تنظيم «أنصار الشريعة».. أخطر الجماعات المتشددة في تونس

إضاءة على المشهد العام على خلفية اعتداء متحف باردو

عناصر من الأمن التونسي يقومون بالحراسة خارج مبنى البرلمان في العاصمة التونسية (رويترز)
عناصر من الأمن التونسي يقومون بالحراسة خارج مبنى البرلمان في العاصمة التونسية (رويترز)
TT

تنظيم «أنصار الشريعة».. أخطر الجماعات المتشددة في تونس

عناصر من الأمن التونسي يقومون بالحراسة خارج مبنى البرلمان في العاصمة التونسية (رويترز)
عناصر من الأمن التونسي يقومون بالحراسة خارج مبنى البرلمان في العاصمة التونسية (رويترز)

فتح الاعتداء الدامي الذي استهدف متحف باردو في العاصمة التونسية تونس وقتل فيها أكثر من 20 شخصا جلهم من السياح الأجانب، خلال الأسبوع الماضي، باب النقاش حول خطر الجماعات المتشددة في البلاد على تجربتها الديمقراطية وتعافيها الاقتصادي. ويزيد من هذا الخطر حقيقة أن أكثر من 3 آلاف تونسي التحقوا حتى الآن بالتنظيمات المتطرفة التي تقاتل حاليا في العراق وسوريا، وتشكل نسبة المقاتلين التونسيين إحدى أعلى نسب المقاتلين في صفوف «داعش» و«جبهة النصرة».

