بعد الانتصارات التي حققتها قوات البيشمركة يحاول إقليم كردستان العراق معالجة الأزمات التي واجهته من النواحي الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية. وبحسب آراء قيادات الإقليم، هناك بوادر انفراج، خاصة بعد أن نجحت القيادة الكردية وحكومة الإقليم في إدارتها للواقع الذي عاشته خلال أكثر من عام مضى.
وقال الدكتور فؤاد حسين، رئيس ديوان رئاسة الإقليم، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: إن «القيادة الكردية وحكومة الإقليم استطاعتا إدارة الأزمات خاصة الأزمة العسكرية والأمنية، أما بالنسبة للأزمة الاقتصادية الناجمة عن قطع ميزانية الإقليم منذ أكثر من عام، فإن الحكومة الاتحادية قررت إرسال قسم من الميزانية إلى الإقليم والعلاقات بين أربيل وبغداد مقارنة بالعام الماضي أو بالسنوات السابقة، لا بأس بها، فهناك حوار مستمر وهناك تنسيق خاصة في المسائل الأمنية والعسكرية في مجال محاربة (داعش)، والعلاقات لا تخص القضايا المالية والنفطية فقط، بل هي علاقات واسعة، لذا يجب أن تستمر. وبالنسبة للقضايا المالية هناك تفسير مختلف للاتفاقية المبرمة بين أربيل وبغداد من قبل الطرفين، والخطوات التي تم اتخاذها في الآونة الأخيرة تعني أن الباب أصبح مفتوحا أكثر أمام الحوار المستمر، ونأمل أن تكون هناك خطوات أخرى لكي نصل إلى تطبيق قانون الموازنة، فالاتفاق الذي أبرم بين الجانبين أصبح جزءا من هذا القانون، ومع تطبيقه ستحل هذه المشاكل».
وعن المشاكل العالقة بين الطرفين، التي لم يصل الجانبان إلى حل بشأنها لحد الآن، قال رئيس ديوان رئاسة الإقليم: «هناك نقاط قديمة أيضا، بالنسبة لوضع البيشمركة في الاتفاق الأخير الذي أصبح جزءا من قانون الموازنة، هناك حل لمشكلتها المالية، وهذا مهم. يجب تطبيق الاتفاق، لأن القضايا المالية تحل، أما بالنسبة للنقاط الأخرى فهي مسائل تتعلق بتطبيق الدستور مثلا قضية المناطق المشمولة بالمادة 140».
أما بالنسبة لتأثيرات الحرب ضد تنظيم داعش على إقليم كردستان، شدد حسين بالقول إن «إرادة المقاومة في الإقليم أصبحت أكثر قوة من الأشهر السابقة، فالتهديد الذي شكله (داعش) كان تهديدا للوجود، والتنظيم الإرهابي أراد محو الكرد وكردستان من الخريطة والذاكرة والتاريخ، لكن عندما شعرت القيادة الكردية وشعب كردستان بهذا، شاهدنا كيف توجه الشباب الكردي إلى جبهات القتال وحتى الذين تجاوزوا عمر السبعين والثمانين توجهوا إلى جبهات القتال، فهذه الإرادة القوية الموجودة والمترسخة في كردستان هي التي وقفت بوجه الإرهابيين. لكن واقع الحرب والقتال يؤدي إلى الأزمة، والشعب الكردي مستعد لتحمل نتائج هذه الأزمة إلى حين إبعاد خطر الإرهابيين عن كردستان، وهذا تحقق والآن نحن بصدد معالجة نتائج هذه الأزمة، من النواحي المالية والاجتماعية، لا سيما وأن هناك أكثر مليون وثمانمائة ألف لاجئ ونازح في الإقليم».
