{اليونيسكو} تطالب المحكمة الجنائية الدولية بوقف «التطهير الثقافي»

على خلفية تحطيم الآثار العراقية.. اتصالات دبلوماسية لتقديم مشروع قرار في مجلس الأمن

{اليونيسكو} تطالب المحكمة الجنائية الدولية بوقف «التطهير الثقافي»
TT

{اليونيسكو} تطالب المحكمة الجنائية الدولية بوقف «التطهير الثقافي»

{اليونيسكو} تطالب المحكمة الجنائية الدولية بوقف «التطهير الثقافي»

تسعى المديرة العامة للمنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) لتعبئة المجتمع الدولي ضد ما تسميه «التدمير الممنهج» للتراث التاريخي والثقافي والحضاري في العراق الذي «يستهدف هويات مختلف الطوائف التي تعيش في العراق». وتذهب إيرينا بوكوفا، ردا على ما قام به تنظيم داعش من تدمير للتماثيل التي ترجع إلى آلاف السنين وإحراق آلاف الكتب والمخطوطات الثمينة «في أقدم مكتبات ومتاحف الموصل عن تطهير ثقافي» يشبه التطهير «العرقي».
لكن بوكوفا لا تكتفي بالإدانة مهما اشتدت لهجتها، بل إنها تسعى إلى تعبئة الأسرة الدولية ضد «المجزرة» التراثية في العراق. ولذا، اقترحت عدة مبادرات وكتبت للكثير من المسؤولين الدوليين لاستنهاض حميتهم للحفاظ على ما تبقى من التراث المعرض للإبادة ومحاسبة المسؤولين عن تدميره.
أول من أمس، طلبت بوكوفا، في رسالة رسمية وجهتها إلى الرئيس الحالي لمجلس الأمن الدولي، عقد «جلسة طارئة» للمجلس للنظر في الخطوات التي يتعين على الأسرة الدولية القيام بها لحماية التراث العراقي باعتباره «مكونا أساسيا من مكونات أمن» العراق، كما أن التعرض للآثار «شأن أمني يغذي الطائفية والتطرف العنيف والنزاع» في هذا البلد؛ ولذا «يتعين أن يتوقف فورا». فضلا عن ذلك، ترى المديرة العامة لليونيسكو التي تقع حماية التراث الإنساني من ضمن مسؤوليات منظمتها (اليونيسكو)، أن ما قام به «داعش» في الأيام الأخيرة يعد «انتهاكا مباشرا للقرار 2199» الذي تبناه مجلس الأمن الدولي والذي ينص أيضا على تدابير قانونية ضد الاتجار غير المشروع بالقطع الثقافية والأثرية في العراق وسوريا.
بيد أن بوكوفا تريد أكثر من ذلك؛ ففي مؤتمر صحافي نظم على عجل ظهر أمس في باريس، طالبت المديرة العامة لليونيسكو المحكمة الجنائية الدولية، التي مقرها لاهاي، بالتحرك، معتبرة أن تطورا من هذا القبيل «شيء مهم؛ لأنه سيعبئ جزءا كبيرا من الأسرة الدولية». وأشارت بوكوفا إلى أنها بعثت برسالة بهذا المعنى إلى المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا. وفي رسالة إلى المندوب الدائم للعراق في المنظمة الدولية حصلت «الشرق الأوسط» على نصها، أفادت بوكوفا بأنها كتبت رسائل للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ولوزير خارجية الصين (الذي ترأس بلاده الدورة الحالية لمجلس الأمن) ولوزير الخارجية الفرنسي (باريس سترأس المجلس ابتداء من أول مارس/ آذار)، تطالبهم فيها بالإسراع بالدعوة لجلسة مستعجلة لمجلس الأمن.
وتربط بوكوفا بين تدمير الآثار والاتجار غير المشروع بها من أجل الحصول على الأموال وتغذية الإرهاب، وهي ترى في هذين الانتهاكين «وجهين لسياسة واحدة مخطط لها»؛ ولذا فإنها تشكل «تحديا أمنيا رئيسيا» و«استراتيجية قائمة على إرهاب المواطنين ونسف الاستقرار وضمان هيمنة (داعش)».
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية في باريس أن اتصالات عاجلة وعالية المستوى تجري حاليا مع الجانب الفرنسي من أجل أن تتقدم باريس بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي خاص بالإجراءات الضرورية لحماية التراث العراقي الذي هو جزء لا يتجزأ من تاريخ الإنسانية والحضارة. وتبدو باريس بالغة الاهتمام بما حصل في متحف الموصل والمواقع الأثرية الأخرى في العراق؛ إذ إن الرئيس الفرنسي حرص على إدانة ما قام به «داعش» باعتباره «همجية تصيب الأشخاص والتاريخ والذاكرة والثقافة». وأضاف هولاند، على هامش الزيارة التي يقوم بها إلى الفلبين، أن «هدف الإرهابيين هو تدمير كل ما يمت بصلة للإنسانية؛ إذ إن تدمير التراث يعني تدمير كل من يحمل رسالة ثقافية». أما رئيس الحكومة مانويل فالس فقد وصف ما حصل ويحصل في العراق بأنه «تدمير لجزء من الروح الإنسانية والعالمية»، فيما رأت وزيرة الثقافة فلور بيرلان أنه «مأساة إنسانية وكارثة لا توصف».
تنم بيانات التنديد التي صدرت عن باريس في اليومين الماضيين عن اهتمام كبير بما يحصل في العراق؛ فبالإضافة إلى الرسميين، أصدر من جانبه، مدير متحف اللوفر بيانا وصف فيه ما حصل مؤخرا بأنه «تدمير للذاكرة الإنسانية» في هذه المنطقة من العالم التي تعد «مهدا للحضارات وللكتابة والتاريخ».
كذلك صدرت بيانات إدانة عن معهد العالم العربي في باريس وعن المنظمة العالمية الفرنكفونية. لكن السؤال الأهم: ما الذي تستطيع الأسرة الدولية القيام به من أجل وقف هذه المجزرة الثقافية غير البيانات والتصريحات؟ الجواب قد يكون معروفا سلفا؛ إذ إنه مربوط بالوضع الميداني والعسكري في العراق وبتطورات الحرب ضد «داعش»، لكن هذه مسألة أخرى.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».