مصر وإثيوبيا والسودان توقع إعلان مبادئ لمشروع «سد النهضة» لتأمين مصالحها في مياه النيل

10 مبادئ تنظم عمل السد الإثيوبي.. والتأكيد على مبدأ الاستخدام المناسب والتكامل الإقليمي والتعاون وبناء الثقة

السيسي والبشير وديسالين بعد توقيع اتفاق «مشروع سد النهضة» في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
السيسي والبشير وديسالين بعد توقيع اتفاق «مشروع سد النهضة» في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

مصر وإثيوبيا والسودان توقع إعلان مبادئ لمشروع «سد النهضة» لتأمين مصالحها في مياه النيل

السيسي والبشير وديسالين بعد توقيع اتفاق «مشروع سد النهضة» في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
السيسي والبشير وديسالين بعد توقيع اتفاق «مشروع سد النهضة» في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)

شهدت العاصمة السودانية الخرطوم، أمس، حفل توقيع وثيقة إعلان مبادئ مشروع سد النهضة الإثيوبي، الذي أكد على ضرورة التعاون والتكامل الإقليمي وعدم التسبب في إلحاق أي ضرر بالأطراف الثلاثة الموقعة على الوثيقة، وهي السودان وإثيوبيا ومصر.
وعقب التوقيع رفع الرؤساء الثلاثة المصري عبد الفتاح السيسي، والسوداني عمر البشير، ورئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين، أيديهم متشابكة إيذانا بموافقتهم على إعلاء شأن مصالح شعوب بلادهم والالتزام بعدم إضرار كل منها بمصالح الآخر.
وينص الاتفاق على 10 مبادئ التزمت بها الدول الثلاث، بشأن سد النهضة الإثيوبي، من بينها التعاون، وتفهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب بمختلف مناحيها، وإقرار مبدأ التنمية، والتكامل الإقليمي، والاستدامة، وعدم التسبب في ضرر ذي شأن، والاستخدام المنصف والمناسب لمياه النيل الأزرق. كما نص الاتفاق على العمل لبناء الثقة وتبادل المعلومات والبيانات.
ويثير إنشاء السد وسعته التخزينية وطريقة إدارته مخاوف مصرية تتعلق بحصة مصر من مياه النيل البالغة 55 مليار متر مكعب، فيما أعلن السودان منذ وقت مبكر تأييده لإنشاء السد رغم تحفظات خبراء سودانيين أبرزهم وزير الري الأسبق كمال علي الذي يرى أن إنشاء السد وبسعة 74 مليار متر مكعب يلحق أضرارا بالسودان، أما إثيوبيا فترى في إنشاء السد حقا من حقوقها في استثمار مواردها لتحقيق رفاهية شعبها وترفض التنازل عن خططها بشأنه.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال المراسم، إن بلاده تعتبر التوقيع رسالة تعبر عن حرصهم كقادة على تحمل المسؤولية تجاه شعوب الإقليم، وإن التعاون والتفهم لدوافع ومنطلقات كل طرف للآخر لا بديل عنهما، وإن مصر تسعى لجعل نهر النيل منطلقا للتعاون بين الشعوب، وإنها تختار التعاون والبناء والتنمية في علاقتها بكل من السودان وإثيوبيا. وعقب تلاوة كلمته الرسمية، ارتجل الرئيس السيسي كلمة شفاهية بصفته «مواطنا مصريا» قال فيها، إن توقيع الاتفاق تعبير عن الرغبة الصادقة لتحويله لواقع عملي لمصلحة الشعوب الثلاثة، وأضاف: «الخطوة تعد أصدق برهان على قدرة دولنا وإصرارها على ترجمة مفهوم المنافع المشتركة إلى واقع ملموس يبث الأمل في شعوبنا». وأشار السيسي في كلمته إلى أن فوائد المشروع تتعدى الدول الثلاث لدول حوض النيل، وأن حكومته تتطلع للفوائد المتحققة عبر الحوار المثمر للوصول لاتفاق تفصيلي، وأضاف: «إننا اخترنا التعاون والبناء والتنمية، وأن نثق في بعضنا البعض حتى نصل إلى الهدف المنشود». واستطرد: «نريد أن نعمل سويا لتعويض