على عكس ما يذهب إلى الأذهان، فإن الجماعات المتشددة والمتطرفة ليست ظاهرة جديدة في بلدان المغرب العربي، ومن بينها تونس، بل هي أقدم من الناحية التاريخية من حركات الإسلام السياسي. وهي اليوم ازدادت قوة لتشكل أهم رافد للمقاتلين الأجانب المنتشرين في سوريا والعراق وليبيا.
لقد استشرت الظاهرة في تونس بعد ثورة 2011، إذ إن انخراط المئات ممن كانوا يقاتلون في الجبهات في العراق والجزائر وأفغانستان وموريتانيا وليبيا وبعض المناطق الساخنة في العالم، عزز من حضورهم وأقنعهم أن «الإسلام المعتدل» ممثلا بـ«حركة النهضة»، على وجه الخصوص، لا يمكن أن يؤدي إلى إقامة «الدولة الإسلامية» وتطبيق الشريعة.
ونحن إذا حاولنا الاقتراب من التيارات المتشددة في تونس وإمعان النظر في طبيعتها، نجد أنها ليست حزبا سياسيا ولا تيارا منظما ينشط في العلن وتحت أعين القانون، بل كان أفراد هذه التيارات منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي، ينخرطون في تنظيمات على شاكلة تنظيم يطلق عليه «الجبهة الإسلامية».
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن منطقة المغرب العربي منذ القرن الماضي عرفت إقبالا على كتب سيد قطب وأبو الأعلى المودودي وناصر الدين الألباني. وأضيفت لها في فترة لاحقة أشرطة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، زعيمي تنظيم القاعدة، وكذلك كتب عمر عبد الرحمن وعبد الله طلال القاسمي، وأبو عاصم المقدسي، وأبو قتادة، وأبو الوليد الأنصاري، وأبو مصعب السوري، وغيرهم.
راهنا، يتزعم كبرى المنظمات المتشددة في تونس، التي تعود في الأصل إلى «الجبهة الإسلامية» المتأثرة بأفكار وقناعات جماعة الإخوان المسلمين في مصر بقيادة حسن البنا، التونسي الخطيب الإدريسي، وهو مقيم في منطقة بني عون من ولاية (محافظة) سيدي بوزيد، مهد الثورة التونسية، وهو من أهم شيوخها.
وكان الإدريسي قد أمضى سنتين في السجن بتهمة التحريض على الجهاد في عهد الرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي، قبل أن يطلق سراحه أوائل سنة 2009. ولقد اتهم بإصدار فتوى حمل السلاح ضد الحاكم، مما أدى إلى أحداث مسلحة في منطقة سليمان القريبة من العاصمة التونسية.
وانقسم المتشددون في تونس، مثلهم مثل بقية أقرانهم في العالمين العربي والإسلامي، إلى قسمين أساسيين: نظري، وحركي متطرف. وحقق الشق المتطرف انتشارا سريا متزايدا في منطقة المغرب العربي منذ منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي. غير أن السلطات واجهته بالسجون.
وذكر المحامي سمير بن عمر، المتخصص في قضايا الإرهاب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن عدد الشباب المتهم بالإرهاب في العهد السابق الذي كان داخل السجون، قُدر بنحو 3 آلاف شاب أعمارهم بين 18 و30 سنة. وارتفعت أعدادهم بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، ثم الغزو الأميركي للعراق.
وبعد ثورة 2011 في تونس، اختارت التنظيمات المتشددة النزول إلى الشارع بشكل استعراضي، وكان أفرادها يؤدون صلاة جماعية في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، كما خاضوا الاعتصامات والاحتجاجات لمواجهة قوات الشرطة والأمن – أو كما يحلو لهم أن يسموهم «جلادو الأمس» – ورمت خططهم إلى كسب تعاطف التونسيين كونهم من ضحايا نظام بن علي. غير أن هذا الأمر لم يحصل، فعادوا إلى العمل السري، وانتدبوا المئات من الأنصار في ظل ضعف الدولة وتراجع منسوب الأمن والعمل الاستخباراتي.
وفي هذا الشأن، يقول علية العلاني، الباحث التونسي في الجماعات الإسلامية والمتشددة، لـ«الشرق الأوسط»، إن ظاهرة التشدد هذه «تمثل في كل الأحوال (حقل ألغام) ولا تكفي المقاربة الأمنية في علاجها». ويرى أن هذا التيار شهد تطورات مهمة بسبب الحرب على أفغانستان والعراق، وتداعيات الصراع العربي الإسرائيلي بعد «اتفاقيات أوسلو». وهو يقسم العالم برمته إلى قسمين: «دار الإسلام» و«دار الكفر». وتعشش في أذهان المنتمين إلى المجموعات المتطرفة المقاتلة منه عقيدة «الجهاد في سبيل الله» في أي مكان، وطموحمهم الوحيد هو التطوع للقتال من أجل «نصرة الإسلام»، و«محاربة أعداء الله»، وهم أساسا القوات العسكرية الأميركية وحلفاؤها. ولا يخفي العلاني مخاطر هذه الظاهرة «وبخاصة، أنها تتجاوز الأبعاد الأمنية وتهدد مشاريع مكاسب تحديث المجتمع والدولة، وقد يمتد تأثيرها إلى أوروبا المجاورة من خلال تغذية ظاهرة الخوف من الإسلام».
غير أن التنظيمات والجماعات المتشددة في المغرب العربي لا يجمعها تيار واحد، بل هم مجموعة من الاتجاهات، منها ما يتصل بـ«حزب التحرير» أو بـ«جماعة التبليغ» أو بـ«التنظيمات المسلحة»، وعلاقاتهم بنظرائهم في أوروبا متفاوتة. ولكن بعض المصادر ترجح وجود امتدادات تنظيمية في صفوف المهاجرين، في أوروبا خاصة، وهم ينشطون داخل خلايا مغلقة وانتقائية ومحدودة العدد، وعلاقاتهم بالخلايا المتطرفة في أوروبا تسودها السرية المطلقة نظرا لارتباطها بتنظيم القاعدة.
ووفق عدة دراسات ميدانية، فإن ملامح المنخرط بالتيارات المتشددة يكون على النحو التالي: شاب دون 30 سنة من العمر، وهو غالبا ما يكون محدود الثقافة والمستوى الدراسي، وهو إلى جانب ذلك وفي الغالب من المهمشين اقتصاديا واجتماعيا. وقد وجدت هذه التيارات في الأحياء الشعبية التونسية مثل دوار هيشر وحي التضامن وبقية الأحياء الفقيرة القريبة من المدن الكبرى، مادة دسمة تمكنت من خلالها النفاذ إلى عقول البسطاء من الشباب.
