في حين يبدو أن المباحثات بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي للأخيرة باتت تدار على تخوم القصور الرئاسية في تكريت بالعراق، وليس في مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، فإن الجدل المحتدم حول الجيش والحشد الشعبي ومقاتلي العشائر السنية في المحافظات الغربية من العراق ضد تنظيم داعش بات يقترب من أن يتحول إلى فوضى فذة.
ورغم بلوغ الهجوم الأميركي ضد الحشد الشعبي الذي يمثل الميليشيات والفصائل المسلحة الشيعية ذروته عبر التصريحات التي أدلى بها الرئيس السابق للاستخبارات الأميركية الجنرال ديفيد بترايوس، الذي يملك خبرة واسعة في التعامل مع الملف العراقي، فإن قادة الحشد الشعبي وفي مقدمتهم هادي العامري زعيم منظمة بدر المقرب من إيران ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي الباحث عن دور في هذه «الخلطة» السياسية يرون أن الميليشيات قادرة على حسم المعركة من دون تحالف أو إرادة دوليين.
وسط هذين الموقفين المتناقضين، يجد رئيس الوزراء حيدر العبادي نفسه وبات يسعى إلى وضع حد لمثل هذه الفوضى، أو على الأقل ضبط إيقاعها، من خلال زيارته المقبلة إلى واشنطن، منتصف الشهر المقبل.
مكتب العبادي أكد في بيان، أمس، أن رئيس الوزراء «سيبدأ منتصف الشهر المقبل زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأميركية تستغرق أياما عدة، يلتقي خلالها الرئيس الأميركي باراك أوباما وعددا من المسؤولين في الإدارة الأميركية لبحث تطوير العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات».
وأضاف مكتب العبادي أن «اللقاء سيتضمن بحث الجهود المشتركة لمواجهة الإرهاب والتعاون في المجالين العسكري والأمني وتوفير الدعم والتسليح للقوات العراقية في حربها ضد (داعش). إلى جانب بحث التقدم الذي تحرزه القوات العراقية في ظل تعاون المواطنين وأبناء العشائر مع قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي الذي يضم متطوعين من مختلف مكونات الشعب العراقي».
بدوره، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس أوباما سيستقبل العبادي في 14 أبريل (نيسان) المقبل للتباحث حول الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في مكافحة تنظيم داعش، ومناقشة مجموعة من القضايا، بما في ذلك الدعم الذي تقدمة واشنطن لبغداد وتلبية احتياجات الشعب العراق وتعزيز التعاون بين جميع الطوائف العراقية.
وبين زيارة العبادي لواشنطن، التي تعول عليها المؤسسة العسكرية العراقية الكثير، طبقا لما أفاد به لـ«الشرق الأوسط» قائد عسكري عراقي، وارتفاع نبرة الهجوم الأميركي - الإيراني المتبادل تبدو الأوضاع مرشحة لمزيد من التعقيد بين الجانبين في حال لم يتم تحقيق تقدم في المفاوضات الحالية على صعيد الملف النووي بين الطرفين.
وفي هذا السياق، يرى قائد عسكري عراقي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، شريطة عدم الإشارة إلى اسمه، أن «هناك تعقيدا في المشهد السياسي ما كنا نتمنى أن ينسحب على المؤسسة العسكرية التي يكمن دورها في الدفاع عن الوطن ضد المخاطر». ويضيف القائد العسكري أن «من الأنصاف القول إن عناصر الحشد الشعبي يقومون بلا شك بدور ممتاز في سير المعارك، ونحن كقادة عسكريين ننظر إليهم بوصفهم جنودا يخوضون معركة مع عدو شرس، بينما هناك من ينظر إلى دورهم من منظار آخر نخشى أن يؤثر مستقبلا على سير المعارك».
ويتابع القائد العسكري أن «العديد من قادة الحشد الشعبي لا يريدون معرفة حقيقة أساسية، هي أنه في الوقت الذي يبدو فيه الجيش مقبولا في المناطق التي يجري فيها القتال اليوم، فإن الحشد الشعبي لا يبدو كذلك، وهو أمر بتنا ندفع ثمنه نحن العسكر ليس في تكريت وتوابعها فقط بل في مناطق أخرى، لا سيما في محافظة الأنبار».