شعوبنا ما فاتها، ومن أجل تحقيق الاستقرار، ونحن مصممون على تحمل مسؤولياتنا تجاه شعوبنا»، وأضاف باللهجة المصرية: «حصل قلق كثير وشكوك بين الشعوب في السنوات الماضية، ونحن عندما تحركنا مع بعضنا نريد أن نبدأ حقبة جديدة من التعاون والمحبة والثقة، ونحن نقدم لشعوبنا في مصر وإثيوبيا والسودان اللي قلبها وعقولها معانا دلوقتي، لأننا بنتكلم في حياة، لذلك جئنا بكل الحب والإخلاص والأمانة ونياتنا طيبة جدا، نحن متأكدين أن أشقائنا على نفس هذا المستوى، ومصر حريصة على المصالح التي لا تلحق أضرارا بالآخرين».
من جانبه، قال الرئيس السوداني عمر البشير، إن بلاده ملتزمة بالاستمرار في التفاوض للوصول إلى اتفاقيات تفصيلية لاستكمال وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة، بما يضمن عدم الضرر بمصالح بقية الشعوب، وإن التعاون هو السبيل الوحيد للتفاهم بين شعوب البلدان الثلاثة ومن دونه تضيع فرصة الحياة الكريمة للشعوب.
أما رئيس الوزراء الإثيوبي ديسالين فقد قال في كلمته بحفل التوقيع إن بلاده ملتزمة بالمصالح المشتركة مع كل من مصر والسودان، ومتعهدة بعدم إلحاق الضرر بأي منهما. وأوضح أن توقيع وثيقة إعلان المبادئ بشأن سد النهضة يعد خطوة جديدة وأساسا تبني عليه الدول الثلاث مستقبلها، وقال: «سد النهضة مشروع يمكن أن يبلور أساسا لتعاون إقليمي». وأكد ديسالين التزام بلاده شعبا وحكومة بالتعاون من أجل المصالح المشتركة في حوض النيل، وأنها لن تلحق أي ضرر بدول المصب، وأنها مقتنعة بأن السد يؤكد التزام شعب إثيوبيا بمصالح دول الحوض.
وأضاف ديسالين: «مياه النيل مصدر الحياة لشعوب حوض النيل، ونحن عائلة واحدة نتشارك في النيل، ونسعى لتحقيق التنمية من خلال الاستفادة منه باعتباره رمزا للتعاون، وتوقيع إعلان المبادئ سيمهد الطريق إلى مزيد من التعاون». وقطع ديسالين بأن فوائد السد لن تكون حكرا على بلاده، وأن بناءه يقوم على مبدأ «الكل رابح»، ودعا للنظر إلى فوائد المشروع المستقبلية للأجيال المقبلة في الدول الثلاث في المنطقة التي توارثت الجفاف والتصحر والفيضانات، وأكد أن السد سيسهم في تأمين وضع أفضل لشعوب المنقطة بكاملها.
من جهته، أشار عضو وفد التفاوض الإثيوبي أحمد الفكي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الأطراف وقعت اتفاقية مبادئ التعاون بشأن ملء الخزان وتشغيله والتعاون المشترك بين البلدان الثلاثة. وأوضح أن الاتفاقية لم تتناول القضايا الفنية المتعلقة بسنوات الملء، وأن مجمل ما اتفق عليه متعلق بملء الخزان وتشغيله، ونفى المسؤول الإثيوبي أن تكون الاتفاقية سرية بقوله: «هذه اتفاقية على المبادئ أقرت جلوس البلدان الثلاثة لبحث التفاصيل الفنية، والعمل على تحويل هذه المبادئ لميكانيزمات عمل». وأضاف الفكي أن المفاوضات الماضية كانت ذات طابع فني، أما الاتفاق الذي وقع أمس، فهو «اتفاق سياسي على المبادئ التي ستعمل الدول الثلاث عليها».
ووصف وزير الموارد المائية والكهرباء السوداني معتز موسى توقيع إعلان المبادئ للتعاون في سد النهضة الإثيوبي بأنه طي لما سماها «صفحة من الخلافات والشكوك» وأضاف: «بدأنا مرحلة جديدة من التعاون، وبناء الثقة، والعمل على أرض الواقع». فيما وصف وزير الري المصري حسام مغازي الاتفاق بـ«التاريخي والهام» في مسيرة الشعوب الثلاثة، وقال: «بتوقيع الاتفاق، نكون قد بدأنا صفحة جديدة من التعاون والعمل سويا، نحو تحقيق المنافع المشتركة في المجالات الأخرى كافة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».