تزلج في «فاريا المزار» اللبنانية بمواصفات {كورشيفيل} فرنسية

لبنان على الخارطة العالمية منذ الخمسينات والتوأمة تدفعه إلى الأمام

تزلج في «فاريا المزار» اللبنانية بمواصفات {كورشيفيل} فرنسية
TT

تزلج في «فاريا المزار» اللبنانية بمواصفات {كورشيفيل} فرنسية

تزلج في «فاريا المزار» اللبنانية بمواصفات {كورشيفيل} فرنسية

لعلّ الحدث الأبرز الذي شهده لبنان في الفترة الأخيرة على صعيد السياحة الشتوية فيه، هو عملية التوأمة التي جرت على أرضه ما بين مركز «فاريا المزار» للتزلّج ومنتجع «كورشيفيل» الفرنسي.
فعندما نتحدث عن لبنان السياحي لا يمكننا إلا أن نعدد المجالات الواسعة، التي يتمتع بها في هذا النطاق. فطبيعة لبنان ببحره وجبله ميّزته عن غيره من البلدان العربية المحيطة به، بحيث ذاع صيته في هذا المجال، هو الذي اختيرت عاصمته بيروت واحدة من أجمل المدن في العالم لأكثر من مرة.
فما إن يلفظ أمامك اسم بلد الأرز حتى تقفز إلى ذهنك، الأماكن السياحية المعروفة فيه كبعلبك وعنجر وجبيل وصور، وغيرها من المناطق التي تحمل في طياتها معالم تاريخية لا يستهان بها. بحر وسباحة وممارسة رياضات المشي والـ«آي تي في» و«التزلّج على الماء»، إضافة إلى السياحة الريفية والدينية وما يرافقها من خدمات أخرى، كتناول المازة اللبنانية أو أي أطباق أخرى مستوحاة من مطابخ العالم بأجمعه، تراود خيالك وتستذكرها في كل مرة ترغب في استعادة أجمل أيام أمضيتها في السفر.
وفي خضم كل تلك الميزات السياحية التي يتمتع بها لبنان، لا يمكنك أن تنسى الأهم منها في فصل الشتاء ألا وهي ممارسة رياضة التزلج.
فهذه الرياضة المعروفة في لبنان منذ أوائل الخمسينات والتي كان مركز «اللقلوق» للتزلّج أول مفتتحي مواسمها في لبنان عام 1958. ساهمت في وضعه على خارطة العالمية نظرا لتمتعه بأهم العناصر التي تساهم بصورة مباشرة في رفعه إلى هذا المستوى.
> لماذا تمّ اختيار مركز فاريا المزار لتوأمته مع Courchevel؟
يتمتع مركز فاريا المزار للتزلّج بأهم العناصر والمواصفات التي من شأنها أن تؤمن للمتزلّج التسلية والترفيه والسلامة العامة.
فهذا المركز الذي يقع على مسافة ساعة واحدة من العاصمة، يتضمن 40 منحدرا وعددا من حلبات التزلّج التي تصل مساحتها إلى الثمانين كيلومترا. ويمتد موسم التزلّج فيه إلى أربعة أشهر، فتبدأ عادة في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) لتنتهي في أوائل شهر أبريل (نيسان) فتوازي بفترة امتدادها موسم التزلّج في جبال «الألب».أضف إلى ذلك أن هذا المنتجع يشهد إقبالا كثيفا على الحجوزات من قبل المتزلجين وراكبي ألواح التزلّج وهواة ركوب العربات الثلجية ومحبّي التزلّج الاحترافي، الوافدين من مختلف بقاع العالم. ويتراوح ارتفاع حلبات التزلّج بين 1850 و2465 مترا، ومن أعالي الحلبة المعروفة بـ«المزار» يمكن للناظر أن يمتع نظره بمشهد رائع يمتد من سهل البقاع وجبل الشيخ إلى منطقة اللقلوق والأرز. أما حين يكون الطقس صافيا فيمكن مشاهدة منطقة الساحل بما فيها العاصمة بيروت أحيانا. أما من يرغب من ممارسي هذه الرياضة في أخذ قسط من الراحة فبإمكانهم أن يجدوا ضالتهم في الكثير من النشاطات الخاصة والرحلات التي ينظّمها تجمّع «سكي لبنان» (skileb) في هذا الإطار.
> توأمة فاريا المزار مع منتجع Courchevel الفرنسي وضع لبنان على خريطة التزلّج العالمية
عندما نتطرّق إلى محطة Courchevel الفرنسية فإننا نكون بصدد التحدث عن أحد أهم مراكز التزلّج في العالم. فهي تقع في منطقة (Saint bon -tarentaise) المتفرّعة من جبال «الألب». ويستقطب هذا المنتجع عددا كبيرا من هواة التزلّج في العالم لما يتميّز به من طبيعة منحدرات متنوعة لممارسة هذه الرياضة. اختار القيمون على هذا المنتجع مركز فاريا المزار ليشكّل أول عملية توأمة يقيمها في منطقة الشرق الأوسط. فمركز «فاريا المزار» ذاع صيته عالميا منذ فترة طويلة، نظرا للنشاطات والمسابقات الشهيرة التي نظمّها على أرضه. كما أنه يعدّ من نفس مستوى منتجعات التزلّج العالمية، إن من خلال التقنيات المتطورة المعتمدة في أرجائه كما في المصاعد مثلا «تيلي سياج»، والمستخدمة للوصول إلى حلبات التزلّج فيه أو من خلال تنوع هذه الأخيرة وكيفية توزيعها على الأرض. وجاءت هذه التوأمة لتساهم في استقطاب وفود السياح الأجانب إلى لبنان من ناحية، ولتسهيل عملية السفر إليه من ناحية ثانية، كما وضع بلاد الأرز على الخارطة العالمية في هذا الإطار.
