المحاصصة الطائفية والعرقية تتقاذف كرة «الهيئات المستقلة» في العراق

برلمانيون: وزعت حسب الانتماءات الطائفية والعرقية وليست على حساب الكفاءة

المحاصصة الطائفية والعرقية تتقاذف كرة «الهيئات المستقلة» في العراق
TT

المحاصصة الطائفية والعرقية تتقاذف كرة «الهيئات المستقلة» في العراق

المحاصصة الطائفية والعرقية تتقاذف كرة «الهيئات المستقلة» في العراق

تحتدم خلافات حادة بين الكتل السياسية حول كيفية توزيع الهيئات المستقلة في العراق، وعددها نحو 31 هيئة، بعد تأسيس هيئات جديدة بهدف تقليل حدة الخلافات وإرضاء أكبر عدد من المكونات حتى داخل الكتلة الواحدة. وبدأت منذ نحو أسبوع حرب تسريبات بين الكتل، لا سيما الكبيرة منها، بشأن حصولها على عدد من الهيئات المستقلة.
وفي هذا السياق، اعترف النائب عن التحالف الوطني منصور البعيجي في تصريح صحافي، بأن «ما يؤسف له أن هذه الهيئات وزعت ليس على أسس الكفاءة وإنما للفئوية والحزبية، وكذلك المناصب التي تدار بالوكالة رغم انخفاض نسبتها عن الحكومة السابقة نحو60 في المائة، ولكن ما تبقى منها للآسف قد تكون أيضا خاضعة على أساس الانتماء والولاء الحزبي كحال الوزارات التي تسلمتها وجوه قديمة رغم فشل بعضهم في إدارة بعض الوزارات في السنوات الماضية». وطبقا للمعلومات التي لا تزال الأنباء فيها متضاربة، فإنه حسب الاتفاق الذي حصل خلال جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء الماضي «حصل المكون الشيعي على رئاسة 10 هيئات مستقلة وهي الحج والعمرة، والبنك المركزي، ومؤسسة الشهداء، ومؤسسة السجناء السياسيين، وهيئة الاستثمار الوطنية، وديوان الرقابة المالية، وبيت الحكمة, وهيئة الأقاليم (هيئة لم تشكل بعد)، وأمانة بغداد، ومجلس الإعمار (مجلس يخطط للمشاريع الاستراتيجية بالعراق لم يشكل بعد)». أما المكون السني فقد «حصل على رئاسة 6 هيئات وهي هيئة النزاهة، وهيئة المساءلة والعدالة، وهيئة الإعلام، وهيئة تحقق تخصيص الإيرادات الاتحادية (هيئة لم تشكل بعد)، هيئة السيطرة على المصادر المشعة، والأوراق المالية». بينما حصل المكون الكردي على «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهيئة الاتصالات، ومجلس الخدمة الاتحادي، وهيئة التوازن (هيئة لم تشكل بعد)، والمفوضية العليا لحقوق الإنسان».
لكن القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي فادي الشمري أبلغ «الشرق الأوسط» أنه «لم يحصل اتفاق بعد حول توزيع الهيئات المستقلة، وكل ما ينشر في وسائل الإعلام لا يعدو كونه مجرد تكهنات». وأضاف: «لا يوجد حتى اللحظة معيار محدد في احتساب عدد الهيئات لكل مكون وفقا لنسبة عدد مقاعده النيابية»، موضحا أن «حصة التحالف الوطني 15 هيئة، بينما للأكراد والسنة 11 هيئة وواحدة للمكون المسيحي بطلب من التحالف الوطني ليكون عدد الهيئات 31 هيئة يتم إخراج الأوقاف الثلاثة منها باعتبارها متوازنة ليستقر العدد عند 28 هيئة، حيث إن نسبة التحالف الوطني 55 في المائة منها». وانتقد الشمري السياسة التي لا تزال تدار بها الهيئات بالوكالة، حيث إن «21 هيئة تدار بالوكالة من قبل دولة القانون من بينها 16 تدار من قبل حزب الدعوة الإسلامية، وهو ما يخدش حالة التوازن الوطني أمام الكتل ولا يفسح المجال أمام طاقات كبيرة ومعطلة نتيجة استحواذ وهو أمر لا بد أن ينتهي حتى لا تكون العملية لطرف على حساب طرف آخر».
