كشفت لـ«الشرق الأوسط»، البروفسورة ديبورا لوكاس مديرة مركز المالية والسياسات بجامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا بأميركا، أن اتجاه السعودية نحو الاستثمار بشكل كبير في مواردها البشرية وتحديد وبناء قدرات الجيل المقبل من قادتها الماليين، مكّنها من أن تقطع شوطا كبيرا في تطوير الصناعة المالية والسياسات المالية.
وقالت لوكاس وهي المديرة المساعدة بمكتب ميزانية الكونغرس سابقا: «إن السعودية تشكل أكبر اقتصاد في منطقة الخليج، وهذا لن يتغير في المستقبل القريب طالما أن الحكومة تركز على رؤيتها، لا سيما تلك التي تتعلق بتطوير وتعليم المواهب القيادية الجديدة وأنا هنا للتعلم».
وتوقعت لوكاس، أن تمضي السعودية قدما في تطوير نظامها المالي على مستوى عالمي، مؤكدة أن هذا التوجه بات أمرا ضروريا لإيجاد قطاع خاص نشط وحيوي من شأنه أن يجلب التوسع في الاستثمار والازدهار للبلاد، مشيرة إلى أن الشركات على اختلاف أحجامها تحتاج إلى رؤوس أموال لتحقيق نموها.
وأرجعت لوكاس، وهي عضوة في فريق المائدة المستديرة الاستشاري لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، هذا التوجه السعودي، للحنكة الكبيرة التي تميز بها قادة هذه البلاد، في وضع هذا التوجه ضمن المسار الصحيح، مبينة أن قرار تأسيس مركز مالي عالمي في الرياض، وتعني به مركز الملك عبد الله المالي، يدلل على ذلك.
ومع ذلك أكدت لوكاس، أن أمام الحكومة السعودية، فرصة إقامة نظام تشريعي يوفر رقابة كافية على المركز، لكنها في الوقت ذاته بحاجة للسماح بتحقيق الابتكار المالي، وتحمل المخاطر المتوقعة، التي تحتاج إلى قادة ومتخصصين محترفين لإدارتها في حال وقوعها.
وقالت لوكاس: «لا أرى سببا لعدم نجاح السعودية في تحقيق أهدافها التي تنشدها مستقبلا»، مشيرة إلى أن تحقيق هذه الأهداف يحتاج إلى مزيد من التدريب المتواصل وتنمية المهارات للعاملين في قطاع المال، لخوض غمار العمل والمنافسة في عالم المال والأعمال»، مؤكدة أن السياسات المالية تمكن اقتصادها من الاحتفاظ بقوته وتحدي أسعار النفط لأعوام مديدة.
ونوهت بأن الحكومة السعودية، أدركت أهمية تحقيق هذا الهدف، من خلال إطلاقها برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، حيث رشحت وزارة التعليم العالي 10491 مبتعثا للقبول في المرحلة العاشرة من البرنامج، في رقم هو الأعلى في أعداد المرشحين منذ انطلاقه، وسيلتحق 17 في المائة، من هؤلاء الطلاب المبتعثين في التخصصات المالية والاقتصادية.
وعن مستقبل السعودية والخطوات التي أقرّها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، لتعزيز مناخها الاستثماري وبنيتها التحتية في ظل انخفاض أسعار البترول، أكدت لوكاس أن ذلك من أهم ثمرات سلاسة انتقال القيادة في البلاد، ويبيّن مدى الالتزام المتواصل من الحكومة بتطوير قطاعي الاقتصاد غير النفطي والتعليم.
وأكدت لوكاس أن النظام المالي بشكل عام، يلعب دورا أساسيا في عملية التنمية لأية دولة تسعى نحو تحقيق مستويات أفضل من التطور والنمو، وتحقيق ريادة إقليمية في المجال الاقتصادي، ، لكن، بعد تحقيق أحدث أدوات النظام المالي الذي يساهم في عملية التنمية.
وحول الأدوار التي يمكن أن تلعبها المؤسسات الأكاديمية في عملية تطوير وإصلاح النظام المالي العالمي، قالت لوكاس: «إن من الواضح أن التعليم والتدريب يأتيان في طليعة ما يجب إنجازه لتطوير النظام المالي العالمي، بالتزامن مع إجراء البحوث، التي تهدف إلى تحديد أفضل الممارسات والمجالات التي تحتاج إلى تغييرات».
ووفقا للوكاس، يكمن الهدف الرئيسي من التعليم المالي في توفير قادة ماليين محترفين من مختلف أنحاء العالم لدعم الحكومة والقطاع الخاص، مع وجود لغة مشتركة للتمويل، «وهذا هو ما تسعى (MIT) لتحقيقه، حيث إننا نحرص على استقطاب الطلاب المتفوقين من مختلف أنحاء العالم».
ومع ذلك، تعتقد لوكاس وهي كبير الاقتصاديين بمجلس المستشارين الاقتصاديين، وعضو الهيئة الاستشارية الفنية للضمان الاجتماعي في أميركا، أن الطريقة التي تطبق خلالها السياسات المالية العامة تعتمد بدرجة كبيرة على سمات فريدة تمتاز بها كل سوق على حدة.