> الألوان في مركز «فاريا المزار» للتزلّج هي صمام الأمان
عمدت إدارة المركز إلى اتباع شروط السلامة العامة العالمية على حلباتها. فأعطت كلّ حلبة من حلباتها الخمس لونا معينا، من شأنه أن يعرّف هواة التزلّج مسبقا عن ميزات هذه الحلبات وأي منها يجب أن يختار، وذلك وفق المستوى الاحترافي الذي يتمتع به. فالحلبة الخضراء مخصصة للمبتدئين أما الصفراء منها فهي وجهة أصعب بقليل، وتكرّ السبحة لتطال الألوان الأزرق والأحمر والأسود وهي التي يقصدها المحترفون نظرا للمنحدرات والانعطافات والسهول التي تتضمنها.
وأجرت إدارة المركز تحديدا واضحا لحلباتها الخمس، بحيث يستطيع سالك مسارها أن يفرّق بين هذه وتلك من إشارات السير الموزعة على طولها، إضافة إلى السياج والشباك واليافطات التي تدلّ مباشرة على المسارات التي يوجب ارتيادها من قبل المتزلج. وتعدّ الطبيعة التي يتمتع بها لبنان عامة وفاريا المزار خاصة، صفة تميزه عن غيره من بلدان التزلج في العالم، فإضافة إلى أن الثلوج التي تغطي تلك الحلبات هي طبيعية عكس عدد كبير من محطات التزلج في أوروبا، التي بغالبيتها مغطاة بثلوج اصطناعية ينثر بواسطة الماكينات ليبقى قاسيا ومفترشا الأرض لأطول مدة ممكنة، فهي تتساقط بفعل عوامل الطقس، وتتجمد لمدة طويلة بفعل الحرارة المنخفضة المسيطرة على جبال تلك المنطقة. كما حرص المركز على توزيع مسعفين ومنقذين على طول حلباتها، ليكونوا جاهزين لأي حادث يمكن أن يتعرّض له أحد المتزلجين. إضافة إلى وجود دائم فيها لمسعفي الصليب الأحمر اللبناني فيها.
ويبقى القول إنه من النادر أن تجد أماكن تزلّج في العالم تجمع ما بين الشمس الساطعة (تخوّلك التمتع بلون برونزي)، والثلج الطبيعي والتسلية إضافة إلى سهولة الوصول إليها من العاصمة.
> كل ما تحتاج إليه لممارسة هذه الرياضة متوفر لك بأسعار معقولة
أكثر من 100 محل لبيع التجهيزات اللازمة لممارسة رياضة التزلّج، في إمكانك أن تختار منها ما يلزمك من ثياب خاصة لهذه الهواية، تنتشر على طول الطريق المؤدية إلى مركز فاريا المزار. فكما في بلدات عجلتون وفيطرون كذلك في بلدات القليعات وحراجل وفاريا تتواجد محلات تجارية أخذت على عاتقها تأمين حاجات هاوي هذه الرياضة من «البابوج إلى الطربوش» كما يقول المثل الشعبي اللبناني. ففيها تستطيع أن تجد تشكيلة واسعة من الملابس والنظارات والقبعات والأحذية وعصي التزلّج. وفي إمكانك أن تستأجر ما تريد بكلفة تتراوح ما بين الـ7 والـ10 دولارات بالمفرّق، ولتصل إلى 30 دولارا في حال اخترت تلك المعروفة بـ«كيتموسكي»، أي التجهيزات اللازمة والكاملة لهذه الرياضة.
أما تكلفة تمضية يوم كامل أو نصف نهار على حلبات فاريا المزار، فتتراوح ما بين الـ35 والـ50 دولارا للشخص الواحد، وذلك حسب الوقت والحلبات التي تختارها. كما خصص المركز بطاقات بأسعار مدروسة للأطفال وطلاب المدارس والجامعات بحيث لا تتجاوز 40 دولارا أيام عطلة نهاية الأسبوع.
وفي حال رغبت في أن يرافقك مراقبا اختصاصيا ومحترفا في هذه الرياضة (مونيتور)، فبإمكانك التوجه إلى أحد المكاتب الخاصة التي وضعها المركز بتصرفك. أما تكلفة مرافقتك أو مرافقة أطفالك من قبله فتدور في فلك الـ250 دولارا لليوم الكامل والـ40 دولارا في الساعة.
ومن الفنادق التي في إمكانك أن تبيت فيها، وتقع بالقرب من منحدرات التزلّج في فاريا المزار هي: «فاريا فيلادج كلوب» و«سبا إنتركونتينانتال» و«أوستريا» للشقق المفروشة و«شاتو دو» وغيرها من الفنادق التي في إمكانك أن تطلع عليها ضمن لوائح الأسعار الموجودة لها في المركز.
ولعلّ تناول البطاطا المشوية والمناقيش بالزعتر والكشك والجبنة والبيض بالقاورما إضافة إلى أطباق اللحوم على أنواعها وغيرها من الأطباق اللبنانية المدموغة بالمطبخ اللبناني أو العالمي، في استطاعتك تناولها في مطاعم عدة منتشرة في المنطقة كـ«لو روفوج» و«ليغلو» و«لنتردي» و«العرزال»، و«البلد» و«لايتس» و«جسر القمر» وغيرها من المطاعم الممتدة ما بين فاريا والبلدات القريبة منها.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».