توقعات بانتقال بلير إلى منصب جديد للسلام مدعومًا من واشنطن

حسم الموقع الجديد لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق خلال أيام

توقعات بانتقال بلير إلى منصب جديد للسلام مدعومًا من واشنطن
TT

توقعات بانتقال بلير إلى منصب جديد للسلام مدعومًا من واشنطن

توقعات بانتقال بلير إلى منصب جديد للسلام مدعومًا من واشنطن

وسط تساؤلات عن مستقبل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في منصبه مبعوثا للرباعية الدولية للشرق الأوسط، يتضح أن بلير يجري محادثات مع أطراف عدة لتأمين منصب جديد يبقيه مرتبطا بالملف الفلسطيني. وكشف تقرير للصحيفة البريطانية «ذا تايمز» أمس أن بلير قد يضطلع بدور جديد في العملية السلمية في الشرق الأوسط بعد استنفاد دوره مبعوثا لـ«الرباعية» إلى المنطقة، موضحة أنه من المتوقع تعديل منصب بلير هذا الأسبوع ليكون مرتبطا بمبادرة السلام العربية بدلا من السلطة الفلسطينية فقط، بسبب علاقته السيئة مع السلطة.
وبحث بلير تفاصيل مهمته الجديدة المحتملة مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني الأسبوع الماضي خلال حضوره مؤتمر «مصر المستقبل» في شرم الشيخ.
ويأتي هذا القرار على خلفية استياء شديد لدى بعض الأطراف في واشنطن وبروكسل بسبب علاقته المتدهورة مع مسؤولين في السلطة الفلسطينية ومصالحه الاقتصادية الواسعة الانتشار في المنطقة بما في ذلك مع حكومات.
ويفترض أن يصبح دور بلير الجديد إقليميا أكثر بينما من المتوقع أن يواصل العمل حول الاقتصاد الفلسطيني.
وذكرت «ذا تايمز» البريطانية أن أحد الاحتمالات سيكون اضطلاع بلير بإجراء اتصالات والتنسيق مع دول إقليمية محددة مثل إسرائيل ومصر، وهي دول تربطه بها صلات وثيقة. وقالت الصحيفة إنه «لم يتخذ قرار بعد بشأن دور بلير المستقبلي»، وإن هذا سيبحث في وقت لاحق من الأسبوع الحالي.
ورفض مكتب توني بلير في لندن التعليق على هذه المعلومات لدى اتصال «الشرق الأوسط» به. واكتفت الناطقة باسم بلير بالقول: «لا يمكننا التعليق بعد؛ إذ إن المحادثات جارية ولم يحسم القرار بعد».
ونفت واشنطن إمكان إجبار بلير على مغادرة منصبه على ضوء عدم إحراز أي تقدم في عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين خلال فترة توليه الملف.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جنيفر بساكي أول من أمس إن هذه المعلومات «غير صحيحة»، مضيفة: «ليست هناك مبادرة لجعله يتنحى عن دوره الحالي ممثلا لـ(الرباعية)».
وأكدت بساكي أن بلير التقى وزير الخارجية الأميركي نهاية الأسبوع الماضي في مصر على هامش المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في شرم الشيخ. وأضافت أن بلير «شريك يحظى بتقدير بالغ في جهودنا من أجل السلام في الشرق الأوسط. لا نزال نقدر مساعدته». ولفتت إلى أن الولايات المتحدة «ممتنة لخدماته ولجهوده التي بذلها باسم (الرباعية) في الأعوام الثمانية الأخيرة». وتداركت بأن «هناك وقتا طبيعيا للتفكير في مستقبل عملية السلام والدور المقبل للرباعية».
يذكر أن صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية نشرت تقريرا يوم الأحد الماضي يفيد بأن بلير «سيتخلي عن منصبه مبعوثا للمجموعة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط، للقيام بدور مختلف في مفاوضات السلام».
وكذلك ذكرت الصحيفة أن موغيريني ترغب في إعادة تنظيم اللجنة الرباعية «الكوارتيت» التي تضم الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا، وسط الإحباط الذي تسبب به عدم تحقيق تقدم في العملية السلمية في الشرق الأوسط وتوقف المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
يذكر أن موغيريني اقترحت توسيع الرباعية التي أنشئت عام 2002 بحيث تشمل دولا أخرى، خصوصا عربية.
وقد أثار دور بلير في الشرق الأوسط كثيرا من الجدل بسبب دوره في التمهيد للغزو الأميركي للعراق عام 2003، بالإضافة إلى علاقاته الوثيقة مع إسرائيل، مما دفع جهات فلسطينية إلى اعتباره منحازا لطرف واحد في المفاوضات. كما تعرض لانتقادات الشديدة في بريطانيا؛ حيث يعاني من تراجع مستمر لشعبيته بسبب قراره خوض الحرب على العراق.
وعين بلير موفدا لـ«الرباعية» في يونيو (حزيران) عام 2007 بهدف تنظيم المساعدة الدولية للفلسطينيين وتنفيذ مبادرات تهدف إلى دعم الاقتصاد والمؤسسات الفلسطينية استعدادا لإمكان قيام دولة فلسطينية.
ولا يضطلع بلير بأي دور رسمي في مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن عدم إحراز أي تقدم في هذا الملف دفع معارضيه إلى التشكيك في عمله في موازاة تدهور علاقاته مع الفلسطينيين الذين يأخذون عليه أنه قريب من إسرائيل.