في السياق ذاته، أكد عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف الوطنية وعضو لجنة الأمن والدفاع كاظم الشمري في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «من الخطأ التعامل مع الأمور العسكرية من خلال جنبات سياسية، وهو ما بات يؤثر في الواقع على سير المعارك، ومنها معركة تكريت التي لا نعرف إلى متى ستبقى مؤجلة بسبب رفض بعض القادة السياسيين، لا سيما في الحشد الشعبي، دور التحالف الدولي في الحرب». وأضاف الشمري أن «كل المعطيات تؤكد أن دور التحالف الدولي في معركة تكريت أو في كل المعارك مهم، لا سيما على صعيد الطيران، وأن أي كلام بخلاف ذلك مجانب للحقيقة».
وكشف الشمري أن «التحالف الدولي من خلال ما يملكه من أقمار صناعية وأجهزة عالية الدقة ومعلومات استخبارية كان قد هيأ الأرضية المناسبة للحرب ضد (داعش)، وبالتالي فإن التنصل عن هذا الدور لحسابات سياسية أمر لا يستقيم مع المنطق لا سيما أن تنظيم داعش عمل تحصينات قوية في تكريت، وهو ما يمكن أن يكرره في الموصل على نطاق أكبر، وبالتالي فإن تحويل المعركة من حرب ضد تنظيم داعش إلى مواجهة أميركية - إيرانية في وقت حساس وصعب أمر يمكن أن ندفع ثمنه كعراقيين». وخلص الشمري إلى القول إن «الولايات المتحدة التي غضت النظر كثيرا عن الدور الإيراني في العراق بدأت الآن تراعي حساباتها، لكن كل هذا سيكون على حساب العراق».
وتأتي زيارة العبادي بعد تذمر الحكومة العراقية من المماطلة الأميركية في تسليم الأسلحة التي تم التعاقد عليها، إضافة إلى إعلان القيادة العسكرية الأميركية استعدادات لهجوم محتمل ضد «داعش» في الموصل. كما أنها تأتي في وقت يبدو فيه أن إدارة الرئيس أوباما تتعمد إغماض عينيها عن تزايد النفوذ الإيراني في العراق، وتسمح لإيران بتصدر المشهد العسكري المناهض لـ«داعش» في الحملة لاستعادة مدينة تكريت ومناطق أخرى في العراق، خاصة مع حرص الإدارة الأميركية على عدم الزج بقوات برية أميركية في الحرب ضد «داعش»، والإصرار على دعم القوات العراقية.
وعلى خلفية الانتقادات الكثيرة التي وجهت للإدارة الأميركية لتغاضيها عن تزايد النفوذ الإيراني في العراق، قررت الإدارة الأميركية عدم توجيه ضربات جوية في مدينة تكريت، حتى لا تنسب استعادة السيطرة على المدينة إلى الميليشيات المدعومة من إيران.
واعترف مسؤولون بالبنتاغون بأن الولايات المتحدة ليست القوة الوحيدة التي تقدم المشورة لقوات الأمن العراقية، في إشارة إلى وجود قوي للجيش الإيراني والقتال جنبا إلى جنب مع الجنود العراقيين في مواجهة تنظيم داعش، واعتبر مسؤولو البنتاغون أن تلك القوات المدعومة من إيران قد تكون بالفعل قادرة على المساعدة في مكافحة تنظيم داعش، واستعادة السيطرة على مدينة تكريت مسقط رأس الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
وقال مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة تبحث توسيع البعثة العسكرية في العراق وتعزيز جهود تدريب، وتسليح قوات الأمن العراقية لتقوية قدراتها على مواجهة تنظيم داعش والقيام بعمليات عسكرية واسعة لاستعادة الأراضي من مسلحي تنظيم داعش. وقال مسؤول عسكري لـ«الشرق الأوسط»: «يوجد الآن مئات من المستشارين الأميركيين، الذين يعملون في القاعدة العسكرية بمعسكر التاجي شمال بغداد لتدريب القوات العراقية على عمليات تتعلق بالتنسيق والتكامل بين عمل القوات العراقية على الأرض والضربات الجوية للتحالف».
العبادي إلى واشنطن منتصف الشهر المقبل لضبط إيقاع الفوضى بين الجيش والحشد الشعبي
رئيس الوزراء العراقي يجد نفسه بين المطرقة الإيرانية والسندان الأميركي
العبادي إلى واشنطن منتصف الشهر المقبل لضبط إيقاع الفوضى بين الجيش والحشد الشعبي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة