من تشارلز لوتون إلى جوني ديب .. ممثلون خاضوا غمار الإخراج مرة وتوقفوا

بعض أهم أدوارهم وردت في تلك الأفلام التي أخرجوها

جوني ديب في «الشجاع»  -  مارلون براندو كما ظهر في «جاك ذو العين الواحدة»  -  جيمس كان
جوني ديب في «الشجاع» - مارلون براندو كما ظهر في «جاك ذو العين الواحدة» - جيمس كان
TT

من تشارلز لوتون إلى جوني ديب .. ممثلون خاضوا غمار الإخراج مرة وتوقفوا

جوني ديب في «الشجاع»  -  مارلون براندو كما ظهر في «جاك ذو العين الواحدة»  -  جيمس كان
جوني ديب في «الشجاع» - مارلون براندو كما ظهر في «جاك ذو العين الواحدة» - جيمس كان

عندما سألت جوني ديب، قبل بضع سنوات عن السبب الذي لم يعاود فيه تجربة الإخراج، أطرق رأسه ناظرًا إلى حافة الطاولة التي فصلت بيننا ثم رفع رأسه، وقال: «لم تكن تجربة ذلك الفيلم مفيدة بالنسبة لي كما رغبت بها أن تكون. هي بالتأكيد تجربة أكثر من أي شيء آخر وبعدها قررت أن علي أن أكتفي بدوري كممثل».
الفيلم هو «الشجاع» الذي وقف فيه جوني ديب وراء الكاميرا كما أمامها. كان أنجز فيلمًا تشويقيًا لجانب آل باتشينو عنوانه «دوني براسكو» ويستعد لفيلم ساخر بعنوان «خوف وازدراء في لاس فيغاس» عن رواية شخصية لهانتر س. تومسون، عندما توخّى تحقيق هذا الفيلم الذي لعب فيه دور هندي لأول مرّة. على عكس فيلمه الأحدث «ذا لون رانجر» (2013) كان ذلك فيلما جادا حول أزمة مواطن أميركي (هندي الأصول) يوافق على تمثيل دور القتيل في فيلم صغير لكي يساعد عائلته الفقيرة. مثل «ذا لون رانجر» سقط الفيلم في عروضه نقديًا وتجاريًا بعد أن شهد عرضه العالمي الأول في مهرجان «كان» ذلك العام. ديب لم يخرج أي فيلم بعد ذلك إلى اليوم.

* حضور قوي
تجربة جوني ديب ليست وحيدة من نوعها. هناك ممثلون كثر قاموا، لدوافع وطموحات فنية غالبًا، بالانتقال للوقوف وراء الكاميرا، ثم - على عكس ما حصل مع البعض الآخر مثل كلينت إيستوود ومل غيبسون وجودي فوستر - لم يستمروا في هذا النهج وتوقفوا تمامًا عنه بعد تجربة واحدة.
هذا لا يعني أن الأفلام كانت رديئة. في الحقيقة بعض أهم علامات بعض الممثلين وردت في تلك الأفلام التي أخرجوها. هذا واضح في تجربة الممثل الراحل تشارلز لوتون عندما انبرى لتحقيق فيلم شارك في كتابته الروائية جيمس آجي عنوانه «ليلة الصيّاد» سنة 1955. خلفية هذا الممثل الإنجليزي (1962‪ - ‬1899) امتدت من عام 1929 عندما اشترك في تمثيل فيلم بريطاني عنوانه «بيكاديللي». موهبته في أداء أدوار تعكس قوة الشخصية، كحاله عندما ظهر في دور الكابتن القاسي في «تمرد على باونتي» لفرانك لويد عام 1935 وفي دور الأحديب في «أحديب نوتردام» لويليام ديتريل سنة 1939، ممتزجة بموهبته الأدائية ذات الحضور الدرامي المسرحي النشأة ساعده في تبوأ مكانة عالية بين ممثلي الأدوار المساندة والرئيسية مما نتج عنه أوسكار أفضل ممثل سنة 1957 عن فيلم بيلي وايلدر «شاهد الادعاء».
«ليلة الصيّاد» كان تتويجًا لرغبته الانتقال إلى الإخراج، حكاية متطرّف ديني يخرج من السجن ويضرب طوقًا حول عائلة يضمر لها الشر. الممثل روبرت ميتشوم خطف من الفيلم دلالاته.
على رغم من التوقعات التي أحاطت به (وتحول ممثل إلى مخرج لم يكن أمرًا يمر سريعًا من قِبل الإعلام حينها) فإن الفيلم سقط تجاريًا وعاد لوتون للتمثيل وحده.
بعد سنوات قليلة، 1961 تحديدًا، قام مارلون براندو بالتجربة ذاتها. اقتبس رواية لتشارلز نيدر (الوحيدة التي تحوّلت إلى فيلم) حول شريكين في سرقة المصارف هما ريو (براندو) وداد (كارل مالدن) يفترقان بعد آخر سرقة. الثاني يسرق الأول ويتركه في الصحراء ليموت. لكن ريو يعيش ويصل إلى بلدة على الحدود المكسيكية حيث تبوأ داد وظيفة شريف خافيًا خلفيّته.