الأوروبيون يتباحثون في أفضل الوسائل لضمان أمن أوكرانيا دون انضمامها إلى «الناتو»

صورة جماعية لقادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل (أ.ب)
صورة جماعية لقادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل (أ.ب)
TT

الأوروبيون يتباحثون في أفضل الوسائل لضمان أمن أوكرانيا دون انضمامها إلى «الناتو»

صورة جماعية لقادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل (أ.ب)
صورة جماعية لقادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل (أ.ب)

ما زالت صورة التطوّرات المرتبطة بالحرب الروسية - الأوكرانية «ضبابية»، في حين تنشط الاتصالات وتُطرح المبادرات، والكل ينتظر عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وما سيُحدثه ذلك من انعطافات ترجح أن تكون حادة في كيفية تعاطي واشنطن مع هذا الملف.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

ولأن أكثر القلقين هم القادة الأوروبيون، فإنهم تداعوا إلى قمة ستلتئم في بروكسل يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وستُخصص للوضع الأوكراني واحتمالات العودة إلى طاولة المفاوضات والشروط الضرورية لأمر مثل هذا، ولكن أيضاً لما يرتبه تغيّر السياسة الأميركية على الأوروبيين، وقدراتهم على الحلول محل الشريك الأميركي، في حال قرر ترمب تقليصاً كبيراً للمساعدات المخصصة لكييف.

والخوف الذي يعتمل بشكل خاص دول البلطيق ودولاً أخرى، مثل بولندا ورومانيا، وهي الأقرب جغرافياً لروسيا؛ أن تمتد العدوى الأميركية إلى دول في الاتحاد الأوروبي، وأن تنعكس فتوراً على مواصلة دعم أوكرانيا. وترى مصادر أوروبية في باريس أن قادة الاتحاد سيجدون البحث عن «الضمانات» التي بمقدورهم توفيرها لأوكرانيا؛ إن في حال انطلاق المفاوضات أو تواصل القتال بوتيرة مرتفعة، فضلاً عن صورة العلاقات المستقبلية معها.

الرئيس الفرنسي ماكرون في لقائه نظيره البولندي دودا في وارسو الخميس (إ.ب.أ)

بداية، ترى المصادر المشار إليها أنه «من المبكر» الحديث عن انطلاق المفاوضات في المستقبل القريب؛ إذ إنها ما زالت، حتى اليوم، «افتراضية» وأقرب إلى «بالونات اختبار». وليس سراً أن موسكو تريد الانتظار وهي، منذ اليوم، تعد أن إدارة ترمب ستكون أكثر «تساهلاً» و«تفهّماً» لمطالبها، فضلاً عن أن الانتظار سيعطيها الفرصة لتحقيق مزيد من التقدم والسيطرة على شرق أوكرانيا.

اللقاء الثلاثي في قصر الإليزيه السبت الماضي الذي جمع رؤساء فرنسا والولايات المتحدة وأوكرانيا (د.ب.أ)

ونوّه الكرملين، الجمعة، بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، خلال إحاطة إعلامية، إن «التصريح الأخير (للرئيس دونالد ترمب) يتماشى بالكامل مع موقفنا ورؤية (ترمب) للأسباب الكامنة وراء التصعيد هي أيضاً متوافقة مع رؤيتنا... ومن الواضح أن ترمب يدرك ما يتسبّب في تصعيد الوضع». وأكد بيسكوف أن الشروط المطلوبة لإجراء مفاوضات حول أوكرانيا لم تتوافر بعد. وقال: «لا نريد وقفاً لإطلاق النار، بل نريد السلام عند استيفاء شروطنا وبلوغ أهدافنا».

ترمب وماكرون يتصافحان في اجتماع ثنائي بباريس 7 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

وفي هذا السياق، تتعيّن الإشارة إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لم يحصل على شيء ملموس من الرئيس ترمب خلال الاجتماع الثلاثي الذي نجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تنظيمه يوم السبت الماضي، بمناسبة احتفالية الانتهاء من أعمال ترميم كاتدرائية نوتردام. وكان ترمب دعا إلى «وقف فوري لإطلاق النار» ومفاوضات لإنهاء النزاع في أوكرانيا بعد اللقاء المذكور، مضيفاً أن إدارته العتيدة ستخفّض «على الأرجح» المساعدات لكييف.

ونقلت «رويترز» عن رئيس مكتب زيلينسكي، أندريه يرماك، قوله في مقابلة أُجريت معه الخميس، إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا؛ لأنها ليست في الوضع الذي تتطلّع إليه فيما يتعلق بالأسلحة والضمانات الأمنية. وأضاف يرماك: «نحن لا نمتلك الأسلحة، ولا نمتلك الوضع الذي نتحدث عنه. وهذا يعني حصولنا على دعوة للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وتفاهمات على ضمانات واضحة... حتى نطمئن بأن بوتين لن يعود إلى الحرب في غضون عامين أو ثلاثة أعوام. وخلاصته أن بلاده مستعدة للتفاوض ولكن (ليس اليوم)».

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ونظيراه الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه السبت (د.ب.أ)

ثمة حقيقة مفصلية تجعل الحديث عن المفاوضات، وإن تأخرت، أمراً لا مفر منه وقوامها أن الغربيين يعون اليوم، كما تعي أوكرانيا نفسها، أن تغيّر الموازين العسكرية لصالح القوات الأوكرانية التي سيكون بمقدورها استعادة الأراضي التي احتلتها القوات الروسية بما فيها شبه جزيرة القرم التي احتلتها في عام 2014؛ أمر لن يتحقق. والدليل على ذلك استمرار تقدم الروس في منطقة دونباس رغم الكم الهائل من الأسلحة بالغة التقدم التي تُوفّر للأوكرانيين والصعوبات التي تواجهها في تعبئة مزيد من الجنود إلى جبهات القتال. من هنا، فإن زيلينسكي الذي يعي حقيقة الوضع، غيّر خطابه، بل إنه لم يعد يتردد في القول في الأسابيع الأخيرة، إنه يقبل، ضمن شروط، الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع استمرار سيطرة روسيا على الأراضي التي احتلتها خلال الغزو.

ترى المصادر الأوروبية أن تطور الخطاب الأوكراني أمر بالغ الأهمية، وأهميته «أنه يستبدل بتحرير كامل التراب الأوكراني ضمانات» يحصل عليها من الغربيين. من هنا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه يتناول طبيعة هذه الضمانات. والمعلوم أن كييف ترى في انضمامها إلى الحلف الأطلسي الضمانة المثالية.

