على الرغم من مرور سيارة رياضية فوقه، ظل الروبوت الصغير يتحرك دون أي مشكلة؛ فعلى العكس من الآلات الميكانيكية المماثلة ذات الهيكل الجامد يمتلك هذا الروبوت، الذي ابتكره فريق من كلية الهندسة بجامعة «هارفارد» ومعهد «وايس» للهندسة الحيوية، جسما ناعما مصنوعا من خليط من المطاط والسليكون، ومدعم بألياف صناعية. ويسير الروبوت على 4 أقدام مزودة بمحفزات مطاطية ذات شكل وسيط بين حشرة وحلزون. ويعد هذا مثالا من العديد من الأمثلة لروبوتات كانت الحيوانات هي مصدر الإلهام وراء ابتكارها، حيث تحظى قدرات تلك الحيوانات باهتمام متزايد من جانب الباحثين.
* روبوتات مرنة
تعد المرونة على سبيل المثال، مجالا جديدًا قائما بذاته في عالم تصميم الروبوتات؛ ولم يعد الباحثون راضين عن روبوت مصنوع من المعدن والبلاستيك فقط. ويقول بيير إيف أودييه، رئيس وحدة الأبحاث في «إنريا» (المعهد الفرنسي لعلوم الحاسب والتشغيل الآلي) إن «الكف الناعم يساعد اليد على الإمساك بالأشياء بإحكام، كما أن الكعبين يخزنان الطاقة اللازمة لحركة الإنسان».
وفي كل الأحوال ليست الأجزاء الرقيقة في الروبوت أقل عرضة للكسر، حسبما يقول مايك توللي، رئيس قسم الروبوتات المستوحاة من الكائنات الحية بجامعة سان دييغو. وأضاف قائلا: «الإنسان الآلي الذي يمتلك جسدا لينا مرنا لديه مستقبل واعد حيث يمكن استخداماته في عدة تطبيقات مثل الحماية المدنية، والإنقاذ، وفي مجال المعدات الطبية، بل وفي كل مجال يتفاعل فيه الإنسان الآلي مع البشر، ويتمتع الأمن فيه بأهمية».
كذلك يشعر العلماء بالانبهار إزاء القدرات الاستثنائية التي تتمتع بها كائنات معينة، مثل دقة عين الذبابة، فهي لا تمتلك سوى بضعة آلاف بمقياس دقة الصورة، وفي مخها مليون خلية عصبية فقط، وهو ما يدفع إلى التساؤل كيف تستطيع الطيران في عالم غير مألوف لها دون الارتطام بالأشياء من حولها؟
تستطيع الذبابة تحديد موضعها ومسارها، ولكن ليس عبر قيامها بحساب السرعة التي تتحرك بها، أو الارتفاع الذي تكون عليه، بل من خلال الانسياب البصري المعتمد على السرعة التي تطير بها وهي تمر عبر الأشياء في مسارها.
* عين إلكترونية
إنه درس تعطيه الطبيعة لنا، حسبما يقول ستيفان فيوليه من معهد «علم الحركة» في مارسيليا بفرنسا. وأضاف قائلا: «بإمكانك فعل الكثير بالاعتماد على مصادر قليلة» ويرأس ستيفان فريقا من الباحثين لدراسة الوظائف الفسيولوجية عند الكائنات البشرية وإمكانية الاستفادة منها في ابتكار الروبوتات. وقام هذا الفريق بتطوير عين إلكترونية مستوحاة من عين الذبابة، حيث تتمتع تلك العين الإلكترونية بدقة منخفضة، ووزنها قليل، كما أن تكلفة تصنيعها منخفضة، ولها استخدامات مثيرة للاهتمام في المجال الصناعي. وأوضح فيوليه أن تلك العين يمكن تركيبها في المستقبل في طائرة دون طيار لتحسين قدرتها على البقاء ساكنة في قلب التيارات الهوائية، أو لتحلق داخل المدن بين الأبنية عندما لا يمكن استخدام نظام تحديد المواقع «جي بي إس».
ويتفهم خبراء الروبوتات أن الروبوت الكامل «سيظل حلما لأمد طويل، لأن كل حيوان يمتلك قدرات معينة تمكنه من العيش في بيئة معينة. لذا فإن فكرة ابتكار روبوت قادر على القيام بأي مهمة في أي بيئة هو محض خيال»، حسبما يقول أودييه، لموقع «وورلد كرانتش».