وترى لوكاس أنه من الأفضل إجراء حوار عالمي حول النظام المالي الحالي مع ضرورة توفير تفاهم مشترك للمبادئ والممارسات الأساسية، التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة، و«هذا ما نسعى إلى ترسيخه في معهد ماساتشوستس للتقنية».
وأوضحت أن الشركات التي تمتلك بيئة عمل مثالية وعصرية ضمن إطار تنظيمي منهجي، تمتلك المفتاح الذي يستقطب أفضل الخبرات والكفاءات المبدعة، التي ستشكل بدورها القطب الجاذب لمتخصصين احترافيين آخرين، في عملية تدعم وتشجع تدفق الأفكار المبتكرة وتبادل أفضل الممارسات فيما بينها.
ولفتت لوكاس إلى تطور وادي السيليكون في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأميركية، كمثال على ما سبق، مؤكدة أنه رد طبيعي على وجود مراكز عالمية للتعلم والتدريب في المنطقة.
وقالت: «جاءت شركات تكنولوجيا المعلومات إلى وادي السيليكون في البدء لأنه وفر سهولة الوصول إلى أفضل المواهب الصاعدة في هذه الصناعة، وأصبح وادي السيليكون مرادفا لتكنولوجيا عصرية متقدمة، وجذبت هذه الصورة الإيجابية بدورها المزيد من الشركات، التي أرادت دمغ أعمالها في وادي السيليكون والتقرب من مفكرين كبار في هذا المجال».
وحول مدى فعالية الإنفاق على مشاريع البنية التحتية التعليمية، كأداة لتوليد فرص العمل على نطاق واسع، أكدت لوكاس، أن التعليم في حد ذاته لن يوفر فرص عمل على نطاق واسع، لكنه يزود الطلاب بالمعرفة والأدوات التي يحتاجونها للمشاركة في تشكيل بيئة مثالية لمناخ اقتصادي يولد فرص عمل.
وأضافت: «من وجهة نظر النظام المالي، يعني هذا تدريب العاملين في القطاع الخاص والعام على حدٍ سواء على التطبيق السليم للأدوات والتقنيات الحديثة لتعزيز عمل المؤسسات المالية»، مشيرة إلى أن التعليم نقطة انطلاق مهمة لتطوير بيئة أعمال منظمة تدعم النمو وتشجع النشاط التجاري.
كما يعني هذا من وجهة نظر القطاع العام في البنوك المركزية والهيئات التظيمية على سبيل المثال وفق لوكاس، تطوير فهم لما قد ينشأ من تعقيدات النظام المالي، وبناء أفضل الممارسات التي تدعم أداء فاعلا لهذا النظام.
ومع ذلك، تعتقد لوكاس أن الطريقة التي تطبق خلالها السياسات المالية العامة تعتمد بدرجة كبيرة على سمات فريدة تمتاز بها كل سوق على حدة، مشيرة إلى أن النظام المالي يمكن أن يُسخر لدعم نمو أوسع في الاقتصاد من خلال التوزيع الفاعل لرأس المال بالتوازي مع إدارة المخاطر التي قد تنشأ.
يشار إلى أن البروفسورة ديبورا.ج. لوكاس، أصدرت أبحاثا علمية كبيرة فيما يتعلق بالنظام المالي، منها ما يتعلق بالتحديات المحاسبية وقياس تكلفة المخاطر المرتبطة بالالتزامات المالية الحكومية، فيما ركزت آخر أبحاثها على مشكلة قياس ومحاسبة تكاليف ومخاطر الالتزامات المالية الحكومية.
وتغطي أبحاث لوكاس المنشورة، مجموعة واسعة من المواضيع والتي منها تأثير الخطر الفقهي على أسعار الأصول واختيار المحافظ والنماذج الديناميكية لتمويل الشركات والمؤسسات المالية واقتصاديات النقد.
وشغلت لوكاس العديد من المناصب الرفيعة والمناشط المالية بأميركا، منها: منظمة مشاركة لأسواق رأس المال والاقتصاد. وباحثة في المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية بأميركا. وهي أيضا عضوة منتخبة في الأكاديمية الوطنية للتأمينات الاجتماعية. وعضوة في فريق المائدة المستديرة الاستشاري لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.
وسبق أن شغلت لوكاس عضوية مجلس الإدارة لدى العديد من الشركات والمؤسسات غير الربحية، بما فيها جمعية التمويل الأميركية، وكانت قد حصلت على درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة شيكاغو.
خبيرة أميركية: السياسات المالية تمكن الاقتصاد السعودي من الاحتفاظ بقوته وتحدي أسعار النفط لأعوام مديدة
لوكاس لـ«الشرق الأوسط»: الرياض تمتلك أسباب تحقيق أهدافها التي تنشدها مستقبلا
خبيرة أميركية: السياسات المالية تمكن الاقتصاد السعودي من الاحتفاظ بقوته وتحدي أسعار النفط لأعوام مديدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة