رئيس وزراء اليمن لـ«الشرق الأوسط»: مشكلة صنعاء ستطول.. واليمن «معلول»

«الشرق الأوسط» زارته في منزله المحاصر منذ يناير.. ويعاني من الشحوب بين 4 جدران

بحاح (وسط) مع مجموعة من قيادات منطقة تهامة في صنعاء.. وفي الإطار بحاح مرحبا بمراسل («الشرق الأوسط»)
بحاح (وسط) مع مجموعة من قيادات منطقة تهامة في صنعاء.. وفي الإطار بحاح مرحبا بمراسل («الشرق الأوسط»)
TT

رئيس وزراء اليمن لـ«الشرق الأوسط»: مشكلة صنعاء ستطول.. واليمن «معلول»

بحاح (وسط) مع مجموعة من قيادات منطقة تهامة في صنعاء.. وفي الإطار بحاح مرحبا بمراسل («الشرق الأوسط»)
بحاح (وسط) مع مجموعة من قيادات منطقة تهامة في صنعاء.. وفي الإطار بحاح مرحبا بمراسل («الشرق الأوسط»)

أكد رئيس الوزراء اليمني المهندس خالد محفوظ بحاح أن مشكلة صنعاء ستطول، داعيا في حديث مع «الشرق الأوسط»، بمنزله المحاصر جنوب العاصمة صنعاء، اليمنيين للقيام بتحركات شعبية وشبابية من أجل أخذ زمام المبادرة وإنهاء كل الأوضاع غير الطبيعية.
وزارت «الشرق الأوسط» رئيس الوزراء اليمني في منزله المحاصر في حي حدة جنوب صنعاء، حيث بدا متماسكا، ورابط الجأش. ورغم حديثه المفتوح فإنه كان حذرا، إلى حد كبير، في عدم التوغل في التفاصيل الدقيقة للتطورات الراهنة أو إبداء أي موقف واضح، تحاشيا لأي تفاعلات غير محمودة من قبل سلطات الحوثيين.
ويواصل الحوثيون في اليمن فرض الإقامة الجبرية على رئيس حكومة الكفاءات اليمنية وعدد من وزراء الحكومة، لأكثر من شهرين. وأشاد بحاح خلال اللقاء الذي حضرته «الشرق الأوسط»، ضمن مجموعة من القيادات المدنية والعسكرية من منطقة تهامة، بالأحزاب والمنظمات السياسية وقياداتها، التي قال إنها أثبتت وجودا، خلال الأزمة التي يمر بها اليمن حاليا، أفضل من القيادات السياسية العليا التي قال إنها تعاني من مشكلات مزمنة ولديها حسابات سياسية وذاتية لا تمكنها من التوصل إلى حلول للأزمة الراهنة.
وأكد أنه كغيره يتابع أخبار التطورات في البلاد عبر وسائل الإعلام المتاحة، وتطرق إلى مشكلة اليمنيين وحواراتهم وتوصلهم إلى اتفاقات، وأن تلك الاتفاقات تبحث عن اتفاقات أخرى لتنفيذها بسبب النكث بها. وبدا بحاح بصحة جيدة، باستثناء القليل من الشحوب على وجهه، لكنه كان بشوشا ومتفائلا وأنيقا كعادته. كان يرتدي بذلة رسمية من دون ربطة عنق، وجلس كهيئة جلوسه لدى استقباله زواره في مكتبه برئاسة الوزراء، لكنه كان يحاول ترطيب الأجواء بأحاديث تحمل بعض الطرائف، حتى إنه طلب من زواره شرب الشاي، كي لا يقولوا في ما بعد إنه حضرمي، في إشارة إلى ما يشاع عن بخل الحضارمة.
وقال بحاح لـ«الشرق الأوسط» إنه على المجتمع اليمني القيام بتحركات شعبية وشبابية من أجل اخذ زمام المبادرة وإنهاء كل الأوضاع غير الطبيعية. وذكر أن مركز الحكم في اليمن «معلول وسيظل معلولا لفترة طويلة»، في إشارة إلى العاصمة صنعاء، ودعا أبناء الأقاليم والمحافظات اليمنية إلى الانتباه إلى أقاليمهم ومحافظاتهم والعمل على تنميتها وبنائها والحفاظ عليها، في ظل الظروف الراهنة. وأشار إلى أن الهرم مقلوب في اليمن، فالاهتمام لم يبدأ بالأسفل، المديريات ثم المحافظات ثم المركز، لكنه انصب على المركز وهو العاصمة صنعاء. وقال إن «المركز كعادته يكون أنانيا، لكن على أبناء الأقاليم الاهتمام بها».
وتحدث رئيس الحكومة اليمنية حول هموم الأقاليم واليمن وبالأخص إقليم تهامة، وتجنب الحديث عن مسألة بقائه تحت الإقامة الجبرية، كما تحدث مطولا عن ضرورة ضخ دماء جديدة في الأحزاب والمنظمات وأهمية أن تصبح هذه الدماء قيادات جديدة في المستقبل القريب. وكان حديثه شاملا لليمن، شماله وجنوبه، وبحكم منصبه ومعرفته بوضع البلاد تطرق إلى جملة من معاناة المواطنين في كل المحافظات اليمنية، من دون استثناء، في الحديدة وفي عدن وحضرموت وغيرها من المحافظات، ووصف هذه الأوضاع بأنها مأساوية، مطالبا اليمنيين بالسعي بقوة من أجل تغيير نمط حياتهم والنهوض بها.
