أكد الرئيس العراقي فؤاد معصوم في حديث لـ«الشرق الأوسط» في شرم الشيخ، أن بلاده تؤيد إنشاء قوة عربية مشتركة. وأضاف معصوم، أن لدى العراق الموارد البشرية للمشاركة في هذه القوة.
وتحدث الرئيس معصوم عن حرب بلاده ضد الإرهاب وتوقع أن تنتهي الحرب ضد تنظيم داعش «قريبا»، لكنه حذر من أنه «قد يظهر غير داعش»، معتبرا الحرب ضد الإرهاب «مفتوحة»، وأنها قد «تستمر لعقود أخرى».
وشدد الرئيس العراقي على أن بلاده «بحاجة إلى الجميع؛ وفي المقدمة منهم الأصدقاء والأشقاء لإعادة إعمار ما خربه الداعشيون والإرهابيون». وأضاف: «نحن نتطلع إلى أن يكون الإخوة العرب في مقدمة الساعين لإعادة إعمار المدن العراقية، سواء عبر تقديم المساعدات والأموال اللازمة لذلك، وكذلك عبر الشركات المتخصصة التي تتولى الإعمار». وفي ما يلي نص الحوار:
* ما المطلوب عربيا لاستكمال إنهاء ملف «داعش» والحرب على الإرهاب الذي هيمن على المشهد في المنطقة العربية؟
- تنظيم داعش في العراق سينتهي قريبا، أقصد في الأجل المنظور لأن موازين القوة من منظور عسكري صارت تميل لصالح العراق، لكن قد يظهر غير «داعش»، والحرب على الإرهاب ملف مفتوح وقد يستمر لعقود أخرى، فالإرهاب هو وليد التعصب والتطرف والانقسام وسياسات الظلم والديكتاتورية والقمع والاختزال، لذا نرى أن القضاء على تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى يكون من خلال وحدتنا التي اعتبرها أول خطوة على طريق القضاء على الإرهاب، والوحدة هنا بمعنى التنسيق والتعاون الشامل في كل المجالات وكذلك وحدة الموقف والمسار على الأقل في الاتجاهات العامة. ومحاربة «داعش» والإرهاب تحتاج إلى تنسيق وتعاون ليس فقط استخباريا وأمنيا وعسكريا، وإنما سياسيا ومواقف ثقافية وفكرية إزاء المنظومة الفكرية التي يستقي منها الإرهاب و«داعش» خطابهما وفتاواهما وإطارهما الحركي القائم على التشدد والتعصب والرؤى الأصولية التي تنطلق من رؤية أحادية تلغي الآخر وتختزله.
نعم المواجهة العسكرية مع «داعش» والإرهاب مطلوبة، لكنها وحدها لا تكفي، والمواجهة للإرهاب ولـ«داعش» يجب أن تكون شاملة تستهدف فتاوى التكفير، وكذلك تجفيف التمويل وفضح الممارسة وابتعادها وانتهاكها لتعاليم الإسلام الحنيف وقيمه السمحة الداعية إلى التعايش والحوار واحترام الآخر.
* العراق إلى أين بعد نجاحه في حربه على الإرهاب؟.. وما الأولويات حاليا؟ ومتى نراك في زيارات إلى كل العواصم العربية إيذانا ببدء مرحلة جديدة في علاقات العراق مع محيطه العربي؟
- العراق يظل بحاجة إلى أن يبني نفسه ويضمد جراح أبنائه ويعالج الكدمات التي أصابت روحه، لذلك فهو سيتجه إلى تحقيق مصالحة حقيقية تتجاوز مآسي الماضي وتجاربه القاسية والانطلاق نحو المستقبل من أجل توفير بلد يهنأ فيه أولادنا وأحفادنا وأجيالنا القادمة وتعيش بسلام وهذا لن يتحقق من دون إحياء روح المواطنة وسيادة القانون والقضاء على الفساد الذي صار ينخر الجسد العراقي. إن العراق في كل ذلك يحتاج إلى مؤازرة من أشقائه وأصدقائه، فتنظيم داعش والإرهاب خلقا مشكلة نزوح كبيرة في الداخل والخارج، كما أن مدنا كاملة قد خربت ودمرت، والعراق بحاجة إلى إعادة الإعمار كي يستطيع أبناء المناطق والمدن المحررة من قبضة «داعش» أن يعودوا إلى مساكنهم التي لم يبقَ منها شيء، وعلينا إعادة بناء هذه المساكن وإعادة تأهيل المدن كي يعود لها أبناؤها. وفي هذا كله يجد العراق نفسه بحاجة ماسة لأصدقائه وأشقائه، ومثلما العراق بحاجة إلى دعم الجميع في حربه ضد الإرهاب فهو أيضا يظل بحاجة إلى الجميع، وفي المقدمة منهم الأصدقاء والأشقاء، لإعادة إعمار ما خربه الداعشيون والإرهابيون. ونحن نتطلع إلى أن يكون الإخوة العرب في مقدمة الساعين لإعادة إعمار المدن العراقية، سواء عبر تقديم المساعدات والأموال اللازمة لذلك، وكذلك عبر الشركات المتخصصة التي تتولى الإعمار.
