بحث شعري عن جغرافيا جديدة للحب

سمية عسقلاني تستضيف «دالي» في «خارطة اللون.. قبعة السماء»

غلاف المجموعة
غلاف المجموعة
TT

بحث شعري عن جغرافيا جديدة للحب

غلاف المجموعة
غلاف المجموعة

تنفتح الشاعرة سمية عسقلاني، في ديوانها «خارطة اللون.. قبعة السماء» الصادر حديثا عن دار الأدهم بالقاهرة، بحيوية على فضاء الفن التشكيلي والموسيقى ومناخات الطبيعة والطفولة، وتتخذ منها ملاذا فنيا لتنويع مدارات الفعل الشعري. وخلال قصائد الديوان التي تربو على مائة صفحة، تسعى الشاعرة لأن تحول هذه العلاقة إلى نافذة صغيرة، تنظر من خلالها إلى العالم، بعين مشوبة بالقلق والضجر والحيرة وغيرها من قضايا الوجود المرتبطة بتعقيدات العيش في واقع أصبح لا يتسع لأفكار خاصة تعبر فيها الذات عن أحلامها وأشواقها بحرية، وفي إطار حي يجعل من السعي لاكتشاف الحقيقة وجها من وجوه الإبداع والجمال، حيث البحث عن خارطة اللون، هو نفسه البحث عن قبعة السماء، وكأننا إزاء بعد هارب أو عبثي من أبعاد الوجود والذات معا.
يعزز ذلك لوحة سلفادور دالي التي تشكل غلاف الديوان، بإيقاعها السريالي ورموزها الساخرة، حيث الوجود مجرد جمجمة تبحث عن تشكل ما في نسيج الكون؛ لذلك يبدو سلاح الشاعرة طيلة النصوص وكأنه محاولة للبحث عن اللايقين في اليقين نفسه، ولا يشي هذا ضمنيا بنوع من التعالي تمارسه على اليقين بكل رسوخه وثباته الوجودي والمعرفي، وإنما تحاول الذات من نافذة النص فهم تجلياته وشظاياه المختلفة، سواء في بعده الواضح المعيش، أو في بعده الآخر النقيض، الذي يفيض عنه ويعانقه كظل في حركة البشر والطبيعة والعناصر والأشياء. وعلى ذلك، فيقين الحب لا يكمن في اكتمال العلاقة بين الروح والجسد، بل في تعارضاتهما أيضا، وكذلك يقين الحلم لا يتجسد في الامتلاء بالواقع والتحقق على أرضه فحسب، وإنما أيضا في معارضته لهذا الواقع والتمرد عليه أحيانا إلى حد الثورة.
يطالعنا هذا الهم ويتنوع في نصوص الديوان، تارة مشربا بقيم التجريد كمقوم فني للاختزال والتبسيط، خاصة في التعامل مع اللغة وبناء الصورة الشعرية، وتارة مشربا بوجع خاص، يتوحد فيه مأزق الذات والنص معا. فيبدو كلاهما وكأن أحدهما يفتش في الآخر عن معنى ما للخلاص من هذا الوجع.. وهو ما يتجسد في نصوص تشبه الومضات الخاطفة، تتخلل الديوان.. ففي ومضة بعنوان «ألم» تقول الشاعرة:
«مريضة جدا
الحروف التي أشنقها
على صوت الموسيقى تصرخ..
فتسقط أسناني».

وفي أخرى بعنوان «وحشة» تقول:
«لن أقول صباح الخير
ولا مساء السعادة
سأقتفي أثر الوقت
في دقات الثواني التي تتلكأ
على أطراف أصابعي
وأبدأ في العد».
وفي ثالثة بعنوان «حبة الكرز» تقول:
«حبة كرز
غير تامة النضج
أحب هذا اللون
أحمر يشعّ
حين أقطفها
يسيل على فمي
يذكرني بدمي المتناثر حولي».