وبعد أن أفلت الرئيس عبد ربه منصور هادي من قبضة الإقامة الجبرية للحوثيين في صنعاء في 21 فبراير (شباط) المنصرم، في عملية هروب لم تكشف تفاصيلها بعد، يعد بحاح أول رئيس حكومة يمني تفرض عليه الإقامة الجبرية خلال العقود الماضية، فقد عرف التاريخ السياسي في اليمن حالات مشابهة لكنها غير رسمية ولم تكن معلنة وليست بالشكل الذي هي عليه اليوم من قبل الحوثيين.
ولم يخف رئيس الحكومة اليمنية امتعاضه، ضمنيا، من الوضع الذي يمر به، لكن لسان حاله كان يقول إن العزاء هو وجودكم وأمثالكم في منزلي اليوم وكل يوم، وحتى عندما كان زواره يغادرون منزله استقبل في فناء المنزل ضابطا وجنديا من الحراسات الجديدة ورحب بهما والتقط معهما صورة تذكارية.
وقال مقربون من بحاح لـ«الشرق الأوسط» إن الحوثيين الذين يضعون رئيس الوزراء تحت الإقامة الجبرية «ينزعجون عندما يدلي بتصريحات صحافية أو أي مواقف ويقومون بتمديد الإقامة الجبرية عليه وتشديد الحصار»، وأسرت تلك المصادر لـ«الشرق الأوسط» بأن «الحوثيين أبدوا الاستعداد لرفع الإقامة الجبرية عن بحاح وبقية الوزراء، لكنهم لا يضمنون ألا يدلوا بأي تصريحات أو يكشفوا معلومات بعد مغادرتهم لليمن».
رئيس الوزراء اليمني يسكن في تلك المنطقة في شارع يسمى شارع علوي السلامي، والأخير هو نائب رئيس الوزراء وزير المالية اليمني الأسبق في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وقد سمي الشارع باسمه بعد أن بنى منزلا هناك. وعلى بعد بضعة أمتار يوجد منزل العميد الركن أحمد علي عبد الله صالح، نجل صالح، سفير اليمن لدى الإمارات. وربما من المفارقة العجيبة أن منزل رئيس الوزراء ومنزل وزير خارجيته، عبد الله الصايدي متقابلان، والاثنان يخضعان للإقامة الجبرية.
وعندما تذهب إلى زيارة رئيس الوزراء في تلك المنطقة البعيدة من صنعاء تلاحظ انتشار عشرات المنازل الفخمة وجميعها، تقريبا، محاطة بحراسات مشددة وأسيجة أمنية. لكن أمام منزل بحاح لم يكن هناك سوى عدد محدود من الضباط والجنود بالملابس العسكرية الرسمية التابعة للقوات الخاصة، ولم تكن هناك إجراءات أمنية استثنائية. وربما لا ترقى تلك الإجراءات إلى مستوى تلك التي تجري في حالة فرض الإقامة الجبرية، غير أن بعض سكان الحي، فسروا لـ«الشرق الأوسط» تلك الظاهرة، وهي أن الحوثيين يخففون من إجراءاتهم وتشديدهم للخناق حول منزل رئيس الوزراء ووزير الخارجية خلال فترة النهار، وهي الفترة التي يتلقى فيها الرجلان زيارات من شخصيات ووفود خاصة للاطمئنان عليهما وإبداء التضامن معهما، لكن تعود إلى طبيعتها المتشددة في الأوقات الأخرى.
ويفرض الحوثيون الإقامة الجبرية على رئيس الوزراء اليمني خالد محفوظ بحاح وعدد من الوزراء منذ أواخر شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد تقديم الحكومة استقالتها إلى رئيس الجمهورية، عبد به منصور هادي، إثر سيطرة الحوثيين على مقاليد السلطة والمؤسسات الحكومية والبنوك ومقار أجهزة المخابرات. وفرضت السلطات الحوثية الانقلابية على الرئيس هادي أيضا الإقامة الجبرية قبل بعد أن قدم استقالته من منصبه، وقبل أن يتمكن من المغادرة إلى عدن. ويبلغ بحاح من العمر 50 عاما، وآخر المناصب التي تقلدها هو مندوب اليمن لدى الأمم المتحدة، كما تقلد عددا من المناصب الوزارية في عدد من الوزارات، ثم سفيرا لليمن لدى كندا. وهو حاصل على الماجستير من جامعة بونا الهندية في مجال إدارة أعمال وبنوك ومال (1990 - 1992). وينتمي خالد بحاح إلى محافظة حضرموت في جنوب شرقي اليمن وهي المحافظة المعروفة بثرواتها النفطية والمعروفة بعدد كبير من أبنائها كرجال مال وأعمال كبار على مستوى اليمن ومنطقة الخليج العربي.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.