أما في ما يتعلق بزياراتنا للعواصم العربية فهي مستمرة، سواء من قبلنا أو من قبل المسؤولين العراقيين الآخرين في الرئاسات الثلاث، وإن الأولوية في زياراتنا كانت وستظل صوب أصدقائنا وأشقائنا في العالم العربي منذ تسلم مهامنا وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
* ما زالت الشكوك تحوم حول علاقة العراق بإيران، ماذا تقول للعالم العربي عن حجم هذه العلاقة، وخصوصا أنها تعلن باستمرار انحياز أربع عواصم إليها بعيدا عن مصطلح تستخدمه دائما وهو سقوط عواصم عربية في قبضتها؟
- علاقة العراق بإيران لها خصوصيتها، فالعراق يجاور إيران، والحدود المشتركة تزيد على ألف كيلومتر، وفضلا عن الأبعاد التاريخية والثقافية التي تشكل جانبا من هذه العلاقة هناك العلاقات السياسية، فالكثير من القوى السياسية العراقية التي كانت تعارض نظام البعث والرئيس السابق صدام حسين لاقت الدعم والتأييد من جانب إيران في الوقت الذي كانت تقفل فيه دول كثيرة أبوابها بوجه هؤلاء المعارضين. وكان الكثير من الدول، وفي المقدمة منها دول عربية، تقدم العون والمساعدة والتحالف لنظام صدام حسين ومن الطبيعي وفق هذه الخلفية أن أطرافا سياسية عراقية بعد حدوث التغيير والإطاحة بالنظام السابق تحتفظ بعلاقة الصداقة مع إيران وبعض الجهات النافذة فيها. كما أن إيران كانت لها مواقف كثيرة جيدة مع العراق بعد الإطاحة بنظامه السابق، وعندما برز تهديد «داعش» وسيطر «داعش» على الموصل ومدن أخرى كانت إيران سباقة في تقديم المساعدة العسكرية، سواء للحكومة الاتحادية في بغداد أو لحكومة إقليم كردستان في أربيل. لذلك نحن ننظر لعلاقاتنا مع إيران وفق هذه الخلفية ولا ننظر لها عبر عيون الآخرين، مثلما لا نسمح لإيران بأن تجعلنا ننظر لعلاقاتنا مع الآخرين بعيونها هي. فنحن نقيم علاقات مع الجميع وفق تصوراتنا ومصالحنا في العراق وليس من خلال علاقات الآخرين فيما بينهم. وبالتأكيد هذه العلاقة الإيجابية مع إيران لا تبرر لهم استخدام لغة استعلائية أو لغة غطرسة تعبر عن رغبة في الهيمنة والحديث عما سميتموه «سقوط عواصم في القبضة الإيرانية» أو تحول العراق إلى جزء من ما يحب أن يسميه البعض الإمبراطورية الإيرانية، فهذا بالمجمل مرفوض ومردود. نحن نقدر الصداقة التي تربطنا بإيران، ونحن رحبنا بمساعدات إيران، مثلما رحبنا بأي مساعدة تقدم إلينا من إخواننا وأصدقائنا لمحاربة الإرهاب، لكن الصداقة وقبول المساعدة لن يكون على حساب سيادتنا واستقلالنا وعراقيتنا ووطنيتنا، وشكرنا للدعم المقدم من الأصدقاء والأشقاء يجب ألا يفهمه بعض هؤلاء الأصدقاء بطريقة المنة أو الشعور بالفضل الذي يمنح أصحابه حقوقا إضافية تمس هويتنا ووطنيتنا، وعلى هؤلاء أن يدرسوا التاريخ جيدا ويدركوا أن العراق ظل منيعا إزاء أي محاولة لتغيير هويته وتبديل تاريخه.