مع ذلك ربما تساعدنا الحيوانات في العثور على حل لتلك المسألة وخاصة الحشرات الاجتماعية مثل النمل، والنحل، والنمل الأبيض؛ فالمجتمعات التي تعيش فيها هذه الحشرات تعد بمثابة أنظمة عصبية هائلة، تكون كل حشرة فيها بمثابة خلية عصبية تتفاعل مع بقية الخلايا لتنفيذ مشروع مشترك بصورة بالغة الدقة حسبما يقول جان أركادي ميير، وآن غيوه، في كتابهما الصادر في عام 2014 بعنوان «قصص من عالم الأخطبوط: عندما تكون الحيوانات مصدر إلهام للابتكار». ذكرا أنه على الرغم من امتلاك كل كائن من هذه الكائنات لقدرات عقلية محدودة، يستطيع بناء تركيبات معقدة دون أي توجيه من كائن ذي قدرات عقلية أكبر.
* أسراب الروبوتات
وتعد ربوتات «السرب» (Swarm robots) من المجالات الهامة التي يتم إجراء أبحاث فيها تتعلق بالروبوتات. وفي إطار المشروع الأوروبي لروبوتات السرب، الذي يشرف عليه معهد «لوزان للتكنولوجيا»، يتم تصنيع روبوتات صغيرة تتحرك على عجلات، وتعمل بصورة جماعية لتنفيذ مهام معقدة مثل رفع أحمال ثقيلة. أما معهد «لابري» لأبحاث تكنولوجيا المعلومات في مدينة بوردو الفرنسية فيطبق نفس المبدأ على طائرات دون طيار بغرض استخدامها في القيام بعمليات مراقبة بطريقة منسقة، بحيث إذا اضطرت إحدى الطائرات إلى العودة لقاعدتها، تقوم الطائرات الأخرى بالاستمرار في مهمتها دون الحاجة للقيام بأي تعديلات في خطة عملها حسبما يقول سيرجي شوميت الأستاذ بمعهد لابري. وأضاف سيرجي: «لا يمكن تنفيذ هذه الفكرة في وقتنا الحالي بسبب القواعد المفروضة على الطائرات دون طيار، والتي تفرض وجود مشغل لكل طائرة على حدة. ونحن نتمنى أن تتغير الأوضاع فيما نقوم بتطوير مشروعنا».
وتعد هذه بداية لعمل جماعي تعاوني بين الروبوتات، حيث يعمل باحثو معهد بوردو مع زملائهم ضمن مشروع «ديزي»، الذي تموله الحكومة الفرنسية، لتصنيع طائرات دون طيار تقوم بالتنسيق فيما بينها بصورة آلية للبحث عن أجسام معينة على الأرض. كما يسعى الباحثون لابتكار روبوتات قادرة على استكشاف التضاريس، والتواصل مع الروبوتات الأخرى القريبة منها، وهو ما سيكون بمثابة شبكة اتصالات واسعة النطاق. ولهذا المشروع العديد من الفوائد منها أن تكلفة إنتاج الروبوتات ستكون منخفضة نظرا لصغر حجمه نسبيا، كما أنها ستكون قادرة على تغطية مساحة كبيرة، بالإضافة لكونها قوية ومرنة في الوقت ذاته، وهو ما دفع الجيش الفرنسي للاهتمام بهذا المشروع.
* الروبوت النحلة
هذه الأسراب من الروبوتات يمكن أن يقل حجمها في المستقبل فتبدو مثل «روبو بي» (Robo Bee)، وهو روبوت على شكل نحلة ابتكره باحثون في جامعة هارفارد ويبلغ طوله 2 سم، وعرضه 3 سم، ووزنه 0.1 غرام، ومصنوع من ألياف الكربون وهو ما يمكنه من رفرفة أجنحته بمعدل 120 مرة في الثانية مستخدما في ذلك جهازا كهربائيا يعمل بتأثير الضغط، ويحول الطاقة الكهربية إلى طاقة ميكانيكية. ومن المتوقع في المستقبل أن يتمكن «روبوبي» من السفر إلى الفضاء وخاصة إلى كوكب المريخ، حيث تعجز الطائرات ذات الأجنحة الثابتة عن الطيران فوقه، حسبما يقول ميير. وربما يأتي يوم ويحل فيه «روبوبي» محل النحلة العادية ويقوم بدلا منها بتلقيح الأزهار، وضمان استمرار الحياة على كوكب الأرض.