* المرأة التي اختفت
الحلم بتحقيق فيلم وتوسيع دائرة تعامل الفنان مع السينما دفع بممثلة غير معروفة اسمها باربرا لودن لتقديم فيلم ما زال يُثير إعجاب الجيل الجديد من النقاد منجذبين إلى براعته وأسلوبه.
لودن لعبت تحت إدارة (زوجها) إيليا كازان في «نهر متوحش» (1960). كان ذلك أول أفلامها وترتيبها بين أسماء الممثلين كان سابعًا (قبلها لي ريميك ومونتغمري كليفت بين آخرين). بعد عام عاد إليها كازان وقدّمها في دور مساند (الاسم الرابع بعد وورن بيتي ونتالي وود وبات هينغل) في «رائع فوق الحشائش». ربما أسرعت لودن في نقلتها الفنية، لكنها وجدت نفسها بلا عمل سينمائي يُذكر، ولو أنها ظهرت على مسارح برودواي في تلك الفينة، قبل أن تقوم سنة 1969 بتحقيق فيلم بعنوان «واندا» تم عرضه في العام التالي، في ذلك الفيلم لعبت شخصية امرأة تمارس الجريمة (سرقة، قتل، ..إلخ) على خطى بوني باركر (فاي داناواي) في «بوني وكلايد» (آرثر بن 1967). واندا (كما قامت هي بدورها) امرأة فقدت أي حب للحياة، وذلك بصم سلوكها حيال الجريمة وخلوّها من مراجعة ذاتية أو ضميرية. الفيلم عرض في العام التالي في مهرجان فينسيا ونال جائزة أفضل فيلم أجنبي (كانت هناك آنذاك جائزة بهذا الاسم) لكنه كان بداية أمل ونهاية مشوار بالنسبة إليها. بعده لم تظهر مطلقًا لا وراء الكاميرا ولا أمامها.
وفي النماذج الأقرب إلينا، نجد الممثل جيمس كان ومغامرته لتحقيق فيلم نجيب عنوانه «اختباء في موقع مكشوف».
«كان» من وجوه السبعينات الذين شقوا طريقهم بأدوار ناجحة في أواخر الستينات، أمثال آل باتشينو وروبرت دينيرو ودستين هوفمان وجين هاكمان ووورن بيتي. ظهر «كان» في دور الشقيق الأكبر لآل باتشينو في «العراب» وهو الشقيق الذي ينتهي مقتولاً بعدما غدر به وسهّل للعصابة المناوئة قتله زوج شقيقته. لا يوجد، على الأرجح، من لا يتذكر كيف سقط الممثل تحت وابل الرصاص عند ذلك الحاجز. حين أخرج «كان» فيلمه الوحيد «اختباء في موقع مكشوف» Hide in Plain Sight سنة 1980 أحسن الاختيار. الحكاية مأخوذة عن قصّة واقعية جرت أحداثها قبل سنوات قليلة عندما اكتشف رجل أن زوجته السابقة اختفت من دون أثر مع ولديهما فانطلق يبحث عنها ليجد أنها متوارية عن الأنظار لأن زوجها الثاني تعاون مع البوليس مما شكّل خطرًا عليه وعلى عائلته.
المادة مثيرة للاهتمام وتصلح لموضوع فيلم أفضل. تجربة كان في التمثيل لم تمكّنه من استيعاب الشروط التي على الفيلم استحواذها قبل إطلاق كلمة «أكشن». لذا يبدو السيناريو مكتوبًا كما لو كانت هناك مسافات زمنية بين كل كتابة وأخرى. الإخراج يدفع في سبيل ذروة معيّنة ثم ينكفئ عنها قبل لحظات من وقوعها. هذا كان كافيًا لكي يقلع كان عن محاولاته بعد ذلك.
لكن أحد التجارب الناجحة فنيًا كانت للبريطاني غاري أولدمان الذي عرض له مهرجان «كان» في دورته سنة 1997 فيلمه الوحيد حتى الآن، كمخرج، وهو «لا شيء بالفيلم» Nil by Mouth عن سيناريو كتبه وأنتجه وأخرجه ولم يمثّل فيه. دراما اجتماعية ذات منحى إنساني من بطولة راي وينستون الذي يعاني من شغف العيش في الجزء غير المتوهج من مدينة لندن.
أحد أفضل الأفلام التي صنعها ممثل كان «أب» أو «Da»: دراما إنسانية حول أميركي يعود إلى منزل والده في آيرلندا ليكون بصحبته قبل وفاته. المخرج كان مات كلارك الذي كان اقتطع لنفسه نصيبًا كبيرًا من الأدوار المساندة قبل أن يقوم، سنة 1988، بتحقيق فيلمه الوحيد كمخرج. مات كلارك لا يزال يظهر في السينما والتلفزيون، لكن فيلمه الوحيد اندثر.

* ومن غير الممثلين أيضًا
* الاكتفاء بعمل واحد كان سمة بعض السينمائيين من غير الممثلين الذين صنعوا أفلاما جيّدة ثم غابوا من دون أثر يذكر: ليونارد كاسل حقق دراما صادمة في Honeymoon Killers سنة 1962. جيمس ويليام غويريكو أنجز فيلمًا رائعًا بعنوان Electra Glide in Blue في عام 1973 وفي عالمنا العربي قام الناقد سيد سعيد بتحقيق فيلم جيّد ومهم عنوانه «القبطان» قبل 19 سنة ولا يزال فيلمه الوحيد.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.