ومضى حسين إلى القول: «تحول (داعش) من منظمة إرهابية إلى دولة إرهابية بعد احتلاله مدينة الموصل والمناطق العربية السنية الأخرى في العراق في يونيو (حزيران) الماضي ومناطق واسعة في سوريا، والاستراتيجية المطبقة حاليا تتمثل في إعادة (داعش) من حالة الدولة إلى المنظمة، وبعد ذلك القضاء عليه. القوات الكردية نجحت سواء في كوباني أو في الإقليم في دحر (داعش) في مناطق واسعة من كردستان، ومن مناطق أخرى، والآن (داعش) في طريقه إلى الحالة التي ذكرتها، والتنظيم يعاني من أزمة خانقة بين صفوفه، فأكثرية الأجانب الذين التحقوا به وكانوا من خيرة مقاتليه قتلوا في جبهات القتال وانهزم الآخرون، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي يعاني منها، لأنه عندما تحول من تنظيم إلى دولة احتاج إلى مصادر مالية كبيرة، وكان يمتلك هذه المصادر، لكنه الآن في صراع من أجل إيجاد مصادر مالية لدعم قواته، إلى جانب أزمة أخرى تواجه (داعش) وهي أزمة نقص الخدمات ونقص الأدوية ونقص المستشفيات. وتشير المعلومات التي وصلتنا مؤخرا إلى أن المستشفيات في الموصل لا تستطيع استقبال الجرحى حتى إنهم نقلوا جرحاهم إلى البيوت. وازدياد عدد جرحى (داعش) هو بسبب المعارك التي يخوضها ضد قوات البيشمركة في محاور إقليم كردستان وضد القوات العراقية في تكريت والرمادي، إلى جانب الخلافات بين صفوف مسلحيه، خاصة بين المسلحين التلعفريين التركمان المؤثرين في التنظيم والفئة المؤثرة الأخرى في صفوفه من العرب».
وبين حسين أن «الاستراتيجية العسكرية للإقليم، تتمثل في محاربة تنظيم داعش في أي مكان والتحالف مع أي فئة تحاربه وتقوية الخطوط الدفاعية لقوات البيشمركة والتفكير في كيفية التعامل مع القوى العراقية الأخرى من ضمنها الجيش العراقي في العمليات المستقبلية».
وعبر حسين عن شكر الإقليم للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة على دوره في محاربة «داعش». وقال: «التحالف الدولي لعب دورا بارزا في توفير الغطاء الجوي وضرب مواقع التنظيم، كذلك أرسل التحالف العتاد والأسلحة إلى كردستان، وكان من بين الأسلحة التي وصلتنا سلاح ميلان الألماني الذي له دور كبير في الجبهات، لكن نحن في معركة طويلة وشرسة ومعركة تسجل بالدم، فعدد قتلانا تجاوز حتى الآن 1150 قتيلا، ولدينا أكثر من 5000 جريح، فلو كانت لدينا أسلحة ثقيلة من البداية لما دفعنا كل هذا العدد الكبير من التضحيات. الانتصارات التي حققناها، تحققت بدماء أبنائنا، وحسم المعركة النهائية، وأقصد معارك تحرير المدن الكبيرة كالموصل، لا يمكن أن يتم إلا بتوفر الأسلحة النوعية، لذا تحدث الرئيس مسعود بارزاني عن حسم المعركة، والحسم يحتاج إلى أسلحة أخرى، كما ترون الآن في تكريت، القوات العراقية تمكنت من تحرير أكثرية مناطق محافظة صلاح الدين، لكن تكريت في النهاية تحتاج إلى غطاء جوي، وحسنا فعل رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية بطلب الدعم الجوي من قوات التحالف لكي يتم حسم المعركة».
وعن رد الجانب الدولي على مطالبة الإقليم بالأسلحة الثقيلة، قال حسين: «الكثير من دول العالم لا زالت تقدم المساعدات العسكرية لكردستان، لكن هذه المساعدات ليست بمستوى الطموح، ونحن في اتصالاتنا مع العالم الخارجي نشرح هذا الواقع، وهم بدأوا يتفهمون أن (داعش) لا يشكل خطرا على كردستان والعراق فقط بل هو خطر على مجتمعاتهم أيضا، فإذا أرادوا حماية مصالحهم ومجتمعاتهم يجب أن يساعدوا الإقليم بأسلحة نوعية»، مشيرا إلى أن «بغداد أرسلت بعض المساعدات العسكرية إلى الإقليم، لكنها قليلة، والحكومة العراقية، هي الأخرى، تعاني من الناحية العسكرية من المشاكل، سواء أكانت متعلقة بالأسلحة الثقيلة أو التدريب أو العتاد، والوضع المالي أثر على الوضع العسكري في العراق، لكن هناك تعاونا واجتماعات مستمرة بين وزارة الدفاع ووزارة البيشمركة وهناك تبادل للمعلومات العسكرية بين الجانبين، ونأمل أن تتسلم بغداد أسلحة جديدة وأن تكون لقوات البيشمركة حصة منها».