ووفق حوار أجراه الباحث العلاني مع أحد العناصر المتشددة، فإن انتداب العناصر في تياره يمر حتما عبر مراحل متعددة، من بينها انتقاء الأفراد الذين لهم توجه متشدد من خلال ترددهم على المساجد والدروس الدينية، على وجه الخصوص. ويحظى الأفراد الذين يظهرون استعدادا فكريا لتقبل الطروحات المتشددة بالأولوية، فيصار إلى توجيههم إلى دراسة بعض الكتب والمراجع. وفي الحلقة الأولى من التنظيم يتم تمكينهم من كتب سيد قطب وأقطاب آخرين غيره، ويتم كذلك مدهم بخطب وأشرطة بن لادن و«المقدسي» و«أبو قتادة». ويطلب من المنخرط في الخلايا المقاتلة المتطرفة حفظ سورة «الأنفال» لما تتضمنه من آيات تحث على القتال ضد الكفار. وعندما تتأكد القيادات من وجود استعدادات جدية في التفاعل مع هذه الخطب والأشرطة يوجهون العناصر المنتدبة إلى خلايا تنظيمية سرية ويطلب منهم أداء البيعة. ويتضمن نص البيعة، على حد قوله، «قسما على السمع والطاعة للأمير في المنشط والمكره وقتال أعداء الله مثلما تم ضبطه في الكتاب والسنة».
وتؤكد عدة دراسات أن الجزائر تمثل «الدينامو» المحرك للتيارات المتشددة في منطقة المغرب العربي، وذلك من ناحية ثقلها العددي واللوجيستي. وتشكل الجماعات الجزائرية النواة الصلبة لهذه التيارات في منطقة المغرب العربي، بما يقارب 90 في المائة من العناصر، وتاريخيا، كانت السباقة إلى العمل المسلح من خلال جماعة مصطفى بويعلي عام 1982.
وتتجه المواجهة الميدانية بين سلطات دول المنطقة والجماعات المتشددة هذه الأيام إلى منطقة الصحراء الكبرى لاعتبارات متعددة أمنية واقتصادية. وتكتسي منطقة «مثلث» الصحراء أهمية خاصة بالنسبة للمتشددين المقاتلين في المغرب العربي، تنبع من كونها منطقة شاسعة المساحة تصعب مراقبتها بدقة. ولهذا السبب يتحالف عناصر «القاعدة» مع زعامات قبلية في هذه المنطقة، وكذلك مع محترفي التهريب خدمة لمصالحهم المشتركة.
ثم هناك عوامل أخرى ساهمت في انتعاشة التيارات المتشددة في تونس نفسها يمكن تصنيفها على أنها عوامل اقتصادية واجتماعية، وكذلك إعلامية من خلال دور الفضائيات في نشر فكرها ومواقفها. ولقد طالب باحثون متخصصون بفتح حوارات وطنية حول مسألة تدعى لها كل الأطراف من دون استثناء، لأن تفكيك الألغام أفضل من تجاهلها، على حد تعبيرهم.
يعد تنظيم «أنصار الشريعة» الذي يقوده التونسي سيف الله بن حسين، المعروف باسم «أبو عياض»، أهم الجماعات المتطرفة المقاتلة في تونس، و«أبو عياض» مقاتل قديم شارك في الحرب الأفغانية. وهذا التنظيم كان أول الجماعات التي ظهرت في تونس بعد ثورة 2011 وهو متهم باغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد في 6 فبراير (شباط) 2013 ومحمد البراهمي عضو البرلمان في 25 يوليو (تموز) من العام نفسه. وقد حظرت حكومة علي العريض، القيادي في حركة النهضة، نشاطات «أنصار الشريعة» منذ شهر أغسطس (آب) 2013. وبعد حظر هذا التنظيم لجأت معظم قياداته إلى ليبيا المجاورة، وهو على علاقة مباشرة بتنظيم «أنصار الشريعة» في ليبيا. وتعد «كتيبة عقبة بن نافع» في تونس من بين الجماعات المسلحة التي واصلت نشاطاتها في البلاد وقد تحصن أعضاؤها في الجبال الغربية لتونس، ويقودها الجزائري خالد الشايب الملقب بـ«لقمان أبو صخر»
وهي جماعة صغيرة تنشط في جبل الشعانبي، قرب الحدود الجزائرية. ولقد نجحت «الكتيبة» في ضم عدد من المقاتلين الأجانب الذين ما لبثوا أن غادروها لقتال القوات الفرنسية في مالي. وترجح مصادر أمنية أن يكون من بين أعضائها جزائريون وموريتانيون ونيجيريون وهم أمراء وقياديون.
أما قيادات «حزب التحرير»، فتصر على أنها غير معنية بالتصنيفات السياسية المتصلة بالتشدد، وتنفي أي روابط فكرية أو تنظيمية، وتصر على أن «حزب التحرير» لا يحث على القتال ولا يحرض على ممارسة العنف مع أنه يؤمن إيمانا جازما بـ«دولة الخلافة» وتطبيق الشريعة الإسلامية.
وللعلم، كان «حزب التحرير» – الذي تعود نشأته في أواخر السبعينات من القرن الماضي – يعمل بشكل سري، وكانت له خصومات طويلة مع نظامي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. وتاريخيا، تعرض كثيرون من عناصره للمحاكمات. وبالفعل يشهد تاريخ الحركات السياسية في تونس أن عناصر الحزب تعرضوا للمحاكمات والملاحقات وأبرزهم محاكمة نحو 300 عنصر بينهم عسكريون بتهمة الانتماء إلى حزب سياسي غير مرخص له ومخالفة القانون الأساسي للعسكريين. كذلك تعرض أفراد من هذا الحزب عام 1985 للمحاكمة، لكن مع كل هذه المحاكمات كان الحزب ينشط داخل الفضاءات الشعبية والجامعية وعقد عدة مؤتمرات حول موضوع الخلافة خلال أعوام 1988 و1989 و1990، ثم تلت ذلك مرحلة صعبة كان الأمن يلاحق فيها شباب الحزب في الجامعات وخارجها، غير أن الملاحقات والمحاكمات لم تثنِ هذا الحزب عن التحرك والكتابة في الصحف الوطنية وإصدار مجلة ناطقة باسم الحزب «الخلافة».
ويرى باحثون عرب متخصصون أن الحركات المتشددة على وجه العموم، سواء في مصر أو تونس، «كانت تستند إلى جدار قد انهار، وبهذا أصبحت طريحة الأرض. وقد ترغب هذه الحركات في النهوض من خلال صناعة عدو خارجي أو داخلي يجمع الناس حولها، لكن الثورات لم تكشف عورات الأنظمة فقط، بل كشفت عورات المعارضة وهذه الحركات أيضا».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.