* في تقديركم ما هو المطلوب من هذه القمة؟ وما القرارات التي يجب أن تتخذ لترضي الشارع العربي؟
- في الواقع، إن الشارع العربي ليس واحدا، وإنما الآن هناك شوارع متنوعة وأحيانا يسودها الاختلاف أساسا في المواقف إزاء بعض الأمور والقضايا. على العموم أعتقد أن هذه القمة تنعقد في ظل تحديات ومخاطر تهدد بتقسيم وتفتيت دول عربية، وتنال من مصير المنطقة وأمنها ومستقبل وجودها مع استشراء الإرهاب، وانتشار التنظيمات الإرهابية. وانعقاد القمة يحمل الدول الأعضاء في الجامعة العربية والقادة في الدول العربية مسؤولية توفير القدرة على الاستجابة للتحديات التي تشهدها المنطقة، والنجاح في تقريب وجهات النظر، من أجل تنقية الأجواء ورأب الصدع في العلاقات البينية، والخروج بقرارات تستجيب لمستوى التحديات وتطلعات الشعوب في وحدة المواقف إزاء التحديات والعمل المشترك والبناء لمحاربة الإرهاب ونبذ الفرقة.
* ما المطلوب عراقيا من الدول العربية والقمة لدعم العراق خلال المرحلة المقبلة؟
- كما بينا سابقا، فإن إرهاب «داعش» لا يستهدف العراق، وإنما هو يستهدف ويطال الجميع.. وبالتالي فإن القضاء عليه هو مسؤولية الجميع والقضاء عليه لا يتم إلا من قبل الجميع، وعلى العرب والمسلمين مسؤولية كبيرة في هذا الإطار باعتبار أنهم في مقدمة المتضررين من تنظيم داعش، وإذا كان العراق يقاتل «داعش» عسكريا فعلى الجميع، سواء في إطار التحالف الدولي أو حتى من خارجه، العمل على تقديم كل سبل المساعدة العسكرية والسياسية والمالية والاقتصادية وحتى الثقافية والإعلامية والفكرية لدحر هذا الخطر القائم ونتائجه.. ومن نتائج الإرهاب الداعشي الدمار الذي تسبب به للملايين من أبناء الشعب العراقي بكل مكوناتهم الذين تهدمت مدنهم وبيوتهم وشردوا من مناطقهم.. والدمار والتخريب والتشريد يفوق إمكانيات الدولة العراقية وقدراتها، وبالتالي مثلما مكافحة الإرهاب مسؤولية دولية وعربية وإسلامية بامتياز فإن المعالجة للآثار المترتبة على الإرهاب بما في ذلك ملف إعادة الإعمار هي الأخرى مسؤولية يجب أن يسهم فيها المجتمع الدولي والأسرتان العربية والإسلامية من دون إبطاء، وننتظر من القمة العربية أن تتولى التحشيد لهذا الأمر وبشكل عاجل.
* تناقش القمة عددا من الملفات المهمة من بينها تحديات الأمن وصيانة الأمن القومي العربي وإمكانية إنشاء قوة عربية مشتركة للتدخل السريع، هل يؤيد العراق هذه المقترحات والأفكار؟
- من حيث المبدأ العراق منفتح على جميع الأفكار والمبادرات التي من شأنها أن تكسر ظهر الإرهاب وتنظيماته. وكما قلنا، فإن الحرب على الإرهاب فيها صفحات متعددة وشاملة إلى جوانب متعددة وليست مقتصرة على الجانب العسكري، ومع ذلك فإن قوة عربية عسكرية لمقاتلة الإرهاب، هي أمر مهم لمساعدة أي دولة عربية تطلب المساعدة العسكرية، ونحن في العراق لدينا الموارد البشرية والمقاتلون ويمكن حتى نسهم في تشكيلات هذه القوة، لكننا على الأرض في العراق بحاجة إلى أسلحة وتعاون استخباري وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب.
* هل أنتم مرتاحون لمستوى الاستقرار السياسي في العراق؟ وكيف ترون العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان؟
- الاستقرار يتحقق في العراق عندما يتم القضاء على الإرهاب في العراق والمنطقة، فالاستقرار في العراق يظل مرتبطا بالمحيط الإقليمي. كما أن تعمق الممارسة الانتخابية في العراق وتجذرها من شأنه أن يضفي تداولية مطلوبة في السلطة، وهذا كله يصب في مصلحة الاستقرار السياسي. فالأوضاع السياسية في البلاد وكذلك التوافقات بين القوى السياسية الرئيسية، وكذلك بين الرئاسات في العراق هي في هذه المرحلة في أحسن أحوالها. وهذا شجع على حوار متواصل ومستمر بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد لحل القضايا الخلافية بين الطرفين، وقد تم حل معظم هذه القضايا، وفي الحقيقة فإن الخلافات الآن في أقل مستوياتها ويعترضها فقط بعض التشريعات التي تم التوافق عليها وهي في طريقها للتشريع مثل قانون النفط والغاز، كما أن هناك بعض الإجراءات التقنية التي أحيانا تبرز بسبب الضائقة المالية التي نعاني بعد انخفاض أسعار النفط، وما أفرزته الحرب على «داعش» من التزامات وأولويات عاجلة وجديدة.