ورغم هذا الوجع الذي يشف في طوايا نصوص الديوان فإن الذات الشاعرة تتعامل مع الأشياء في ألفتها وبساطتها، وينعكس هذا على منطق الاشتباك معها، حيث تحافظ الذات على العلاقات الصورية بين الأشياء، ويبدو جل همها من هذا الاشتباك أن تضع هذه العلاقات أحيانا في قوس تساؤل، أو دهشة مكسوة بغلالة من المفارقة، للتعبير عن القلق والحيرة، ومعاناة الكتابة، في واقع خامل، يكرر نفسه يوميا في مشهد رتيب، لا يعكس انحرافا خلاقا لمعنى الحياة البارد المعتم.
وينعكس هذا أيضا على عالم الرؤية واللغة في الديوان، ففي سياق الرؤية، لا تحفل الذات بالبحث عن تحولات فارقة في تعاملها مع العالم والعناصر والأشياء، إنها تستدعيها وتناوشها على سطح النص، ولا تريد أن تغامر بها أبعد من ذلك، حتى لا تفقد الذات الشاعرة اتساقها مع موضوعها، أو تتوه في المسافة بينها وبينه.
ولا تسلم اللغة من هذا الصدى، فرغم شغفها بملامسة الأشياء والعناصر والتحاور معها بمنطق النص الشعري، فإنها لغة تراعي دوما بوصلة التوازن في الاشتباك مع العالم، لا تنتهك الغامض من أجل أن تجره إلى عتبة الوضوح، أو تعري علائقه السرية، وإنما لتختبر في عتمته قدرة الذات على الرؤية والمواجهة والصمود. ومن ثم يصبح الميل إلى التجريد بمثابة غطاء لتخفي الداخل، يحفظ أسرار الذات، ومساحات ضعفها وهشاشتها، بعيدا عن مغامرة التجسيد ومظاهره الحسية المضطربة في الخارج، التي تصل أحيانا إلى حد الشعور بالفجاجة، مما قد يشوه صورة الذات، أو على الأقل يجرح مرآتها أمام نفسها، أو يمنحها ملامح زائفة.. لذلك نحن إزاء ذات لا تبوح، تحتفظ بجراحها في الداخل، وتتخذ من هذه الجراح معولا للبناء، وجرسا صغيرا، لا توقظ به شيئا، ولا تزعج أحدا، بل ترسم به علامة استفهام وتنبيه عابرة، خلاصتها الدلالية هو أن يقين الأشياء يتجلى في مقدرتنا على أن نتعامل معها بحب، بهذا النزع الذي لا يخلو من رومانسية، تستهل الشاعرة ديوانها بجملة تشبه المتاح، حيث تقول: «انتبهوا.. هنا عشبة لم تجف، وشعاع يثقب غيمة».
وضمنيا تعكس هذه الجملة الاستهلالية علاقة شفيفة ودافئة، تعد من أبرز الملامح الجمالية في الديوان، وهي علاقة الذات الشاعرة مع الطبيعة، وتحولاتها سواء على مستوى الفصول الأربعة أو على مستوى الواقع اليومي، حيث تتحول الطبيعة إلى مرآة تنعكس عليها مدارات النص الشعري وهموم الذات معا. كما تشف العلاقة باللون عن اختيارات لافتة، كثيرا ما تتجاوز الجمالي العابر بإيقاعه الطبيعي المرئي، وتنعكس حركة المشهد الطبيعي في الخارج على ما يدور داخل الذات، ونحس برعشة الطبيعة على العين والجسد، وطوايا الروح.. ففي أحد النصوص بعنوان «غير حيادي هو اللون»، تقول الشاعرة:
«تكسّر طعم البرتقال على شفتي-
غير أن اللون نجا قليلا من التحريف
بعدما أفسدته الوراثة
سيان أن تقول برتقالي
أو تسقط الشمس في كوب ماء
(برتقالي) لفظة تدعو إلى البهجة المؤقتة
كأن تتذكر حبك القديم».

وتنمو هذه العلاقة بالطبيعة وتصعد دراميا وشعريا، حين ترتبط بتحولات العاطفة وفعل الحب، وكأنها وعاؤهما الهارب من قسوة الزمن ومتاهة الذات والأشياء، بل تصبح بمثابة نقطة اتزان لنزق وشطح فعل الحب نفسه، ومحاولة اصطياد جغرافيا جديدة له، فالحب ليس معادلة كيميائية كما تصوره الشاعرة بقولها:
«كأن خللا كيمائيا يصيبنا
بل.. كأن صوابا كيميائيا يمّسنا».

إنه لحظة انفلات من هذه المعادلة التي تشبه يقينا نيئا، حيث تطرح الذات وجها آخر للحب يشف عن نبضه الحقيقي، بل تتحول علاقته مع الطبيعة إلى عباءة، تحتوى ظلاله وهواجسه ومخاوفه وأحلامه المسروقة، وفي هذه العلاقة يكتسب فعل الحب نوعا من السمو، ويصل إلى مرتبة العشق والغرام.. وهو ما يتكشف في نصوص عدة بالديوان، من أبرزها نص بعنوان «الغرام» تقول فيه:
«الفصول الصريحة غير مناسبة
يحتاج الغرام إلى فصل انتقالي
خلل في الطقس هو إشارة المرور
والشتاء شرطي مدرب.
***
كان حظي قليلا في الغرام
لم أحب مطربا ولا عازفا للكمان
شاعرا أحببتُ..
ومن حسن حظي أنني لم أصادف
شاعرا خارج الكتاب.
***
لم أتورط في الشعر الغنائي
لأن الشاعر مات قبل أن أحبه
وزميلات الفصل لم تتزوج إحداهن ع
ازف الكمان».

فهكذا، يدفع هذا المناخ الحذر من غواية التجريب الذات دائما إلى الوقوف على الحافة، كبديل عن عدم السقوط فيها، وهو ما جعل شرائح التناص المتعددة في الديوان، مع أمكنة وبشر، وأساطير، من أبرزها أسطورة آدم وحواء، أو الجنة والتفاحة، لا تكسر قشرة الحكاية وتعيد تخليقها وبناءها من جديد، وإنما تدور حولها، فبدت كأنها مجرد صدى يومض بخفوت في النص.



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.