والخميس، أكد وزراء خارجية ست دول أوروبية - أطلسية (فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا وبريطانيا)، وممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، بمناسبة اجتماع لهم في برلين؛ دعمهم انضمام أوكرانيا إلى حلف «الناتو». وجاء في بيان لهم: «سنواصل دعم أوكرانيا في مسارها الذي لا رجعة فيه نحو التكامل الأوروبي الأطلسي الكامل، بما في ذلك عضوية حلف شمال الأطلسي». وجاء في البيان أيضا أن «السلام في أوكرانيا والأمن في أوروبا لا ينفصلان».

بيد أن الرغبة الأوروبية تواجه رفضاً روسياً مطلقاً، وكانت ضمن أحد الأسباب التي دفعت بوتين إلى إطلاق «العملية العسكرية الخاصة». كذلك، فإن واشنطن ترفض الانضمام، وثمة تحفظات عليه من داخل الاتحاد. وبما أن أمراً مثل هذا لا يمكن أن يتحقّق إلا برضا واشنطن وبالنظر إلى «تحفظات» ترمب، منذ ولايته الأولى إزاء حلف الأطلسي وتهديده بخروج الولايات المتحدة منه إلا إذا وفّى الأوروبيون بتعهداتهم المالية إزاءه وزادوا من ميزانياتهم العسكرية، فإن حصول كييف على العضوية الأطلسية يسير في طريق مسدود. وليس ترمب وحده من يطالب بذلك؛ إذ إن الأمين العام لحلف الأطلسي الجديد، رئيس الوزراء الهولندي السابق، مارك روته، عدّ أن التهديد الروسي «يقترب من أوروبا بسرعة كبيرة»، وأنه يتوجّب على بلدانها «تخصيص مزيد من الأموال» للدفاع.

رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك ومستشار ألمانيا أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 15 مارس 2024 (أ.ف.ب)

ولأن الانضمام مستبعد، فإن الأوروبيين يبحثون في إمكان إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا «بشكل فردي»، وليس بغطاء أطلسي رغم أن هذه الدول أطلسية. ولكن تطوراً مثل هذا لا يمكن أن يحصل إلا بعد توقف الحرب أو حصول هدنة. وسبق للرئيس الفرنسي أن قدّم، في شهر فبراير (شباط) الماضي، اقتراحاً بهذا المعنى، إلا أنه جُوبه برفض من كثير من الدول وعلى رأسها ألمانيا.

وقال زيلينسكي، بعد لقاء مؤخراً في كييف مع زعيم المعارضة الألمانية فريديريش ميرز: «بصراحة يمكننا التفكير والعمل على ما يطرحه إيمانويل»، وهو «أن توجد قوات من دولة ما على الأراضي الأوكرانية، وهو ما سيضمن لنا الأمن ما دام أن أوكرانيا ليست في (الناتو)». لكن الرفض الذي واجه ماكرون قبل ثمانية أشهر دفع باريس إلى «توضيح» طرحها؛ بحيث إن المقترح يقوم على إرسال وحدات تقوم بتدريب القوات الأوكرانية على القيام بنزع الألغام وأعمال من هذا القبيل. لكن الطرح اليوم، كما برز من خلال اجتماع الرئيس الفرنسي برئيس الوزراء البولندي دونالد توسك الخميس، مختلف. وعنوانه العمل على إرسال قوات أوروبية من أجل طمأنة أوكرانيا وردع روسيا عن القيام بمغامرة عسكرية لاحقة.

هل أن أمراً مثل هذا يمكن أن يتحقق؟ من المبكر التنبّؤ بما سيحصل. واللافت أن توسك أكد من جهته أنه ناقش مع ماكرون إمكان إرسال قوات إلى أوكرانيا. إلا أنه سارع إلى القول إن بلاده «لا تخطط لمثل هذه الإجراءات... في الوقت الحالي»، وإن قرار الإرسال من عدمه «يُتخذ في بولندا». وهذا يبيّن أن البحث ما زال في أوله ويحتاج إقراره إلى مزيد من الاتصالات، وأن يقبل الطرفان الروسي والأوكراني بقيام هدنة جدية. وإلا فإنه كلام لا جدوى منه.