* كيف هي العلاقة مع تركيا وكيف ترون رفضها لإقامة دولة كردية؟ وهل تستشعر أن المكونات العراقية تفضل أن تظل تحت مظلة الدولة الموحدة؟
- العلاقات بين العراق ودول الجوار بالإجمال هي في تحسن مستمر، والعلاقات مع تركيا بدورها تتحسن وقد تبادل رئيسا الحكومة في العراق وتركيا الزيارات خلال الأشهر القليلة الماضية، وأخطط لأزور تركيا في وقت قريب، كما أننا نساعد تركيا في حل المشكلة فيها سلميا وتعمل الأحزاب الكردية العراقية على إقناع حزب العمال الكردستاني بضرورة الحوار مع الحكومة التركية لحل المشكلة بشكل سلمي. وبخصوص الشق الثاني من السؤال فأنا منذ تسلمت موقعي كرئيس للجمهورية أسعى إلى أن يطبق الدستور من دون انتهاكات وبالتالي أسعى لأن يكون هناك تمثيل حقيقي لكل المكونات العراقية في مواقع السلطة المختلفة، وأن يشعر العراقي مهما كان انتماؤه بأن له حصة في الحكومة والنظام السياسي وممثلا فيه.. وأجد أن معارك التحرير من «داعش» التي تشارك فيها جميع المكونات من قوات مسلحة وحشد شعبي وبيشمركة ومقاتلي العشائر قد جعلت الوحدة معمدة بالدماء، وجعلت من الوحدة بين المكونات العراقية حقيقة ناصعة.
* العلاقات العراقية - الخليجية ماذا يعكر صفوها ومتى نشهد انفتاحا حميميا في هذه المنطقة الحيوية؟
- الانفتاح على دول الخليج يتسارع، وقد زرت المملكة العربية السعودية مرتين في الأولى اتفقت مع المرحوم جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز على إعادة فتح السفارة السعودية في بغداد، كما تشاورنا في مختلف المسائل، كما زرت السعودية مرة أخرى والتقيت جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، ورغم أن زيارتي كانت للتعزية بوفاة الملك عبد الله، فإن خادم الحرمين الشريفين بدا حريصا للتأكيد على تعزيز وتقوية العلاقات بين السعودية والعراق. وقبل أيام دعا جلالته رئيس الحكومة الدكتور العبادي لزيارة السعودية، كما قمت بزيارة قطر وأكد سمو أمير قطر رغبة بلاده في إعادة فتح سفارتها في بغداد ورغبته وحرصه على تعزيز العلاقات بين البلدين، وكان عدد من المسؤولين العراقيين قد زاروا دول الخليج ونحن بصدد تطوير العلاقات بيننا في مختلف المجالات بما يحقق التعاون والاستقرار في المنطقة.
* كيف ترون آفاق التعاون مع مصر؟ وما أولويات العمل المشترك بين البلدين؟
- مصر على المستوى الشخصي تمثل شيئا كبيرا في وجداني وثقافتي وتجربتي، وارتبطت وأفراد أسرتي بذكريات مع مصر وشعبها وأحيائها ومدنها. كما أن مصر تمثل قلبا نابضا للمنطقة بأسرها وتاريخيا حضارة وادي الرافدين وحضارة وادي النيل كانتا مركز إشعاع للبشرية وبتكاملهما مثلتا صيرورة التقدم في العالم وعلى المستوى الإنساني. وتاريخيا كلما كانت بغداد والقاهرة تسيران على منحى واحد كانت الأمور على ما يرام في المنطقة. ولذا نسعى أن تكون لنا علاقة تعاون وثيقة مع مصر، وقد التقيت الرئيس السيسي على هامش اجتماعات الأمم المتحدة وزار رئيس الوزراء الدكتور العبادي مصر وتم تفعيل قنوات وأسس التعاون بين البلدين، ومن المؤكد أنني سأبحث جانبا من العلاقات الثنائية مع الرئيس السيسي، وقد تسنح الفرصة قريبا لزيارة مصر وتعزيز التعاون المشترك في مجالات تدريب قوات الجيش والشرطة العراقية وكذلك التعاون في مجال إعادة الإعمار والتجارة والتعاون الاقتصادي والصناعي.