرحلة الفقر لكن لم يصل إلى مرحلة الجوع»، وأن «الحكومة ما زالت تقدم كل صباح للأفران 7000 طن من الطحين لدعم مادة الخبز بتكلفة 117 ليرة للكيلو الواحد».
«بعودتنا لأيام الحشكو، يكون السوريون قد أتموا خطوات العودة إلى أيام السفربلك» تقول الحاجة أم خالد (80 عاما) من ريف حماه، وتضيف موضحة معنى «الحشكو»، بأنه خبز من دقيق الشعير معجون بالعشب، كانت والدتها تتكلم عنه وهي تحكي لأولادها أيام «الفقر الأسود والمجاعة» التي مرت على البلاد خلال حرب السفر برلك آخر أيام الدولة العثمانية. وأم خالد التي تحتفظ ذاكرتها بقصص أهلها عن المجاعة تذكر خبز «الحشكو» بعدما تحول لون الخبز التمويني السوري ذو الجودة العالية والطعم السائغ إلى خبز أسمر رديء مائل إلى الرمادي، وتقول: «خلال 4 سنوات تهجرت فيها مع أولادي وأحفادي من منازلنا في ريف حماه ونزحت مع قسم منهم إلى ريف حمص ومن ثم إلى دمشق، كنت أوكد لهم أن الأمور ما زالت بخير طالما أن ما زال هناك رغيف أبيض نأكله»، معددة مظاهر العودة مائة عام إلى الوراء «عدنا لنتدفأ ونطبخ على الحطب والجلة بدل المازوت والغاز والكهرباء، ونستخدم الشمعة وسراج الزيت بدل اللمبة، ونغسل الملابس ونجففها باليد بدل الغسالة.. وغيرها الكثير».
وتضاربت تصريحات المسؤولين عن المخابز حول تبرير تردي جودة الخبز، فبينما أشار البعض إلى ضرورة شد الأحزمة وخفض تكاليف الإنتاج بنسبة 15 في المائة نتيجة زيادة نسبة النخالة، أكد رئيس لجنة المخابز الاحتياطية، زياد هزاع أن «التغيرات التي طرأت على رغيف الخبز من حيث اللون والجودة، هي عبارة عن تجربة تقوم بها الحكومة من خلال زيادة نسبة استخراج الدقيق، عبر زيادة نسبة النخالة، والتي هي قشرة القمح»، مشيرا إلى أن «كل 100 كلغم من القمح، يستخرج منها 88 كيلو دقيق، وعند إضافة النخالة إلى الدقيق فهذا يؤدي إلى تغير لون رغيف الخبز إلى اللون الأسمر». مشيرا إلى أن «مادة الخميرة الطرية كانت تنتج محليا من قبل معامل خاصة تابعة لوزارة الزراعة، وتلبي حاجة المعامل الخاصة والعامة، واليوم معامل الخميرة تم استهدافها من قبل العصابات الإرهابية، وبالتالي لجأنا إلى استيرادها من الخارج».
إلا أن وسائل إعلام محلية أرجعت السبب نقلا عن عدد من العاملين، إلى تدني جودة الخميرة المستوردة مؤخرا من الصين ذات الفعالية المنخفضة، وعدم اختمار العجين على النحو اللازم.
كما رأى البعض أن السبب يعود إلى تراجع مخزون القمح والاضطرار إلى رفع نسبة النخالة والشوائب في الدقيق المستخرج من القمح.
وأثار تصريح لوزير التجارة الداخلية، حسان صفية الأسبوع الماضي حالة من السخرية في الشارع السوري، وهو يعدد فوائد زيادة نسبة النخالة في الخبز الذي تغير لونه «نتيجة رفع نسبة الاستخراج من القمح ما يزيد من فوائد الخبز الصحية»، و«ينهي عمليات تهريب الدقيق والمتاجرة به»، مشيرا إلى أن هنالك حاليا عدة أنواع للخميرة الجافة مستوردة من إيران ومصر والصين: «وهي في أغلبيتها جيدة». وفي حال وجود أي مشاكل فيها تتم معالجتها مع جميع الجهات الحكومية.
ورغم مضي أكثر من 10 أيام على هذه التصريحات، لم يتحسن وضع الخبز، وانكفأ الكثيرون عن تموينه في الثلاجة كما جرت عادة السوريين الذين يحتفظون بكمية تكفي عدة أيام أو أسبوع، تحسبا من الطوارئ في ظل الحرب الدائرة. وتقول فاطمة وهي موظفة «اعتدت على تخزين مؤونة أسبوع من الخبز لأنه ليس لدي وقت لشراء خبز كل يوم، وكان بمجرد إخراجه من الثلاجة وتسخينه قليلا يعود وكأنه خرج للتو من الفرن، لكن الخبز الذي نشتريه اليوم طعمه غير مستساغ ويتفتت بعد ساعات قليلة فلا يعود صالح للأكل».
من جهتها، حاولت صحيفة «البعث» الناطقة بلسان الحزب الحاكم، طمأنة السوريين إلى وجود مخزون قمح في صوامع الحكومة يزيد على مليون طن، وذلك في تقرير نشرته الاثنين الماضي، نقلا عن إحصاءات من الشركة العامة لصوامع الحبوب، دون ذكر للمخزون في المستودعات والمنشآت الأخرى، علما بأن الحكومة أكدت قبل شهرين عدم الحاجة لاستيراد قمح العام الحالي، نظرا لزيادة إمدادات الحبوب المحلية بفضل الأمطار الغزيرة واتساع نطاق سيطرة الدولة على الأراضي الزراعية. في حين نشرت وسائل الإعلام الغربية معلومات عن أن المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب الحكومية في سوريا، طرحت مناقصة عالمية لشراء واستيراد 150 ألف طن من القمح اللين لصناعة الخبز.
وتقدر وزارة الزراعة الأميركية أن سوريا ستستهلك 4.4 مليون طن من القمح خلال موسم 2014 - 2015. وتقلبت كميات المخزون والمحصول في سوريا خلال السنوات الأربع الماضية نتيجة عوامل متعددة، فبالإضافة للجفاف، كان هناك انعدام الأمن وسيطرة التنظيمات والكتائب المقاتلة المعارضة للنظام على مساحات واسعة من المناطق الشرقية والشمالية التي تعد سلة الغذاء السورية، لا سيما القمح.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.