وفاة الناشر الذي تحدى الخميني في لندن

كان محررا لصحيفة «نيمروز» لسان الإيرانيين المنفيين التي تصدر في العاصمة البريطانية

وفاة الناشر الذي تحدى الخميني في لندن
TT

وفاة الناشر الذي تحدى الخميني في لندن

وفاة الناشر الذي تحدى الخميني في لندن

جمعت الوفاة المفاجئة للناشر والمحرر الإيراني البارز، برويز أصفهاني، أكثر من 300 من «مثقفي المنفى» الإيرانيين في حفل التأبين بمدينة لندن، حيث انطلقت خطابات التنديد بموجة القمع الراهنة في إيران.
لقي أصفهاني البالغ من العمر 69 عاما منيته عقب مضاعفات إثر إصابته بأزمة قلبية، وتم دفنه في مقبرة لندن الجمعة الماضية. وقد كان الناشر والمحرر لصحيفة «نيمروز»، وهي واحدة من اثنتين من الصحف الأسبوعية التي يقوم الإيرانيون المنفيون على إصدارها في لندن وتوزع في جميع أنحاء العالم. كان أول إصدار لصحيفة «نيمروز»، التي تعني «منتصف اليوم» باللغة الفارسية، في عام 1989 في رد على فتوى أصدرها آية الله روح الله الخميني بإعدام الكاتب البريطاني - الهندي الأصل سلمان رشدي. وقالت الصحيفة الأسبوعية في مقالتها الافتتاحية إن الخميني لا يمثل المفكرين والمثقفين الإيرانيين ولا يمثل الشعب الإيراني بأسره.
وقال أصفهاني: «إن الإيرانيين لا يصدرون فتاوى اغتيال بحق من لا يتفقون معهم. إنهم يردون على الرواية بأخرى، وعلى قصيدة الشعر بمثيلتها، وعلى المناظرة بالمناظرة. أما الخميني فلا يعد ممثلا عن القيم الإيرانية»، على نحو ما أكدت الصحيفة.
وأضاف: «إنه لا يمثل إلا طريقة تعبد غريبة تستند إلى عداوة قديمة ومتأصلة لكل ما هو إيراني».
جذبت صحيفة «نيمروز» عشرات الكتاب من كل أنحاء الطيف السياسي والآيديولوجي؛ من المسؤولين الكبار السابقين في نظام الشاه، وشيوعيين سابقين، والقوميين المتطرفين، والمؤيدين السابقين للخميني، كانوا جميعا يكتبون للصحيفة. كما وفرت الصحيفة كذلك المنصة للصحافيين الذين فروا من إيران بعد قضائهم بعض الوقت في سجون الخميني.
ولقد تعرض أصفهاني ذاته للسجن على أيدي الملالي لمدة تزيد على 4 سنوات، وكان في جزء منها يصدر صحيفة أسبوعية لزملائه المسجونين. وكان أصفهاني قد بدأ حياته المهنية في إيران ناشرا صحافيا لمجلة مخصصة بالكامل لألغاز الكلمات المتقاطعة.
دفعه شغفه بهوايته إلى تجميع قاموس للمصطلحات والكلمات المتقاطعة. وجاء تحوله إلى الصحافة السياسية نتيجة مباشرة لما وصفه بنفسه لاحقا حين قال: «مأساة إيران تحت حكم الملالي». وكان لدى صحيفة «نيمروز» أكثر من 100 ألف قارئ، في مرحلة من مراحل نشرها، موزعين على 50 دولة، وكانت تعتبر بمثابة منتدى يمكن التعبير من خلاله عن مختلف الآراء الإيرانية. وجدت الكثير من مقالات الصحيفة قاعدة واسعة للقراء داخل إيران ذاتها، وكانت توزع بطريق الساميزدات (الكتابة اليدوية المنقولة) تحديا للرقابة هناك. كما جذبت الصحيفة الأسبوعية المزيد من القراء حينما صار لها موقع على شبكة الإنترنت في عام 2006.
يقول من كانوا يعرفونه إن السيد أصفهاني كان رجلا شديد التعاطف، ودائم الهدوء، ويتمتع بأدب جم. ولقد تم تكريمه في فرنسا ونال جائزة العمل الإنساني في احتفالية خاصة بمجلس الشيوخ الفرنسي.
وفي حفل التأبين في لندن، تحدث سياوش أفيستا، وهو من مضيفي البرامج الحوارية في باريس، عن «عشق أصفهاني العميق لإيران وتعلقه بالقيم الإنسانية». وقال هادي خورساندي، أحد أشهر الشعراء الإيرانيين، معبرا عن أسفه من حقيقة أن الكثير من الإيرانيين الموهوبين اضطروا إلى مغادرة وطنهم، وكانت تلك أكبر «هجرة للعقول» في تاريخ البشرية، وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي. ولقد تحدث علي رضا نوريزاده، وهو شاعر إيراني شهير، ومضيف لأحد البرامج الحوارية ذات الشعبية، عن سنواته التي قضاها مساهما في صحيفة «نيمروز». كما ساهم مسعود بهنود الذي يعمل في قسم اللغة الفارسية بهيئة الإذاعة البريطانية، في الصحيفة لسنوات قبل هروبه من إيران، وهو يتحدث عن إعجابه باستعداد السيد أصفهاني للسماح لمختلف التوجهات والآراء بالكتابة بحرية في صحيفته الأسبوعية. وتذكر رضا قاسمي، رئيس المركز الإيراني في لندن، مساهمات أصفهاني في مساعدة الإيرانيين على الهروب من إرهاب الخميني.
يتحدث أمير طاهري عن «التاريخ الطويل للصحافة الإيرانية في المنفى، رجوعا إلى القرن التاسع عشر»، معربا عن تضامنه مع زملائه الصحافيين الذين يعانون تحت ظل الحكم القمعي الحالي في إيران.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.