في السياق نفسه، أكدت عضو البرلمان العراقي عن تحالف القوى العراقية (الكتلة السنية في البرلمان) نورة سالم محمد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «موضوع الهيئات المستقلة لم يحسم بعد، وكل ما يشار عن حصولنا على الهيئة المستقلة الفلانية أو العلانية أمر غير محسوم، حيث لا تزال الخلافات قائمة بين الكتل السياسية بهذا الشأن». وأضافت أن «هناك لجنة للتوازن الوطني هي التي يفترض أن تتولى عملية توزيع هذه الهيئات، لكننا ما زلنا لا نعرف كم عدد الهيئات التي سوف نحصل عليها ولا أسماءها»، مضيفة أن «الخلافات بين الكتل أصبحت أكثر من ذي قبل بهذا الخصوص بسبب الحديث عن إلغاء وزارات معينة وتحويل صلاحياتها إلى المحافظات، وهو ما يعني أن كل كتلة تسعى لتعويض ما قد تخسره من وزارات عن طريق حصولها على الهيئات المستقلة».
وأوضحت نورة سالم، أن «المشكلة التي نعانيها في العراق أن كل ما يجري من كلام لا علاقة له ببناء مؤسسات الدولة على أسس صحيحة، بل توزيع الهيئات على أساس المحاصصة العرقية والطائفية فقط».
التحالف المدني الديمقراطي (3 نواب في البرلمان) وهو الكتلة الوحيدة المعارضة داخل البرلمان يقول على لسان القيادي فيه وعضو البرلمان فائق الشيخ علي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الكتل السياسية التي ادعت التغيير وشكلت الحكومة الحالية بناء على تلك الشعارات سقطت الآن في امتحان الهيئات المستقلة». وأضاف الشيخ علي، أن «المفارقة اللافتة أن رئيس الوزراء حيدر العبادي يقول إنه يريد شخصيات مستقلة للهيئات التي يفترض أن تكون مستقلة، بينما لم يكلف نفسه أن يسألنا ونحن الكتلة الوحيدة المستقلة في البرلمان وغير الخاضعة لأي طائفة أو حزب ليس بشأن ترشيح أنفسنا لأننا قررنا أن نكون معارضة، ولكننا يمكن أن نساعد في اختيار شخصيات وكفاءات حقيقية لعدد من هذه الهيئات، لكن هذا لم يحصل». وأضاف أن «التهافت على الهيئات المستقلة يعني بصريح العبارة دفن ملفات الفساد في مختلف هذه الهيئات التي ربما بعضها يفوق خطورة بعض الوزارات مثل هيئة النزاهة أو الاتصالات أو شبكة الإعلام أو مفوضية الانتخابات أو الاستثمار أو البنك المركزي».
وأشار الشيخ علي إلى أن «هناك آفة أخرى في هذا الموضوع وهي أن بعض الهيئات عبارة عن تكرار للوزارات ولا داعي لها وهو ما يعني بكل وضوح أن أي تغيير حقيقي لم يحصل طبقا لما أرادته المرجعية الدينية التي يدعون الإقتداء بها أو إرادة الناس بالتغيير».
من جهتها، أكدت كتلة التحالف الكردستاني، أنه «وفق التوزيع شبه المؤكد للهيئات فإن حصة المكون الكردي هي 5 هيئات من بينها مفوضية حقوق الإنسان ومفوضية الانتخابات وهيئة الاتصالات ولم يحسم بعد أمر الهيئتين الباقيتين». وقال شوان داودي، عضو البرلمان العراقي عن كتلة التحالف الكردستاني في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما يؤسف له أن هذه الهيئات مستقلة بالاسم فقط، بينما هي خاصة للكتل والأحزاب والمكونات». وأضاف داودي، أن «بعض الهيئات فقدت استقلاليتها بسب ارتباطها بمجلس الوزراء بينما هي حسب الدستور يجب أن ترتبط بمجلس النواب، بينما باقي الهيئات تخضع للقوى والأحزاب، وهو ما يعني أننا لا نملك هيئات مستقلة بمعنى الاستقلالية الحقيقية».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.