وكشف حسين عن مباحثات جارية بين بغداد وأربيل حول الأشخاص المطلوبين من قبل بغداد الموجودين في الإقليم. وأضاف: «أعتقد أنه سيكون هناك تعاون في هذا المجال، ونحن لا نأوي المجرمين، لكن أبواب كردستان مفتوحة للنازحين واللاجئين، وبصورة عامة نحن مستعدون للتعاون في هذا المجال والاجتماعات مستمرة بين الجانبين».
وبسؤاله عن المخاطر المستقبلية لقوات الحشد الشعبي (الميليشيات الشيعية) على إقليم كردستان، خاصة في مرحلة ما بعد «داعش»، بين حسين أنه «من الناحية النظرية الإنسان حر في التحدث عن المخاطر المستقبلية، لكن طرح هذا النوع من القضايا حاليا فيه نوع من التضخيم، فالحشد الشعبي لا يوجد في حدود كردستان إلا في بعض المناطق المختلطة في جنوب كركوك وفي أطراف جلولاء والسعدية، وتم التنسيق مع هذه القوات في تلك المناطق، وأي نزاع بين قوات تابعة للحكومة الاتحادية وقوات إقليم كردستان يعتمد حلها في النهاية على العلاقات بين أربيل وبغداد».
وبخصوص الإدارة في المناطق المتنازع عليها، في مرحلة ما بعد «داعش»، قال حسين إن «غالبية هذه المناطق الآن هي تحت حماية قوات البيشمركة، فلولا وجود البيشمركة فيها لأصبحت تحت سيطرة تنظيم داعش. الجيش العراقي انهار في هذه المناطق والبيشمركة استطاعت أن تحميها وتحمي الآبار النفطية فيها، والأكثر من ذلك أنها حمت العرب والتركمان والكرد والمسلمين والمسيحيين والشيعة والسنة وكافة المكونات الأخرى في هذه المناطق. أما في مرحلة ما بعد (داعش) فهذه المناطق خاضعة لمادة دستورية وهي المادة 140، التي تتحدث عن إجراء استفتاء، ومن واجب الحكومة الاتحادية تطبيق هذه المادة وإجراء الاستفتاء، لأن أهالي هذه المناطق هم الذين سيقررون مصيرهم، وتأجيل الاستفتاء فترة طويلة سيؤدي إلى أزمة أخرى».
وبسؤاله عن وحدة البيت الكردي حول تجديد ولاية رئيس الإقليم مسعود بارزاني التي تنتهي في أغسطس (آب) المقبل، قال حسين: «لحد الآن لم تطرح هذه المسألة بشكل رسمي، والرئيس بارزاني لم يتحدث عن هذا الموضوع، ومن الصعب حاليا التحدث عن هذه المسألة، لكن من الواضح أننا نقترب من الموعد وهناك مسألة قانونية يجب حلها، ويجب أن نصل إلى نتيجة في هذا الاتجاه، والموضوع متعلق بالأحزاب الكردستانية».
وبسؤاله عن علاقات الإقليم بالدول العربية، قال حسين: «القيادة الكردستانية بنت علاقات قوية مع غالبية الدول العربية، سواء علاقات دبلوماسية أو على مستويات أخرى، ولدينا علاقات جيدة مع دول الخليج والأردن ومع مصر ولبنان أيضا». وأشار حسين خلال حديثه إلى علاقات الإقليم مع جيرانه قائلا: «الإيرانيون أعلنوا إنهم موجودون في العراق فيما يخص الحرب ضد (داعش) وعلاقتنا مع إيران جيدة. وبالنسبة لعلاقاتنا مع تركيا فهي أيضا جيدة وسياستنا تهدف إلى بناء علاقات بناءه مع دول الجوار على أساس المصالح المشتركة وعدم التدخل في الأمور الداخلية، صحيح أن كردستان ليست دولة لكن هناك بعدا كرديا في إيران وفي تركيا، لذا أتحدث عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية».
رئيس ديوان رئاسة كردستان: «داعش» عاد تنظيما بعدما كان دولة إرهابية
حسين لـ {الشرق الأوسط}: علاقتنا مع العرب وإيران وتركيا جيدة.. ومع بغداد أفضل مما كانت عليه
رئيس ديوان رئاسة كردستان: «داعش» عاد تنظيما بعدما كان دولة إرهابية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة